لنصوص مستفيضة تأتي في محالّها، بل بالضرورة، و يدل على حرمة الاعتكاف، و الطواف ما يدل على حرمة الاجتياز في المسجدين و المكث في سائر المساجد۱، و اختلفوا في أنّ حرمة الصلاة عليها ذاتية أو تشريعية، و تنقيح الكلام يقتضي الإشارة إلى أمور:
الأول: مقتضى الأصل، و العمومات، و الإطلاقات حليّة جميع العبادات مطلقا عليها إلا ما خرج بالدليل- و هو الصلاة، و الصوم، و الطواف، و الاعتكاف- كما أن مقتضى الأصل عدم حرمة العبادات الفاقدة للشرط إلا بقصد التشريع، فمن صلّى مع عدم الطهارة أو مستدبر القبلة، أو كاشف العورة، أو مع الميتة أو في ما لا يؤكل لحمه، و في المغصوب، ثمَّ أتى بصلاة صحيحة مفرغة للذمة لم يفعل حراما، للأصل ما لم يتم دليل على الحرمة الذاتية.
و استدل على الحرمة في المقام بقول الصادق عليه السلام: في خبر مسعدة في من صلّى تقية بلا وضوء ثمَّ أعادها «سبحان اللّه أ فما يخاف من يصلي من غير وضوء أن تأخذه الأرض خسفا؟!»۲.
و بموثق ابن مهران عن الصادق عليه السلام قال: «اقعد رجل من الأخبار في قبره، فقيل له: إنا جالدوك مائة جلدة من عذاب اللّه عز و جل، فقال: لا أطيقها، فلم يزالوا به حتّى انتهوا إلى جلدة واحدة، فقال: لا أطيقها، فقالوا:
ليس منها بد، فقال: فيما تجلدونيها؟ قالوا: نجلدك صلّيت يوما بغير وضوء- الحديث-»۳.
و يرد على الأول: أنّ الإمام عليه السلام في مقام بيان الترغيب إلى الصلاة معهم بنحو الصلاة في جماعتنا مع أنّه لم يعمل به في مورده.
و على الثاني: بأنّ العذاب فيه على ترك الصلاة، لأنّ الظاهر منه أنّه صلّى بغير وضوء و اكتفى بها و لم يصل ثانيا.
و أما الإجماعات المدعاة على الحرمة فالمتيقن منها الحرمة التشريعية فقط.
الثاني: لا ثمرة مهمة في كون الحرمة ذاتية أو تشريعية إلا فيما قيل في موردين: أولهما: حرمة الصلاة ذاتا، بناء على الأولى بخلاف الثانية، فإنّ الحرمة حينئذ تدور مدار قصد الأمر.
و فيه: أنّ الحرمة الذاتية تتعلق بالعبادة، و لا عبادة الا مع قصد الأمر، و لا وجه لحرمتها بدون قصد الأمر كما لا وجه لحرمتها بلا سجود و لا ركوع- مثلا- و مع قصد الأمر تتمحض الحرمة في التشريعية فقط، فلا وجه للحرمة الذاتية. إلا أن يقال: إنّ الحرمة التشريعية موضوع للحرمة الذاتية فيكون كلّ محرم تشريعي محرما ذاتا كسائر المحرمات الذاتية التي تعرض للأشياء عند تحقق موضوعها و لكنه بعيد عن مساق الكلمات و معه يسقط هذا النزاع الذي طال التشاجر فيه بينهم، كما لا يخفى على من راجع المطولات.
ثانيهما: إمكان الاحتياط بناء على التشريعية دون الذاتية لدوران الأمر حينئذ بين المحذورين و لا يمكن الاحتياط فيه، كما ثبت في محلّه.
و فيه: أنّ الحرمة الذاتية على قسمين:
الأول: تكون لأجل مفسدة ذاتية في المتعلق، و لا يجزي فيه الاحتياط و هذا هو المراد بدوران الأمر بين المحذورين.
الثاني: ما لم تكن كذلك، بل لأجل أنّ الحالة الخاصة لا تليق بالوقوف بين يدي المولى و القيام لديه، و الحرمة الذاتية في المقام من الأخير، دون الأول، و إذا كان بعنوان الرجاء و الانقياد و احتمال القبول، فلا مانع من الاحتياط حينئذ. و لو شككنا في حرمة ذاتية أنّها من الأول أو الأخير فالمتيقن هو الأخير، إلا أن يدل دليل على الأول، و مقتضى مرتكزات المتشرعة في الصلاة مع عدم الطهارة، أو فقد سائر الشرائط- هو الأخير أيضا، فلا ثمرة في هذا البحث حتّى يضيع الوقت في تطويله، و لعل القدماء من الفقهاء (قدس سرهم) توجهوا إلى هذه الجهة فأجملوا القول فيه و الحق معهم رحمهم اللّه.
و أما ما يقال: من أنّ هذا البحث ساقط من أصله، لأنّ العبادة متوقفة على الأمر بها و لا وجه له مع النهي عنها، فمردود: بأنّ العبادية في مورد النهي عنها تعليقية شأنية، لا أن تكون فعلية من كلّ جهة.
الثالث: ما يمكن أن يستفاد منه الحرمة الذاتية- مضافا إلى ما مر- أمور كلّها مخدوشة:
منها: سوق الصلاة في سياق سائر المحرمات على الحائض.
و فيه: أنّ ذلك من مجرد الاستحسان، مع أنّ فيها ما ليس بمحرم ذاتي كالطلاق.
و منها: اشتمال النصوص على قولهم: «لا تحل لها الصلاة، أو تحرم عليها الصلاة»4.
و فيه: أنّ هذه التعبيرات أعم من الحرمة الذاتية و إرشاد إلى البطلان و قد وقع التعبير بلفظ: «لا تجوز الصلاة في شعر و وبر ما لا يؤكل لحمه». «و في وبر الأرانب»٥.
و لا أظنهم يلتزمون بالحرمة الذاتية للصلاة فيهما.
و منها: تعليل سقوط الصلاة عنها بقوله عليه السلام: «لأنّها في حد نجاسة فأحب اللّه أن لا يعبد إلا طاهرا»٦.
و قول الكاظم عليه السلام: «فلتتق اللّه فإن كان من دم الحيض فلتمسك عن الصلاة»۷.
و فيه: أنّ هذه التعبيرات أعم من الحرمة الذاتية بلا إشكال بل لفظ الاتقاء يستعمل في مطلق التنزه، كقوله صلّى اللّه عليه و آله: «من اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه»۸.
و قوله عليه السلام: «من لم يتق الشبهات وقع في الحرام و هو لا يعرفه»۹.
و منها: أخبار الاستظهار الدالة على ترك الصلاة۱۰ إذ لو كانت الحرمة تشريعية لكان الاحتياط في الفعل لا الترك.
و فيه: أنّ الترك لمجرد الإرفاق و التسهيل و المسامحة بالنسبة إليها و هو يناسب الحرمة التشريعية أيضا.
و بالجملة إنّه لا يوجد فيما ذكر دليلا للحرمة الذاتية ما لا تخلو عن الشبهة، مع أنه لم يقل أحد بالحرمة الذاتية في سائر العبادات بالنسبة إليها و يستأنس حكم الصلاة منها أيضا. فالحرمة التشريعية هي المتيقن إلا أن يدل دليل على الذاتية و هو مفقود.