للضرورة الفقهية إن لم تكن مذهبية أو دينية.
(مسألة ۱): يعتبر في شهادة البينة مطلقا تواردهما على شيء واحد (۱)، فمع الاتفاق عليه تعتبر و مع عدمه لا أثر لها (۲)، و المناط اتحاد المعنى دون اللفظ (۳)، فلو شهد أحدهما أنه غصب و الآخر بأنه أخذ منه قهرا، أو شهد أحدهما أنه باعه منه أو اشترى منه و الآخر بأنه أخذ منه بعوض تقبل (٤)، بخلاف صورة الاختلاف في المعنى بأن شهد أحدهما بالبيع و الآخر بأنه أقر بالبيع، أو شهد أحدهما بأنه غصبه من زيد و الآخر بأنه ملك من زيد لم تقبل (٥).
أما الأول: فللإطلاق، و الاتفاق.
و أما الثاني: فلأصالة عدم ترتب الأثر، مضافا إلى الإجماع.
لأن اللفظ طريق محض إلى المعنى، و لا اعتبار بمجرد اللفظ في محاورات العقلاء بعد تمامية الظهور في المعنى. و الاقسام أربعة:
الأول: الاتفاق لفظا و معنى.
الثاني: الاتفاق معنى في عرف المحاورات، و الاختلاف لفظا.
الثالث: الاختلاف فيهما معا.
الرابع: الاتفاق لفظا و الاختلاف معنى، و ما هو المعتبر في المحاورات إنما هو الأولان فقط دون الأخيرين.
لاتحاد المعنى، و إن اختلف اللفظ.
لعدم اتحاد المعنى في الشهادة عليه، لاختلاف البيع و الإقرار به عرفا و لغة و شرعا، و لأن الغصب منه أعم من كونه ملكا كذلك، و يصح للحاكم الشرعي تصحيح شهادتيهما و القبول مع اجتماع الشرائط و فقد الموانع، و يختلف ذلك باختلاف الخصوصيات و الجهات الشخصية في الواقعة.
(مسألة ۲): تسقط الشهادتان مع تحقق التكاذب بينهما عرفا (٦).
للعلم بعدم صحة اعتبارهما معا، و اعتبار أحدهما دون الآخر ترجيح بلا مرجح، فلا بد من التساقط حينئذ، و التساقط في المقام يتصور على وجهين:
الأول: سقوط مطلق الحجية من كل جهة فعلا و اقتضاء، فيصير الموضوع كأن لم تكن بينة و لا شاهد واحد في البين أصلا.
الثاني: سقوط البينة من حيث كونها بينة فعلا، و بقاء الشاهد الواحد على اقتضاء الحجية.
و الثاني معلوم، و إثبات الأول يحتاج إلى دليل، و هو مفقود، و على هذا فيمكن إثبات الحكم لدى الحاكم بشاهد واحد و يمين، إلّا أن يقال: بانصراف ما دلّ على اعتبار الشاهد الواحد و اليمين عن مثل المقام، و هو أول الكلام، و أولى بذلك ما إذا لم يتحقق تكاذب في البين، كما لا يخفى.
(مسألة ۳): إذا شهد أحدهما بأنه سرق نصابا غدوة و الآخر بأنه سرقه عشية لا يحكم بالقطع و لا برد المال (۷).
لعدم تمامية الحجية الشرعية. نعم لو ضم إلى أحدهما يمين المدعي يثبت الغرم، دون القطع، لما مر من اختصاص الشاهد و اليمين بحقوق الناس دون حقوق اللّه تعالى.
(مسألة ٤): إذا اتفق الشاهدان على فعل مخصوص و اختلفا في بعض خصوصياته كزمانه أو مكانه أو صفة من صفاته بحيث يوجب اختلاف الفعلين عرفا، لا أثر لشهادتهما (۸)، فلا يقطع و لا يثبت الغرم (۹). نعم إذا حلف المدعي مع كل واحد منهما يثبت الغرم بالنسبة إليهما و لا يثبت القطع (۱۰).
