نفى الخلاف في الجواهر: عن عدم الاجتزاء إن لم يحصل الغسل وقد صرّح بالغسل، جمع كثير من الفقهاء، منهم الشيخ، والحلي، والعلامة والشهيد، ويقتضيه إطلاق النصوص المشتملة على الغسل أيضا. وعن جمع، بل نسب إلى المشهور: أنّ أقلّه مثلا البلل، وظاهرهم الاكتفاء به، وإن لم يحصل مسمّى الغسل، تمسكا بما تقدم من خبر نشيط: «مثلا ما على الحشفة من البلل»(۱۲)، فإنّ مقتضى الجمود عليه كفاية تضاعف البلل ولو لم يسمّى غسلا.
و فيه (أولا): إجمال الخبر، لأنّه يحتمل أن يكون كناية عن الاجتزاء بحصول مسمّى الغسل، وعدم استعمال الماء كثيرا فيما لا فائدة فيه بعد تحقق أصل الغسل، ويشهد له قول الصادق عليه السلام:
«يجزيك من الغسل والاستنجاء ما بلت يمينك»(۱۳).
نعم لو كان غرض صحيح في البين، فلا بأس بعدم الاجتزاء بحصول مسمّى الغسل، كما في الاستنجاء من الغائط، فعن جعفر عليه السلام عن أبيه:
أنّ النبي صلّى اللَّه عليه وآله قال لبعض نسائه:
«مري نساء المؤمنين أن يستنجين بالماء ويبالغن، فإنّه مطهرة للحواشي و مذهبة للبواسير»(۱٤).
(و ثانيا): أنّه لا وجه للأخذ بهذا المجمل ورفع اليد عن الإطلاقات المشتملة على لفظ الغسل(۱٥) الظاهرة في وجوب تحققه، كما في سائر موارد استعمالاته.
(و ثالثا): لا وجه لنسبة ذلك إلى المشهور،- كما في المسالك وغيره- لأنّ أعلام الفقه أفتوا بلزوم تحقق الغسل، فكيف ينسب إلى مشهورهم كفاية مثلي البلل ولو لم يتحقق الغسل.
(و رابعا): كيف يجتزأ بمثلي البلل مع عدم تحقق الغسل في مقابل قول أبي جعفر عليه السلام- في حديث-: «و أما البول فإنّه لا بد من غسله»(۱٦).
فأي داع لهم بعد ذلك لطرح هذا، والأخذ بما لم يعلم المراد منه، أو علم أنّ المراد منه عدم إسراف الماء؟
و (خامسا): استعمال مثلي البلل مع عدم صدق الغسل بالنسبة إلى مخرج بول النساء تسرية للنجاسة، ومثيرة للوسواس، فكيف يأمر الشارع بذلك في هذا الأمر العام البلوى؟
و (سادسا): إنّ صاحب الحدائق وصف خبر نشيط بالضعف. وهو كذلك فيما تفحصت عاجلا، مع أنّه معارض بمرسلة: «يجزي من البول أن تغسله بمثله»(۱۷).
فإن رجع ضمير «المثل» إلى البول- كما عن الشيخ رحمه اللَّه- فلا ريب في تحقق الغسل، ويشهد له ذكر لفظ «البول» قبله. وإن رجع إلى البلّة التي تكون على رأس الحشفة، فهو مخالف للنص والفتوى، فيا ليت أنّ نشيطا لم يرو خبرية المرسل، والمسند حتى لا يقع الفقهاء في هذه المتعبة.
فروع- (الأول): يكفي صدق مجرد الغسل عرفا، ولا يجب الزائد عليه، لظهور الإطلاق والاتفاق.
(الثاني): لا يعتبر تعدد الغسل في المعتصم كالكرّ، والجاري، والمطر، وإن تطهر بالقليل يعتبر ورود الماء على المحل على الأحوط، دون العكس، وقد تقدم وجه ذلك في المطهّرات(۱۸).
(الثالث): لو تعدّى البول من رأس الحشفة إلى سائر أجزاء القضيب، فإن كان بالقدر المتعارف يلحقه حكم الاستنجاء، وإن كان بغيره فيجب غسله مرّتين، لما تقدم. ولو شك في التعدّي بنى على العدم للأصل.