للأصول، كأصالتي بقاء حياته و عدم انتقال ماله إلى غيره، و أصالة عدم جواز التصرف في ماله، و تقتضيه صحيحة هشام بن سالم قال: «سأل خطاب الأعور أبا إبراهيم عليه السلام و أنا جالس فقال: إنه كان عند أبي أجير يعمل عنده بالأجرة، ففقدناه، و بقي من أجره شيء، و لا يعرف له وارث، قال: فاطلبوه، قال:
قد طلبناه فلم نجده، فقال: مساكين- و حرك يده- قال: فأعاد عليه، قال: اطلب و اجهد، فإن قدرت عليه، و إلا فهو كسبيل مالك، حتى يجيء له طالب، فان حدث بك حدث فأوص به، إن جاء لها طالب أن يدفع إليه»۸۸، حيث يستفاد منها حكم كلي، و هو لا يصح التصرف في مال الغير مطلقا، فينطبق على المقام قهرا. و مما ذكرنا ظهرت الخدشة في دعوى أنها ليست ناظرة إلى الميراث.
و أما التحديد بعشر سنين، كما في صحيح علي بن مهزيار قال: «سألت أبا جعفر الثاني عليه السلام عن دار كانت لامرأة، و كان لها ابن و ابنة، فغاب الابن بالبحر، و ماتت المرأة، فادّعت ابنتها أن أمها كانت صيرت هذه الدار لها، و باعت أشقاصا منها، و بقيت في الدار قطعة إلى جنب دار رجل من أصحابنا، و هو يكره أن يشتريها لغيبة الابن، و ما يتخوّف أن لا يحل شراؤها، و ليس يعرف للابن خبر، فقال لي: و منذكم غاب؟ قلت: منذ سنين كثيرة، قال: ينتظر به غيبة عشر سنين، ثمَّ يشترى، فقلت: إذا انتظر غيبة عشر سنين، يحل شراؤها؟ قال: نعم»۸۹.
يحمل على مورد يستنكر عرفا بقاؤه أزيد من عشر سنين، كما إذا كان عمر الغائب حين غيبته مائة سنة- مثلا أو أكثر- قال الشهيد في المسالك: «بلوغ العمر مائة سنة الآن على خلاف العادة» بقرينة ما ورد فيها «سنين كثيرة» أو على حصول اليأس بضميمة ما تقدم فيها، و إلا فلا بد من ردّ علمه إلى أهله.
و أما التحديد بأربع سنين، كما في موثقة سماعة عن الصادق عليه السلام:
«المفقود يحبس ماله على الورثة قدر ما يطلب في الأرض أربع سنين، فإن لم يقدر عليه، قسم ماله بين الورثة، فإن كان له ولد حبس المال، و أنفق على ولده تلك الأربع سنين»۹۰، و في رواية إسحاق بن عمار: قال: قال لي أبو الحسن عليه السلام:
«المفقود يتربّص بماله أربع سنين ثمَّ يقسّم»۹۱ فيحمل على مورد يكون الطلب أكثر من أربع سنين مستنكرة عادة، فإن الغالب يحصل الاطمئنان بالموت في ظرف أربع سنين بالطلب.
فتلخص من جميع ما ذكرنا أن الأقسام ثلاثة:
فتارة: يطمأن بالموت قبل أربع سنين، فلا معنى للتربص إلى أربع سنين أبدا.
و أخرى: يطمأن بحياته، و لو بعد مضي أربع سنين أو أكثر بالفحص، فأي فقيه يتجرى على الفتوى بجريان أحكام الموت عليه مع فرض الاطمئنان بالحياة و لو بعد الفحص في أربع سنين؟! و ثالثة: حصول الاطمئنان بالموت بالفحص في أثناء أربع سنين، فلا موضوعية لأربع سنين بعد حصول الاطمئنان. فالروايات المتقدمة لا تنافي ما ذكرناه. إذا المدار على حصول الاطمئنان، و ان الغالب يحصل في مدة أربع سنين.
و أما موثق عمار عن أبي الحسن الأول عليه السلام قال: «سألته عن رجل كان له ولد، فغاب بعض ولده، فلم يدر أين هو، و مات الرجل، فأي شيء يصنع بميراث الرجل الغائب من أبيه؟ قال: يعزل حتى يجيء .. قال: إن كان ورثة الرجل ملأ بماله اقتسموه بينهم، فإذا هو جاء ردّوه عليه»۹۲، فهو محمول على أن الإرث يقسّم بينهم و يكون عندهم على سبيل الأمانة حتى يحصل الاطمئنان بالموت، أو يتبين الحال بقرينة الملاء الواردة في الرواية، إذ أن الملي غالبا في غنى عن الإرث، و إلا فلا خصوصية في الملاء.
و إن هذه الأمانة تكون أمانة شرعية أذن الشارع في التصرف فيها- لا أمانة مالكية- حتى يتبين الحال و تظهر الثمرة في النماء، كما هو واضح، مضافا إلى أنه مجهول لدى الأصحاب.
و لا يلحق المقام بالزوجة التي فقد عنها زوجها، كما تقدم في كتاب الطلاق، لأنه قياس لا نقول به، و أنه مع الفارق أيضا مع وجود روايات في المقام، كموثق سماعة و ابن عمار كما تقدمت.