الحمد للّه ربّ العالمين و الصلاة و السلام على أشرف خلقه محمد و آله الطيبين الغر الميامين (۱) قال اللّه تعالى إِنَّ اللَّهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَ أَمْوالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَ يُقْتَلُونَ- إلى قوله تعالى- وَ ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ۱.
و قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: «للجنة باب يقال له: باب المجاهدين يمضون إليه فإذا هو مفتوح و هم متقلدون بسيوفهم، و الجمع في الموقف، و الملائكة ترحّب بهم- الحديث-۲.
و قال صلّى اللّه عليه و آله أيضا: «الخير كله في السيف، و تحت ظل السيف، و لا يقيم الناس إلا بالسيف، و السيوف مقاليد الجنة و النار»۳.
و قال عليّ عليه السّلام: «إنّ الجهاد باب من أبواب الجنة فتحه اللّه لخاصة أوليائه»4.
و قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: «الجهاد أفضل الأشياء بعد الفرائض»٥.
و في صحيح ابن خالد عن أبي جعفر عليه السّلام: «ألا أخبرك بالإسلام أصله، و فرعه، و ذروة سنامه؟ قلت: بلى، جعلت فداك. قال عليه السّلام: أما أصله فالصلاة، و فرعه الزكاة، و ذروة سنامه الجهاد»٦.
و لا بد من بيان أمور:
الأول: بذل الطاقة و تحمّل المشقة مأخوذ في جميع مشتقات مادة الجهاد سواء استعملت في العلم، أو العمل، أو بذل المال، أو النفس في سبيل اللّه، و المجاهدة في مخالفة الهوى، أو غير ذلك. و بهذا المعنى العام تقوم الأديان السماوية حدوثا و بقاء بالنسبة إلى الأفراد و الأنواع، فليس قوام الدّين بالجهاد في جهة خاصة فقط، و هي المجاهدة مع الكفار، بل هو متقوّم به بمعناه العام فردا أو نوعا، و كما أنّه علة محدثة للدّين علة مبقية له أيضا.
الثاني: مقتضى ظواهر الأخبار أنّ الجهاد في سبيل اللّه بأيّ معنى- و بأيّ مرتبة- لوحظ من القربيات بنفس ذاته، لا يتوقف على قصد القربة زائدا على قصد ذاته، و لكن يظهر من خبر ابن جعفر توفقه على قصد القربة، فعن موسى بن جعفر عن آبائه عليهم السّلام عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: «إنّما الأعمال بالنيات و لكل امرئ ما نوى فمن غزا ابتغاء ما عند اللّه فقد وقع أجره على اللّه، و من غزا يريد عرض الدنيا أو نوى عقالا لم يكن له إلا ما نوى»۷، و يمكن حمله على ما ذكرناه.
الثالث: يكفي في قصد القربة- على فرض توقفه عليها- القصد الإجمالي الارتكازي و لا يحتاج إلى التفصيل بل يكفي الدّاعي كما في سائر العبادات.
الرابع: الجهاد ينقسم بتقسيم آخر على أقسام:
الأول: ما اصطلحوا عليه بالجهاد، بالمعنى الأخصّ- أي: المشروط بشروط خاصة تأتي الإشارة إليها- و هو الدعوة إلى الإسلام، و هو الجهاد الذي له أحكام خاصة من شهادة المقتول على وجه لا يغسل لا يكفن و ما ثبت له من الدّرجات الأخروية، و حرمة الفرار عن الزحف، و أحكام الغنائم إلى غير ذلك مما يأتي بيانه.
الثاني: الدفاع عمن يخشى منه على الإسلام و المسلمين، و النفس و العرض، و المال المحترم مع وجود المعصوم و إذنه في ذلك أو نائبه الخاص المنصوب من قبله عليه السّلام لذلك و الاستيذان منه.
و البحث فيه من أنّه عين القسم الأول من حيث تمام الآثار أو ملحق به في ذلك ساقط أصلا، لعدم الابتلاء به بوجه، و لأنّه كتعيين وظيفة الإمام عليه السّلام من غيره.
الثالث: عين هذا القسم في زمان الغيبة و يبحث فيه أنّه عين القسم الأول موضوعا، أو منه حكما و في جميع الآثار، أو لا ربط له به أصلا و لا تترتب عليه آثاره المختصة به؟ و البحث. تارة بحسب الأصل.
و أخرى: بحسب الاستظهارات.
و ثالثة: بحسب الكلمات.
أما الأول: فمقتضى الأصل عدم ترتب الآثار المختصة بالشهيد على غير ما هو المتيقن من الأدلة و الكلمات إلا بدليل معتبر يدل عليه.
أما الثاني: فالظاهر صحة إطلاق الجهاد بالمعنى الأعم بالنسبة إليه كما يصح إطلاق الدفاع أيضا، و إنّما البحث في أنّ الآثار الخاصة لمطلق ما يسمّى جهادا أو لقسم خاص منه و في مثله ليس لأحد التمسك بالمطلقات، لفرض الشك في صحة التمسك بها في مورد الشك لكونه من التمسك بالدليل في الموضوع المشكوك.
و أما الثالث: فصريح المحقق في الشرائع كونه جهادا بالمعنى الأخص و نسبه في الدروس إلى ظاهر الأصحاب أيضا: و عن صاحب الجواهر الإصرار على كونه من الجهاد بالمعنى الأخص و لا دليل له إلّا الإطلاق و قد مرّ ما فيه، و كذا كل من نسب إليه ذلك فتمسكوا بالإطلاق، و بتصريح جماعة أنّ المقتول في الدفاع عن بيضة الإسلام كالمقتول بين يدي الإمام عليه السّلام.
و فيه: أنّ التنزيل في الجملة صحيح و إنّما الكلام في التعميم من كل جهة و هو أول الدعوى و عين المدعى فهذا الدليل مصادرة و لا وجه للتمسك به فلا إطلاق و لا اتفاق على كونه من الجهاد بالمعنى الأخص فيبقى الأصل بحاله.