هذا الحصر استقرائي بحسب المستفاد من الأدلة، و بعض تلك الشروط مورد الخلاف بين الفقهاء، كما يأتي التعرض له إن شاء اللَّه تعالى. و لا بد و أن يعلم أولا أن مقتضى الأصل- الموضوعي و الحكمي- عدم ثبوت ولاية القضاء لأحد إلا بدليل معتبر يدل عليه، كما أن مقتضى الأصل عدم اعتبار الحكم و القول و الفعل إلا بدليل معتبر يدل عليه، و قد ثبت هذا الأصل بالأدلة الأربعة- كما قررناه في الأصول۱– و تقدم أيضا. لكن ليس في كل شرط مشكوك يرجع فيه إلى الأصل، بل لا بد من ملاحظة جميع الأدلة و ردّ بعضها إلى بعض، ثمَّ الأخذ بالمتحصل منها.
و هي عشرة (۱).
الأول: البلوغ (۲)، فلا يصح من الصبي و إن كان مراهقا و كان واجدا لسائر الشرائط من الاجتهاد و العدالة و نحوها (۳).
لما تقدم من الأصل، مضافا إلى الإجماع، و انصراف الإطلاقات عنه، مع التقييد بالرجل في بعض الأخبار كقول أبي عبد اللَّه عليه السلام في خبر أبي خديجة:
«انظروا إلى رجل منكم يعلم شيئا من قضايانا فاجعلوه بينكم، فإني قد جعلته قاضيا فتحاكموا إليه»۲.
و قد يستدل على اشتراط البلوغ بأن الصبي مسلوب العبارة، و مولّى عليه، فلا يصلح لهذا المقام و المرتبة.
و الأول: خلاف العرف و الوجدان، كما تقدم في كتاب البيع.
و الثاني: من مجرد الدعوى بلا برهان. هذا كله في غير المعصوم.
و أما اعتبار حكم بعض الصبيان في المعصومين، كما في قوله تعالى:
وَ آتَيْناهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا۳، فإنه خارج موضوعا، لأن الكلام فيما يختاره الخلق بإذن اللَّه تعالى، لا فيما يختاره اللَّه تعالى مباشرة لأسرار لا يعلمها غيره.
تقدم دليله، فلا وجه للإعادة.
الثاني: العقل فلا يصح من المجنون و إن كان جامعا لسائر الشرائط و لو كان أدواريا في دور جنونه (٤).
لما تقدم في الصبي من الأصل، و الإجماع، مضافا إلى سلب أقوال و أفعال المجنون عن الاعتبار عرفا، فلو ادعي لاشتراط هذا الشرط إجماع العقلاء كان لا بأس به.
الثالث و الرابع: الإسلام و الإيمان (٥).
أما الأول: فلأن القضاء نحو ولاية كما مر وَ لَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا4، مضافا إلى الضرورة الدينية.
أما الثاني: فللإجماع- بل الضرورة المذهبية- و نصوص متواترة، الناهية عن الرجوع إلى غير المؤمن٥، و تقدم قول أبي عبد اللَّه عليه السلام في خبر أبي خديجة: «انظروا إلى رجل منكم»٦.
ثمَّ إنه هل يكون لاشتراط الإيمان- بالمعنى الأخص- موضوعية خاصة، فلو حكم قاضي العامة في مرافعة بحكم الخاصة، يكون حكمه باطلا، أو، أنه طريق إلى صدور الحكم بحسب الموازين الواصلة إلينا عن أئمة الدين؟
وجهان: يظهر من تقرير علي عليه السلام لشريح۷، و أنه لا يحكم في واقعة إلا و يعرضها على الإمام عليه السلام، الثاني: و يستفاد ذلك أيضا من قوله عليه السلام: «و رجل قضى بالحق و هو يعلم فهو في الجنة»۸، إن حمل ذلك على أنه يعلم أن الحكم حق، و أما إن حمل على أنه يعلم المذهب الحق و يعمل به، فيدل على الخلاف، و لكنه قاصر سندا.
الخامس: العدالة (٦).
