الزنا من الكبائر نصا1، و إجماعا، بل ضرورة من الدين، و البحث فيه.
تارة: في بيان موضوعه.
و اخرى: في طريق إثباته.
و ثالثة: في أقسام الحدّ.
و رابعة: في كيفية إيقاعه.
و خامسة: في اللواحق.
الزنا من الكبائر نصا1، و إجماعا، بل ضرورة من الدين، و البحث فيه.
تارة: في بيان موضوعه.
و اخرى: في طريق إثباته.
و ثالثة: في أقسام الحدّ.
و رابعة: في كيفية إيقاعه.
و خامسة: في اللواحق.
الزنا من المفاهيم المبينة العرفية عند جميع المذاهب و الأديان، بل عند من ينكرها أيضا- لأن لكل قوم نكاحا صحيحا و نكاحا غير صحيح و وطؤ الشبهة ملحق بالصحيح كما يأتي، و تقدم في كتاب النكاح أيضا- و لكن يعتقد بوطي يترتب عليه الأثر، و وطئ يؤتى به لمجرد قضاء الشهوة فقط، و ليس من الموضوعات الشرعية و لا المتشرعة.
و خرج بقيد الأصلي ذكر الخنثى، الذي لم يعلم أنه ذكر أو شيء زائد في الجسم، كما خرج بقيد الحرمة كل من جاز وطؤها شرعا لتحقق العقد الشرعي- دواما أو انقطاعا- و وطؤ الشبهة موضوعا أو حكما.
و أقسام الوطي بالشبهة أربعة.
الأول: اعتقاد الحلية.
الثاني: الظن المعتبر بها.
الثالث: الظن غير المعتبر بها.
الرابع: مجرد الاحتمال من أي منشئ حصل، و كل منها إما في الحكم أو في الموضوع أو فيهما معا، كما مر التفصيل في كتاب النكاح. و مورد ملك الواطئ لوطي الموطوءة ذاتا أو منفعة، كالمملوكة و المحللة.
و خرج بقيد الحرمة الذاتية ما هو حلال ذاتا و محرم عارضا، كالوطي في حال الحيض و الإحرام و الاعتكاف و الصوم. و تقدم تفصيل ذلك كله في محالها المناسبة لها، فجميع ذلك ليس من الزنا، و لا يترتب عليه أحكامه.
إجماعا، و نصوصا، منها صحيح محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام:
«متى يجب الغسل على الرجل و المرأة؟ فقال: إذا أدخله فقد وجب الغسل، و المهر، و الرجم»2، و هو يشمل الرجل و المرأة، كما أن ما اشتمل على لفظ الفرج3، أيضا كذلك بقرينة غيره.
و الدخول و الإدخال من الموضوعات المبينة العرفية ذات مراتب مشككة، و يكفي صرف وجوده العرفي و هو إدخال الحشفة، و الشارع الأقدس قرر ذلك أيضا.
و ما توهم من كلمات بعض القدماء الاختصاص بالقبل محمول أو مطروح. و أما عدم اعتبار الإنزال، فلإطلاق الأدلة الشامل لمطلق الدخول و لو لم ينزل.
لأن الظاهر أن التحديد بقدر الحشفة إنما هو لأجل الصدق العرفي لذلك و عدم التشكيك في ذلك، لا لموضوعية خاصة في الحشفة بحيث لو لم تكن لا يترتب الأثر أصلا. نعم الأحوط في غير الحد ترتب الأثر في مقطوعها، و لو لم يكن الدخول بقدر تمامها من جهة الصدق عرفا، و لاحتمال ترتب الأثر على مجرد الصدق العرفي في المقطوع، و أما في الحد فلأجل أنه يدرأ بالشبهة، و عدم دخول مقدارها أصلا شبهة دارئة للحد، كما تقدم.
للأصل، و الإجماع، بل الضرورة الفقهية، و ما دل على درء الحد بالشبهة كما مر، و حديث رفع القلم4، و نصوص خاصة منها قول أبي جعفر عليه السلام في الصحيح: «الجارية إذا بلغت تسع سنين ذهب عنها اليتم و زوجت و أقيمت عليها الحدود التامة لها و عليها، قلت: الغلام إذا زوّجه أبوه و دخل بأهله و هو غير مدرك، أ تقام عليه الحدود على تلك الحال؟ قال عليه السلام: أما الحدود الكاملة التي يؤخذ بها الرجال فلا، و لكن يجلد في الحدود كلها على مبلغ سنّه، فيؤخذ بذلك ما بينه و بين خمس عشر سنة، و لا تبطل حدود اللّه في خلقه و لا تبطل حقوق المسلمين بينهم»5.
