لدعوى الإجماع عليه. و لا بد و أن يعلم أنّ الأمر في حكم السجدة المنسيّة، و التشهّد المنسي على العكس ففي الأولى دلّت الأخبار على وجوب قضائها فقط مع سكوتها عن سجدتي السهو، و أما الثاني، فالأخبار صريحة في وجوب سجدتي السهو فيه و استفادة وجوب قضاء التشهّد منها مشكلة كما يأتي.
و لا بد من البحث تارة: في وجوب قضاء السجدة لو لم يذكرها حتى ركع.
و أخرى: في وجوب سجدتي السهو لها. و ثالثة: في قضاء التشهّد المنسي إن لم يذكره حتى ركع. و رابعة: في وجوب سجدتي السهو له.
أما الأولى: فتدل عليه أخبار كثيرة منها: صحيح إسماعيل بن جابر عن الصادق (عليه السلام): «رجل نسي أن يسجد السجدة الثانية حتى قام فذكر و هو قائم أنّه لم يسجد قال (عليه السلام): فليسجد ما لم يركع فإذا ركع فذكر بعد ركوعه أنّه لم يسجد فليمض على صلاته حتى يسلّم ثمَّ يسجدها فإنّها قضاء- الحديث-»۱، و قريب منه صحيح ابن مسكان عن أبي بصير مع زيادة قوله (عليه السلام): «و ليس عليه سهو»۲.
و منها: موثق الساباطي عن الصادق (عليه السلام): «سئل عن الرجل نسي سجدة فذكرها بعد ما قام و ركع قال (عليه السلام): يمضي في صلاته و لا يسجد حتى يسلّم، فإذا سلّم سجد مثل ما فاته قلت: فإن لم يذكر إلّا بعد ذلك؟
قال (عليه السلام): يقضي ما فاته إذا ذكره»۳.
و عن عليّ بن جعفر عن أخيه موسى (عليه السلام): «سألته عن الرجل يذكر أنّ عليه السجدة يريد أن يقضيها و هو راكع في بعض صلاته كيف يصنع؟
قال (عليه السلام) يمضي في صلاته فإذا فرغ سجدها»4 بناء على أنّ المراد السجدة المنسيّة و إلّا تكون أجنبية عن المقام، و مقتضى إطلاقها عدم الفرق بين كونها من الأولتين أو الأخيرتين، بل في خبر جعفر بن بشير التصريح به قال:
«سئل أحدهم (عليه السلام) عن رجل ذكر أنّه لم يسجد في الركعتين الأولتين إلّا سجدة و هو في التشهّد الأول قال (عليه السلام): فليسجدها ثمَّ لينهض و إذا ذكرها و هو في التشهّد الثاني قبل أن يسلّم فليسجدها ثمَّ يسلّم ثمَّ يسجد سجدتي السهو»٥.
و مثله خبر محمد بن منصور: «سألته عن الذي ينسى السجدة الثانية من الركعة الثانية أو شكّ فيها قال (عليه السلام): إذا خفت أن لا تكون وضعت وجهك إلّا مرة واحدة فإذا سلّمت سجدت سجدة واحدة و تضع وجهك مرة واحدة و ليس عليك سهو»٦.
و لكن عن الشيخ و المفيد (رحمهما اللّه) بطلان الصلاة إن كانت من الأولتين، لصحيح البزنطي قال: «سألت أبا الحسن الأول (عليه السلام) عن رجل يصلّي ركعتين ثمَّ ذكر في الثانية و هو راكع أنّه ترك السجدة في الأولى قال: كان أبو الحسن (عليه السلام) يقول: إذا ترك السجدة في الركعة الأولى فلم يدر واحدة أو ثنتين استقبلت الصلاة حتى يصح لك ثنتان و إذا كان في الثالثة و الرابعة فتركت سجدة بعد أن تكون قد حفظت الركوع أعدت السجود»۷.