لتحقق المعارضة، فتسقط بها لا محالة عقلا و عرفا و شرعا، فيصير الموضوع من هذه الجهة كما لم تقم حجة عليه حينئذ، بلا فرق فيه بين حق اللّه تعالى و حق الناس، لفرض عدم تمامية الحجية بالمعارضة، كما إذا قال أحدهما:
سرق هذا المتاع الخاص غدوة، و قال الآخر: سرقه عشية، أو قال أحدهما: سرق ثوبا أبيض، و قال الآخر: سرق ثوبا أسود، و نظائر ذلك من الاختلاف في الخصوصيات.
لعدم ثبوت الحجية لكل واحد منهما، مع أن الحد يدرأ بالشبهة، كما مر مكررا.
أما ثبوت الغرم لكل واحد منهما مع حلف المدعي، فلما مر من ثبوت حقوق الناس بشاهد واحد و يمين المدعي. و أما عدم ثبوت القطع، فلما مر من عدم ثبوت حقوق اللّه تعالى إلّا بالبينة.
(مسألة ٥): لو صدق تعارض أصل الشهادتين أو البينتين تسقطان بالمعارضة، فلا تثبت بذلك القطع، و لا الغرم في السرقة مثلا (۱۱).
أما سقوط الحجية الفعلية بالمعارضة، فلأنه الأصل في تعارض الحجج مطلقا، على ما أثبتناه في الأصول، و أما عدم القطع و الغرم، فلعدم الحجة عليهما مطلقا في البين، فيكون كل منهما من الحكم بلا دليل.
و خلاصة المقال: أنه تارة: تصدق المعارضة عرفا، و أخرى: يشك في صدقها و عدم الصدق، و ثالثة: يصدق عدمها عرفا. و في الأولين لا أثر للحكم مطلقا بخلاف الأخير، إن لم تصدق العمومات و الإطلاقات في الثاني، و إلا فيحكم بمفادها.
(مسألة ٦): إذا تمت الشهادة عند الحاكم الشرعي و ماتا أو جنّا أو أغمي عليهما قبل الحكم حكم بهما الحاكم، و كذا لو فسقا أو كفرا بعد الحكم نفذ الحكم (۱۲).
كل ذلك للإطلاق، و الاتفاق، و الاستصحاب.
(مسألة ۷): لو اختل إحدى الشروط بعد التحمل و قبل الأداء فلا وجه للاعتماد عليها (۱۳).
للأصل بعد عدم دليل على الاعتماد حينئذ، كما مر في أول الكتاب.
(مسألة ۸): لو شهد جماعة و فيهم من هو جامع للشرائط يصح الاجتزاء بشهادتهم و إن لم يعرفهم الحاكم الشرعي بأشخاصهم بعد علمه بأن فيهم عدول و جامع للشرائط (۱٤).
لظاهر الإطلاق، و الاتفاق الشامل لهما.
(مسألة ۹): لا فرق فيما تقدم بين حقوق اللّه تعالى محضا- كالزنا و اللواط- و حقوق الآدمي في غير الفسق و الكفر (۱٥)، و أما فيهما فلا يثبت الحد فيهما (۱٦)، و يلحق بها الحقوق المشتركة بينهما كالقذف و السرقة (۱۷).
لإرجاعهم عليهم السلام عند التعارض إلى الأفقه۲۰، و عدم كون الإطلاقات و العمومات واردة في مقام بيان هذه الجهة، حتى يصح التمسك بها، و الشك فيه يكفي في سقوط التمسك بها، لو لم نقل بأن المراد بقولهم عليهم السلام: «الأفقه» أكثر فقها كما كان هو المراد في تلك الأعصار، لا أكثر تعمقا في الفقه كما هو مصطلح فقهائنا الأخيار، و تقدم في الاجتهاد و التقليد بعض القول. فراجع.
لظهور الإجماع، و بنائها على التخفيف، و درئها بالشبهة.
لجريان البناء على التخفيف، و الدرء بالشبهة فيها أيضا.
(مسألة ۱۰): إذا شهدا لمن يرثانه فمات قبل الحكم فانتقل المشهود به إليهما لم يحكم بشهادتهما (۱۸).
