كل ذلك لإطلاق الإجماع، و النصوص، منها رواية محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام: «في الشهادة على شهادة الرجل و هو بالحضرة في البلد، قال عليه السلام: نعم، و لو كان خلّف سارية يجوز ذلك إذا كان لا يمكنه أن يقيمها هو لعلة تمنعه عن أن يحضره و يقيمها، فلا بأس بإقامة الشهادة على شهادته»1، و غير ذلك من الروايات، و للتسهيل في إحقاق حقوق الآدمي مهما أمكن، و إطلاق أدلة قبول شهادة العدلين الشامل للشهادة على الشهادة أيضا.
(مسألة ۱): تقبل الشهادة على الشهادة في حقوق الناس عقوبة كانت- كالقصاص- أو غيرها كالطلاق و النسب و الأموال- كالدين و القرض و الغصب و عقود المعاوضات- و عيوب النساء التي لا يطلع عليها الرجال غالبا كعيوبها الباطنية و الولادة و الاستهلال و كذا كل حق آدمي (۱).
(مسألة ۲): لا تقبل الشهادة على الشهادة في الحدود (۲)، و كذا في التعزيرات (۳)، فلا أثر للشهادة على الشهادة في الحدود مطلقا بل لا بد فيها من شهادة الأصل سواء كانت حق اللّه محضا- كالزنا و اللواط- أو مشتركة بينه عز و جل و بين الآدمي كحد القذف و السرقة فلا تقطع اليد بالشهادة على الشهادة في السرقة (٤).
لظهور الإجماع، و النصوص، منها قول علي عليه السلام في الموثق: «إنه كان لا يجيز شهادة على شهادة في حد»2، و عن أبي جعفر عليه السلام: «لا تجوز شهادة على شهادة في حد، و لا كفالة في حد»3، مع أن حقوق اللّه تعالى مبنية على التخفيف في الدنيا، و نرجو أن تكون في الآخرة بالأولى، و عن نبينا الأعظم صلّى اللّه عليه و آله:
«ادرؤا الحدود عن المسلمين ما استطعتم»4.
لأنها أيضا من حقوق اللّه تعالى، المبنية على التخفيف، و إن اختص لفظ النص بالحد كما تقدم، و لكن الظاهر أنه أعم منها كما يأتي.
لصدق حق اللّه في الجملة، فلا بد و أن يخفف فيه و يغمض عنه، و كل مورد شك في أنه من حق اللّه تعالى- حتى لا تقبل شهادة الفرع- أو من حق الآدمي حتى تقبل، فمقتضى الأصل عدم ترتب الأثر، بعد عدم صحة التمسك بعموم أدلة قبول الشهادة، لكون الشبهة موضوعية.
(مسألة ۳): لا تقبل الشهادة على الشهادة في الحدود بالنسبة إلى إجراء الحد فقط، و أما سائر الأحكام الشرعية المترتبة على الموضوع فتقبل الشهادة على الشهادة فيها (٥)، ففي السرقة لا تقطع يد السارق و لكن يؤخذ المال منه و كذا في جميع الموارد (٦).
لوجود المقتضي و فقد المانع بعد صحة التفكيك، فتشملها العمومات، و الإطلاقات الدالة على قبول الشهادة و البينة حينئذ، فتحرم أم الملوط و أخته و بنته على اللائط، و إن لم يجز قتله، و التفكيك بين اللوازم و الملزومات شائع في الفقه.
سواء كانت مع الواسطة أم بغيرها إن كانت الواسطة مبيّنة، لما مر من الإطلاق، و العموم.
(مسألة ٤): تقبل شهادة الفرع في سائر حقوق اللّه تعالى غير خصوص الحد كالزكاة و الخمس و الأوقاف للمساجد و الجهات العامة و الأهلة بالنسبة إلى اللوازم (۷).
لعموم أدلة الشهادة، و إطلاقها الشامل للجميع إلّا ما خرج بالدليل، و هو خصوص الحد.
(مسألة ٥): يختص القبول بخصوص الشهادة على الشهادة فقط و لا اعتبار بالثالثة فضلا عن الرابعة (۸).
للأصل، و الإجماع، و حديث عمرو بن جميع عن أبي جعفر عليه السلام: «لا تجوز شهادة على شهادة على شهادة»5.
(مسألة ٦): يعتبر في الشهادة على الشهادة ما يعتبر في شهادة الأصل من العدد و الأوصاف (۹)، فلا يثبت بشهادة واحد (۱۰)، فلو شهد على كل واحد اثنان أو شهد اثنان على شهادة كل واحد تقبل (۱۱)، و كذا لو شهد شاهد أصل و هو مع آخر على شهادة أصل آخر، و كذا لو شهد شاهدان على شهادة المرأة فيما جازت شهادتها (۱۲).