و فيه: أنّه معارض بصريح ما مرّ من الخبرين الأخيرين، مع وهنه بإعراض المشهور، مع ما فيه من اضطراب المتن، لأنّ السائل سأل عن ترك سجدة واحدة و أجاب (عليه السلام) عمّا إذا ترك السجدة و لم يعلم أنّها واحدة أم ثنتان و لا ربط له بالسؤال إلّا بالتكلّف، فلا بد من رد علمه إلى أهله.
و عن الكليني و العماني (رحمهما اللّه) بطلان الصلاة مطلقا مستندا إلى مرسل معلّى بن خنيس قال: «سألت أبا الحسن الماضي (عليه السلام) في الرجل ينسى السجدة من صلاته، قال إذا ذكرها قبل ركوعه سجدها و بنى على صلاته ثمَّ سجد سجدتي السهو بعد انصرافه، و إن ذكرها بعد ركوعه أعاد الصلاة، و نسيان السجدة في الأولتين و الأخيرتين سواء»۸.
و فيه: مضافا إلى وهنه بالإرسال- و إعراض المشهور، بل في التذكرة و الذكرى الإجماع على خلافه، مع أنّ رواية معلّى عن أبي الحسن (عليه السلام) غير معهودة لأنّه قتل في زمان الصادق (عليه السلام)- إمكان حمله على ما لا يخالف المشهور من كون المراد بنسيان السجدة نسيان جنسها الشامل للسجدتين، بل الظاهر من تعبير ينسي السجدة هو ذلك، لأنّه غير التعبير بنسي سجدة كما لا يخفى فلا محيص إلّا عن المشهور و طريق الاحتياط معلوم.
ثمَّ إنّ المشهور قضاء السجدة المنسية بعد السلام، و يدل عليه ما تقدّم من الأخبار، بل قد تقدّم في موثق الساباطي النهي عن إتيانها قبل السلام، و لكن ظاهر ما تقدّم من خبر جعفر بن بشير إتيانها قبل السلام، و في صحيح ابن أبي يعفور عن
الصادق (عليه السلام): «إذا نسي الرجل سجدة و أيقن أنّه قد تركها فليسجد بعد ما يقعد قبل أن يسلّم»۹، و يمكن حمله على ما إذا التفت قبل الركوع، و خبر ابن بشير قال: «سئل أحدهم عن رجل ذكر أنّه لم يسجد في الركعتين الأولتين إلّا سجدة و هو في التشهّد الأول قال (عليه السلام): فليسجدها ثمَّ لينهض، و إذا ذكره و هو في التشهّد الثاني قبل أن يسلّم فليسجدها ثمَّ يسلّم ثمَّ يسجد سجدتي السهو»۱۰ معارض بالأخبار الدالّة على أنّ محل القضاء بعد السلام و الترجيح معها عملا و رواية، و يقتضيه مرتكزات المتشرّعة أيضا، و لم ينقل القول بمفاد خبر ابن بشير إلّا عن الإسكافي.
أما الثانية: و هي وجوب سجدتي السهو لنسيان السجدة الواحدة، فهو المشهور و استدلّ عليه تارة: بالإجماع المدعى في الخلاف، و الغنية و التذكرة.
و فيه: أنّ المناقشة في مثل هذه الإجماعات واضحة كما ذكر في الأصول.
و أخرى: بمرسل سفيان بن السمط: «تسجد سجدتي السهو في كل زيادة تدخل عليك أو نقصان»۱۱. و فيه: مضافا إلى قصور سنده أنّه مخصص بأدلّة المقام الدالّة على عدم وجوبها كموثق عمار: «سئل عن الرجل ينسى الركوع أو ينسى سجدة هل عليه سجدة السهو؟ قال (عليه السلام): لا، قد أتمّ الصلاة»۱۲، و اشتماله على صحة الصلاة مع نسيان الركوع- و هو خلاف المذهب- لا يضرّ بصحة بقيته، كما ثبت في محلّه، و قد تقدّم قول أبي عبد اللّه في صحيح أبي بصير: «و ليس عليه سهو»۱۳، مع أنّه بعد قضاء السجدة لا يصدق النقص في الصلاة شرعا حتى تجب سجدتا السهو للنقيصة إلّا أن يراد مجرّد الترك في المحل و إن تدارك بعد ذلك.