لما مر في سابقة من الأصل، و الإجماع من غير فرق، و في صحيح محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام: «في امرأة مجنونة زنت، قال عليه السلام: «إنها لا تملك أمرها، ليس عليها شيء»6، فعموم التعليل الوارد فيه يشمل المجنون أيضا.
و ما في خبر ابان بن تغلب، قال: «أبو عبد اللّه عليه السلام: إذا زنى المجنون أو المعتوه جلد الجلد، و إن كان محصنا رجم»7، ففيه مضافا إلى مخالفته للإجماع، لا يصلح لمعارضته بما هو مؤيد بالقواعد العقلية، و عموم ما دلّ على رفع القلم حتى يفيق8، مع أنه يمكن حمله على الجنون الأدواري إذا فعل ما يوجب الحد في دور إفاقته.
لأن تحمل الحد نحو تكليف، و بمنزلة التوبة الفعلية، و كل تكليف مشروط به، مضافا إلى الأصل، و الإجماع، و نصوص خاصة مثل قول الصادق عليه السلام في الصحيح: «لو أن رجلا دخل في الإسلام و أقر به، ثمَّ شرب الخمر و زنى و أكل الربا، و لم يتبين له شيء من الحلال و الحرام، لم أقم عليه الحد إذا كان جاهلا، إلّا أن تقوم عليه البينة أنه قرأ السورة التي فيها الزنا و الخمر و أكل الربا، و إذا جهل ذلك أعلمته و أخبرته، فإن ركبه بعد ذلك جلدته و أقمت عليه الحد»9، مع أنه موافق للقاعدة، لأن تحمل الحد كإقامته تكليف، و كل تكليف مشروط بالعلم.
و توهم: أن اشتراط التكليف بالعلم دور باطل.
لا وجه له: لأن الدور في مقام الثبوت، لا في مقام الإثبات و الكشف، فلا وجه لتوهمه.
لأنهما من الشبهة، و الحد يدرأ بها، مضافا إلى الإجماع، و حديث الرفع10.
للأصل، و الإجماع، و نصوص خاصة منها ما عن أبي جعفر عليه السلام في الصحيح: «قال أمير المؤمنين عليه السلام في امرأة أقرت على نفسها أنه استكرهها رجل على نفسها: هي مثل السائبة لا تملك نفسها فلو شاء لقتلها، فليس عليها جلد و لا نفي و لا رجم»11، و عنه عليه السلام أيضا: «أن عليها أتي بامرأة مع رجل فجر بها، فقالت:
استكرهني و اللّه يا أمير المؤمنين، فدرأ عنها الحد»12.
لأن هذه شبهة، فيشمله ما مر من درء الحدود بالشبهات، مضافا إلى الإجماع، و إطلاق ما مرّ عن علي عليه السلام.
لوجود المقتضي و فقد المانع، فتشمله العمومات، و الإطلاقات، مضافا إلى قول أبي جعفر عليه السلام في الصحيح: «في رجل وجب عليه حدّ فلم يضرب حتى خولط، فقال: إذا أوجب على نفسه الحد و هو صحيح لا علة به من ذهاب عقله أقيم عليه الحد كائنا ما كان»13.
لظهور أدلة الوطي بالشبهة- كما تقدم في كتاب النكاح14– في غير ذلك، مع دعواهم الإجماع على أن الجاهل الملتفت إلى السؤال كالعامد، إلّا ما خرج بالدليل.
لصدق الموضوع عرفا، فيترتب عليه الأثر قهرا.
ثمَّ إن العقد على من هو محرم مع العلم بالحرمة لا يوجب الحلية، و لا يكون من وطئ الشبهة للأصل، و الإطلاق، و الاتفاق، بل ضرورة الفقه، و إنما تعرض له الفقهاء في المقام لردّ بعض فقهاء العامة، الذي له نظائر كثيرة من مثل هذه الفتوى.