لقصور غير العادل عن الولاية على الأموال و الأنفس و الأعراض، مضافا إلى الإجماع، و ما تقدم من الأصل، و لقوله تعالى وَ لا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ۹، و الفاسق ظالم، و لما تقدم في صحيح ابن خالد: «فإن الحكومة إنما هي للإمام العالم بالقضاء، العادل في المسلمين»۱۰، و لما ورد من الأخذ بالأعدل عند التعارض، بأن ظاهره المفروغية عن اعتبار العدالة۱۱، مع أن مرتبة القضاء مرتبة تجل عن أن يتقمصها الفاسق، و يشير إليه ما تقدم من قول علي عليه السلام لشريح، فالعدالة معتبرة بنحو الموضوعية الخاصة، كما في إمام الجماعة و مرجع التقليد مثلا، لأنها المنساق من الأدلة لا الطريقية إلى مطلق الوثاقة، كما في خبر العدل في أخبار الآحاد على ما استقر عليه آراء المحققين بين المتأخرين، لعدم كون الطريقية متفاهما منها في المقام عرفا، مع أن المنصب منصب لا يناسب إلا العدالة بنحو الموضوعية المحضة، لكونه من فروع النبوة و الإمامة، فلا بد و أن يكون القاضي من أغصان تلك الشجرة.
و عن بعض مشايخنا في بحثه الشريف تقرير كفاية الوثوق، و لكن بعد مدة قد صرّح فيه بعدم رضا نسبة هذا القول إليه (رحمه اللَّه تعالى)، و قال: «بأنه لو لا المخالفة للمشهور لقلنا باعتبار فوق العدالة فيه، كما يقال في المقدس الأردبيلي و السيد هاشم البحراني».
السادس: طهارة المولد (۷).
للأصل، و الإجماع، و تنفّر النفوس عن المولود من الزنا، و فحوى ما دلّ على عدم قبول شهادته- كما يأتي- و عدم صحة إمامته، كما تقدم۱۲.
السابع: الاجتهاد المطلق (۸).
لأصالة عدم ترتب الأثر على حكمه إلا بذلك، و لأنه المنساق من قول أبي عبد اللَّه عليه السلام: «ينظران من كان منكم ممن قد روى حديثنا، و نظر في حلالنا و حرامنا، و عرف أحكامنا فليرضوا به حكما، فإني قد جعلته عليكم حاكما»۱۳، فإن المنساق من هذه الجملة هو المجتهد المطلق، و مثله قوله عليه السلام:
«اجعلوا بينكم رجلا قد عرف حلالنا و حرامنا»۱4، مع أن المقام مقام خطير لا بد له من استعداد كامل، و لا يحصل إلا بالاجتهاد المطلق، كما هو معلوم عند أهله.
و أما قوله عليه السلام: «و لكن انظروا إلى رجل منكم يعلم شيئا من قضايانا، فاجعلوه بينكم. فإني قد جعلته قاضيا»۱٥، فلا يستفاد منه صحة قضاؤه المتجزئ، لأن لفظ النكرة لوحظ بالنسبة إلى علومهم عليهم السلام، و المجتهد المطلق بكل معنى الإطلاق لا يعلم إلا شيئا يسيرا من قضاياهم، و نسبته إليهم نسبة القطرة إلى البحر.
الثامن: الذكورة فلا يصح قضاء المرأة و لو للنساء (۹).
للأصل، و الإجماع، و انصراف أدلة الإذن عنها، و تقييد بعضها بالرجل- كما تقدم في الشرط السابق- و لجملة من النصوص منها قول النبي صلّى اللَّه عليه و آله: «ليس على المرأة جمعة و لا تولّي القضاء»۱٦، و قوله عليه السلام «لا تملك المرأة من الأمر ما يجاوز نفسها»۱۷، و قوله صلّى اللَّه عليه و آله: «لن يفلح قوم ولّوا أمرهم امرأة»۱۸، إلى غير ذلك من الأخبار التي يمكن أن يستفاد منها عدم رضا الشارع بذلك.
و عن المحقق الأردبيلي الخدشة في اشتراط الذكورة في القاضي، أما في الأخبار فبضعف السند، و أما في الإجماع فبعدم ثبوته.
و فيه: أن هذا الإجماع لا يقل عن سائر الإجماعات التي قبلها قدّس سرّه، و الأخبار من حيث المجموع مع عمل المشهور توجب الاطمئنان بالحكم.
التاسع: الحرية (۱۰).
نسب هذا الشرط إلى الأكثر، و استدل عليه.
