البحث في القرعة من جهات:
الأولى: في اعتبار أصل القرعة. و لا ريب في اعتبارها في الجملة بالأدلة الثلاثة، فمن الكتاب ما ورد في قصتي كفالة مريم٥، و إلقاء يونس في البحر٦، و من السنة نصوص مستفيضة بين العامة۷، و الخاصة منها قول أبي الحسن عليه السّلام: «كل مجهول ففيه القرعة»۸، و عن أبي جعفر عليه السّلام: «ليس من قوم تقارعوا ثمَّ فوضوا أمرهم إلى اللّه إلا خرج سهم المحق»۹، و عن الصادق عليه السّلام:
«القرعة سنة»۱۰، إلى غير ذلك من الأخبار.
و من الإجماع إجماع الإمامية- بل المسلمين- على اعتبارها في الجملة، و الظاهر صحة دعوى جريان بناء العقلاء على التمسك بها في الحيرة المطلقة فتصير الأدلة أربعة، فلا وجه لما نسب إلى بعض من أنها نحو من القمار.
ثمَّ ان الظاهر عدم اختصاص القرعة بخصوص المسلمين بل هي دائرة بين الناس في الجملة على ما نقل.
نعم، تخفيف كيفية الاستقراع كما ان الظاهر انه ليست لها كيفية خاصة، بل تحصل بكلما حصلت به استخراج المجهول بإيكال الأمر إلى ما هو خارج عن الاختيار، و ما ورد في بعض الأخبار۱۱ من الكيفية انما هي من باب بيان احدى الطرق و المصاديق، و إلا فالإطلاقات الواردة فيها غير قابلة للتقييد بذلك.
الثانية: لا ريب في ان موردها الشبهات الموضوعية المطلقة من كل حيثية و جهة على نحو تنقطع اليد عن كل أمارة و قاعدة و أصل و اجتهاد ظني، و مع ذلك لا بد من الانجبار بعمل الأصحاب في مورد جريانها لأن تشخيص موردها صعب جدا على الفقيه فضلا عن غيره.
الثالثة: هل تكون لها موضوعية خاصة في القسمة و تكون شرطا لصحتها و لو مع رضاء الشركاء بالقسمة بدونها، بحيث لو عدلت السهام و حصل التراضي من كل جهة- حدوثا و بقاء- لا تحصل القسمة إلا بالقرعة أو أنها طريق محض لقطع التنازع لو وقع نزاع في البين و انحصر رفعه بالقرعة و تراضيا عليها؟ الحق هو الأخير لإطلاق قوله تعالى لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ۱۲، الدالة على كفاية التراضي مطلقا.
و القسمة و إن لم تكن تجارة لكن يستفاد من الآية الكريمة أن المناط كله في حلية الماليات التراضي و ذكر التجارة من باب الغالب، و لقاعدة «السلطنة» و قوله عليه السّلام: «المؤمنون عند شروطهم»۱۳، و إطلاق ما ورد في قسمة الدين كخبر غياث عن عليّ عليه السّلام: «في رجلين بينهما مال منه بأيديهما و منه غائب عنهما، فاقتسما الذي بأيديهما، و أحال كل واحد منهما من نصيبه الغائب فاقتضى أحدهما و لم يقتض الآخر قال عليه السّلام: ما اقتضى أحدهما فهو بينهما و ما يذهب بينهما»۱4، و مثله غيره فإن عدم ذكر القرعة يكشف عن كفاية الرضاء بالقسمة مطلقا و لو بدون القرعة، و عن صاحب الجواهر اشتراط صحة القسمة بالقرعة و لم يأت بدليل إلا المصادرة فراجع و تأمل.
الرابعة: ليس عند الإمامية شيء تكون له موضوعية خاصة في إثبات مؤداه من الأمارات و القواعد و البينات و الايمان و القضاء و الفتوى و الأصول مطلقا و غيرها، بل جميعها قد تصيب الواقع و قد تخطئ فما ورد في القرعة من أنه «ما تنازع قوم ففوضوا أمرهم إلى اللّه عز و جل إلا خرج سهم المحق»۱٥، و مثله ما تقدم عن أبي جعفر عليه السّلام و خبر ابن حكيم قال: «سألت أبا الحسن عليه السّلام عن شيء، فقال لي: كل مجهول ففيه القرعة، قلت له: أن القرعة تخطئ و تصيب، قال: كل ما حكم اللّه به فليس بمخطئ»۱٦، فلا بد من حمل لها على اعتبار القرعة في الحكم الظاهري و قطع النزاع و فصل الخصومة لا الإصابة الدائمية بالنسبة إلى الحكم الواقعي، كما ورد في قولهم عليه السّلام بالنسبة إلى الحاكم الشرعي بأن الراد عليه «كالراد علينا»۱۷.