1. الرئيسية
  2. /
  3. مکتبة
  4. /
  5. التألیفات
  6. /
  7. مهذب الأحكام
  8. /
  9. كتاب الطهارة
  10. /
  11. فصل في المياه‏
  12. /
  13. فصل في الماء البئر
(فصل) ماء البئر النابع بمنزلة الجاري (۱)، لا ينجس إلّا بالتغير، سواء كان بقدر الكر أم أقل (۲). و إذا تغير ثمَّ زال تغيره من قبل نفسه طهر (۳) لأنّ له مادة، و نزح المقدّرات في صورة عدم التغير مستحب، و أما إذا لم يكن له مادة نابعة، فيعتبر في عدم تنجسه الكرية، و إن سمي بئرا كالآبار التي يجتمع فيها ماء المطر و لا نبع لها (٤).

البئر من المفاهيم المبيّنة العرفية، فيرجع إلى العرف في تشخيصها و مع الشك، فإن كان ماؤها بقدر الكرّ لا ينفعل- حتّى بناء على القول بانفعال البئر- لفرض الشك في صدق البئر فلا يصح التمسك بأدلة انفعال البئر لكونه من التمسك بالعام في الشبهة المصداقية، و مقتضى إطلاق أدلة اعتصام الكر اعتصامه.

و أما إن كان قليلا، فينفعل على القولين، و إن شك في أنّه بقدر الكرّ أو لا، فقد تقدم حكمه في [مسألة ۷] من فصل الراكد بلا مادة.

هذا إذا لم يكن لها مادة عرفا، و أما إن كان لها مادة، فيعتصم بناء على عدم الانفعال، و يمكن القول باعتصامه حتّى بناء عليه أيضا، لعدم شمول أدلة البئر لها، لما مرّ من كونه من التمسك بالعام في الشبهة المصداقية، و يشملها إطلاق قوله عليه السلام في صحيح ابن بزيع: «لأنّ لها مادة»۱ بلا محذور، و هذا التعليل و إن ورد في مورد البئر، لكن المورد لا يكون مخصّصا، فيصح الأخذ بإطلاقه، و إن شك في أنّ له مادة أولا، فقد تقدم حكمه في [مسألة ۲] من‏ فصل الماء الجاري فراجع. و لا فرق فيما قلناه بين كون وجوب النزح- على القول به- شرطيّا أو تعبديا.

ثمَّ إنّ الأقوال في ماء البئر خمسة:

الأول: انفعالها مطلقا و جريان حكم القليل عليها، نسب ذلك إلى المشهور بين القدماء، و يأتي دليله و المناقشة فيه.

الثاني: عدم الانفعال مطلقا، و يجب النزح تعبّدا، نسب ذلك إلى الشيخ رحمه اللّه في التهذيب، و العلامة في المنتهى، كما نسب إلى الشيخ رحمه اللّه القول بالنجاسة أيضا.

و يرد هذا القول: بأنّ استفادة الوجوب التعبدي من أخبار النزح- المختلفة غاية الاختلاف- بعيدة عن الأذهان العرفية المنزلة عليها الأدلة الشرعية.

الثالث: التفصيل بين الكر و القليل، فيعتصم في الأول دون الأخير، نسب ذلك إلى الحسن بن محمد البصروي، و استدل له بموثق عمار۲.

و فيه: أنّ ذلك لا يختص بالبئر، بل هو حكم مطلق الماء كما تقدم.

الرابع: بلوغ الذراعين في كلّ من أطرافه فلا ينفعل، و عدمه، فينفعل، نسب ذلك إلى الجعفي، و لم نعثر له على دليل، كما في الحدائق، و يمكن أن يكون ذلك لاختلافه في الكرّيّة فيرجع إلى الثالث.

الخامس: عدم الانفعال مطلقا، و استحباب النزح و عليه عامة المتأخرين، و نسب إلى العماني و ابن الجهم، و الغضائري أيضا. هذا و الكلّ متفقون على الانفعال بالتغيير، بلا خلاف فيه من أحد من المتقدمين و المتأخرين.

