لدعوى كل منهما في ظاهر دعواه غير ما يدعيه الآخر، و عدم وجود قدر جامع في مورد النزاع و التخاصم في الزائد عليه حتى يصير النزاع من المدعي و المنكر.
و فيه: أن الدعوى مطلقا، سواء كان في مورد التداعي أو في مورد المدعي و المنكر لا بد و أن يكون له أثر ملزم فعلي حتى يستحق الدعوى و المطالبة به حين تقرير الدعوى، و في المقام متفقان على استحقاق الأجرة و المستأجر يطالب الأجير بالعمل الخاص و هو ينكره فهما من المدعي و المنكر.
نعم، إن طالب الأجير المستأجر بحق فعلي ملزم يكونان من المتداعيين، و لكنه ليس بحق فعلي بل حق تعليقي على عمله لو عمل به، و في مثله ليست الدعوى ملزمة فهو من المتداعيين بمعنى أن أحدهما له الدعوى الفعلي و الآخر له الدعوى الاستقبالي، و في تعميم التحالف الى هذا النحو من الدعوى إشكال بل منع لكونه خلاف الموازين المقررة في كتاب القضاء، و لذا قال سيد مشايخنا في حاشيته الشريفة على المقام و نعم ما قال: «بل يقدم قول المؤجر في المسألتين مع يمينه على نفي ما يدعيه المستأجر» و محل تنقيح هذه المسائل انما هو كتاب القضاء فراجع.
فروع: لا بأس بالإشارة إليها و إن كان لها محل آخر.
الأول: يأتي في كتاب القضاء ان حكم الحاكم لا يغير الواقع عما هو عليه، لقول النبي صلّى اللّه عليه و آله: «إنما أقضي بينكم بالبينات و الايمان، و بعضكم ألحن بحجته من بعض، فأيما رجل قطعت له من مال أخيه شيئا فإنما قطعت له قطعة من النار»۱۲، فالحاكم الذي يحكم ببطلان كلا الدعويين في مورد التحالف مع العلم الإجمالي بكون إحداهما ثابتا في الواقع يصير حكمه خلاف الواقع، فلا اعتبار به و قد أجيب عنه بوجوه تعرضنا لبعضها في حجية القطع من كتابنا (تهذيب الأصول)، منها أن مصلحة اعتبار حكم الحاكم أقوى من مفسدة الوقوع في خلاف الواقع لان الواقع تحت سلطة الشارع فله أن يحكم فيه بما يشاء و يتخير فيه بما يريد.
الثاني: قد أثبتنا في كتاب القضاء أنه يجب تنفيذ حكم الحاكم الجامع للشرائط بالأدلة الأربعة، ففي مورد التحالف الذي يعلم إجمالا بمخالفة حكمه للواقع كيف يجب هذا لتنفيذ مع العلم بأنه خلاف الواقع؟! و ليس الحكم إلا كسائر الحجج التي لا اعتبار بها مع العلم بمخالفتها للواقع.
و يمكن أن يجاب بأن الشارع في مورد الحكم رفع اليد عن الواقع لكثرة أهمية الحكم و المصالح الكثيرة المترتبة على تنفيذه و عدم رده، كما رفع اليد عن الواقع في مورد التقية و التكاليف الاضطرارية و مفسدة ترك الواقع متداركة بمصلحة هي أهم منها، و لا محذور في ذلك من عقل أو نقل بل هو واقع كثيرا في الفقه، و كلما يقال في عدم جواز مقاصة ذي الحق بعد اليمين و إن علم ثبوت حقه و كذب المنكر الذي وردت فيه النصوص۱۳، يقال في نفس اعتبار الحكم و حجتيه أيضا.
و أما ما تقدم من قول النبي صلّى اللّه عليه و آله في الصحيح فهو ان ما ورد لسد باب من يعلم بكذب نفسه و مع ذلك يدعي أو ينكر، و لاعتبار كثرة الاهتمام بالجزم بالدعوى، و أما إذا لم يكن كذلك بل كان كل منهما معتقدا لصدقه في مقاله، فلا يشمل الصحيح له لانحصار حسم النزاع حينئذ في الترافع لدى الحاكم، و لم يصدر من المتنازعين قصور و لا تقصير و سيأتي الكلام في حكم الحاكم في القضاء.
الثالث: ليس للمدعي بعد حلف طرفه مطالبة حقه منه و لا مقاصته و لا تسمع دعواه بعد ذلك إجماعا و نصا، قال الصادق عليه السلام في صحيح ابن أبي يعفور:
«اليمين قد أبطلت كلما ادعاه قبله مما قد استحلفه عليه، قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:
من حلف لكم على حق فصدقوه، و من سألكم باللّه فأعطوه، ذهبت اليمين بدعوى المدعي و لا دعوى له»۱4، و في خبر النخعي عن الصادق عليه السلام: «في الرجل يكون له على الرجل المال فيجحده، قال عليه السلام: «إن استحلفه فليس له أن يأخذ شيئا، و ان تركه و لم يستحلفه فهو على حقه»۱٥، و في صحيح ابن خالد قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن رجل وقع لي عنده مال فكابرني عليه و حلف ثمَّ وقع له عندي مال آخذه لمكان مالي الذي أخذه و أجحده و أحلف عليه كما صنع؟ قال عليه السلام: إن خانك فلا تخنه و لا تدخل فيما عتبته عليه»۱٦، إلى غير ذلك مما يأتي في كتاب القضاء إن شاء اللّه تعالى.
الرابع: لا فرق في سقوط الدعوى باليمين بين كون الدعوى دينا أو عينا، لظهور الاتفاق على عدم الفرق، و يقتضيه بعض الإطلاقات أيضا و ليس المقام محل ذكر هذه المسائل و انما محلها كتاب القضاء على ما سيأتي إن شاء اللّه تعالى.