لإطلاق الكتاب و السنّة المشتمل على لفظ الصعيد- و هو مطلق وجه الأرض- و عن جمع دعوى الإجماع عليه. و البحث في المقام تارة: بحسب كلمات اللغويين، و أخرى، بحسب الاستظهار عن الأدلة، و ثالثة: بحسب كلمات الفقهاء، و رابعة: بحسب الأصل العملي.
أما الأول: فقد نسب أنّ الصعيد مطلق وجه الأرض إلى أئمة اللغة تارة، و إلى فضلاء أهل اللغة أخرى، و عن الزجّاج: «لا أعلم خلافا بين أهل اللغة في أنّ الصعيد مطلق وجه الأرض». و عورض ذلك بما نقل عن كثير من أهل اللغة أنّه خصوص التراب.
و فيه: أنّ الظاهر، بل المقطوع به أنّ التفسير بخصوص التراب، لكونه أظهر أفراد الصعيد و أشيعها مرادا منه عند الاستعمال لا أنّه معناه الحقيقي فقط، و يشهد له أنّهم لم يختلفوا في أنّ معنى الصعيد في سائر موارد استعمالاته مطلق وجه الأرض، كقوله تعالى فَتُصْبِحَ صَعِيداً زَلَقاً۱، و قوله تعالى وَ إِنَّا لَجاعِلُونَ ما عَلَيْها صَعِيداً جُرُزاً۲ و قوله عليه السّلام: «إذا كان يوم القيامة جمع اللّه عزّ و جلّ الناس في صعيد واحد و وضعت الموازين فتوزن دماء الشهداء مع مداد العلماء فيرجح مداد العلماء على دماء الشهداء»۳.
و أما الثاني: فالأخبار الواردة في التيمم تشتمل على لفظ الأرض، و هي مستفيضة، بل متواترة في أبواب متفرقة كالنبوي المشهور: «جعلت لي الأرض مسجدا و طهورا»٤.
و قوله عليه السّلام: «إنّ ربّ الماء هو ربّ الأرض»٥.
و تشتمل أيضا على لفظ الصعيد كخبر أبي بصير، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «في الرجل يكون معه اللبن أ يتوضأ منه للصلاة؟ قال: لا، إنّما هو الماء و الصعيد»٦.
و قوله عليه السّلام في خبر ابن مطر بالطين: «نعم صعيد طيب و ماء طهور»۷.
كما تشتمل على لفظ التراب كقوله عليه السّلام في الصحيح: «إنّ اللّه جعل التراب طهورا، كما جعل الماء طهورا»۸.
و مقتضى الصناعة تقييد الأوليين بالأخير فلا يصح التيمم بغير التراب اختيارا. و لكن كون الحكم تسهيليا امتنانيا، و احتمال أنّ ذكر خصوص التراب في جملة من الأخبار من باب أنّه أظهر الأفراد و أفضلها؟ و سياق جملة من الأخبار يمنع عن هذا التقييد و كيف يقيد قول الصادق عليه السّلام في صحيح الحلبي: «ربّ الماء هو ربّ الأرض».
و قوله عليه السّلام في صحيح ابن أبي يعفور: «ربّ الماء هو ربّ الصعيد»۹.
و قوله عليه السّلام: «إنّما هو الماء و الصعيد»۱۰.
و قول الصادق (عليه السّلام): «جعل له (صلّى اللّه عليه و آله) الأرض مسجدا و طهورا»۱۱.
و قول علي (ع): في خبر السكوني حيث سئل عن التيمم بالجص فقال (ع): «نعم فقيل بالنورة؟ فقال: نعم فقيل بالرماد؟ فقال (ع): لا، إنه ليس يخرج من الأرض إنما يخرج من الشجر»۱۲.
و تقييده بالنسبة إلى الجص و النورة بما قبل الإحراق- على القول بعدم الجواز فيها بعده- لا يضر بالاستدلال. فيكون ذكر التراب في جملة من الاخبار من باب أفضل الأفراد، هذا مع وهنها باعراض المشهور، فلا بصلح للتقييد من هذه الجهة أيضا.
و أما الثالث فنسب الى جمع من القدماء و منهم السيد (ره) عدم جواز التيمم بغير التراب، و استدل عليه بالإجماع تارة. و بالأخبار المشتملة على لفظ التراب اخرى.
و بما عن جمع من اللغويين من تفسير الصعيد بالتراب ثالثة.
و بالنبوي قال اللّه تعالى: «جعلت لك و لأمتك الأرض كلها مسجدا و ترابها طهورا»۱۳ رابعة.
و بقوله تعالى فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَ أَيْدِيكُمْ مِنْهُ*۱٤ خامسة.
و بما دل على اعتبار العلوق سادسة.
و الكل مخدوش: إذ لا وجه للإجماع مع الشهرة على الخلاف، بل دعوى الإجماع عليه، و ذكر خصوص التراب لبيان أفضل الأفراد بقرينة سائر أخبار الباب، كما أن تفسير بعض اللغويين للصعيد به من باب أظهر الأفراد عرفا، و لم يذكر لفظ التراب في النبوي المنقول في كتب الأحاديث، بل المنقول فيها «و جعل له الأرض مسجدا و طهورا» و يستفاد منه أن الأرض التي يصح السجود عليها هي بعينها تكون طهورا، و لا ريب في جواز السجود على مطلق الأرض، فكذلك التيمم. و انما ذكر التراب في كتب الفقهاء، و على فرض الاعتبار يكون ذكر لفظ التراب من باب أفضل الافراد، و كلمة (من) في الآية الكريمة للابتداء و المنشائية
أي: فامسحوا بوجوهكم ناشئا من ضرب أيديكم على الأرض، كما يمسح الناس بأيديهم على وجوههم بعد وضعها على المتبركات كالمصحف الشريف و الكعبة المشرفة و الضرائح المقدسة و نحو ذلك من المقدسات. و لا دليل على اعتبار العلوق.
نعم هو مستحب كما يأتي في مسألة ۸ من الفصل اللاحق. و على فرض اعتباره فيمكن أن يكون على غير التراب من أقسام الأرض غبار يعلق باليد، بل الحجر المسحوق يعلق باليد قطعا.
و أمسا خبر رفاعة عن أبي عبد اللّه (ع) قال: «إذا كانت الأرض مبتلة ليس فيها تراب و لا ماء فانظر أجف موضع تجده فتيمم منه، فان ذلك توسيع من اللّه عز و جل، قال: فان كان في ثلج فلينظر لبد سرجه فليتيمم من غباره أو شيء مغبر، و إن كان في حال لا يجد الا الطين فلا بأس أن يتيمم منه».
فهو و أمثاله من أدلة اعتبار العلوق و سيأتي عدم اعتباره، و يأتي في مسألة ۱۱ ما ينفع المقام.
و قد يستدل بما دل على استحباب النفض كما يأتي في مسألة ۸ من الفصل اللاحق.
و فيه: إنّه أعم من المدعي فلا يصلح للتأييد فضلا عن الاستدلال به.
و أما الرابع فالمقام من موارد الشك في الشرطية و قد ثبت في محله إنه من مجاري البراءة لا الاشتغال.
فظهر من جميع ما ذكرناه جواز التيمم على مطلق الأرض، لأنه تفضل و امتنان و توسعة، فتقتضي التوسعة في متعلقة أيضا، فكما أن مطهرية الماء لا يختص بقسم دون آخر بل تعم جميع المياه، فكذا في بدله.