أما أصل ثبوت الضمان في وضع اليد على الأموال المحترمة مطلقا فهو ثابت بالأدلة الأربعة بلا فرق بين المثليات و القيميات، و يمكن أن يعد هذا من الفطريات البشرية و يدور عليه نظام معاملاتهم و حفظ أموالهم.
و أما ان المدار في قيمة القيميات على أي وقت فقد اختلفت فيه الأقوال اختلافا كثيرا عمدتها ثلاثة:
الأول: يوم العدوان لصحيح أبي ولّاد لقوله عليه السّلام فيه: «قيمة بغل يوم خالفته»۸، بناء على كون الظرف قيد للقيمة.
الثاني: قيمة يوم التلف و هو المشهور.
الثالث: قيمة يوم الدفع و الأداء و هو قول محققي المتأخرين.
و لا بد من بيان ما هو المأنوس في أذهان الناس في الضمان مع تلف العين.
و ثانيا: بيان أنه هل ورد فيها نص تعبدي يتعبد به أو لا؟.
و ثالثا: ما هو مقتضى القاعدة الكلية المطلقة في جميع الموارد حتى تتبع مطلقا.
أما الأول: فتطابقت آراء العقلاء على أن كل من استولى على مال الغير لا بد له من خروجه عن عهدته، إما برد عينه أو بدله، و ليس النبوي المعروف:
«على اليد ما أخذت حتى تؤدي»۹، إلا بيانا لهذا المرتكز العقلائي و الأمر النوعي النظامي، و لا وجه للمناقشة في سنده بأن في سنده سمرة بن جندب و قيل فيه انه شر البرية، لأن القاعدة نظامية لا تعبدية حتى يلتمس فيها صحة السند، كما لا وجه لتطويل البحث في متنه بأن الوجوب المستفاد منه هل هو تكليفي أو وضعي؟ و على الأول هل المراد وجوب أداء نفس المأخوذ أو وجوب أداء البدل أو وجوب الحفظ، لأن كل ذلك من التطويل بلا طائل، لأنا إذا عرضناه على العرف يتبادر منه في أذهانهم ان كل ذي عهدة لمال محترم لا بد و أن تفرغ عهدته بالعين أو البدل، فالحكم وضعي يتبعه التكليف، و هذا واضح لا ريب فيه كما لا ريب في أنه مع بقاء العين و إمكان رده إلى صاحبه لا وجه للانتقال إلى البدل مثلا أو قيمة، ثمَّ مقتضى الأنس الذهني أنه وقت الأداء حيث إنه وقت تفريغ الذمة و قطع العلاقة بين الضامن و الطرف هو وقت تعيين المالية إلا مع دليل على الخلاف، فلو أدى الضامن ماليته وقت الدفع و الأداء لا يستنكر منه عرفا، و لكن لو طالب الطرف ماليته وقت آخر لا يقبل قوله إلا بحجة معتبرة تدل على صحة قوله، و لا بد له من إثبات ذلك بوجه معتبر مع أن تقويم نوع الأشياء إنما يلحظ تقويما فعليا عند الصرف و الحاجة لا أن يكون من التقويم التعليقي فيكون التقويم في المضمونات عند الحاجة هو وقت الأداء و الدفع.
و أما الثاني: قد يستظهر من صحيح أبي ولّاد أن المدار في الضمان على وقت العدوان، و قد اختاره جمع.
و فيه .. أولا: ان الاحتمالات في متعلق الظرف ثلاثة كما تقدم في كتاب البيع و لا معين في البين لخصوص هذا الاحتمال.
و ثانيا: انه على فرض الاستظهار لا يستفاد منه إلا حدوث طبيعي الضمان في يوم المخالفة، و أما انه قيمة خصوص ذلك اليوم أو غيره فلا يستفاد ذلك منه.
و ثالثا: يبعد ذلك فيما إذا كان التفاوت فاحشا كما إذا كانت قيمة يوم العدوان درهما و حين الأداء خمسة مثلا.
