الكلام في هذه المسألة تارة: بحسب الأدلة العامة. و أخرى:
بحسب الأدلة الخاصة. و ثالثة: بحسب الكلمات. و رابعة: بحسب الأصول العملية.
أما الجهة الأولى: فمقتضى العمومات و الإطلاقات الدالة على اعتبار الطهارة فيه يشترط فيها الطهارة عدم صحته من المستحاضة فيما كانت الطهارة شرطا لصحته و عدم الجواز فيما كانت الطهارة شرطا للجواز، لفرض أنها مستمرة الحدث إما بالأصغر أو بالأكبر فلا يجوز لها مس كتابة القرآن، لأنّها محدثة بالأصغر إن كانت الاستحاضة صغرى كما لا يجوز لها المكث في المساجد و العبور في المسجدين إن كانت متوسطة أو كبرى، لكنّها مخصصة و مقيدة بما يأتي من خبر عبد الرحمن، و الإجماع على أنّها إذا فعلت تكون طاهرة.
و أما الجهة الثانية: فلا ريب في صحة صلاة الصغرى بوضوئها نصا، و إجماعا كما لا ريب في صحة صلاة المتوسطة و الكبرى و صومها بالغسل و الوضوء نصا و إجماعا كما مر. إنما الكلام في موردين:
الأول: هل تختص صحة طهارتها بخصوص الغايات التي ورد فيها الدليل بالخصوص- كالصلاة، و الصوم، و الطواف، و صلاة الليل و ركعتي الفجر- فلا يحل لها سائر الغايات الا بعد البرء و الانقطاع. أو يعم جميع الغايات المشروطة بالطهارة واجبة أو مندوبة، فيجوز لها الطهارة لمس المصحف، و المكث في المسجد- مثلا- و إن لم تكن مضيقة؟ الظاهر هو الأخير، أما أولا: فلأنّ الاستحاضة و إن كانت من استمرار الحدث، و لكنّها حالة نوعية لهنّ، فمقتضى سهولة الشريعة عدم حرمانهنّ عنها، مع أنه يظهر منهم التسالم على التوسعة في طهارة المستحاضة بما لم يوسع به في سائر الطهارات الاضطرارية.
و ثانيا: إمكان التمسك بالفحوى، لأن الصلاة التي هي أهم الغايات المشروطة بالطهارة إذا حلّت بطهارتهنّ فحلية غيرها بالأولى.
و ثالثا: إمكان أن يكون ما ذكر في الأدلة من باب المثال فقط لا الخصوصية.
و رابعا: وردت جملة من المندوبات التي يبعد التزام التخصيص بها.
منها: ركعتا الفجر.
و منها: الجمع بين الصلاتين في وقت الفضيلة4۷.
و منها: دخول المسجد، كما في صحيح ابن عمار: «توضأت و دخلت المسجد و صلّت كل صلاة بوضوء»4۸.
و منها: جواز إتيان النوافل لها.
و منها: الطواف و إطلاق يشمل الطواف المندوب أيضا، فيمكن أن يستفاد من ذلك كلّه صحة طهارتها لكلّ مشروط بها بعد القطع، بعدم الاختصاص بما ذكر، و يظهر منهم التسالم عليه أيضا.
الثاني: هل تكفي طهارتها للصلاة لكلّ مشروط بها واجبة كانت أو مندوبة.
أو لا بد لكلّ عمل مشروط بها من تطهير خاص به قولان: نسب إلى الأكثر الأول، و لأصالة بقاء الطهارة ما لم يطرأ أحد النواقض الخاصة.
و نوقش فيه بأنّ الشك في أصل الحدوث، لأنّ حدوثها لما ورد فيه الدليل بالخصوص معلوم و لغيره مشكوك رأسا، لأنّ الطهارة في مستمرة الحدث جهتية لا من كلّ جهة، فالمرجع العمومات و الإطلاقات الدالة على اعتبار الطهارة لا استصحابها.
