و أخبار هم فيهما مستفيضة، بل متواترة، بل قد ورد ذلك في أخبار العامة أيضا، ففي الصحيحين عن ابن عباس: «إنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله مر بقبرين يعذبان، فقال: إنّهما ليعذبان و ما يعذبان في كبير، أما أحدهما فكان لا يستتر من البول، و أما الآخر فكان يمشي بالنميمة، ثمَّ أخذ جريدة رطبة فشقها بنصفين ثمَّ غرز في كلّ قبر واحدة فقالوا: يا رسول اللّه لم صنعت هذا؟ فقال صلّى اللّه عليه و آله: لعلّه يخفف عنهما ما لم ييبسا»۱.
من المستحبات الأكيدة عند الشيعة (۱) وضعهما مع الميت صغيرا أو كبيرا، ذكرا أو أنثى، محسنا أو مسيئا، كان ممّن يخاف عليه عذاب القبر أو لا (۲) ففي الخبر: «إنّ الجريدة تنفع المؤمن و الكافر، و المحسن و المسيء، و ما دامت رطبة يرفع عن الميت عذاب القبر». و في آخر: «إنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله مرّ على قبر يعذّب صاحبه فطلب جريدة فشقّها نصفين فوضع أحدهما فوق رأسه و الأخرى عند رجليه، و قال: يخفف عنه العذاب ما داما رطبين». و في بعض الأخبار إنّ آدم عليه السّلام أوصى بوضع جريدتين في كفنه لأنسه، و كان هذا معمولا بين الأنبياء و ترك في زمان الجاهلية فأحياه النبيّ صلّى اللّه عليه و آله.
لأنّ رفع العذاب من قبيل الحكمة لا أن يكون من العلة، و يمكن أن يراد برفع العذاب المعنى الأعم من الوحشة. و هي تعم الجميع من المعصومين عليهم السّلام و غيرهم، و يشهد له وصية آدم بوضعهما في كفنه لأنسه۲.
(مسألة ۱): الأولى أن تكونا من النخل (۳). و إن لم يتيسر فمن السدر (٤)، و إلّا فمن الخلاف أو الرمّان (٥)، و إلّا فكل عود رطب (٦).
على المشهور نصّا و فتوى، ففي مكاتبة ابن بلال إلى أبي الحسن الثالث عليه السّلام: «الرجل يموت في بلاد ليس فيها نخل، فهل يجوز مكان الجريدة بشيء من الشجر غير النخل؟- إلى أن قال- فأجاب عليه السّلام يجوز من شجر آخر رطب»۳.
و يستفاد منه مفروغية تقدم النخل على غيره.
لمضمر سهل: «قلنا له: جعلنا اللّه فداك إن لم نقدر على الجريدة فقال عليه السّلام: عود السدر. قيل: فإن لم نقدر على السدر؟ فقال عليه السّلام: عود الخلاف»٤.
و يقيد به إطلاق ما تقدم من المكاتبة و غيرها. و عن المفيد و غيره تقديم الخلاف على السدر و لم يعلم له وجه.
لمرسل عليّ بن إبراهيم. قال: «يجعل بدلها عود الرمان»٥.
لإطلاق المكاتبة بعد فقد ما يصح للتقييد.
(مسألة ۲): الجريدة اليابسة لا تكفي (۷).
للإجماع و النص. قال أبو الحسن عليه السّلام: «لا يجوز اليابس»٦.
و عن الصادق عليه السّلام: «يتجافى عنه العذاب ما دامت رطبة»۷.
مع أنّ الرطوبة مأخوذة في الجريدة- كما عن بعض أهل اللغة- و في حديث يحيى بن عبادة ورد «التخضير»۸ و هو لا يكون إلّا مع الرطوبة.
(مسألة ۳): الأولى أن تكون في الطول بمقدار ذراع (۸) و إن كان يجزئ الأقل و الأكثر (۹). و في الغلظ كلّما كان أغلظ أحسن من حيث بطء يبسه (۱۰).
الأخبار في المقام على أقسام:
منها: المطلقات الدالة على الإجزاء بما يسمّى جريدة فيشمل الأقل و الأكثر.
و منها: مرسل يونس: «و يجعل له قطعتين من جريدة النخل قدر ذراع»۹.
