المشهور بين الأصحاب و الذي استقر عليه المذهب بين المتأخرين وجوب دفع هذا القسم من الخمس إلى السادة، لإطلاقات الأدلة و عموماتها، و لكن في المسألة أقوال أخر:
منها: سقوطه في زمن الغيبة كما نسب إلى جمع- منهم الدّيلمي- لأنّ قسمته على ما هو الواقع من شؤون الإمام المعصوم و مع غيبته لا موضوع، فينتفي المشروط بانتفاء شرطه، مضافا إلى أصالة البراءة عن الوجوب بعد الشك في شمول الأدلة لحال الغيبة، مع أنّ أدلة التحليل عامة و شاملة له.
(و فيه): أنّه لا دليل على كون ولاية القسمة للإمام المعصوم (عليه السلام) بل المراد بالقسمة و الصرف بحسب ظاهر الشرع و هي ميسورة بالنسبة إلى الحاكم الشرعي بل المالك في زمن الغيبة، و أصالة البراءة محكومة بإطلاق الأدلة و عموماتها و أدلة التحليل قد مرّ الجواب عنها، فلا وجه لهذا القول أصلا.
و منها: وجوب دفنه إلى زمان حضوره (عليه السلام).
و منها: وجوب الوصية به.
و منها: غير ذلك مما لا دليل عليه من عقل أو نقل بل المال معرض للتلف و الخطر، و مخالف لقاعدة الاحتياط.
و إنّما البحث في أنّه هل يصح أن يدفعه المالك بنفسه إلى السادة بلا مراجعة الحاكم الشرعي أو يتوقف على مراجعته؟ قولان ذهب جمع إلى الأول، للأصل و الإطلاقات، و عموم ما دل على كون الخمس بدلا عن الزكاة، و أصالة عدم توقف الصدقات و المجانيات على الإذن مطلقا.
(و فيه): أنّ الأصل عدم الولاية على الإفراز و مقتضى الاشتغال عدم الفراغ و الإطلاقات ليست متكفلة للبيان من كل جهة، كما أنّ البدلية لا تعرض لها من هذه الجهة.
و عن جمع- بل نسبه المجلسي (رحمه اللّه) إلى الأصحاب- الثاني، و في المستند عن بعض الأجلة نسبة اشتراط إذن الفقيه في مصرف الخمس إلى الأصحاب، لقاعدة الاشتغال، و أصالة عدم جواز التصرف في حق الغير بالإفراز و نحوه، و جملة من الأخبار الظاهرة في أنّ تمام الخمس للإمام (عليه السلام) و يجب عليه تأمين معيشة السادة، لأنّهم عياله فإن زاد عنهم شيء فله (عليه السلام) و إن نقص وجب عليه الإتمام منها قولهم (عليهم السلام): «لنا الخمس»۱٦، و ما ورد من أنّ الإمام (عليه السلام) يقسّم الخمس بين مستحقيه فيستفاد منه أنّه له۱۷.
و الكل مخدوش: أما النسبة إلى الأصحاب أو الأشهر فلا وجه لها في هذه المسألة الخلافية. و كيف اطلع المجلسي (رحمه اللّه) و بعض الأجلة على الشهرة و لم يطلع عليها نقاد الفقهاء ممن تقدمهم، و يمكن أن يكون مراد صاحب المستند من بعض الأجلة هو المجلسي أيضا. و أما أصالة عدم جواز الإفراز و قاعدة الاشتغال فهي محكومة بإطلاق الآية و الروايات، و أيّ فرق بين المقام و الزكاة حتى يتمسك بالإطلاق هناك دون المقام مع كثرة رأفتهم (عليهم السلام) بالشيعة خصوصا السادة، و قولهم (عليهم السلام): (من لم يستطع على أن يصلنا فليصل فقراء شيعتنا»۱۸ و نحو ذلك من الأخبار، مع كثرة تسهيلات الشارع بالنسبة إلى الملاك و التيسير عليهم في الخيرات و الصدقات.
و أما مثل قولهم (عليهم السلام): «لنا الخمس»- على ما تقدم- ففيه أولا:
أنّ هذا الإطلاق باعتبار أنّ نصفه لهم و هو يكفي في صحة الإطلاق.
و ثانيا: أنّ الإطلاق لأجل أنّ أهل البيت هم الأصل في تشريع الخمس.
و ثالثا: أنّه معارض بظاهر الآية و المستفيضة الدالة على أنّ نصف الخمس للمستحقين من بني عبد المطلب من اليتامى و المساكين و ابن السبيل و غيرهم- كما تقدم.
و أما ما يدل على أنّه (عليه السلام) يقسّم الخمس- كما سبق- فهو من ولايته (عليه السلام) على التقسيم في زمان الحضور و هو أعمّ من كونه له (عليه السلام).
و من ذلك كله ظهر وجه الاحتياط و أنّه للطرفين، فالأحوط للمالك مراجعة الحاكم الشرعيّ، كما أنّ الأحوط له مراعاة رضاه إن لم ينطبق عنوان آخر على الأخذ منه.