تارة: بقصور المملوك عن المنصب.
و اخرى: بأن أوقاته مستغرقة في خدمة المولى.
و ثالثة: بقوله تعالى لا يَقْدِرُ عَلى شَيْءٍ*۱۹.
و الكل مخدوش، إذ رب مملوك أجمع للقضاء، بل و أقدر على فصل الخصومة من الحر، و بطلان الأخيرين واضح بعد اعتبار إذن المولى، و أما مع عدم إذنه فهو عاص و خارج عن العدالة، فلا تصح قضاوته من هذه الجهة.
العاشر: كونه أعلم ممن في البلد أو ما يقربه على الأحوط (۱۱).
لإرجاعهم عليهم السلام عند التعارض إلى الأفقه۲۰، و عدم كون الإطلاقات و العمومات واردة في مقام بيان هذه الجهة، حتى يصح التمسك بها، و الشك فيه يكفي في سقوط التمسك بها، لو لم نقل بأن المراد بقولهم عليهم السلام: «الأفقه» أكثر فقها كما كان هو المراد في تلك الأعصار، لا أكثر تعمقا في الفقه كما هو مصطلح فقهائنا الأخيار، و تقدم في الاجتهاد و التقليد بعض القول. فراجع.
(مسألة ۱): يعتبر أن لا يغلب عليه النسيان بحيث يسلب عنه الاطمئنان (۱۲)، بل الأحوط أن يكون ضابطا و بصيرا و قادرا على الكتابة (۱۳)، و متصفا بسائر الكمالات النفسانية كالورع و التقوى و العفة و الحلم و الزهد و غيرها (۱٤).
لسلب الوثوق عنه، فلا يعتمد الناس على حكمه و رأيه.
خروجا عن خلاف جمع ذهبوا إلى اشتراط ذلك كله، و استدلوا لذلك بأمور يمكن الخدشة فيها، فراجع المطولات.
لكثرة ما ورد من الشرع الأقدس من التأكيد في اتصاف سواد الناس بهذه الصفات، فضلا عن ولاة الأمر و من بيدهم أزمة الأمور.
(مسألة ۲): لا يجوز الترافع إلى العامي و إن كان مقلدا تقليدا صحيحا للمجتهد المطلق (۱٥). نعم يصح بعنوان التصالح و التراضي و الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر (۱٦).
للأصل على ما تقدم، و أن المنساق من الأدلة إنما هو فيما إذا كانت الواجدية لصفات القضاة من باب الوصف بحال الذات لا الوصف بحال المتعلق، و لا يصح التمسك بعمومات صحة الحكم بالحق و نحوها، على ما مر، لعدم كونها واردة في مقام البيان من هذه الجهات.
لعموم أدلتها الشامل لكل من يقدر على ذلك بشرائطها، على ما تقدم في محله.
(مسألة ۳): ما تقدم من الشرائط في القاضي تثبت بالعلم سواء كان وجدانيا أو حصل من الشياع- و الاطمئنان العرفي و البينة العادلة (۱۷)، و في الأخيرة لا بد و أن تكون من أهل الخبرة (۱۸).
لاعتبار ذلك كله عرفا و شرعا، كما تقدم مرارا في هذا الكتاب، فلا وجه للتكرار.
) لتوقف تشخيص كل موضوع على إحرازه، و مع عدم كونها من أهل الخبرة كيف تعرّف ذلك و تشخصه؟!
(مسألة ٤): يعتبر في ثبوت ما مر من الصفات أن تكون عند كل واحد من المترافعين (۱۹).
للأصل، و الإجماع، و السيرة، و أن الحق لهما فلا يكفي الثبوت عند أحدهما.
(مسألة ٥): لا بد للقاضي أن يحكم بمقتضى رأي نفسه لا رأي غيره و إن كان أعلم (۲۰).
لأنه المنساق من الأدلة، و لأصالة عدم الاعتبار في غيره، و لكن لو اتفق رأيه مع رأي غيره من حيث تمامية الدليل لديه لا اعتمادا على نظره، يصح حينئذ.
(مسألة ٦): إذا اختار كل من المدعي و المنكر حاكما لرفع الخصومة فالاحتياط في تقديم ما اختاره المدعي (۲۱)، إن كان القاضيان متساويين في العلم و إلا فالأحوط اختيار الأعلم (۲۲)، و لو كان كل منهما مدعيا من جهة و منكرا من جهة أخرى ففي صورة تساويهما يعين بالقرعة (۲۳).
