(۲۸) كما إذا لم يكن أمر راجح أو مرجوح في البين.
على ما سيأتي قريبا من طرو عنوان الكراهة عليه، و قد نسب إلى جمع- منهم المفيد، و الشيخ رحمهم اللّه- إنه لم يكن لنفس الاحتكار من حيث هو كراهة، و عن آخرين منهم الشهيدين الحرمة مطلقا. و مقتضى الأصل، و قاعدة السلطنة، و عمومات البيع و التجارة عدم الحرمة، و لا الكراهة إلا مع الدليل على أحدهما.
و استدل كل من الفريقين بالأخبار، فمن قال بالحرمة استفاد منها الحرمة، و من قال بالكراهة استفاد منها الكراهة. أما الأخبار فمنها قول النبي صلّى اللّه عليه و آله في خبر السكوني: «لا يحتكر الطعام إلا خاطئ»۳۰، و عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في خبره أيضا:
«الحكرة في الخصب أربعون يوما، و في الشدة و البلاء ثلاثة أيام، فما زاد على الأربعين يوما في الخصب فصاحبه ملعون. و ما زاد على ثلاثة أيام في العسرة فصاحبه ملعون»۳۱، و عنه عليه السّلام أيضا في خبر حذيفة: «نفد الطعام على عهد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، فأتاه المسلمون، فقالوا: يا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قد نفذ الطعام و لم يبق منه شيء إلا عند فلان فمره يبيعه، قال: فحمد اللّه و اثنى عليه، ثمَّ قال: يا فلان إن المسلمين ذكروا أن الطعام قد نفد إلا شيء عندك فأخرجه و بعه كيف شئت و لا تحبسه»۳۲، و عن النبي صلّى اللّه عليه و آله في خبر ابن القداح: «الجالب مرزوق، و المحتكر ملعون»۳۳، و عن علي عليه السّلام: «إن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله مر بالمحتكرين فأمر بحكرتهم أن تخرج إلى بطون الأسواق، و حيث تنظر الأبصار إليها، فقيل لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:
لو قومت عليهم، فغضب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله حتى عرف الغضب في وجهه، فقال: أنا أقوم عليهم إنما السعر إلى اللّه يرفعه إذا شاء، و يخفضه إذا شاء»۳4، و في المرسل: «نهى أمير المؤمنين عليه السّلام عن الحكرة في الأمصار»۳٥، و عن أبي جعفر عليه السّلام في خبر أبي مريم: «قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: أيما رجل اشترى طعاما فكبسه أربعين صباحا يريد به غلاء المسلمين، ثمَّ باعه فتصدق بثمنه لم يكن كفارة لما صنع»۳٦، و عن النبي صلّى اللّه عليه و آله، عن جبرائيل، قال: «اطلعت في النار فرأيت واديا في جهنم يغلي، فقلت: يا مالك لمن هذا؟ فقال لثلاثة: المحتكرين، و المدمنين الخمر، و القوادين»۳۷، و عن أبي جعفر عليه السّلام في خبر السكوني، قال:
«لا يحتكر الطعام إلا خاطئ»۳۸، و عن علي عليه السّلام في كتابه إلى مالك الأشتر: «فامنع من الاحتكار فإن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله منع منه»۳۹، إلى غير ذلك من الروايات.
و الإنصاف عدم دلالتها على حرمة الاحتكار ذاتا مع قطع النظر عن السند، و قد ورد نظير هذا التأكيد في جملة من الآداب و السنن كالجماعة4۰، و غسل الجمعة4۱، و الأكل وحده4۲، و تفريق الشعر4۳، و التخلي في مواضع اللعن44، و لو بنى على استفادة الحرمة من مثل هذه التعبيرات لوجب الحكم بحرمة جملة من الأشياء التي وقع هذه التعبيرات فيها، مع انه اتفق الكل على حليتها، فلا وجه للقول بالحرمة، و في الجواهر: «يمكن دعوى حصول القطع للفقيه الممارس بذلك»، أي: بعدم الحرمة.
و أما استفادة كراهة الاحتكار منها بعنوانه الأولي، فيمكن منعها أيضا إذا لم تترتب عليه مفسدة و لو أخلاقية عرفية، و كان إخراجه إلى السوق و عدمه على حد سواء بالنسبة إلى الناس لكثرة وجوده و وفوره، لأن جميع مطلقات أخبار الاحتكار مقيدة بقول أبي عبد اللّه عليه السّلام في خبر حذيفة- المتقدم- «نفد الطعام على عهد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فأتاه المسلمون، فقالوا: يا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قد نفد الطعام و لم يبق منه شيء إلا عند فلان، فمره يبيعه، قال فحمد اللّه و اثنى عليه، ثمَّ قال: يا فلان إن المسلمين ذكروا أن الطعام قد نفذ إلا شيء عندك فأخرجه و بعه كيف شئت و لا تحبسه»4٥، و خبر حمزة عن علي عليه السّلام: «إن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله مرّ بالمحتكرين فأمر بحكرتهم أن تخرج إلى بطون الأسواق، و حيث تنظر الأبصار إليها فقيل لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: لو قومت عليهم، فغضب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله حتى عرف الغصب في وجهه، فقال: أنا أقوم عليهم؟! إنما السعر إلى اللّه يرفعه إذا شاء و يخفضه إذا شاء»4٦.
فالمناط نفود الطعام و عدم كونه في الأسواق، و مع عدم النفود و تحقق الشيوع في الأسواق لا موضوع للاحتكار رأسا بحسب الشرع بل العرف أيضا حتى يكره، فالكراهة أيضا لا بد و أن تكون بحسب العنوان الخارجي لا بحسب طبع الاحتكار من حيث هو مع قطع النظر عن جميع العناوين، و يدل على ما ذكرناه- مضافا إلى خبر سالم الحناط، قال: «قال لي أبو عبد اللّه عليه السّلام ما عملك؟
قلت: حناط، و ربما قدمت على نفاق، و ربما قدمت على كساد فحبست، قال:
فما يقول من قبلك فيه؟ قلت يقولون: محتكر، فقال عليه السّلام يبيعه أحد غيرك؟ قلت:
ما أبيع أنا من ألف جزء جزءا، قال عليه السّلام: لا بأس إنما كان ذلك رجل من قريش يقال له: حكيم بن حزام، و كان إذا دخل الطعام المدينة اشتراه كله فمرّ عليه النبي صلّى اللّه عليه و آله، فقال: يا حكيم ابن حزام إياك أن تحتكر»4۷، و في صحيح الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «سئل عن الحكرة، فقال: إنما الحكرة أن تشتري طعاما و ليس في المصر غيره فتحتكره فإن كان في المصر طعام أو متاع غيره فلا بأس أن تلتمس بسلعتك الفضل»4۸.
ثمَّ إن ظاهر الكلمات، إن ما هو الموضوع للحرمة عند جمع هو بعينه الموضوع للكراهة عند آخرين، و هو مشكل مع تقييد موضوع الحرمة باضطرار الناس و حاجتهم إليه.