لجملة من الأخبار- التي فيها الصحيح و الموثق و غيرهما- التي استقر عمل الفقهاء عليه منذ أربعمائة عام.

منها: صحيح ابن بزيع المروي عن الرضا عليه السلام بطرق عديدة، و الدال بوجوه من الدلالة: «ماء البئر واسع لا يفسده شي‏ء، إلا أن يتغيّر ريحه، أو طعمه، فينزح حتّى يذهب الريح، و يطيب طعمه، لأنّ له مادة»۳ الظاهر ظهورا عرفيا في اعتصام ماء البئر، بحيث لو ألقي على متعارف الناس لا يتبادر إلى أذهانهم إلا الاعتصام.

و منها: صحيحة علي بن جعفر، عن أخيه موسى بن جعفر عليه السلام قال: «سألته عن بئر ماء وقع فيها زبيل من عذرة رطبة، أو يابسة، أو زبيل من سرقين، أ يصلح الوضوء منها؟ قال: لا بأس»٤.

و منها: صحيحة معاوية بن عمار، عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «في الفأرة تقع في البئر فيتوضأ الرجل منها، و يصلّي و هو لا يعلم، أ يعيد الصلاة، و يغسل ثوبه؟ فقال: لا يعيد الصلاة، و لا يغسل ثوبه»٥.

و مثلها صحيحته الأخرى.

و منها: موثقة أبي أسامة و ابن عيثم، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال:

«إذا وقع في البئر الطير و الدجاجة و الفأرة فانزح منها سبع دلاء. قلنا: فما تقول في صلاتنا، و وضوئنا، و ما أصاب ثيابنا؟ فقال: لا بأس به»٦.

و منها: صحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام: «في البئر يقع فيها الميتة؟ فقال: إن كان لها ريح نزح منها عشرون دلوا»۷.

و قد يؤيد الطهارة بوجوه أخرى مذكورة في المفصّلات.

و دعوى: أنّه لا إشكال في دلالة الأخبار على الطهارة إلا أنّ إعراض المشهور عنها أسقطها عن الاعتبار.

مردودة بأنّ الإعراض المسقط منحصر بما إذا لم يستند إلى الاجتهاد، و إعمال النظر في الدلالة، و ظاهرهم في المقام ذلك، فلا اعتبار بمثل هذه الشهرة وهنا و تقوية أصلا.

إن قلت: نعم، و لكن في خبر ابن عمار، عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «في البئر يقع فيها زبيل عذرة يابسة أو رطبة، فقال: لا بأس إذا كان فيها ماء كثير»۸.

و عن الحسن بن صالح الثوري، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «إذا كان الماء في الركي كرّا لم ينجسه شي‏ء»۹.

و بهما يقيد إطلاق ما دل على عدم الانفعال.

قلت: مضافا إلى قصور سند الأول بعمرو بن سعيد، و معارضته كالثاني بصحيح ابن جعفر، فإنّ التعليل في صحيح ابن بزيع حاكم عليهما، مع إمكان حملهما على الغالب.

و استدل على الانفعال تارة: بالإجماعات المنقولة.

و فيه أولا: أنّه يظهر من العلامة في المنتهى، المناقشة في النسبة إلى الأكثر، فكيف بالإجماع، مع إطباق المتأخرين على الخلاف، و وجود المخالف من القدماء.

و ثانيا: أنّ الإجماعات مستندة إلى الاستظهار من الأخبار الدالة على الانفعال، و لا اعتبار بالإجماع المدركي، كما ثبت في محله.

و ثالثا: أنّ اعتبار الإجماع إنّما هو لأجل الاستكشاف عن رأي المعصوم عليه السلام، و نقطع بأنّه لا رأي له عليه السلام غير ما في أيدينا من الأخبار، فلا يكون الإجماع كاشفا و لا يكون معتبرا.

و رابعا: بأنّه معارض بالأخبار الصحيحة المتقدمة عليها من وجوه.

و أخرى: بالأخبار المستفيضة الدالة على النزح‏۱۰.