نسب ذلك إلى المشهور، و استدل عليه بالإجماع، و بأنه يقتضي الحكم لهما بشهادتهما، و يمكن الإشكال في الثاني باختلاف الجهة و الحيثية.
و في الأول بإسناده إلى هذا الدليل، فلا يصح عليه التعويل، و أشكل منه عدم الحكم لشركائهما بهذه الشهادة.
(مسألة ۱۱): لو رجع الشاهدان- أو أحدهما- عن الشهادة بعد الإقامة و قبل الحكم فلا حكم و لا غرم (۱۹)، و إن اعترفا بالتعمد بالكذب فسقا و إلا فلا (۲۰)، و لو كان المشهود به الزنا و اعترف الشهود بالتعمد حدّوا للقذف (۲۱)، و لو ادّعوا: الوهم و الغفلة فلا حدّ للقذف (۲۲).
للأصل، و الإجماع، و النص، قال الصادق عليه السلام: «في الشهود إذا رجعوا عن شهادتهم و قد قضي على الرجل: ضمنوا ما شهدوا به و غرموا، و إن لم يكن قضي طرحت شهادتهم، و لم يغرموا الشهود شيئا»1.
اما الأول: فلعموم إقرار العقلاء على أنفسهم جائز، مضافا إلى الإجماع.
و اما الثاني: فللأصل، و الأحوط عدم قبول شهادة الثاني لو رجع إلى تلك الشهادة، لقول أبي جعفر عليه السلام في الصحيح قال: «قضى أمير المؤمنين عليه السلام في رجل شهد عليه رجلان بأنه سرق، فقطع يده حتى إذا كان بعد ذلك جاء الشاهدان برجل آخر، فقالا: هذا السارق و ليس الذي قطعت يده إنما شبّهنا ذلك بهذا، فقضي عليهما أن غرمهما نصف الدية، و لم يجز شهادتهما على الآخر»2، و مثله غيره إن لم يحمل على مجرد الإرشاد إلى أفضلية ذلك في مقابل العمومات، و الإطلاقات الدالة على القبول.
لوجود المقتضي و فقد المانع، فتشمله العمومات الدالة على حد القذف.
لتحقق العذر و ثبوت الغفلة، و لا وجه لحد المعذور الغافل.
و أما مرسل ابن محبوب عن الصادق عليه السلام: «في أربعة شهدوا على رجل محصن بالزنا، ثمَّ رجع أحدهم بعد ما قتل الرجل، قال عليه السلام: إن قال الرابع [الراجع] أو همت، ضرب الحد و أغرم الدية، و إن قال، تعمدت، قتل»3، فمع قصور سنده لا بد من حمله على المقصّر أو طرحه.
(مسألة ۱۲): إذا رجع الشاهدان بعد الحكم و الاستيفاء و تلف المشهود به لم ينقض الحكم (۲۳). و لكن عليهما الغرم (۲٤).
للأصل، و الإجماع، و النصوص، منها قول علي عليه السلام: «ان النبي صلّى اللّه عليه و آله قال: من شهد عندنا ثمَّ غيّر، أخذناه بالأول و طرحنا الأخير»4، و عن الصادق عليه السلام: «كان أمير المؤمنين عليه السلام يأخذ بأول الكلام دون آخره»، بناء على نسخة الوافي5، و التهذيب، و لكن في الوسائل عنه عليه السلام أيضا: «لا يؤخذ بأول الكلام دون آخره»6، و على كل تقدير يمكن القول بإجمال هذا الحديث.
أما نسخة الوافي فلاحتمال أن يكون المراد به مورد الشهادة، و أما على نسخة الوسائل فلاحتمال أن يكون المراد به موردا. يكون ذيل الكلام قرينة مبينة لصدره، فيخرج عن الاستدلال في المقام. و إن أمكن تأييد نسخة الوافي بما تقدم من قول النبي صلّى اللّه عليه و آله.
مثلا و قيمة، أو دية أو قصاصا، أو نحو ذلك، لقاعدة تسبيب ذلك كله للضمان.