لأن المنساق من الأدلة إنما هو تحقق الاشتباه بالنسبة إلى المرتكب، و قد تحقق.
لعدم تحقق موضوع الحد، لأن موضوعه تعمّد المرتكب لموجبه عن علم بالحرمة، و لم يتحقق ذلك كما هو واضح، و اعتقاد الحاكم الشرعي بالحرمة لا أثر له، بعد كون المدار على علم المرتكب بالحرمة.
لتحقق موضوع الحد في المحدود اجتهادا أو تقليدا، فتشمله عمومات الحد، و إطلاقاته، و لا وجه لتقديم اجتهاد الحاكم عليه، لأنه من الترجيح بلا مرجح، إلّا إذا ثبت بطلان اجتهاد المرتكب أو تقليده بالدليل القطعي.
نعم لو حصلت الشبهة للحاكم الشرعي في إجراء الحدّ في مثل ذلك، يعمل برأيه.
أما عدم الحدّ بالنسبة إلى المتوهم، فللأصل، و إطلاق دليل درء الحد بالشبهة كما تقدم، مضافا إلى الاتفاق، و أما الحد بالنسبة إلى العامد الملتفت، فلوجود المقتضي و فقد المانع، فتشمله الأدلة بلا محذور.
أما كون الحد على المشتبهة، فلوجود المقتضي و فقد المانع. و أما عدم الحد على من وطأها فلفرض تحقق الشبهة.
و نسب إلى علي عليه السلام: «اضرب الرجل حدا في السر، و اضرب المرأة حدا في العلانية»15، و هو قاصر سندا، مهجور لدى الأصحاب، مخالف للقواعد، فلا يصلح للاعتماد عليه.
لما مرّ من حديث الرفع، و الأصل، و الإجماع، مضافا إلى قول أبي جعفر في الصحيح: «إن عليا عليه السلام أتى بامرأة مع رجل فجر بها، فقالت: استكرهني و اللّه يا أمير المؤمنين، فدرأ عنها الحد و لو سئل هؤلاء عن ذلك لقالوا: لا تصدّق، و قد و اللّه فعله أمير المؤمنين عليه السلام»16.
لعدم ورود تحديد معين فيها، بل تكون موكولة إلى من يدعيها:
بحيث يمكن عرفا قبولها منه، و لا يمتنع ذلك عادة بأن علم كذبه فيها.
مادة (ح- ص- ن) بمعنى المنع، و قد اصطلح على هذا القسم من الزنا به، لأنه مع وجود مورد إعمال الشهوة الجنسية للطرفين بنحو الحلال، يكون ذلك مانعا لهما عن إعمال الحرام، فيشتد الحدّ و العقوبة لا محالة، و لذا عبّر عن حده بحد اللّه الأكبر17، أو الرجم.
ليعلم أولا أن مقتضى الأصل عدم ثبوت موجب الإحصان، إلّا ما دلّ عليه دليل مخصوص، مع أنه مقتضى أصالة الاحترام و الاحتياط في النفوس و الدماء، التي هي من أهم الأصول النظامية العقلائية، ففي كل مورد شك تحقق موجب الإحصان يكون مقتضى الأصل و الاحتياط عدمه، ما لم يثبت ذلك بدليل معتبر.
أما اعتبار الوطي بأهله فللأصل، و الاحتياط، و الإجماع، و النصوص منها ما عن أبي جعفر عليه السلام في صحيح ابن جابر قال: «قلت ما المحصن رحمك اللّه؟
قال عليه السلام: «من كان له فرج يغدو عليه و يروح فهو محصن»18، و منها صحيحة رفاعة قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الرجل يزني قبل أن يدخل بأهله، أ يرجم؟
قال عليه السلام: لا»19. و أما اعتبار كون الوطي في القبل فهو المنساق من الأدلة، و تصريح الأجلة، و موافق للأصل و الاحتياط.
احتياطا في الدماء، و ظهور الإجماع.
و ما يقال: من أنه يصدق عليه أن «له فرج يغدو عليه و يروح» كما مر.
مخدوش: بعد الانصراف إلى القبل.
