لإجماع المسلمين بل الضرورة و يأتي التفصيل في كتاب الحدود هذا و تفصيل أحكام الجهاد موكول إلى ظهور دولة الحق عجل اللّه تعالى فرجه فصاحبها أعلم بمصالحه و أحكامه.
و ختام الكتاب- تيمنا و تبركا- يكون بخبر ابن غياث عن الصادق عليه السّلام قال: «سأل رجل أبي عليه السّلام عن حروب أمير المؤمنين و كان السائل من محبينا فقال له أبو جعفر عليه السّلام بعث اللّه محمدا بخمسة أسياف: ثلاثة منها شاهرة فلا تغمد حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزارَها و لن تضع الحرب أوزارها حتى تطلع الشمس من مغربها فإذا طلعت الشمس من مغربها أمن الناس كلهم في ذلك اليوم فيومئذ لا ينفع نفسا إيمانها لم يكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرا، و سيف منها مكفوف و سيف منها مغمود سله إلى غيرنا، و حكمه إلينا، فأما السيوف الثلاثة الشاهرة فسيف على مشركي العرب قال اللّه عزّ و جل فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَ خُذُوهُمْ وَ احْصُرُوهُمْ وَ اقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تابُوا (يعنى آمنوا) وَ أَقامُوا الصَّلاةَ وَ آتَوُا الزَّكاةَ فَإِخْوانُكُمْ فِي الدِّينِ فهؤلاء لا يقبل منهم إلا القتل أو الدخول في الإسلام و أموالهم فيء و ذراريهم سبي على ما سنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فإنّه سبا و عفا و قبل الفداء.
و السيف الثاني على أهل الذمة قال اللّه تعالى وَ قُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً نزلت هذه الآية في أهل الذمة ثمَّ نسخها قوله عزّ و جلّ قاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَ لا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَ لا يُحَرِّمُونَ ما حَرَّمَ اللَّهُ وَ رَسُولُهُ وَ لا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَ هُمْ صاغِرُونَ فمن كان منهم في دار الإسلام فلن يقبل منهم إلا الجزية أو القتل و ما لهم فيء و ذراريهم سبي و إذا قبلوا الجزية على أنفسهم حرم علينا سبيهم و حلت لنا مناكحتهم، و من كان منهم في دار الحرب حلّ لنا سبيهم، و لم تحل لنا مناكحتهم، و لم يقبل منهم إلا الدخول في دار الإسلام أو الجزية أو القتل.
و السيف الثالث سيف على مشركي العجم يعني الترك و الديلم الخزر قال اللّه عزّ و جل في أول السورة التي يذكر فيها الذين كفروا فقص قصتهم ثمَّ قال:
فَضَرْبَ الرِّقابِ حَتَّى إِذا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَ إِمَّا فِداءً حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزارَها فأما قوله فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ يعني بعد السبي منهم وَ إِمَّا فِداءً يعنى المفادات بينهم و بين أهل الإسلام، فهؤلاء لن يقبل منهم إلا القتل أو الدخول في الإسلام و لا تحل لنا مناكحتهم ما داموا في دار الحرب.
و أما السيف المكفوف فسيف على أهل البغي و التأويل قال اللّه تعالى:
وَ إِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما فَإِنْ بَغَتْ إِحْداهُما عَلَى الْأُخْرى فَقاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلى أَمْرِ اللَّهِ فلما نزلت هذه الآية قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله إنّ منكم من يقاتل بعدي على التأويل كما قاتلت على التنزيل فسئل النبيّ صلّى اللّه عليه و آله من هو؟ فقال: خاصف النعل- يعني أمير المؤمنين عليه السّلام- فقال عمار بن ياسر: قاتلت بهذه الراية مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله ثلاثا و هذه الرابعة، و اللّه لو ضربونا حتى يبلغونا السعفات من هجر لعلمنا أنا على الحق و أنّهم على الباطل و كانت السيرة فيهم من أمير المؤمنين عليه السّلام ما كان من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله في أهل مكة يوم فتح مكة فإنّه لم يسب لهم ذرية، و قال: من أغلق بابه فهو آمن و من ألقى سلاحه (أو دخل دار أبي سفيان) فهو آمن و كذلك قال أمير المؤمنين عليه السّلام و يوم البصرة نادى: لا تسبوا لهم ذرية، و لا تجهزوا على جريح، و لا تتبعوا مدبرا و من أغلق بابه و ألقى سلاحه فهو آمن.
و أما السيف المغمود فالسيف الذي يقام به القصاص قال اللّه عزّ و جل:
النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَ الْعَيْنَ بِالْعَيْنِ فسله إلى أولياء المقتول و حكمه إلينا فهذه السيوف التي بعث بها إلى نبيه محمد صلّى اللّه عليه و آله فمن جحدها أو جحد واحدا منها أو شيئا من سيرها أو أحكامها فقد كفر بما أنزل اللّه على محمد صلّى اللّه عليه و آله۱٥.