استدل على ذلك أولا: بدعوى الإجماع عن صاحب المستند، و ثانيا:
بأن الحق للمدعي، فإنه إذا ترك ترك. و في الثاني ما لا يخفى، فإنه أول الدعوى، و لا يثبت ذلك إلا بعد فصل الخصومة، فالاعتماد على الأول لو تمَّ.
تقدم وجهه هنا، و في مباحث التقليد، فراجع.
لعدم طريق لفصل هذا النزاع إلا بها.
(مسألة ۷): لو ادعى أحد من الرعايا دعوى على القاضي فرفعها إلى قاض آخر تقبل دعواه فيحضره و يجب على القاضي إجابته (۲٤)، فيكونان حينئذ عند الحاكم كغيرهما في آداب القضاوة (۲٥).
أما سماع دعوى الرعية، فلوجود المقتضي و فقد المانع، و أما إحضار الحاكم للمدعي عليه، فلأن ذلك من لوازم سماع الدعوى و القيام بلوازم القضاء، و أما وجوب الإجابة على المدعى عليه فللإجماع.
لإطلاق أدلتها الشامل لمثل المقام أيضا، و لما وقع عن علي عليه السلام في منازعته مع خصمه عند شريح۲۱، كما يأتي.
(مسألة ۸): إذا تراضيا بالترافع إلى حاكم يجوز لهما الرجوع عنه ما لم يحكم (۲٦).
للأصل، و إطلاق الأدلة، و ظهور الاتفاق.
(مسألة ۹): لو كان للحاكم خصومة مع غيره لا ينفذ حكمه فيها لنفسه (۲۷). نعم يجوز له توكيل غيره في الخصومة ثمَّ الحكم بنفسه فيها (۲۸).
لأن المنساق من الأدلة مغايرة الحاكم مع المتخاصمين، فلا يصح الاتحاد، مضافا إلى الأصل، و الإجماع.
لحصول المغايرة في الجملة، و تحقق المقتضي و فقد المانع، فيصح حكمه حينئذ.
(مسألة ۱۰): يجوز لكل حاكم تنفيذ الحكم الصادر من حاكم آخر (۲۹)، بل قد يجب (۳۰)- إذا أحرز جامعية الحاكم الآخر لشرائط الحكم، و أما مع الشك في أهليته- كاجتهاده أو عدالته- لا يجوز إلا بعد الإحراز (۳۱)، كما لا يجوز نقضه مع الشك و احتمال صدور حكمه صحيحا (۳۲)،و مع علمه بعدم أهليته ينقض حكمه (۳۳).
لإطلاق أدلة اعتباره، و ما تقدم أن حكمه حكمهم عليهم السلام، مضافا إلى السيرة خلفا عن سلف.
كما إذا ترتب على عدم التنفيذ مفسدة، من هتك أو إهانة أو نحوهما.
للأصل بعد انسباق واجد الشرط من الأدلة، مع أنه يمكن أن يكون من إحقاق الباطل، و هو حرام.
للإجماع، و إطلاق قوله عليه السلام: «الراد عليه كالراد علينا، و الراد علينا كالراد على اللَّه تعالى»۲۲. الشامل بإطلاقه لصورة الشك أيضا، مضافا إلى قاعدة الصحة، و لأن العلم من جميع الجهات بصحة حكم الحاكم لحاكم آخر قليل، لكثرة الاحتمالات و الشبهات، و الظاهر أن قبح نقض حكم الحاكم و حرمته مسلّم في جميع الملل الذين لهم حاكم و قاض، فحرمة نقض حكمه فطرية عقلائية قررها الشارع، كما في جملة كثيرة من الفطريات التي قررها، و قد مر ما يدل على ذلك.
لعدم الموضوع لحرمة النقض حينئذ لفرض بطلانه، بل قد يجب ذلك.
(مسألة ۱۱): يجوز للحاكم أن يحكم بعلمه من دون بينة أو إقرار أو حلف في حقوق الناس و حقوق اللَّه تعالى (۳٤)، إذا كان حاصلا من الطرق العادية المتعارفة (۳٥)، بل لا يجوز له الحكم بالبينة إذا كانت مخالفة لعلمه أو إحلاف من يكون كاذبا في نظره (۳٦). نعم يجوز له عدم التصدي للقضاء في هذه الصورة إن لم يتعين عليه (۳۷).
