بالإجماع بل بضرورة الفقه، فوضع اليد على مال الغير اما عدواني أو إذني، و هو إما من المالك أو من الشارع و ليس في البين قسم رابع.
الأمانة على قسمين مالكية و شرعية (۱). أما الأول: فهو ما كان باستيمان من المالك و إذنه سواء كان عنوان عمله ممحضا في ذلك كالوديعة أو بتبع عنوان آخر مقصود بالذات كما في الرهن و العارية و الإجارة و المضاربة فإن العين بيد المرتهن و المستعير و المستأجر و العامل أمانة مالكية، حيث ان المالك قد سلمها بعنوان الاستيمان و تركها بيدهم من دون مراقبة فجعل حفظها على عهدتهم (۲). و أما الثاني: فهو ما لم يكن الاستيلاء على العين و وضع اليد عليها باستيمان من المالك و لا إذن منه، و قد صارت تحت يده لا على وجه العدوان (۳)، بل إما قهرا كما إذا طارته الريح أو جاء بها السيل مثلا في ملكه و إما بتسليم المالك لها بدون اطلاع منهما كما إذا اشترى صندوقا فوجد فيه المشتري شيئا من مال البائع بدون اطلاعه أو تسلم البائع أو المشتري زائدا على حقهما من جهة الغلط في الحساب و اما برخصة من الشرع كاللقطة و الضالة و ما ينتزع من يد السارق أو الغاصب من مال الغير حسبة (٤). للإيصال الى صاحبه و كذا ما يؤخذ من الصبي أو المجنون من مالهما عند خوف التلف في أيديهما حسبة للحفظ (٥) و ما يؤخذ مما كان في معرض الهلاك و التلف من الأموال المحترمة كحيوان معلوم المالك في مسبعة أو مسيل و نحو ذلك فإن العين في جميع هذه الموارد تكون تحت يد المستولي عليها أمانة شرعية يجب عليه حفظها و إيصالها في أول أزمنة الإمكان إلى صاحبها و لو مع عدم المطالبة و ليس عليه ضمان لو تلف في يده إلا مع التفريط أو التعدي (٦). كالأمانة المالكية و يحتمل عدم وجوب إيصالها و كفاية إعلام صاحبها بكونها عنده و تحت يده و التخلية بينها و بينه بحيث كلما أراد ان يأخذ أخذها بل لا يخلو هذا من قوة (۷) و لو كانت العين أمانة مالكية بتبع عنوان آخر و قد ارتفع ذلك العنوان كالعين المستأجرة بعد انقضاء مدة الإجارة و العين المرهونة بعد فك الرهن و المال الذي بيد العامل بعد فسخ المضاربة ففي كونها أمانة مالكية أو شرعية وجهان بل قولان لا يخلو أولهما من رجحان (۸).
و يدل على ذلك كله اتفاق الفقهاء و سيرة العقلاء في ذلك كله و بناؤهم على ان إعطاء العين في هذه الموارد بعنوان الحفظ و التحفظ عليه و لو كان بناء إجماليا ارتكازيا فلا تقع هذه العقود إلا مبنية على هذا البناء.
و بعبارة أخرى: الاستيمان المالكي ..
تارة: مدلول مطابقي للعقد كما في الوديعة.
و أخرى: التزامي عرفي عقلائي كما في غيرها مما ذكر و قد تقدم في العارية و سيأتي في الإجارة و المضاربة ما ينفع المقام كما يأتي في الرهن بعض الكلام إن شاء اللّه تعالى.
فإن الأولى أمانة مالكية، و الثانية يد ضمان لا استيمان بالأدلة الأربعة.
الأمور الحسبية ما كانت خيرا و إحسانا محضا و علم برضاء الشارع بالقيام بها من الإطلاقات و العمومات مثل قوله تعالى سابِقُوا إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ۱، و قوله تعالى فَاسْتَبِقُوا الْخَيْراتِ۲، و قوله تعالى ما عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ۳، و قوله صلّى اللّه عليه و آله: «اللّه في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه»4، و انما الكلام في ان القيام بها يختص أولا بحاكم الشرع و مع عدم التمكن منه يقوم بها الثقات أو أنه لا ترتيب في البين فيصح قيام الثقات بها و لو مع التمكن من الحاكم الشرعي قولان؟.
و الحق ان يقال: ان تصدي الحاكم الشرعي أو الإذن منه انما هو لإحراز الوثاقة و القيام بالعمل صحيحا و موافقا للموازين الشرعية فالمفروض إحراز ذلك كله و عليه فلا نحتاج إلى القول بالترتيب و لا الاستيذان منه، و إن كان ذلك لأجل الموضوعية فيه، فلا بد منه بلا إشكال، و مع الشك فاعتبار الوثاقة و القيام بالعمل بحسب الوظيفة الشرعية معلوم و موضوعية الإذن مشكوكة فالمرجع فيها هو الأصل فلا يعتبر الاستيذان بعد ذلك إلا إذا دل دليل بالخصوص عليه و هذا هو مقتضى الإطلاقات و العمومات المرغبة إلى الأمور الحسبية أيضا.
الكلام فيه و في نظائره عين الكلام فيما سبق من غير فرق بينها.
أما ان العين أمانة شرعية في هذه الموارد فبالإجماع بل الضرورة الفقهية.
و أما وجوب حفظها فلأنه حكم كل وديعة مالكية كانت أو شرعية إجماعا و نصا كما تقدم.
و أما وجوب الرد و لو مع عدم المطالبة فلإطلاق ما دل من الكتاب و السنة على رد الأمانات إلى أهلها غير المقيدة في المقام بالمطالبة كما مر.
و أما عدم الضمان مع التلف فلما مر مرارا من المنافاة بين الضمان و الاستيمان مالكيا كان أو شرعيا.
و أما الضمان مع التعدي و التفريط فللأدلة الأربعة و تقدم مكررا.
لإطلاق أدلة رد الأمانة و صدقه على إيجاد المقتضى لاستيلاء المالك عليها، و أصالة عدم وجوب الزائد من ذلك على الأمين، إلا بدليل خاص و هو مفقود، و مقتضى إطلاق قوله تعالى ما عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ٥، الوارد في مقام التسهيل و الامتنان ذلك أيضا.
لأصالة بقاء الإذن من المالك بعد الشك في زواله، و الشك في ان التقييد بالعنوان الخاص كان عقليا حقيقيا الذي يكون مدركا لانقلاب الأمانة المالكية الشرعية و لا يجري استصحاب إذن المالك حينئذ، أو كان مبنيا على العرف و من باب حصول الداعي بحصول الإذن من المالك للأمين فيرجع إلى بقاء الإذن حينئذ.
و يمكن الاختلاف باختلاف الموارد و الأشخاص و الخصوصيات.
تمَّ بحمد اللّه و شكره الجزء الثامن عشر، و يتلوه الجزء التاسع عشر مبتدأ بأحكام الإجارة من كتاب العروة الوثقى، و ان تقدم بعض العقود الإذنية بعد البيع- في هذا المجلد- على العقود التمليكية اللازمة إلا ان ذلك كان لأجل مراعاة ترتيب كتب العروة الوثقى.
محمد الموسوي السبزواري
٦/ ۲/ ۱40۳ ه ق
- سورة الحديد: ۲۱.
- سورة البقرة: ۱4۸.
- سورة التوبة: ۹۱.
- تقدم في صفحة: ۲٦۲.
- سورة التوبة: ۹۱.