كل ذلك لأصالة عدم تحقق موجب الرجم، و أصالة الاحتياط في الدماء بالنسبة إلى كل واحد من الطرفين.
لما تقدم من الأصلين في سابقة.
لإطلاق الأدلة من غير تقييد، خصوصا إطلاق قول الصادق عليه السلام في الصحيح: «إذا أدخله وجب الغسل، و المهر، و الرجم»20، و قوله عليه السلام: «إذا التقى الختانان فقد وجب الجلد»21، إلى غير ذلك من الروايات، فالمناط كله صدق الدخول.
لإطلاق الأدلة الواردة مورد البيان.
للإجماع، و حديث رفع القلم22، مضافا إلى الأصل، و الاحتياط في الدماء.
لإطلاق الدليل الشامل للمراهق أيضا.
لاشتراك معنى الإحصان فيهما إجماعا، و نصا، ففي صحيح أبي عبيدة عن الصادق عليه السلام: «سأله عن امرأة تزوجت برجل و لها زوج؟ فقال: إن كان زوجها مقيما معها في المصر الذي هي فيه تصل إليه و يصل إليها، فإن عليها ما على الزاني المحصن الرجم، و إن كان زوجها الأول غائبا أو مقيما معها في المصر الذي هي فيه لا يصل إليها و لا تصل إليه، فإن عليها ما على الزانية غير المحصنة»23، و في جملة من الأخبار: المحصن و المحصنة يرجم24، فيشترط فيها جميع ما يشترط فيه.
لأصالة عدم ثبوت موجب الإحصان، و أصالة الاحترام في دم كل إنسان، إلّا ما ثبت إباحته بالدليل و البرهان.
لفقد شرط تحقق الإحصان، فلا يترتب عليه حكمه.
لصحيح حماد بن عيسى عن الصادق عن آبائه عن علي عليه السلام: «لا حدّ على مجنون حتى يفيق، و لا على صبي حتى يدرك، و لا على النائم حتى يستيقظ»25، مضافا إلى عمومات رفع القلم عنه26، و دعوى الإجماع.
و أما خبر ابن تغلب، قال أبو عبد اللّه عليه السلام: «إذا زنى المجنون أو المعتوه جلد الحدّ و إن كان محصنا رجم»27، فلا بد من حمله على ما تقدم، أو على التعزير- كما قد يطلق أحدهما على الآخر على ما سيأتي في النصوص- لكونه مخالفا للمشهور، و معارضا بما هو أقوى منه.
لقاعدة: «ان انتفاء الشرط يقتضي انتفاء المشروط».
للأصل، و الاحتياط، و الإجماع، و النصوص منها قول الصادق عليه السلام في صحيح أبي بصير: «لا يحصن الحر المملوكة و لا المملوك الحرة»28.
و أما صحيح الحلبي: «سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الرجل الحر أ يحصن المملوكة؟ فقال: لا يحصن الحر المملوكة، و لا يحصن المملوك الحرة، و اليهودي يحصن النصرانية، و النصراني يحصن اليهودية»29، فلا بد من قراءته بنحو يوافق صحيح أبي بصير، و لا يقع التعارض بينهما، أي برفع الحرة و نصب المملوك فيكون مثل صحيح أبي بصير.
و في صحيح محمد بن قيس عن أبي جعفر عليه السلام قال: «قضى أمير المؤمنين عليه السلام في مكاتبة زنت- إلى أن قال- و أبى أن يرجمها، و أن ينفيها قبل أن يبين عتقها»30، و عن الصادق عليه السلام في الصحيح: «في العبد يتزوج الحرة ثمَّ يعتق فيصيب فاحشة، قال عليه السلام: لا رجم عليه حتى يواقع الحرة بعد ما يعتق»31، إلى غير ذلك من الأخبار.
إجماعا، و نصوصا منها قول أبي إبراهيم عليه السلام في الموثق: «إنما هي على الشيء الدائم عنده»32، و عن موسى بن جعفر عليهما السلام: «الحر تحته المملوكة هل عليه الرجم إذا زنى؟ قال عليه السلام: نعم»33، و نحوهما غيرهما من الروايات.