للإطلاقات الدالة على الحكم بالحق و القسط، و ما أنزل اللَّه تعالى من الآيات۲۳، و الروايات كما تقدم۲4، و الأخبار الدالة على أنه «أمين اللَّه»۲٥، و لا معنى لكونه أمينا إلا العمل بما اؤتمن فيه، مضافا إلى الإجماع، و إطلاق أدلة الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر۲٦، و ما دلّ على الحصر مثل قول نبينا الأعظم صلّى اللَّه عليه و آله: «إنما أقضي بينكم بالبينات و الأيمان، و بعضكم ألحن بحجته من بعض»۲۷، و قول علي عليه السلام: «جميع أحكام المسلمين على ثلاثة: شهادة عادلة، أو يمين قاطعة، أو سنة جارية مع أئمة الهدى»۲۸، إلى غير ذلك مما يدل على الحصر، انما المراد منها الحصر بالنسبة إلى الحجج الخارجية، فلا ينافي حجية العلم الحاصل له و اعتباره، و أنه أصل الحجج. نعم إذا كان الحكم في حق الناس متوقفا على مطالبة من له الحق لا بد حينئذ من مطالبته، و عليه يحمل خبر ابن خالد: «الواجب على الإمام إذا نظر إلى رجل يزني أو يشرب خمرا أن يقيم عليه الحد، و لا يحتاج إلى بينة مع نظره، لأنه أمين اللَّه في خلقه، و إذا نظر إلى رجل يسرق فالواجب عليه ان يزجره و ينهاه و يمضي و يدعه، فقلت: كيف ذاك؟ فقال:
لأن الحق إذا كان للّه تعالى فالواجب على الإمام إقامته، و إذا كان للناس فهو للناس»۲۹.
لأنه المنساق من جميع الأدلة، و في غيره يرجع إلى أصالة احترام النفس و العرض و المال.
لعدم تمامية موازين الحكم لديه، فكيف يحكم حينئذ مع انصراف أدلة اعتبار البينة و اليمين عن هذه الصورة؟!
للأصل، و ظهور الإجماع.
(مسألة ۱۲): إذا ترافعا إلى الحاكم في واقعة قد حكم فيها سابقا يجوز له أن يحكم على طبقه فعلا إن تجددت و تذكّر حكمه و إن لم يتذكر مستنده (۳۸)، و أما إن لم يتذكّر الحكم و لكن قامت البينة عليه جاز له الحكم أيضا و كذا لو رأى خطه و خاتمه و حصل منهما القطع أو الاطمئنان به (۳۹)، و لو تبدل رأيه فعلا عن رأيه السابق الذي حكم به جاز تنفيذ حكمه إلا مع العلم بخلافه بأن يكون حكمه مخالفا لحكم ضروري أو إجماع قطعي فيجب عليه نقضه (٤۰).
لأصالة بقاء حجية حكمه بعد صدوره عن مستند صحيح، كما هو المفروض، سواء تذكّره أو لا.
لحجية البينة الشرعية، و حجية القطع على ما تقدم مرارا، و كذا الاطمئنان العرفي العادي، بل عن جميع- منهم صاحب الجواهر- أن المراد بالعلم و القطع في اصطلاح السنة هو الاطمئنان العادي.
أما جواز التنفيذ فلفرض حجيته حين صدوره و عدم العلم بخلافه، و اما وجوب النقض في الفرضين فلثبوت بطلان الأول ضرورة أو إجماعا قطعيا.
(مسألة ۱۳): لو ترافعا عند الحاكم في واقعة فتذكّر أنه ثبت عنده الحق بالموازين الشرعية و لكن لم يصدر منه الحكم فيها، فإن تذكّر مستند الثبوت أو قامت البينة عليه و لم يتبدل رأيه فيها جاز له الحكم فعلا (٤۱)، و لو تبدل رأيه في تلك الموازين لا يجوز له الحكم (٤۲)، و كذا لو شك في تبدل رأيه فيها (٤۳)، أو لم يتذكر مستند الثبوت و لم تقم البينة عليه (٤٤).