و هو مردد بين كونها بقدر الذراع أو بقدر عظمه، و المشهور بل ادعي عليه الإجماع هو الأخير، و في الفقه الرضوي صرح: «بقدر عظم الذراع»۱۰.
و في كشف اللثام «إنّ الذراع حقيقة في عظمها».
و منها: خبر جميل: «إنّ الجريدة قدر شبر»۱۱.
و مقتضى الصناعة الحمل على مراتب الفضل لا سيما في المندوبات المبنية على التسامح.
للإطلاقات و عدم بناء الفقهاء على تقييدها في المندوبات ما لم تكن قرينة خارجية عليه.
لما ورد في الأخبار من إيجابهما رفع العذاب ما دامت رطبة۱۲.
(مسألة ٤): الأولى في كيفية وضعهما أن يوضع إحداهما في جانبه الأيمن من عند الترقوة إلى ما بلغت ملصقة ببدنه، و الأخرى في جانبه الأيسر من عند الترقوة فوق القميص تحت اللفافة إلى ما بلغت (۱۱). و في بعض الأخبار (۱۲): أن يوضع إحداهما تحت إبطه الأيمن، و الأخرى بين ركبتيه بحيث يكون نصفها يصل إلى الساق و نصفها إلى الفخذ. و في بعض آخر (۱۳): يوضع كلتاهما في جنبه الأيمن. و الظاهر تحقق الاستحباب بمطلق الوضع معه في قبره (۱٤).
و هو المشهور، لصحيح جميل بن دراج قال عليه السّلام: «توضع واحدة من عند الترقوة إلى ما بلغت ما يلي الجلد، و الأخرى في الأيسر من عند الترقوة إلى ما بلغت من فوق القميص»۱۳.
و هو مرسل يونس قال عليه السّلام: «يجعل له واحدة بين ركبتيه:
نصف فيما يلي الساق، و نصف فيما يلي الفخذ، و يجعل الأخرى تحت إبطه الأيمن»۱٤.
و هو صحيح آخر لجميل بن دراج، و يمكن استظهار كفاية جريدة واحدة منه أيضا. قال: «سألته عليه السّلام عن الجريدة توضع من دون الثياب أو من فوقها، قال عليه السّلام: فوق القميص و دون الخاصرة فسألته عليه السّلام من أيّ جانب؟ فقال عليه السّلام: من الجانب الأيمن»۱٥.
و يمكن إرادة الجنس حتّى لا ينافي التعدد، و لكن المشهور عملوا بصحيحه الأول و عليه المعوّل.
لأنّ المستفاد من النصوص أنّ الأثر مترتب على كونها مع الميت و إطلاقها يشمل مطلق المعية بأيّ وجه تحققت و هو المناسب للتسهيل، و المسامحة في رفع العذاب الذي جرت عليه عادة اللّه تعالى في عباده، مع أنّه منصوص بالخصوص في خبر سماعة قال عليه السّلام: «يستحب أن يدخل معه في قبره جريدة رطبة»۱٦.
(مسألة ٥): لو تركت الجريدة لنسيان و نحوه جعلت فوق قبره (۱٥).
لما ورد في الحديث: «مرّ رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله على قبر يعذب صاحبه فدعا بجريدة فشقها نصفين فجعل واحدة عند رأسه و الأخرى عند رجليه قيل له صلّى اللّه عليه و آله لم وضعتهما؟ فقال صلّى اللّه عليه و آله: إنّه يخفف عنه العذاب ما كانتا خضراوين»۱۷.
(مسألة ٦): لو لم تكن إلّا واحدة جعلت في جانبه الأيمن (۱٦).
لأنّ مقتضى الإطلاقات عدم سقوط أصل الوضع مع القطع بأنّ تعددها من باب تعدد المطلوب لا من باب التقييد، و الوحدة، و اختصاص الأيمن لأفضليته بالنسبة إلى الأيسر هذا إذا لم يكن شقها نصفين. و إلّا يشقها لوضع الجريدتين.
(مسألة ۷): الأولى أن يكتب عليهما اسم الميت و اسم أبيه و أنّه يشهد أن لا إله إلّا اللّه و أنّ محمدا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و أنّ الأئمة من بعده أوصياؤه صلّى اللّه عليه و آله، و يذكر أسماءهم واحدا بعد واحد (۱۷).
نسب ذلك إلى الشهرة العظيمة و لا ريب في أنّه من طرق التبرك و التوسل في مثل هذه الحالة.