(مسألة ۱۳): لو رجعا بعد الحكم و قبل الاستيفاء ففي حدود اللّه تعالى ينقض الحكم (۲٥)، و كذا في المشترك بينها و بين الناس كحدّ القذف و السرقة (۲٦)، و لا ينقض بالنسبة إلى غير الحدّ من سائر الآثار كحرمة الموطوء و أخته و بنته و حرمة أكل لحم البهيمة الموطوءة و قسمة مال المحكوم بالردة و اعتداد زوجته (۲۷).
لتحقق الشبهة و بنائها على التخفيف.
لما تقدم مكررا، كما في سابقة من تحقق الشبهة.
لأن ذلك كله حكم شرعي، فإذا ثبت لا يزول إلّا بدليل، و هو مفقود إلّا أن يقال: إن الحكم الشرعي ما دامي لا أن يكون دائميا.
(مسألة ۱٤): لا ينقض الحكم فيما عدى ما تقدم من الحقوق (۲۸)، و لو رجع الشاهدان بعد الاستيفاء في حقوق الناس لم ينقض الحكم و إن كانت العين باقية (۲۹)، و لكن الأحوط التراضي (۳۰).
لإطلاق دليل الصحة، و استصحابها، و المرسل المنجبر عن أحدهما عليهما السلام قال: «في الشهود إذا رجعوا عن شهادتهم و قد قضي على الرجل:
ضمنوا ما شهدوا به و غرموا، و إن لم يكن قضي طرحت شهادتهم و لم يغرموا الشهود شيئا»7.
على المشهور، لما تقدم في سابقة من غير فرق.
لما نسبه المحقق الثاني إلى الرواية عن جميل عن الصادق عليه السلام «في شاهد الزور، قال: إن كان الشيء قائما بعينه ردّ على صاحبه، و إن لم يكن قائما ضمن بقدر ما أتلف من مال الرجل»8، و هي قاصرة سندا بل و دلالة في المقام، لكونها في شاهد الزور لا الرجوع عن الشهادة.
(مسألة ۱٥): إن كان المشهود به قتلا أو جرحا موجبا للقصاص و استوفى ثمَّ رجعوا و قالوا: تعمدنا، اقتص منهم (۳۱)، و إن قالوا: أخطأنا، فعليهم الدية في أموالهم (۳۲)، و إذا أقر بعضهم بالتعمد و بعضهم بالخطإ، فعلى الأول القصاص، و على الثاني الدية بقدر نصيبه، و لولي الدم قتل المقرين بالعمد أجمع ورد الفاضل عن دية صاحبه، و له قتل بعضهم و يرد الباقون قدر جنايتهم (۳۳).
لفرض تحقق القتل العمدي، فيترتب عليه حكمه قهرا.
لأن المورد داخل في قتل الخطأ، فيترتب عليه حكمه، فيكون الموردان من الموضوعات التي لا تعرف إلّا من قبل المقر غالبا، فيكون ذلك أمارة عرفية غالبية على إحراز الصدق.
كل ذلك للإجماع، و لقاعدة: «قوة السبب على المباشر»، و لما يأتي من عمومات القصاص، و ما يأتي في كتاب القصاص من حكم المشتركين في القتل عمدا و خطأ، و خصوص أخبار خاصة، ففي خبر محمد بن قيس عن أبي جعفر عليه السلام قال: «قضى أمير المؤمنين عليه السلام في رجل شهد رجلان بأنه سرق فقطع يده، حتى إذا كان بعد ذلك جاء الشاهدان برجل آخر، فقالا: هذا السارق و ليس الذي قطعت يده، إنما شبّهنا ذلك بهذا، فقضى عليهما أن غرمهما نصف الدية، و لم يجز شهادتهما على الآخر»9، و في خبر السكوني عن جعفر عن أبيه عن علي عليهم السلام: «في رجلين شهدا على رجل أنه سرق فقطعت يده، ثمَّ رجع أحدهما فقال: شبّه علينا، غرما دية اليد من أموالهما خاصة، و قال في أربعة شهدوا على رجل أنهم رأوه مع امرأة يجامعها. و هم ينظرون، فرجم ثمَّ رجع واحد منهم، قال عليه السلام: يغرم ربع الدية إذا قال: شبّه عليّ، و إذا رجع اثنان و قالا شبّه علينا غرما نصف الدية، و إن رجعوا كلهم و قالوا: شبّه علينا غرموا الدية، فإن قالوا: شهدنا بالزور قتلوا جميعا»10، و في مرسل ابن محبوب عن الصادق عليه السلام: «في أربعة شهدوا على رجل محصن بالزنا ثمَّ رجع أحدهم، قال عليه السلام: إن قال الرابع:
أوهمت، ضرب الحد و أغرم الدية، و إن قال: تعمدت، قتل»11.