للأصل، و الاحتياط، و الإجماع في الجميع، مضافا إلى النصوص في المتعة منها قول الصادق عليه السلام: «في رجل يتزوج المتعة، أ تحصنه؟ قال: لا إنما ذاك على الشيء الدائم عنده»34، و قريب منه موثق ابن عمار، فلو كانت عنده متعة يتمتع بها لا يتحقق الإحصان.
للأصل، و الاحتياط، و الإجماع، و النص، كصحيح ابن جابر عن أبي جعفر عليه السلام: «قلت له: ما المحصن رحمك اللّه؟ قال: من كان له فرج يغدو عليه و يروح فهو محصن»35، و في موثق أبي بصير: «لا يكون محصنا حتى يكون عنده امرأة يغلق عليها بابه»36، و قريب منهما غيرهما.
كل ذلك للأصل، و الاحتياط، و إطلاق ما تقدم من قوله عليه السلام: «يغدو عليه و يروح»، و في صحيح حريز قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن المحصن؟
فقال: الذي يزني و عنده ما يغنيه»37، و عن أبي جعفر عليه السلام في صحيح أبي عبيدة قال: «قضى أمير المؤمنين عليه السلام في الرجل الذي له امرأة بالبصرة ففجر بالكوفة،
أن يدرأ عنه الرجم و يضرب حد الزاني، قال: و قضى في رجل محبوس في السجن و له امرأة حرة في بيته في المصر، و هو لا يصل إليها فزنى في السجن، قال: عليه الحد و يدرأ عنه الرجم»38، و عن الصادق عليه السلام في صحيح محمد بن مسلم: «المغيب و المغيبة ليس عليهما رجم، إلّا أن يكون الرجل مع المرأة و المرأة مع الرجل»39، و كذا لو لم يقدر على وطئها لعلة، و إن قدر على وطئ غيرها فالمناط كله التسلط على الجماع من كل جهة مع الزوجة الدائمة أو المملوكة أو هما معا، و من ذلك يظهر عدم تحقق الإحصان بالتحليل.
لما تقدم من قوله عليه السلام في الصحيح: «من كان له فرج يغدو عليه و يروح فهو محصن»، و هو عبارة أخرى عما قلنا من القدرة الفعلية.
و أما تحديد عدم الإحصان بالسفر الشرعي كما في رواية عمر بن يزيد:
«ففي أي حد سفره لا يكون محصنا؟ قال عليه السلام: إذا قصّر و أفطر فليس بمحصن»40، و عنه عليه السلام أيضا: «الحد في السفر الذي إن زنى لم يرجم، إن كان محصنا، قال عليه السلام: إذا قصّر و أفطر»41، فلا وجه له لقصورهما عن الاعتماد عليهما.
للإطلاق، و الاتفاق، و الأصل، و الاحتياط، و نصوصا منها ما عن الصادق عليه السلام في الصحيح: «سأله عن امرأة تزوجت برجل و لها زوج؟ فقال: إن كان زوجها مقيما معها في المقصر الذي هي فيه تصل إليه و يصل إليها، فإن عليها ما على الزاني المحصن الرجم، و إن كان زوجها الأول غائبا أو مقيما معها في المصر الذي هي فيه لا يصل إليها و لا تصل إليه، فإن عليها ما على الزانية غير المحصنة»42.
لما تقدم من الأصل، و الأدلة.
للاتفاق، و الإطلاق، و النص الخاص، قال الصادق عليه السلام في الصحيح:
«و النصراني يحصن اليهودية، و اليهودي يحصن النصرانية»43.
لوجود المقتضي للرجم حينئذ و فقد المانع عنه، فيشمله الحكم لا محالة.
لقوله صلّى اللّه عليه و آله: «لكل قوم نكاح»44، فيكفي ذلك في الرجم.
لأن المطلّقة الرجعية بحكم الزوجة، كما تقدم في الطلاق.
لتحقق الموضوع شرعا، فيشمله الحكم قهرا.
إجماعا، و نصا، ففي صحيح الكناسي: «سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن امرأة تزوجت في عدتها؟ قال: إن كانت تزوجت في عدة طلاق لزوجها عليها الرجم، و ان كانت تزوجت في عدة ليس لزوجها عليها الرجعة، فإن عليها حد الزاني غير المحصن»45، و به يقيد إطلاق ما ورد في بعض الروايات46، بالطلاق الرجعي.
