البحث في التفريق من جهات:
الأولى: في أصل وجوبه، و ظاهر النصوص المشتملة على الجملة الخبرية في مقام الإنشاء هو الوجوب فعن الصادق عليه السّلام في صحيح عبيد اللّه:
«يفرق بينهما حتى ينفر الناس و يرجعا إلى المكان الذي أصابا فيه ما أصابا قال:
قلت: أرأيت إن أخذا في غير ذلك الطريق إلى أرض أخرى أ يجتمعان؟
قال عليه السّلام: نعم»۱۳.
و في موثق ابن مسلم عن نوادر البزنطي: «سئل أبا جعفر عليه السّلام: أرأيت من ابتلى بالرفث و الرفث هو الجماع ما عليه؟ قال عليه السّلام: يسوق الهدي، و يفرّق بينه و بين أهله حتى يقضيا المناسك و حتى يعود إلى المكان الذي أصابا فيه ما أصابا قال: أرأيت إن أراد أن يرجعا في غير ذلك الطريق قال عليه السّلام: فليجتمعا إذا قضيا المناسك»۱4.
الثانية: هل يجري هذا الحكم في الزنا و اللواط مع كونهما محرمين؟
وجهان من كونه مخالفا للأصل فلا بد من الاقتصار على المتيقن. و من ظهور الإطلاق في مثل خبر الأصم- المتقدم-، و ظهور إطلاق الجماع، و الوقاع، و الإتيان و الغشيان الوارد في الأدلة المتعرضة لتلك الأحكام۱٥ فيشمل الجميع.
الثالثة: هل يختص التفريق بخصوص القضاء كما صرّح به المحقق في الشرائع، أو يعم الأداء أيضا؟ ظاهر إطلاق النصوص بل صريح بعضها الثاني، ففي صحيح معاوية عن الصادق عليه السّلام: «و يفرّق بينهما حتى يقضيا المناسك و يرجعا إلى المكان الذي أصابا فيه ما أصابا و عليه الحج من قابل»۱٦، و في خبره الآخر عنه عليه السّلام أيضا: «سألته عن رجل وقع على امرأته و هو محرم؟ قال عليه السّلام: إن كان جاهلا فليس عليه شيء و إن لم يكن جاهلا فعليه سوق بدنة و عليه الحج من قابل، فإذا انتهى إلى المكان الذي واقع بها فرق محملاهما فلم يجتمعا في خباء واحد إلا أن يكون معهما غيرهما حتى يبلغ الهدي محله»۱۷.
و يقتضي التعميم حكمة التفريق، فإنّه لأجل إرغام الشيطان و التحذر عن إغوائه الشامل للأداء و القضاء و لا دليل على الاختصاص بالقضاء إلا دعوى الإجماع من الغنية أنّ فيه التفريق. و يرد عليه أنّه لا ينافي ثبوته في الأداء أيضا.
نعم، لو ادعى الإجماع على عدم وجوبه في الأداء لخالفه و نافاه.
الرابعة: هل يجب في القضاء الذهاب من طريق الأداء الذي أصابا فيه ما أصابا حتى يتحقق موضوع التفريق من محلّ الإصابة أو لا يجب ذلك؟ مقتضى الأصل هو الثاني، و يدل عليه خبر عبيد اللّه عن الصادق عليه السّلام: «قلت أرأيت إن أخذا في غير ذلك الطريق إلى أرض أخرى يجتمعان؟ قال عليه السّلام: نعم»۱۸ و لكن الأولى الذهاب من طريق الإصابة و قد صرّح به صاحب الجواهر في نجاة العباد، و جعل الأحوط ذلك في حجة الإتمام و هل يجب التفريق في مثل عرفة أيضا؟
وجهان من الجمود على ظاهر النص، و من احتمال الانصراف عنه.
الخامسة: في غاية الافتراق و اختلف فيها الأخبار:
فمنها: موثق ابن مسلم عنه عليه السّلام أيضا: «يفرق بينه و بين أهله حتى يقضيا المناسك و حتى يعودا إلى المكان الذي أصابا فيه ما أصابا- الحديث-»۱۹.
و منها: خبر زرارة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام أيضا: «حتى يقضيا المناسك و يعود إلى موضع الخطيئة»۲۰.
و منها: صحيح معاوية عن الصادق عليه السّلام: «حتى يبلغ الهدي محله»۲۱.
و منها: خبر ابن حمزة عن الكاظم عليه السّلام: «و يفترقان من المكان الذي كان فيه ما كان حتى ينتهيا إلى مكة»۲۲، و في ذيله: «فإذا انتهيا إلى المكان الذي كان منهما ما كان افترقا حتى يحلا فإذا أحلا فقد انقضى عنهما فإنّ أبي عليه السّلام كان يقول ذلك»۲۳.
و يمكن إرجاع الجميع إلى غاية واحدة و هو الإحلال عن إحرام الحج، فإنّ لقوله عليه السّلام: «حتى يحلا»، و قوله عليه السّلام في صحيح معاوية-: «حتى يبلغ الهدي محله» أي: يذبح- نحو حكومة و شرح بالنسبة إلى الجميع، فيكون المراد بقوله عليه السّلام في موثق ابن مسلم: «حتى يقضي المناسك» أي: المناسك التي تكون قبل الإحلال فيجتمع مفاد الأخبار على شيء واحد.
و أما قوله عليه السّلام في موثق ابن مسلم أيضا: «حتى يعود إلى المكان الذي أصابا فيه ما أصابا» فلا بد من حمله على الندب، لما في الجواهر من أنّه يمكن تحصيل الإجماع على وجوب الافتراق في حج القضاء إلى قضاء المناسك لا أزيد. فما نسب إلى ابن بابويه من كون الغاية قضاء المناسك فإن أراد ما ذكرناه فهو و إن أراد الفراغ من تمام أعمال الحج فهو خلاف ما يستفاد من مجموع الأخبار بعد رد بعضها إلى بعض.
السادسة: لو توقف التفرق على بذل مال وجب مقدمة، فمع المطاوعة عليهما و مع الإكراه على المكره- بالكسر.
السابعة: هل يجب الافتراق فيما إذا وقعت المجامعة بالإكراه أو لا؟
مقتضى الإطلاق هو الأول.