للإجماع، و ظواهر الأدلة، و أصالة عدم الاعتبار إلّا بذلك.
للأصل، و الإطلاق، و الاتفاق.
لعموم أدلة قبول الشهادة، و أدلة المقام الشامل لذلك، مضافا إلى ظهور الإجماع.
كل ذلك لإطلاق ظواهر الأدلة، مضافا إلى الاتفاق.
(مسألة ۷): لا تقبل الشهادة على الشهادة في النساء فيما لا تقبل شهادتهن فيه لا منفردات و لا منضمات (۱۳)، بل لا تقبل فيما تقبل شهادتهن فيه أيضا (۱٤).
لأنه إذا لم يكن للأصل أثر، فالفرع أولى بأن لا يؤثر.
للأصل، و ظواهر النصوص الواردة في الشهادة على الشهادة في اعتبار رجلين، مثل قول أبي جعفر عليه السلام في الموثق: «إن عليا عليه السلام كان لا يجيز شهادة رجل على شهادة رجل، إلّا شهادة رجلين على شهادة رجل»6، و مثله غيره بعد عدم صحة التمسك بالعمومات و الإطلاقات من جهة الشك في الموضوع.
(مسألة ۸): لا تقبل شهادة الفرع إلّا إذا كان الأصل معذورا عن الحضور لعذر مقبول (۱٥).
للأصل، و دعوى الإجماع، و ظاهر بعض الأخبار، كخبر ابن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام: «في الشهادة على شهادة الرجل و هو بالحضرة في البلد، قال: نعم، و لو كان خلّف سارية يجوز ذلك إذا كان لا يمكنه أن يقيمها هو لعلة تمنعه عن أن يحضره و يقيمها، فلا بأس بإقامة الشهادة على شهادته»7، و لتفرع الفرع للأصل المقتضي، لأنه لا موضوع للفرع مع التمكن من الأصل.
(مسألة ۹): لو شهد شاهد الفرع على شهادة الأصل فأنكر الأصل ذلك يشكل الاعتماد على مثل هذه الشهادة أصلا و فرعا (۱٦).
أما الأصل فللإنكار، و أما الفرع فللشك في شمول أدلة اعتبار الشهادة على الشهادة لمثل ذلك.
لكن عن الصادق عليه السلام في الصحيح: «رجل شهد على شهادة رجل فجاء الرجل فقال: إني لم أشهده؟ قال: تجوز شهادة أعدلهما، و إن كانت عدالتهما واحدة لم تجز شهادته»8، و قريب منه صحيح ابن سنان9.
و أشكل عليه بأنه لا موضوع للمعارضة، لفرض أنه مع وجود الأصل لا تصل النوبة إلى الفرع، لاشتراط اعتبار الأخير بعدم الأول، فلا موضوع للتعارض حتى يرجح بالأعدلية. و عن جمع من الفقهاء طرح الفرع و الأخذ بالأصل فيما إذا كان ذلك قبل الحكم، و العمل بالصحيح. فيما إذا كان ذلك بعده، جمعا بينه و بين قاعدة اشتراط اعتبار الفرع بعدم الأصل، و لكنه جمع بلا شاهد، مع أنه إن كان بعد الحكم فظاهرهم الإجماع على نفوذ الحكم، و يقتضيه الاستصحاب أيضا.
و عن جمع العمل بالصحيحين لجامعيتهما للشرائط سندا و عملا، و إن المتيقن من القاعدة غير المقام. و كيف كان، من أراد التفصيل فليراجع المطولات. و لا بد للحاكم الشرعي الذي تقع لديه هذه الواقعة من التأمل و النظر حتى يحصل له الاطمئنان بشيء يصح الاعتماد عليه.
(مسألة ۱۰): لو شهد الأصل و تحمّل الفرع في حال جامعيتهما للشرائط ثمَّ فسق الأصل و أدّى الفرع الشهادة حكم بها الحاكم (۱۷)، و لكن الأحوط خلافه (۱۸).
للأصل و ظاهر الإطلاق.
لاحتمال انصراف ما دل على اعتبار شهادة الفرع عن هذا.
- الوسائل: باب 44 من أبواب الشهادات الحديث: 1.
- الوسائل: باب 54 من أبواب الشهادات الحديث: 1.
- الوسائل: باب 54 من أبواب الشهادات الحديث: 2.
- السنن الكبرى للبيهقي ج: 8 باب: 30 من كتاب الحدود.
- الوسائل: باب 44 من أبواب الشهادات الحديث: 6.
- الوسائل: باب 44 من أبواب الشهادات الحديث: 4 .
- الوسائل: باب 44 من أبواب الشهادات الحديث: 2.
- الوسائل: باب 46 من أبواب الشهادات الحديث: 1.
- الوسائل: باب 46 من أبواب الشهادات الحديث: 3.