فروع- (الأول): لا فرق في الرطوبة المعتبرة في الجريدتين بين كونها بالذات أو بالعلاج كما إذا وضعها في محلّ مرطوب لئلا تيبس، للإطلاق الشامل لهما. نعم، لو يبست ثمَّ عولجت لتحصيل الرطوبة بأن وضعت في الماء- مثلا- فالظاهر عدم شمول الأدلة لها.
(الثاني): في مثل السرداب الذي يوضع فيه أموات متعددة، لا يبعد كفاية وضع جريدة واحدة للجميع، للإطلاق وسعة فضل اللّه تعالى.
(الثالث): مقتضى الأصل عدم اعتبار قصد القربة في الجريدة و لا في التحنيط، كما أنّ مقتضاه عدم اعتبار طهارة الجريدة. نعم، الأدلة منصرفة عن الجريدة المغصوبة فلا يجوز وضعها، و لو وضع يشكل ترتب الأثر لها إلّا مع العذر من نسيان أو جهل بالغصبية.
(الرابع): عذاب القبر ليس منحصرا في صنف واحد، بل له أصناف كثيرة، كما أنّ نعمه أيضا كذلك، فقول أبي جعفر عليه السّلام: «يتجافى عنه العذاب أو الحساب ما دام العود رطبا، إنّما العذاب و الحساب كلّه في يوم واحد في ساعة واحدة قدر ما يدخل القبر و يرجع القوم»۱۸.
إنّما هو صنف خاص من العذاب و هو خصوص الوحشة لا مطلق العذاب.
(الخامس): قال الصادق عليه السّلام: «الجريدة تنفع المؤمن و الكافر»۱۹. و قال عليه السّلام- أيضا-: «إنّ الجريدة تنفع المحسن و المسيء و أما المحسن فتؤنسه في قبره، و أما المسيء فتدرأ عنه العذاب ما دامت رطبة، و للّه بعد ذلك فيه المشيئة»۲۰.
و يستفاد من مثل هذه الأخبار أنّ لمطلق فعل الخير أثر خير بالنسبة إلى الأموات و لو كانوا كافرين، و لا يختص انتفاع الميت بفعل الخير بخصوص المؤمنين، و يأتي بعض الكلام فيما يناسب المقام.
(السادس): لو وقعت الجريدة على القبر بإثارة الريح- مثلا- أو دفن الميت تحت نخلة، أو شجر الخلاف، أو السدر أو الرمان، فالظاهر ترتب الأثر على ذلك أيضا.
(۱) صحيح البخاري ج: ۲ باب الجريدة على القبر صفحة: ۱۱۹.
(۲) الوسائل باب: ۷ من أبواب التكفين حديث: ۱۰.
(۳) الوسائل باب: ۸ من أبواب التكفين حديث: ۱.
(٤) الوسائل باب: ۸ من أبواب التكفين حديث: ۳.
(٥) الوسائل باب: ۸ من أبواب التكفين حديث: ٤.
(٦) الوسائل باب: ۹ من أبواب التكفين حديث: ۱.
(۷) الوسائل باب: ۷ من أبواب التكفين حديث: ۷.
(۸) الوسائل باب: ۷ من أبواب التكفين حديث: ٥.
(۹) الوسائل باب: ۱۰ من أبواب التكفين حديث: ٥.
(۱۰) مستدرك الوسائل باب: ۸ من أبواب التكفين حديث: ۱.
(۱۱) الوسائل باب: ۱۰ من أبواب التكفين حديث: ۲.
(۱۲) راجع الوسائل باب: ۷ من أبواب التكفين.
(۱۳) الوسائل باب: ۱۰ من أبواب التكفين حديث: ۲.
(۱٤) الوسائل باب: ۱۰ من أبواب التكفين حديث: ٥
(۱٥) الوسائل باب: ۱۰ من أبواب التكفين حديث: ۳
(۱٦) الوسائل باب: ۷ من أبواب التكفين حديث: ۸.
(۱۷) الوسائل باب: ۱۱ من أبواب التكفين حديث: ٤.
(۱۸) الوسائل باب: ۷ من أبواب التكفين حديث: ۱.
(۱۹) الوسائل باب: ۷ من أبواب التكفين حديث: ۲.
(۲۰) مستدرك الوسائل باب: ٦ من أبواب التكفين حديث: ۳.