على المشهور خصوصا بين المتأخرين، ونسبه في المعتبر إلى علمائنا. ويدل عليه جملة من الأخبار:
(منها): صحيح ابن مسلم عن أحدهما عليهما السلام قال: «سألته عن البول يصيب الثوب؟ قال: اغسله مرّتين»(۱۷).
و عن أبي إسحاق النحوي عن أبي عبد الله ع قال: «سألته عن البول يصيب الجسد قال: صب عليه الماء مرتين»(۱۸) ومثله عن ابن أبي العلاء قال: «سألت أبا عبد اللَّه عليه السلام عن البول يصيب الجسد، قال: صبّ عليه الماء مرّتين، فإنما هو ماء- الحديث»(۱۹) ونحوها غيرها.
و عن الشهيد في البيان كفاية المرّة ونسبه في الذكرى إلى المبسوط، واستدل له (تارة): بالأصل. وفيه: أنّه لا وجه له مع الأدلة.
(و أخرى): بالإطلاقات الدالة على الغسل والتطهير. وفيه: أنّها مقيّدة بما مرّ من الأخبار.
(و ثالثة): بمرسلة الكافي روي: «أنّه يجزي أن يغسل بمثله من الماء إذا كان على رأس الحشفة أو غيره»(۲۰).
و فيه: مضافا إلى قصور سنده معارضته بالمستفيضة الدالة على المرّتين في المقام وفي الاستنجاء(۲۱)، كما يأتي. ويمكن أن يكون مرادهما غير غسلة الإزالة فيتحدان مع المشهور.
و عن العلامة في القواعد التفصيل بين البول الجاف فمرّة والرطب فمرّتين، لخبر أبي العلاء على ما رواه في المعتبر: «سألت أبا عبد اللَّه عليه السلام عن البول يصيب الجسد؟ قال: صبّ عليه الماء مرّتين، فإنّما هو ماء الأولى للإزالة، والثانية للإنقاء»(۲۲).
(و فيه) أولا: أنّه لم توجد هذه الزيادة في الأصول المعتبرة، كالكافي وغيره. وعن صاحب المعالم: «إنّي أحسبها من كلام المعتبر فتوهمها بعضهم من الخبر». ويبعده وجود هذا التعبير في خبر غوالي اللئالي(۲۳).
و ثانيا: يمكن أن يكون قوله عليه السلام: «فإنّما هو ماء» من الحكمة، لا العلة التامة الفعلية المنحصرة حتّى يدور الحكم مدارها وجودا وعدما.
و ثالثا: كيف يعتمد عليه في مقابل إطلاقات الأدلة المعتضدة بإطلاقات الفتوى.
و عن صاحب المعالم الاكتفاء بالمرّة في خصوص البدن، للإطلاقات، وقصور النصوص الدالة على التعدد فيه سندا.
(و فيه): منع القصور في جميعها، وعلى فرضه فهو منجبر بالشهرة العظيمة، والإجماع المعتبر.
و عن بعض اختصاص التعدد بخصوص الثوب والبدن، دون غيرهما، لورود نصوص التعدد فيهما، فيرجع في غيرهما إلى الأصل والإطلاقات. وفيه:
أنّ ذكرهما في الأدلة من باب التمثيل، لا التقييد، وقد يدّعى القطع من إجماع أو غيره على عدم الفرق، كما في الجواهر.
فروع:(الأول): المرجع في التعدد الصدق العرفي. ويعتبر الفصل بالعدم بين المرّة الأولى والثانية، فلا يكفي المرّة الواحدة، وإن كانت بقدر المرّتين.
(الثاني) لا فرق بين بول الإنسان وغيره مما لا يؤكل لحمه، وقيل بالاختصاص بالإنسان، للانصراف إليه، ولإطلاق قوله عليه السلام:
«اغسل ثوبك من أبوال ما لا يؤكل لحمه»(۲٤). ولكن الانصراف ممنوع، والإطلاق مقيّد، فالتفصيل باطل، كما لا فرق في الإنسان بين المسلم والكافر.
(الثالث): لا فرق في اعتبارهما بين وجود العين وعدمها، ولا بين حصول الإزالة بالأولى وعدمه، للإطلاق الشامل للجميع. نعم، لو حصلت الإزالة بالأخيرة تشكل الطهارة، بل الظاهر عدمها، لندرة زوال العين بالأخيرة. فلا يشملها الإطلاق. مع أنّه يصدق عليه أنّه شيء أصابه البول فيجب الغسل بعدها مرّتين، للإطلاقات. وحينئذ فالثمرة بين البول وغيره من النجاسات التي تكفي فيها المرّة تظهر في النجاسة الحكمية فقط فإنّها إن كانت من البول يجب فيها التعدد، بخلاف سائر النجاسات فيكفي فيها المرّة، كما سيأتي.
(الرابع): المشهور عدم اعتبار التعدد في المعتصم جاريا كان أو غيره، لإطلاق قوله عليه السلام:
«فإن غسلته في ماء جار فمرّة واحدة»(۲٥) وقوله مشيرا إلى غدير ماء: «إنّ هذا لا يصيب شيئا إلّا وطهّره»(۲٦)، وقوله عليه السلام في المطر: «كلّ شيء يراه ماء المطر فقد طهر»(۲۷).
فإنّ لمثل هذه الأخبار حكومة في التطهير بالمياه على ما يظهر منه اعتبار التعدد ونحوه. مع أنّ اعتبار التعدد إنّما هو لأجل ملاقاة المحلّ للماء الطاهر بعد زوال القذر، فإذا حكم الشارع بأنّ بمجرد الاتصال بالمعتصم تزول القذارة ولا يعتبر العصر ونحوه، فلا موضوع للتعدد حينئذ و(ما يقال): من اختصاص الأخبار بموردها مع قصور السند في الأخيرين. (مردود): بأنّ سياقها التسهيل والامتنان، وهو ينافي الاختصاص، مع أنّه خلاف المتفاهم منها عند المتشرعة، بل العرف مطلقا. واعتماد الفقهاء على الأخيرين فتوى وعملا من موجبات الوثوق بالصدور، فلا وجه للمناقشة فيها. فالسند معتبر، والإطلاق ثابت، وذكر المطر والغدير من باب المثال، لا التقييد، فلا يجب التعدد في الغسل بالماء المعتصم مطلقا.
(الخامس): لا تعتبر الغسلتان بعد زوال العين، بل لو زالت العين بالأولى كفى ضمّ الثانية إليها، لظهور الإطلاق والاتفاق.