على المشهور، و قد ورد الكيل في جملة من النصوص منها: ما تقدم من صحيح زرارة، و منها: صحيحه الآخر: «قلت لأبي عبد اللَّه (عليه السلام): في الذرة شيء؟ فقال لي: الذرة، و العدس، و السلت، و الحبوب فيها مثل ما في الحنطة و الشعير، و كل ما كيل بالصاع فبلغ الأوساق التي يجب فيها الزكاة فعليه فيه الزكاة»۸.
و أما الوزن: فلم يرد إلا في رسالة المحكم و المتشابه عن تفسير النعماني: «و أما الوزن فمن الذهب و الفضة و سائر ما يوزن من أبواب سلع التجارات مما لا يدخل فيه العدد و الكيل»۹ مع أنّا لا نحتاج إلى ذكر الوزن و وروده في النص، لأنّ الكيل طريق إلى الوزن المخصوص، و يشهد له قوله (عليه السلام): «ما كيل بالصاع فبلغ الأوساق التي يجب فيها الزكاة فعليه فيه الزكاة».
ثمَّ إنّ مجموع نصوص الباب على أقسام ثلاثة:
الأول: مثل قوله (عليه السلام): «ما كيل بالصاع فبلغ الأوساق فعليه فيه الزكاة»، و مثله قوله (عليه السلام): «في الحبوب كلها زكاة»۱۰ لأنّ الحبوب من المكيل و ظاهر هما الاختصاص بالمكيل و قد تقدم ذكر الوزن أيضا، فما لا يكال و لا يوزن لا تستحب فيه الزكاة.
الثاني: قوله (عليه السلام): «جعل رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله) الصدقة في كل شيء أنبتت الأرض إلا ما كان في الخضر و البقول و كل شيء يفسد من يومه»۱۱، و مقتضاه استحباب الزكاة فيما أنبتت الأرض سواء كان من المكيل أم لا، و سياقه آب عن التخصيص مع بنائهم على عدم التخصيص في المندوبات خصوصا في مثل الصدقة الراجحة مطلقا، فيحمل على تأكد الاستحباب بالنسبة إلى المكيل و الموزون مع ثبوت أصل الندب بالنسبة إلى كل ما أنبتت الأرض أيضا.
الثالث: ما يستفاد منه قاعدة كلية و هي: أنّه «لا زكاة فيما لا بقاء له» كقوله (عليه السلام): «و كل شيء يفسد من يومه»۱۲ و تدخل في هذه الكلية الثمار و الخضر بجميع أقسامهما و أشباههما، و مقتضى المفهوم ثبوت الاستحباب فيما له بقاء كالأزهار، و الزعفران، و الأشنان، و القطن، و الكتان، و نحوها و لكن ظاهرهم الإجماع على عدم الاستحباب فيها مع ورود النص في نفيها عن القطن، و الزعفران، و الأشنان۱۳ و إن أمكن حمل ذلك على نفي الوجوب لا أصل الرجحان، و يشهد له اقتصار الأصحاب على استثناء خصوص الخضر عن نفي الاستحباب.
و خلاصة القول في زكاة غير الأجناس التسعة المعروفة: أنّ الاحتمالات فيها ثلاثة- الأول: حمل ما ورد في زكاتها على التقية، فلا وجه لاستحباب الزكاة فيها أصلا، و هذا الاحتمال حسن ثبوتا و ضعيف إثباتا عن سياق جملة منها، مع كثرة ما ورد في الترغيب إلى الصدقة، و كون تلك الحبوب في المرأى و المنظر من الفقراء، و إطلاق قوله (صلّى اللَّه عليه و آله): «ملعون كل ما لا يزكى»۱4 و هو يشمل جميع الأموال، و التخصيص بالتسعة إنّما هو بالنسبة إلى الوجوب فقط لا أصل الرجحان، فيكون للعن مراتب بعضها تختص بالزكاة الواجبة، و بعضها تشمل غيرها. هذا مع أنّ الحمل على التقية إنّما هو بعد عدم إمكان الجمع العرفيّ، و الحمل على الاستحباب من الجمع العرفي.
الثاني: استحباب الزكاة في غير التسعة المعروفة مما ذكر و هذا هو المتحصل من مجموع الأخبار بعد الجمع و الإجماع.
الثالث: الوجوب بالنسبة إلى مطلق الحبوب بجعل من النبيّ (صلّى اللَّه عليه و آله)، ثانيا، كما أنّ الصلاة كانت في أول النبوة ركعتان فزادت بقية الركعات بجعل النبيّ (صلّى اللَّه عليه و آله) ثانيا. و نسب هذا القول إلى يونس و شيخه ابن الجنيد.
و هذا القول شاذ و مخالف للأصل و الإجماع، و موافق في الجملة مع العامة.
ثمَّ إنّ التعبيرات التي وردت لما لا زكاة فيه مما أنبتت الأرض ثلاثة: ۱- «لا يكون له بقاء»- ۲- «سريع الفساد»- ۳- «يفسد من يومه»۱٥. و الأخير أخصّ من الجميع فلا بدّ من حمل البقية عليه، و التفاح و جملة من الثمار لا يفسد في اليوم، بل بعض أقسام التفاح يبقى أياما أو شهورا خصوصا في البلاد الباردة.