(مسألة ۱٦): إذا كان المشهود به مما يوجب الحدّ- رجما أو قتلا- و استوفى ذلك ثمَّ رجع أحد الشهود بعد الاستيفاء و قال: كذبت متعمدا، و صدّقه الباقون و قالوا: تعمدنا، كان لولي الدم حينئذ قتلهم بعد رد ما فضل من دية المرجوم. و إن شاء قتل واحدا و على الباقين تكملة ديته بالحصص بعد وضع نصيب المقتول. و إنشاء قتل أكثر من واحد ورد الأولياء ما فضل من دية صاحبهم و أكمل الباقون ما يعوز به بعد وضع نصيب من قتل، و إن لم يصدّقه الباقون مضى إقراره في نفسه فقط فللولي قتله بعد رد فاضل الدية عليه و له أخذ الدية عليه و له أخذ الدية منه بحصته (۳٤).
كل ذلك هو المجمع عليه، و ذكره المحقق في الشرائع، و يكون مطابقا للعمومات، و الأصول التي تقدم بعضها، و يأتي التعرض لبعضها الآخر في محله إن شاء اللّه تعالى.
و أما خبر ابن نعيم قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن أربعة شهدوا على رجل بالزنا، فلما قتل رجع أحدهم عن شهادته؟ فقال: يقتل الرابع (الراجع)، و يؤدي الثلاثة إلى أهله ثلاثة أرباع الدية»12، فلا وجه للعمل به، إذ لا معنى لمؤاخذة أحد بإقرار غيره، فلا بد و أن يحمل على بعض المحامل.
(مسألة ۱۷): إذا ثبت أنهم شهدوا بالزور، نقض الحكم و استعيد المال منه مع الإمكان (۳٥)، و مع عدمه يضمن الشهود (۳٦)، و لو كان المشهود به قتلا ثبت عليهم القصاص (۳۷)، و كان حكمهم حكم الشهود إذا رجعوا و أقروا بالتعمد (۳۸)، و لو باشر الولي القصاص و اعترف هو خاصة بالتزوير كان القصاص عليه لا على الشهود (۳۹)، و لو أقر الشهود به أيضا (٤۰).
أما نقض الحكم فلظهور بطلانه، بل تسميته بالنقض مسامحة، لعدم تحققه من الأول، مضافا إلى الإجماع.
و أما استعادة المال فللأصل، و الإجماع، و النص، كصحيح ابن مسلم عن الصادق عليه السلام: «في شاهد الزور ما توبته؟ قال: يؤدي من المال الذي شهد عليه بقدر ما ذهب من ماله إن كان النصف أو الثلث، إن كان شهد هذا و آخر معه»13، و في موثق جميل عن الصادق عليه السلام أيضا «في شاهد الزور قال: إن كان الشيء قائما بعينه ردّ على صاحبه، و إن لم يكن قائما ضمن بقدر ما أتلف من مال الرجل»14. و طريق الثبوت لا بد و أن يكون علم الحاكم به لا البينة، لأنها تدخل في موضوع التعارض، و لا الإقرار لأنه يدخل في موضوع الرجوع.
للأصل، و الإجماع، و النص، كما تقدم.
لثبوت التسبيب عرفا، فتشمله الأدلة قهرا، مضافا إلى ظهور الإجماع شرعا.