و رابعا: لو كان الصحيح ظاهر فيما ذكر عرفا كيف ترتقي الأقوال في المسألة الى أكثر من عشرة؟! و كيف ينسب إلى المشهور اختيار يوم التلف بدعوى ان الضمان لا بد له من متعلق فما دام العين يكون موجودا يكون متعلقه نفس العين، و مع تلفه إما أن يزول الضمان بزوال المتعلق و هو خلاف الضرورة أو يتعلق بالقيمة و هو المطلوب، مضافا إلى ما ورد في من أعتق حصته من عبد انه يقوّم قيمته يوم أعتق۱۰.
و فيه. أولا: ان زوال العين من الخارج لا يوجب زوالها عن الاعتبار الذمي، فهي و ان تلفت خارجا و لكنها باقية في الذمة اعتبارا، فالضمان ثابت بالنسبة إلى نفس العين إلى حين فراغ الذمة و لا يفرّق فيه بين وجود العين في الخارج و عدمه، و أما الخبر فلا بد فيه من اعتبار يوم العتق لزوال المالية عنه حينئذ، و لا وجه لماليته بعد العتق لا خارجا و لا اعتبارا، إذ الحر لا يملك بوجه و لا تعتبر الملكية فيه أيضا اعتبارا صحيحا إلا بفرض الوهم الذي لا أثر له.
و ثانيا: يشكل ذلك فيما إذا كانت القيمة يوم العدوان كثيرا و يوم التلف صارت قليلة، كما إذا كانت القيمة يوم العدوان خمسة دراهم و صارت يوم التلف درهما مثلا، فلا وجه لإطلاق هذا القول أيضا، و يجاب عما ورد في العتق بذلك أيضا فإنه لا يدل على أزيد من حدوث طبيعي الضمان يوم العتق، و أما الخصوصية فلا تستفاد منه، و كذا يشكل عليه بالإشكال الثاني أيضا فيما إذا تفاوتت القيمة تفاوتا كثيرا، ثمَّ ان هذا الأمر العام البلوى كيف كان مسكوتا عنه و لم يرد فيه إلا صحيح أبي ولّاد المجمل متنا، و خبر العتق القاصر سندا و المجمل متنا أيضا، فلا بد و ان تكون في البين قاعدة ارتكازية أوكل الأمر إليها.
و أما الثالث: و هو بيان القاعدة في نظائر المقام، فنقول: ان لكل عين من الأعيان جهات و حيثيات.
الأولى: المالية المحضة التي بها يقوم سوق الأنام، و يتم النظام.
الثانية: ما يرد عليها من الرخص و الغلاء و ارتفاع القيمة السوقية و انحطاطها.
الثالثة: شخصيتها الخارجية من حيث كونها موجودا خارجيا.
الرابعة: منافعها التي هي أيضا من أهم شؤون ماليتها.
الخامسة: اعتبار وجودها في الذمة و ان تلفت في الخارج، و هذا اعتبار صحيح عقلا و شرعا، و لا ملازمة بين التلف الخارجي و سقوط الاعتبار الذمي لأنهما كالوجود الخارجي و الذهني، فإن انعدام الشيء من الخارج لا يوجب الانعدام الذهني، فالعين باقية في الذمة و معتبر فيها الى حين فراغ الذمة فيكون المناط على قيمة يوم الأداء و الدفع، و لو حصل ارتفاع القيمة في البين فهو على قسمين:
الأول: ما يكون حاصلا و زائلا بسرعة.
الثاني: ما يكون له ثبات و استمرار في الجملة و لا اعتبار بالأول عند العرف، و أما الثاني فهو معتبر فيشكل غمض النظر عنه.
نعم، لو كان العين موجودة خارجا و دفع نفس العين فلا أثر لارتفاع القيمة مطلقا، و لكن فيه أيضا إشكال إذا كانت مدة الارتفاع معتدا بها، و كان تأخير الأداء بتعمد ممن في يده المال، و كذا في صورة التلف التي تكون من تنزيل بقاء العين اعتبارا.
هذه غاية ما يمكن أن يقرب ان المناط على قيمة وقت الأداء، و لكن الأحوط التصالح و التراضي.