لفرض تحقق المدارك الشرعية بالنسبة إلى الثبوت، و لا يجب مقارنة الحكم للثبوت، و يجوز الفصل بينهما للأصل.
لأن المناط في الحكم أن يكون مستندا إلى الحجة الشرعية الفعلية، و المفروض عدمها.
لأصالة عدم حجية الحكم إلا إذا ثبت استناده إلى وجه صحيح معتبر شرعي.
لما مر في سابقة من غير فرق.
(مسألة ۱٤): للحاكم تنفيذ الحكم الصادر ممن له أهلية القضاء كما تقدم- من دون فحص عن مدركه و مستنده (٤٥)، و يحرم له الحكم في الواقعة مع عدم العلم بموافقته لرأيه (٤٦)، و لا أثر لحكمه بعد حكم الحاكم الأول بحسب ذات الواقعة و إن كان له أثر بالنسبة إلى التنفيذ في الجملة (٤۷)، و لا فرق في جواز التنفيذ بين كونه حيا أو ميتا أو كونه باقيا على الأهلية أم لا (٤۸) بشرط أن لا يوجب الإغراء (٤۹).
اما جواز أصل التنفيذ فللأصل، و العمومات، و الإطلاقات الدالة على الحكم بالحق، و العدل و القسط۳۰، الشاملة للتنفيذ أيضا- كما مر في مسألة ۱۰- و أما عدم لزوم الفحص عن مدركه أو مستنده فللأصل، بعد فرض صحته و صدوره عن أهله و في محله.
لاحتمال المخالفة فيدخل في موضوع نقض الحكم، و هذا الاحتمال منجز في المقام، لكثرة أهمية حرمة نقض الحكم، و أنه كالرد على اللَّه تعالى، كما عرفت في أول القضاء.
حيث أن نفس الحكم في الواقعة واحد فلا أثر لحكم الحاكم الثاني بالنسبة إلى ذات الحكم. نعم حكم الحاكم الثاني يضاف إليه أيضا، فيترتب حرمة النقض و وجوب الإنفاذ بالنسبة إليه أيضا، إن قلنا بشمول حرمة النقض و وجوب الإنفاذ لمثله أيضا.
لفرض كونه معتبرا حين الصدور، فيشمله الإطلاق و العموم، بل لنا أن نؤسس أصلا في الحكم، و هو أصالة الاحترام، و وجوب الإنفاذ، و حرمة النقض، للعمومات و الإطلاقات المتقدمة۳۱، إلا ما خرج بالدليل.
لأن حرمة إغواء الناس و إغرائهم إلى الباطل أهم من حرمة نقض الحكم و وجوب تنفيذه، بالأدلة الأربعة: فمن الكتاب قوله تعالى:
وَ لا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْباطِلِ۳۲، و من السنة ما تقدم من حرمة القضاء لغير الأهل۳۳، و من العقل: أنه ظلم و قبيح، و أما من الإجماع فمن المسلمين بل العقلاء كافة.
(مسألة ۱٥): يحرم إمضاء الحكم الصادر من غير الأهل (٥۰)، سواء كان ذلك لأجل عدم الاجتهاد أو لفقد شرط آخر (٥۱)، و إن علم بكونه موافقا للقواعد (٥۲)، بل يجب نقضه مطلقا (٥۳).
للأدلة الأربعة: فمن الكتاب: بأنه حكم بغير ما أنزل اللَّه تعالى۳4، و من السنة: نصوص كثيرة، منها مقبولة ابن حنظلة المتقدمة۳٥، و من الإجماع:
إجماع المسلمين، و من العقل: حكمه بقبح ذلك.
لشمول الإطلاق و العموم لجميع ذلك.
لأنه لا أثر للموافقة للقاعدة، بعد عدم أهلية نفس الحاكم، فالحكم من حيث الإضافة إلى الحاكم الأهل مضاف إلى الإمام عليه السلام، و مضاف إلى اللَّه تعالى، لا من حيث الإضافة إلى القاعدة، فإنه يصح أن يضاف إليها حكم من كان أهلا و من ليس بأهل، فيختل النظام و تتعطل الأحكام و يضطرب حكام الأنام، خصوصا إن عممنا القواعد النظامية العقلائية.
لكونه من صغريات إبطال الباطل و النهي عن المنكر، فيجب على الكل خصوصا من صار مورد الابتلاء.