لما تقدم في المسألة السابقة.
لصدق مباشرة القتل ظلما بالنسبة إلى الولي، فيترتب عليه حكمه.
لتقديم المباشر على السبب حينئذ عرفا، مع احتمال كونه على الجميع، و طريق الاحتياط التصالح و التراضي مع أولياء الدم.
(مسألة ۱۸): لو حكم الحاكم فقامت بينة بالجرح المطلق بلا تقيّد بوقت لم ينقض الحكم (٤۱)، و مع إثبات كونه قبل الشهادة و وقوعها في حال الفسق نقض الحكم (٤۲)، و تكون الدية للمحدود في بيت المال و لا قود على الحاكم (٤۳).
لأصالة الصحة، و استصحابها بعد احتمال حدوث منشأ الجرح بعد الحكم.
لظهور كونه بلا مدرك، فلا وجه لاعتباره.
إجماعا، و نصا، قال علي عليه السلام في خبر الأصبغ: «إن ما أخطأت القضاة في دم أو قطع فهو على بيت مال المسلمين»15.
(مسألة ۱۹): لو شهدا بالطلاق ثمَّ رجعا بعد حكم الحاكم لم ينقض حكمه (٤٤)، فإن كان الرجوع بعد دخول الزوج لم يضمنا شيئا (٤٥). و إن كان قبله ضمنا نصف المهر المسمّى (٤٦). و الاحتياط في التصالح و التراضي (٤۷).
للأصل، و الاستصحاب، و ظهور الاتفاق.
للأصل بعد عدم تفويتهما لشيء في مورد الشهادة، و قد اشتهر بينهم قاعدة «أن البضع لا يضمن بالتفويت».
إن كان لها المهر المسمى، لظهور الإجماع، و قاعدة التسبيب، لأن الطلاق قبل الدخول صار موجبا للتنصيف و الشهود صاروا سببا لذلك، فيلزمهم ضمان ما دفعه المشهود عليه بسبب شهادتهم.
و نسب إلى نهاية الشيخ ضمانهما لتمام المهر، و لعله رحمه اللّه استند إلى صحيح ابن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام: «في رجلين شهدا على رجل غائب عن امرأته أنه طلّقها، فاعتدت المرأة و تزوجت، ثمَّ إن الزوج الغائب قدم فزعم أنه لم يطلقها، و أكذب نفسه أحد الشاهدين، فقال: لا سبيل للأخير عليها، و يؤخذ الصداق من الذي شهد و رجع فيرد على الأخير، و يفرّق بينهما و تعتد من الأخير و لا يقربها الأول حتى تنقضي عدتها»16، و موثق ابن عبد الحميد عن الصادق عليه السلام: «في شاهدين شهدا على امرأة بأن زوجها طلّقها فتزوجت، ثمَّ جاء زوجها فأنكر الطلاق، قال عليه السلام: يضربان الحد و يضمنان الصداق للزوج، ثمَّ تعتد ثمَّ ترجع إلى زوجها الأول»17. و فيه: أن إطلاق الضمان لا ينافي تقييدهما بما في مورد القواعد و عمل الأصحاب، و نعم ما قال في الجواهر ما حاصله: إن الخروج بهما عما تقتضيه القواعد مناف لأصول المذهب و قواعده. حتى أن الشيخ وافق المشهور في مبسوطه، و قال في موضع آخر ما محصله: لو فرض العمل بمجرد الأخبار مع قطع النظر عن القواعد المعمولة لزم تأسيس فقه جديد. مع أن النهاية ليس كتابا موضوعا للفتوى بل كتاب جمع فيه متون الأحاديث كما لا يخفى.
خروجا عن خلاف مثل الشيخ، و جمعا بين القواعد و الأخبار.
(مسألة ۲۰): لو شهد الشاهدان- زورا- بموت الزوج فتزوجت المرأة بعد ما أعتدت ثمَّ جاءها الزوج الأول يفرّق بينهما و تعتد، من الأخير و يضمن الشاهدان الصداق للزوج الثاني و يضربان الحدّ (٤۸)، و كذا لو شهدا بطلاقها و تزوجت بعد ما اعتدّت (٤۹).