و ثالثة: بخبر منهال القصاب: «سألت أبا عبد اللّه (عليه السلام) أسهو في
الصلاة و أنا خلف الإمام، فقال (عليه السلام): إذا سلّم فاسجد سجدتي السهو و لا هب۱4 و فيه: أنّه مطلق فيقيّد بصحيح أبي بصير، أو يحمل على الندب جمعا.
و رابعة: بصحيح فضيل بن يسار: «من حفظ سهوه فأتمّه فليس عليه سجدتا السهو، و إنّما السهو على من لم يدر أ زاد في صلاته أم نقص منها»۱٥. و فيه: ما تقدّم في سابقة، مع أنّه بعد قضاء السجدة لا يصدق النقيصة كما مر، و مرّ إمكان المناقشة فيه.
و خامسة: ما تقدّم من خبر جعفر بن بشير۱٦. و فيه: أنّه محمول على الندب جمعا بينه و بين صحيح أبي بصير، مع أنّ أخبار وجوب قضاء السجدة- في مقام البيان و سكوتها عن وجوب سجود السهو- شاهد على عدم الوجوب، و لكن مع ذلك كلّه المشهور هو المتبع المنصور.
أما الثالثة: و هي وجوب قضاء التشهّد، فهو المشهور و استدلّ عليه تارة: بما ادعي من الإجماع في الخلاف و الغنية، و المقاصد العلية.
و أخرى: بجملة من الأخبار منها: صحيحا ابن سنان و حكم بن حكيم، و في الأول: «إذا نسيت شيئا من الصلاة- ركوعا أو سجودا أو تكبيرا- ثمَّ ذكرت فاقض الذي فاتتك سهوا (سواء)»۱۷ ، و في الثاني: «سألت أبا عبد اللّه (عليه السلام) عن رجل ينسى من صلاته ركعة أو سجدة أو الشيء منها ثمَّ يذكر بعد ذلك قال (عليه السلام): يقضي ذلك بعينه، قلت أ يعيد الصلاة؟ قال (عليه السلام):
لا»۱۸.
و منها: صحيح ابن مسلم عن أحدهما (عليهما السلام): «في الرجل يفرغ من صلاته و قد نسي التشهّد حتى ينصرف فقال (عليه السلام): إن كان قريبا رجع
إلى مكانه فتشهّد و إلّا طلب مكانا نظيفا فتشهّد فيه و قال (عليه السلام): إنّما التشهّد سنّة في الصلاة»۱۹.
و منها: خبر عليّ بن حمزة قال أبو عبد اللّه (عليه السلام): «إذا قمت في الركعتين الأولتين و لم تتشهّد فذكرت قبل أن تركع، فاقعد فتشهّد و إن لم تذكر حتى تركع فامض في صلاتك كما أنت، فإذا انصرفت سجدت سجدتين لا ركوع فيها ثمَّ تشهّد التشهّد الذي فاتك»۲۰.
و نوقش في الجميع: أما الإجماع، فلأنّ المحصل منه غير حاصل و منقوله بلا طائل. و أما الصحيحان، فلأنّ الأخذ بعمومهما مما لم يقل به أحد و تخصيصهما بخصوص السجدة و التشهّد المنسيين من التخصيص المستهجن، و الحمل على الندب بالنسبة إلى غيرهما و الوجوب بالنسبة إليهما خلاف المنساق منهما مع تعارضهما بما يأتي من الأخبار الدالّة على عدم الوجوب. و أما صحيح ابن مسلم، فهو معارض بما يأتي، مع أنّ المنساق التشهّد الأخير كما في الحدائق، فلا يشمل التشهّد الوسط، فتأمّل. و أما خبر ابن حمزة، فظاهره قيام تشهّد سجدتي السهو مقام التشهّد المنسيّ و لا يقول به المشهور، بل حكموا بلزوم تقديم قضائه على سجدتي السهو. نعم، حكي الاجتزاء به عن المقنع، و الفقيه، و المفيد.
