لا ريب في أصل مرجوحية الإخراج نصا، و إجماعا، و مقتضى قاعدة السلطنة، و أصالة البراءة جواز تصرف المالك فيه بكل ما شاء و أراد إلا مع دليل معتبر على الخلاف. نعم لو صار الهدي متعلّقا لحق الغير لا يصح تصرفه فيه بدون رضاه فتكون حرمة الإخراج على هذا موافقة للقاعدة، و لكنه في هدي التمتع ليس كذلك.
و استدل على حرمة الإخراج.
تارة: بقطع الأصحاب كما هو عادة صاحب المدارك فكثيرا ما يجعله من الأدلة.
و أخرى: بصحيح ابن مسلم عن أحدهما عليهما السّلام قال: «سألته عن اللحم أ يخرج به من الحرم؟ فقال عليه السّلام: لا يخرج منه بشيء إلّا السنام بعد ثلاثة أيام»۱۳۸.
و ثالثة: بخبر ابن عمار قال: «قال أبو عبد اللَّه عليه السّلام: لا تخرجن شيئا من لحم الهدي»۱۳۹.
و رابعة: بمرسل الفقيه قال: «قال أبو عبد اللَّه عليه السّلام: كنا ننهى عن إخراج لحوم الأضاحي بعد ثلاثة أيام لقلة اللحم و كثرة الناس، فأما اليوم فقد كثر اللحم و قل الناس فلا بأس بإخراجه و لا بأس بإخراج الجلد و السنام من الحرم و لا يجوز إخراج اللحم منه»۱4۰.
و خامسة: بخبر ابن أبي حمزة عن أحدهما عليهما السّلام قال: «لا يتزود الحاج من أضحيته، و له أن يأكل منها بمنى أيامها»۱4۱، و مثله خبر علي بزيادة: «إلّا السنام فإنه دواء»۱4۲.
و سادسة: بموثق إسحاق بن عمار عن أبي إبراهيم عليه السّلام قال: «سألته عن الهدي أ يخرج شيء منه عن الحرم؟ فقال عليه السّلام: بالجلد و السنام و الشيء ينتفع به، قلت: أنه بلغنا عن أبيك أنه لا يخرج من الهدي المضمون شيئا، قال عليه السّلام: بل يخرج بالشيء ينتفع به، و زاد فيه أحمد: و لا يخرج بشيء من اللحم من الحرم»۱4۳.
و الكل مخدوش أما الأول: فمن اين حصل لصاحب المدارك قطع الأصحاب بالحرمة، مع أنه نسب إلى المشهور كراهة الإخراج قال في شرح المفاتيح: «المشهور بين الأصحاب كراهة إخراج شيء من الهدي من منى و استحباب صرفه بها و لعله مما لا خلاف فيه».
و أما الثاني: يدل على النهي عن الإخراج عن الحرم و هو أعم من منى، مع أنه أعم من الهدي الكفارات و الضحايا و التطوعات، و أعم من كون المخرج هو المالك أو المهدى إليه أو الفقير و هذا التعميم مما لم يقل أحد بتحريمه.
و أما الثالث: مجمل من حيث محلّ الإخراج و من حيث المخرج.
و أما الرابع: فقوله عليه السّلام في المرسل: «فلا بأس بإخراجه» ظاهر بل نص في الجواز، و ذيله يدل على النهي عن الإخراج عن الحرم.
و أما الخامس: فالتزوّد غير الإخراج و بينهما عموم من وجه.
و الأخير: لا يدل على الحرمة أيضا، فاستفادة حرمة إخراج الهدي من منى مما ذكر ممنوعة، و على الفرض فهي مختصة بما إذا أقلّ اللحم و كثر الناس أو احتاج الناس إليه، كما في مرسل الفقيه، و في صحيح ابن مسلم عن أبي عبد اللَّه عليه السّلام قال: «سألته عن إخراج لحوم الأضاحي من منى فقال عليه السّلام كنّا نقول: لا يخرج منها بشيء لحاجة الناس إليه فأما اليوم فقد كثر الناس فلا بأس بإخراجه»۱44، و في صحيحه الآخر عن أبي جعفر عليه السّلام قال: «كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله نهى أن تحبس لحوم الأضاحي فوق ثلاثة أيام من أجل الحاجة فأما اليوم فلا بأس به»۱4٥، و في صحيح جميل عن الصادق عليه السّلام: «إن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله إنما نهى عن ذلك، لأن الناس كانوا يومئذ مجهودين فأما اليوم فلا بأس»۱4٦ إلى غير ذلك مما يستفاد منه أن الحرمة- على فرض ثبوتها- كانت في زمان خاص، و لجهة مخصوصة إلا أن تحمل هذه الأخبار على الأضحية المندوبة دون الواجبة، و لكنه خلاف التعليلات الظاهرة في التعميم، مع أن الأضحية المندوبة في منى قليلة جدا، لاكتفاء الناس بالواجبة منها و من ذلك كله يظهر الوجه في عدم الجزم بالحرمة و الاحتياط فيها.
ثمَّ إن الحرمة على القول بها إنما يصح بناء على وجوب التثليث أكلا، و هدية، و تصدقا و أما بناء على العدم فلا وجه للحرمة.
و لا ريب في أن حرمة الإخراج- على فرض الثبوت- قابلة للزوال بكل ما هو أهم منها.
فائدة: قد علل جواز الإخراج.
تارة: بكثرة اللحم و قلة الناس، كما في مرسل الفقيه.
و أخرى: بقوله عليه السّلام: «فقد كثر الناس» كما في صحيح ابن مسلم.
و ثالثة: بعدم جهود الناس كما في صحيح جميل.
و يمكن رفع التنافي بأن يكون المراد بقلة الناس في المرسل قلة الفقراء الذين تصرف إليهم الهدي بقرينة صحيح جميل، و المراد بكثرة الناس كثرة الأغنياء فيهم و قلة فقرائهم فلا تنافي بين الأخبار.