كل ذلك لقول الصادق عليه السلام في الصحيح: «في امرأة شهد عندها شاهدان بأن زوجها مات فتزوجت، ثمَّ جاء زوجها الأول؟ قال عليه السلام: لها المهر بما استحل من فرجها الأخير، و يضرب الشاهدان الحد، و يضمنان المهر لها بما غرا الرجل، ثمَّ تعتد و ترجع إلى زوجها الأول»18، و تقتضيه قاعدة: «المغرور يرجع إلى من غره»- كما تقدم- أيضا.
لما تقدم من موثق ابن عبد الحميد، المحمول على شهادة الزور بما ورد فيه من القرينة.
(مسألة ۲۱): يجب تعزير شهود الزور بما يراه الحاكم و يشهّرون في محله (۵۰)، و ليس منه الغالط و المخطئ و من ردّت شهادته للمعارضة أو نحو ذلك (۵۱).
للنص، و الإجماع، و الاعتبار، قال الصادق عليه السلام في الموثق: «يجلدون حدا ليس له وقت، فذلك إلى الإمام و يطاف بهم حتى يعرفهم الناس»19.
لظهور الدليل في الاختصاص، مضافا إلى الأصل، و الإجماع.
(مسألة ۲۲): لو رجع الشاهدان معا ضمنا بالسوية، و إن رجع أحدهما ضمن النصف، و لو ثبت المشهود به بشاهد و امرأتين فرجعوا ضمن الرجل النصف و ضمنت كل واحدة الربع (۵۲).
كل ذلك لقاعدتي السببية و العدل و الانصاف.
(مسألة ۲۳): لو شهد أكثر مما تثبت به الدعوى كما إذا شهد ثلاثة من الرجال في المال و القصاص أو خمسة في الزنا فرجع شاهد واحد فلا ضمان عليه (۵۳).
لأصالة البراءة بعد عدم إحراز السببية، للضمان، لعدم استناد الحاكم في حكمه إلى الزائد مما هو المعتبر في الحكم.
(مسألة ۲٤): لو ثبت الحق بشهادة واحد و يمين المدعي ثمَّ رجع الشاهد عن شهادته ضمن النصف (٥٤)، و لو أكذب الحالف نفسه اختص بالضمان (۵۵)، و لا غرم على الشاهد (۵۶).
لفرض أنه شاهد واحد، و المدعى يثبت به و بغيره، فينتصف لا محالة بعد فرض أن الحكم مستند إليهما معا.
لأن تمام الضمان جاء من أصل دعواه و يمينه، فيؤخذ به.
للأصل مع أنه مغرور من دعوى المدعي و حلفه.
(مسألة ۲٥): لا فرق في الضمان فيما تقدم بين شهود ذات الشيء و شهود التذكية (۵۷).
لفرض تحقق السببية في شهود التذكية أيضا.
و دعوى: أن السبب هو الحكم لا التذكية.
ساقطة: لأنه لو لا التذكية لم تتحقق سببية الحكم أصلا.
(مسألة ۲۶): لو أعاد الشاهدان ما شهدا به بعد الرجوع عن شهادتهما قبل حكم الحاكم لا تقبل شهادتهما (۵۸).
للأصل بعد الشك في شمول اعتبار الشهادة لمثل ذلك.
(مسألة ۲۷): لو شهد شاهدان بالوصية لزيد و شهد من ورثة الميت عدلان آخران أنه رجع عن وصيته و أوصى لخالد بعين ما أوصى به للأول فإن كان المال في يد الوارث- مشاعا أو مفروزا- لا تقبل شهادة الرجوع (۵۹). و إلا فتقبل (۶۰).
لأنه من شهادة الشريك. فلا تقبل من جهة الاتهام، كما تقدم.
لأنها بمنزلة البينة الداخلة، فيرجع من هذه الجهة على البينة الأخرى ما لم يثبت للبينة الأخرى ترجيح على شهادة الرجوع.