لتحقق الزنا منه شرعا فيثبت الحكم قهرا، و الحكم هو الحدّ مع عدم تحقق شرط الإحصان، و الرجم مع تحققه.
أما الأول: فلأن الجهل شبهة، و يدرأ الحد بالشبهة، كما تقدم.
و أما الثاني: فلوجود المقتضي للحد و فقد المانع، فيشمله الحكم قهرا.
لأن ذلك شبهة و يدرأ الحد بالشبهة- كما مر- مضافا إلى الإجماع.
لحصول البينونة بالطلاق و انقطاع العصمة بينهما.
لأنها حينئذ زوجة جديدة، بعد انقطاع العصمة و حصول البينونة بالطلاق البائن.
ثمَّ إن ما ورد في موثق عمار عن الصادق عليه السلام: «عن رجل كانت له امرأة فطلّقها أو ماتت فزنى، قال: عليه الرجم، و عن امرأة كان لها زوج فطلّقها أو مات ثمَّ زنت عليها الرجم؟ قال: نعم»47، و مثله رواية علي بن جعفر48، لا بد و أن يحمل على الطلاق الرجعي، لما تقدم من خبر الكناسي. و الزنا بعد موت الزوج و الزوجة لا يوجب سوى الحد- دون الرجم- إجماعا.
لبينونة زوجته منه بمجرد الارتداد إجماعا، و نصا، فلا زوجة له حتى يتحقق الإحصان، ففي صحيح محمد بن مسلم قال: «سألت أبا جعفر عن المرتد؟ فقال: من رغب عن الإسلام و كفر بما أنزل على محمد صلّى اللّه عليه و آله بعد إسلامه فلا توبة له، و قد وجب قتله و بانت منه امرأته»49، و غيره من الروايات.
لتوقف تحقق البينونة على انقضاء العدة، و في رواية أبي بكر الحضرمي عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «إذا ارتد الرجل المسلم عن الإسلام بانت منه امرأته، كما تبين المطلّقة، فإن قتل أو مات قبل انقضاء العدة فهي ترثه في العدة، و لا يرثها إن ماتت و هو مرتد عن الإسلام»50، و قريب منها غيرها.
للاتفاق، و الإطلاق الشامل له أيضا.
لإطلاق الأدلة الدالة على درء الحد بالشبهة، الشامل للأعمى و البصير كما هو واضح على الخبير.
للأصل، و الاحتياط، و الشهرة، بل دعوى الإجماع، و صحيح حريز عن الصادق عليه السلام: «أن عليا عليه السلام حدّ رجلا و امرأة في لحاف واحد، فجلد كلا منهما مائة سوط إلّا سوطا»51، و مثله غيره، فيستفاد منه أن الحكم هو التعزير،
و نظره الأقدس تعلّق في خصوص المورد مائة سوط إلّا سوطا، لجهة خارجية رآه عليه السلام بالعيان، و أدركه بالوجدان، بقرينة الإجماع على عدم تعين هذا المقدار، بل هو موكول إلى نظر الحاكم.
و بإزاء هذا الصحيح أخبار أخرى يظهر منها الحدّ فيه كقول الصادق عليه السلام:
«إذا وجد الرجل و المرأة في لحاف واحد جلدا مائة»52، و غيره من الروايات، و لكن أسقطها عن الاعتبار إعراض المشهور عنها، و موافقتها للعامة، بقرينة موثق عبد الرحمن بن الحجاج53، قال: «كنت عند أبي عبد اللّه عليه السلام فدخل عليه عباد البصري و معه أناس من أصحابه، فقال له: حدثني عن الرجلين إذا أخذ في لحاف واحد، فقال له: كان علي عليه السلام إذا أخذ الرجلين في لحاف واحد ضربهما الحدّ، فقال له عباد: إنك قلت لي: غير سوط، فأعاد عليه ذكر الحديث حتى أعاد ذلك مرارا، فقال: غير سوط، فكتب القوم الحضور عند ذلك، ذلك الحديث».
أما عدم التحديد فللأصل، و الإطلاق، و ظهور الاتفاق، و أما الإيكال إلى نظر الحاكم الشرعي، فلأن ذلك من الحسبة و لا ريب في ولايته عليها.