و فيه: أنّ ذلك من مجرد الدعوى، بل يستكشف من الإجماع و مثل خبر عبد الرحمن الآتي أنها من كلّ جهة لا أن تكون جهتية، فلا بأس بجريان الاستصحاب.
و استدل أيضا بإطلاق قول الصادق عليه السلام في خبر عبد الرحمن:
«و كلّ شيء استحلت به الصلاة فليأتها زوجها و لتطف بالبيت»4۹. و بإطلاق قولهم رحمهم اللَّه: «إنّ المستحاضة إذا فعلت ما عليها كانت بحكم الطاهر».
فهي طاهرة من كلّ جهة. قال في الجواهر: «إنّ المراد بحسب الظاهر أنّها مع فعليها لما وجب عليها حتّى تغيّر القطنة و الخرقة تكون بحكم الطاهرة من كلّ وجه مثل الذي لم تتلبس بشيء من هذا الدم» و قال في المعتبر: «إذا فعلت ذلك صارت طاهرا مذهب علمائنا أجمع- إلى أن قال:- يخرج عن حكم الحدث لا محالة يجوز لها استباحة كلّ ما تستبيحه الطاهر»، و نحوه ما عن المنتهى، و قريب منه ما عن التذكرة.
و أشكل على الخبر بأنّه ليس في مقام البيان، فلا يصح الأخذ بإطلاقه.
و فيه: أنّه من مجرد الدعوى فلا يعتمد عليه. نعم، احتمال اختصاصه بالمتوسطة له وجه.
و أشكل على قولهم إنّه لا يبلغ حد الإجماع، لوجود المخالف مثل ابن حمزة و غيره.
و فيه: أنّه لو بنى على الاعتماد على قول كلّ مخالف و طرح الإجماعات لأجله، لاختل نظام الفقه، كما لا يخفي على الخبير، مع أنه يدعي الإجماع أعلام الفقه و ذلك يوجب الاطمئنان بالحكم، و لكن احتمال الاختصاص بالمتوسطة و الكثيرة فيه أيضا متوجه.
أما الجهة الثالثة: فظهر مما تقدم أنّ كلمات الأعلام تطابقت على أنّها إذا فعلت ما عليها تكون طاهرا، الا ممن ندر أو من دأبه المناقشة في المسلمات الفقهية.
أما الجهة الرابعة: فمقتضى قاعدة الاشتغال هو الاقتصار على خصوص ما ورد الدليل فيه بالخصوص، و لكنّها محكومة بما تقدم من الإجماع على أنّها إذا فعلت فهي طاهرة، فتحصل أنّ ما هو المشهور له وجه و إن كان خلاف أصالتي الإطلاق و الاشتغال.
فروع- (الأول): تقدم أنّه لا بد لها من التحفظ عن خروج الدم فلو عملت جهدها و مع ذلك خرج الدم لكثرته فلا بأس به و تصح صلاتها لقاعدة نفي الحرج و الضرر.
(الثاني): لو تضررت بالاحتشاء و نحوه يسقط، لما مر في سابقة.
(الثالث): إذا لم تعمل بوظائف الاستحاضة أصلا و تركت الصلاة مدة ثمَّ ثابت، فلا ريب في وجوب قضاء الصلاة و الصوم عليها و لا أثر حين القضاء لكون الاستحاضة السابقة قليلة أو كثيرة أو متوسطة.
(الرابع): لو استعملت دواء يمنع عن سراية الدم إلى الخارج يجزي ذلك عن القطنة و الخرقة و الاحتشاء و نحوها.
(الخامس): يجوز لها استعمال ما ينزل الكثرة إلى المتوسطة و هي إلى الصغرى- كما يجوز العكس مع عدم الضرر- كما يجوز لها استعمال ما يوجب قطع أصل دم الاستحاضة مع عدم الضرر، كلّ ذلك للأصل.
(السادس): لو عملت بوظيفة المتوسطة أو الكثيرة ثمَّ بان أنّها كانت قليلة لا شيء عليها بخلاف العكس فيجب عليها قضاء ما صلّت أو صامت.