(مسألة ۲۸): إذا شهد شاهدان لزيد بالوصية و شهد شاهدان آخران بالرجوع عنها و الوصية لعمرو فإن حلف عمرو فالمال له (۶۱)، و إن لم يحلف فالمرجع هو القرعة (۶۲).
لترجيح هذه البينة بواسطة حلف المشهود له على البينة السابقة.
لفرض عدم الترجيح في البين و إشكال الأمر، و هي لكل أمر مشكل، و إن كان قاعدة العدل و الانصاف، تقتضي تصالحهما بالتنصيف.
(مسألة ۲۹): لو أوصى بوصيتين منفردتين فقامت البينة على أنه رجع عن إحداهما تقبل الشهادة (۶۳)، فترجع إلى القرعة في التعيين (6٤).
للعمومات، و الإطلاقات، كما تقدم.
و دعوى: أنها مجملة فلا اعتبار بها.
مخدوشة: لأن مثل هذا الإجماع لا يضر باعتبار الشهادة، كما إذا قامت البينة على نجاسة أحد الإناءين غير المعين، فيجب الاجتناب عنهما.
لأنها لكل أمر مشكل، و المقام منه.
(مسألة ۳۰): إذا تكرر التخاصم في شيء واحد يجوز إقامة الشهادة في كل واحد منه و لو كانت البينة واحدة (65).
لعمومات اعتبار البينة، و الإطلاقات، و ظهور الاتفاق، و ذلك مثل ما استأنف المتخاصمان النزاع عند الحاكم الشرعي الآخر لغرض شرعي، و قامت البينة التي أقيمت في المخاصمة الاولى، و للمقام نظائر كثيرة.
(مسألة ۳1): إذا شهدا أنه وقف على مسجد أو جهة عامة فحكم ثمَّ رجعا عن الشهادة ضمنا القيمة (66)، و لا يرد الوقف بالرجوع (67)، و كذلك في العتق أيضا (68).
لأن ذلك بمنزلة إتلاف مال الغير، إذ الوقف لا يرجع ملكا، فيضمنان القيمة.
لما تقدم في كتاب الوقف من أنه لا ينقلب ملكا لأحد إلّا في موارد خاصة، و ليس المقام منها. فراجع هناك و لا وجه للتكرار هنا.
لأن العتق بمنزلة التلف، فيضمن القيمة للمولى وقت الحكم، على ما مر التفصيل في الضمان.
و هناك فروع كثيرة أخرى تركنا التعرض لها اشتغالا بالأهم، و اللّه تعالى هو المعين في كل حين و المستعان في كل الأزمان و هو المؤيد و الموفق و المسدد.
- الوسائل: باب 10 من أبواب الشهادات الحديث: 1.
- الوسائل: باب 14 من أبواب الشهادات الحديث: 1.
- الوسائل: باب 12 من أبواب الشهادات الحديث: 1.
- الوسائل: باب 11 من أبواب الشهادات الحديث: 4.
- الوافي المجلد التاسع الطبعة الحجرية صفحة: 136.
- الوسائل: باب 4 من أبواب آداب القاضي الحديث: 3.
- الوسائل: باب 10 من أبواب الشهادات الحديث: 1.
- الوسائل: باب 11 من أبواب الشهادات الحديث: 2.
- الوسائل: باب 14 من أبواب الشهادات الحديث: 1.
- الوسائل: باب 14 من أبواب الشهادات الحديث: 2.
- الوسائل: باب 12 من أبواب الشهادات الحديث: 1 و 2.
- الوسائل: باب 11 من أبواب الشهادات الحديث: 1.
- الوسائل: باب 11 من أبواب الشهادات الحديث: 2.
- الوسائل: باب 11 من أبواب الشهادات الحديث: 2.
- الوسائل: باب 10 من أبواب آداب القاضي الحديث: 1.
- الوسائل: باب 13 من أبواب الشهادات الحديث: 3.
- الوسائل: باب 13 من أبواب الشهادات الحديث: 1.
- الوسائل: باب 13 من أبواب الشهادات الحديث: 2.
- الوسائل: باب 11 من أبواب بقية الحدود الحديث: 1