أما أصل الوجوب في الجملة، فللأدلة الثلاثة:
فمن الكتاب قوله تعالى (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى وَ ذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى)۱ قال عليه السّلام- في تفسير الآية- «زكاة الفطرة إذا أخرجها قبل صلاة العيد»۲، و في تفسير عليّ بن إبراهيم وَ ذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى قال: قال عليه السّلام: صلاة الفطر و الأضحى»۳، و عن الصادق عليه السّلام أنّه سئل عن قول اللّه عز و جل قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى: «من أخرج الفطرة قال- و ذكر اسم ربّه فصلّى- يروح إلى الجبانة فيصلّي»4، و في جملة من تفاسير العامة في قوله تعالى فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَ انْحَرْ أنّ المراد بالصلاة صلاة العيد، و بالنحر نحر الهدي و الأضحية٥، و يشهد له ما يأتي من الموثقة الأخرى لسماعة.
و من السنة: قول الصادق عليه السّلام في الصحيح: «صلاة العيدين فريضة»٦. و أما قول أبي جعفر عليه السّلام: «صلاة العيدين مع الإمام سنة»۷ فالمراد بها أصل المشروعية في مقابل الوجوب.
و من الإجماع ما عن غير واحد من دعوى إجماع علمائنا عليه.
و أما اشتراط الوجوب بحضور الإمام أو المنصوب من قبله، فهو المشهور، بل عن جمع دعوى الإجماع عليه خلافا لما عن جمع من متأخري المتأخرين من القول بالوجوب في زمن الغيبة أيضا، و في الحدائق نسبه إلى كل من قال بوجوب الجمعة في زمن الغيبة عينا، و استدلوا بإطلاقات الأدلة. و فيه: أنّها لا تدل على أزيد من إفادة أصل الوجوب في الجملة. و أما الشرائط فلا بد و أن تستفاد من أدلة أخرى.
و استدل للمشهور بالأخبار المستفيضة الدالة على نفي صلاة العيدين إلا مع إمام عادل الظاهر في الإمام الأصلي لا مطلق من يؤتم به من الناس.
منها موثق سماعة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «لا صلاة في العيدين إلا مع الإمام، فإن صلّيت وحدك فلا بأس»۸ فإنّه إن كان المراد مطلق إمام الجماعة لزم التناقض بين صدر قوله عليه السّلام و ذيله، فإنّ محصولها يصير
إلا بالجماعة و تصح فرادى أيضا» و لا ريب في كونهما متناقضين إن كان مثل هذه الأخبار مسوقة لبيان شرطية الجماعة مطلقا مع مطلق الإمام.
نعم، إن كان المراد بالإمام الإمام المعصوم فلا تنافي بينهما حينئذ، إذ المعنى يصير هكذا إنّ الوجوب مشروط بالجماعة و تصح فرادى أيضا.
إن قلت: نقول بعين ذلك في الإمام غير المعصوم أيضا، فيكون الوجوب مشروطا بالجماعة و تصح فرادى أيضا.
قلت: لا ريب في بطلانه، لأنّه مستلزم لتعلق وجوب الجماعة على إرادتها، فتكون مع إرادتها واجبة، و مع إرادة الفرادى غير واجبة كما لا وجه لحمل النفي على نفي الكمال أي: لا صلاة كاملة إلا مع الإمام و تصح فرادى أيضا- كما «لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد»۹، لاستلزامه استحبابه جماعة حتى مع الإمام المعصوم عليه السّلام، و تصحان فرادى أيضا، مع أنّ
تعريف الإمام بالألف و لام العهد قرينة عرفية على الإشارة إلى إمام مخصوص و ليس إلا المعصوم عليه السّلام.
فخلاصة مفاد الأخبار: أنّ صلاة العيدين الواجبة من اللّه تعالى أولا هي التي يؤتى بها مع المنصوب من قبله تعالى، و مع عدم التمكن منه كما في أزمنة صدور الأخبار تكون مشروعة، بل مندوبة فرادى أيضا.
ثمَّ إنّ لسماعة موثقة أخرى عنه عليه السّلام أيضا قال: «قلت له: متى يذبح؟ قال: إذا انصرف الإمام قلت: فإذا كنت في أرض (قرية) ليس فيها إمام فأصلّي بهم جماعة فقال: إذا استقلت الشمس، و قال: لا بأس أن تصلّي وحدك «و لا صلاة إلا مع إمام»۱0 و هي أيضا دالة على المطلوب، بل صريحة فيه كما لا يخفى.
و قوله عليه السّلام: «إذا استقلت الشمس» يمكن أن يكون بيانا لوقت الذبح في أرض ليس فيها رجوع الإمام من الصلاة و لا ربط له بحكم أصل الصلاة، و يؤيده قول مولانا الباقر عليه السّلام في صحيح ابن مسلم: «قال الناس لأمير المؤمنين عليه السّلام: ألا تخلّف رجلا يصلّي في العيدين فقال عليه السّلام: لا أخالف السنة»۱۱ و قوله عليه السّلام أيضا لابن ذبيان: «يا عبد اللّه ما من يوم عيد للمسلمين أضحى و لا فطر إلا و هو يجدّد اللّه لآل محمد عليهم السّلام فيه حزنا قال: قلت: و لم؟ قال: إنّهم يرون حقهم في أيدي غيرهم»۱۲، و يشهد له أيضا دعاء الصحيفة الكاملة۱۳ و غيره.