(مسألة ۱٦): جواز إمضاء حكم الحاكم الأول للحاكم الثاني كما مر مشروط بإحراز صدوره منه إما بنحو المشافهة منه أو التواتر أو نحو ذلك (٥٤)، أو بإقرار المحكوم عليه مع حصول الاطمئنان للحاكم الثاني (٥٥)، أو بقيام البينة على حكمه (٥٦)، و لا يكفي مشاهدة خطه و إمضائه (٥۷).
لأصالة عدم الحجية و الاعتبار إلا بذلك مما يوجب العلم.
لأنه العلم العادي المعتبر عرفا و شرعا.
لما تقدم من عموم حجيتها، مع أنها توجب الاطمئنان العادي أيضا، كما يأتي.
للأصل، و عن الصادق عليه السلام في خبر السكوني: «أن عليا عليه السلام كان لا يجيز كتاب قاض إلى قاض في حد و لا غيره، حتى وليت بنو أمية فأجازوا بالبينات»۳٦.
(مسألة ۱۷): إذا حكم القاضي في واقعة بحكم ثمَّ وقع التخاصم و الترافع مرة أخرى في عين الموضوع مستقلا لا يجوز له الحكم في الواقعة الثانية بعين الحكم في الواقعة الأولى (٥۸)، بلا فرق في ذلك بين أن تكون القضية واحدة أو متعددة (٥۹).
لعدم إحراز خصوصيات الموضوع حتى يكون الحكم الثاني تأكيدا للحكم الأول. نعم لو أحرزت الوحدة من كل جهة يجوز ذلك، كما تقدم في مسألة ۱۲.
لظهور التعدد حينئذ كما عرفت، و عدم رجوعه إلى الأول و لم يكن منه.
- راجع تهذيب الأصول ج: ۲ صفحة: ٦٥.
- الوسائل: باب ۱ من أبواب صفات القاضي الحديث: ٥.
- سورة مريم: ۱۲.
- سورة النساء: ۱4۱.
- الوسائل: باب ۱۱ من أبواب صفات القاضي الحديث: ٦ و غيره.
- الوسائل: باب ۱ من أبواب صفات القاضي الحديث: ٥.
- الوسائل: باب ۳ من أبواب صفات القاضي الحديث: ۱.
- الوسائل: باب 4 من أبواب صفات القاضي الحديث: ۸.
- سورة هود: ۱۱۳.
- الوسائل: باب ۳ من أبواب صفات القاضي الحديث: ۳.
- الوسائل: باب ۹ من أبواب صفات القاضي الحديث: ۱.
- راجع ج: ۸ صفحة: ۱۳۰.
- الوسائل: باب ۱۱ من أبواب صفات القاضي الحديث: ۱.
- الوسائل: باب ۱۱ من أبواب صفات القاضي الحديث: ٦.
- الوسائل: باب ۱ من أبواب صفات القاضي الحديث: ٥.
- الوسائل: باب ۲ من أبواب صفات القاضي الحديث: ۱.
- الوسائل: باب ۸۷ من مقدمات النكاح و آدابه.
- سنن البيهقي ج: ۱۰ باب لا يولي الوالي امرأة و لا فاسقا.
- سورة النحل: ۷٥.
- الوسائل: باب ۹ من أبواب صفات القاضي الحديث: ۱.
- راجع صفحة: ٥۳.
- تقدم في صفحة: ۱٥.
- سورة ص: ۲٦- سورة المائدة: 4۲.
- راجع صفحة: ۱4.
- الوسائل: باب ۳۲ من أبواب مقدمات الحدود الحديث: ۳.
- راجع الوسائل: باب ۱ و ۳ من أبواب المعروف.
- الوسائل: باب ۲ من أبواب كيفية الحكم الحديث: ۱.
- راجع الوسائل: باب ۱ من أبواب كيفية الحكم الحديث: ٦.
- الوسائل: باب ۳۲ من أبواب مقدمات الحدود الحديث: ۳.
- سورة النساء: ٥۸.
- راجع صفحة: ۳4.
- سورة البقرة: 4۲.
- تقدم في صفحة: ۸.
- سورة المائدة: 44.
- تقدم في صفحة: ۲4.
- الوسائل: باب ۲۸ من أبواب كيفية الحكم و احكام الدعوى.