و أما الأخبار التي يظهر منها عدم وجوب قضاء التشهّد، فكثيرة كموثق أبي بصير: «سألته عن الرجل ينسى أن يتشهّد قال (عليه السلام): يسجد سجدتين يتشهّد فيهما»۲۱.
و صحيحة ابن أبي يعفور عن الصادق (عليه السلام): «سألته عن الرجل يصلّي الركعتين من المكتوبة فلا يجلس فيهما حتى يركع، فقال (عليه السلام):
إن كان ذكره و هو قائم في الثالثة فليجلس و إن لم يذكر حتى يركع فليتم صلاته ثمَ
يسلّم و يسجد سجدتي السهو و هو جالس قبل أن يتكلم»۲۲.
و في صحيح ابن خالد: «سألت أبا عبد اللّه (عليه السلام) عن رجل نسي أن يجلس في الركعتين الأولتين، فقال: إن ذكر قبل أن يركع فليجلس و إن لم يذكر حتى يركع فليتم الصلاة حتى إذا فرغ فليسلم و ليسجد سجدتي السهو»۲۳.
و مثلها صحيح ابن أبي يعفور۲4، و ابن سنان۲٥، و الحلبي۲٦، و خبر الصيقل۲۷، و ابن أبي العلاء۲۸.
و المتحصّل من المجموع: أنّه إن كان المنسيّ التشهّد الأخير و تذكر قبل إتيان المنافي المطلق يرجع و يأتي به و يتم الصلاة و يأتي بسجدتي السهو للسلام بناء على كونه من السلام السهوي، و إن كان التشهّد الوسط. فإن تذكّر قبل الركوع يرجع و يأتي به و إلّا فلا شيء عليه إلّا سجدتي السهو هذا و لكن رفع اليد عن إطلاق صحيح ابن مسلم، و صحيحي حكم بن حكيم، و ابن سنان مشكل، فتحمل هذه الأخبار على أنّها ليست واردة في مقام البيان من هذه الجهة، مع أنّ إعراض المشهور عنها أسقطها عن الاعتماد عليها، مع أنّ في بعضها «يتم صلاته ثمَّ يسلّم و يسجد سجدتي السهو»۲۹. و يمكن أن يكون إتمام الصلاة إشارة إلى قضاء التشهّد، لأنّه من متمّمات الصلاة.
و أما ما في بعضها: «حتى إذا فرغ فليسلم و ليسجد سجدتي السهو»۳۰، فيمكن أن يكون المراد به الفراغ من إتمام الصلاة الذي يحصل بقضاء التشهّد.
و بالجملة: يمكن توجيه مثل هذه الأخبار بما لا ينافي المشهور، و يمكن أن يقال: إنّ المستفاد من صحيحي ابني سنان و حكيم أنّ الأصل في أجزاء الصلاة عند نسيانها هو القضاء إلّا ما خرج بالدليل، كما يكون الأمر في قضاء أصل
الفرائض اليومية أيضا كذلك، فتكون الأجزاء تابعة للكل في القضاء. و لكنه مشكل بعد عدم عملهم بإطلاق الصحيحين ثمَّ إنّ طريق الاحتياط الإتيان بالتشهّد الخفيف قبل الإتيان بسجدتي السهو و قصد القربة المطلقة في تشهّد سجدتي السهو. هذا.
أما الرابعة: و هي وجوب سجدتي السهو للتشهّد المنسيّ، فتدلّ عليه المستفيضة التي مرّت جملة منها، مضافا إلى الإجماع.