و فيه أولا: أنّها موافقة للعامة، فلا بد من طرحها.

و ثانيا: أنّها معارضة بما مر من الصحاح‏۱۱ الدالة على الطهارة، فلا وجه للاستناد إليها مع قطع النظر عنها.

و ثالثا: أنّ النزح أعم من النجاسة، و يمكن أن يكون لأجل دفع القذارة، و تنفر الطبع، كما أنّ الطهارة قد تستعمل في ذلك أيضا، فقد ورد أنّ «النورة طهور»۱۲، و أنّ «السواك مطهرة»۱۳.

و رابعا: أنّ الاختلاف الكثير في مقادير النزح، أمارة الاستحباب على ما هو سيرة الأصحاب في غير باب.

و خامسا: بقصور الدلالة فيما استدلوا به على النجاسة، فراجع المطولات، فإنّ فيها كفاية عن تعرضنا. و المظنون أنّه حيث كان أهم المياه في الحجاز، ماء البئر في الأزمنة القديمة و اشتهر انفعالها عند العامة، و أئمة الدين عليهم السلام رأوا أنّهم لو أطلقوا القول بالطهارة فيها، مع استعمال شيعتهم ماءها، و اجتناب العامة عنها، لكان موجبا للتفرقة بينهم زائدا على التفرقة المذهبية، فبينوا لهم ما يظهر منه الانفعال مع موافقة الانفعال للاستقذار الحاصل للنفس، و لعدم تجنب العامة عن شيعتهم، و قد جرى جمع من الفقهاء على ذلك أيضا، جزاهم اللّه خيرا.

ثمَّ إنّه لا يخفى أنّ وجوب نزح المقادير المقررة شرطيّ لا نفسيّ، سواء قيل بوجوبه أم استحبابه، فيكون إرشادا إلى رفع الاستقذار مطلقا و حيث إنّه قد استقر المذهب على الطهارة مع قلة الابتلاء بماء البئر في هذه الأعصار، يكون تطويل البحث بأكثر من ذلك من صرف الوقت فيما لا ينبغي.

كما هو شأن جميع المياه المعتصمة، و يدل عليه صحيح ابن بزيع المشتمل على قوله عليه السلام: «لأنّ له مادة»۱٤.

و قد ذكره الماتن رحمه اللّه أيضا، و قد ظهر مما تقدم وجه استحباب النزح فراجع.

لأدلة انفعال الماء القليل، و تقدم في أول هذا الفصل ما يتعلق بالمقام.

مسألة ۱: ماء البئر المتصل بالمادة إذا تنجس بالتغير فطهره بزواله، و لو من قبل نفسه فضلا عن نزول المطر عليه أو نزحه حتّى يزول (٥). و لا يعتبر خروج ماء من المادة في ذلك (٦).

إذ لا موضوعية للنزح، و نزول المطر بالخصوص، بل يكون الأول طريقا لزوال التغير، و المفروض حصوله بنفسه، و الثاني للاتصال بالماء المعتصم، و المفروض حصوله أيضا، لأنّ له مادة.

لإطلاق التعليل، و كفاية مجرد الاتصال بعد زوال التغير.

مسألة ۲: الماء الراكد النجس كرا كان أو قليلا يطهر بالاتصال بكر طاهر أو بالجاري أو النابع غير الجاري و إن لم يحصل الامتزاج على الأقوى، و كذا بنزول المطر (۷).

إما كفاية مجرد الاتصال بالمعتصم، كرّا كان أو جاريا، أو نابعا أو مطرا، فلإطلاق التعليل في الصحيح: «لأنّ له مادة»۱٥.

و إطلاق قوله عليه السلام: «الماء يطهّر و لا يطهّر»۱٦.

و أوضح أفراده المعتصم، و قوله عليه السلام: «كلّ شي‏ء يراه ماء المطر فقد طهر»۱۷.

و قوله عليه السلام مشيرا إلى غدير ماء: «ما أصاب هذا شيئا إلا طهره»۱۸.

المحمول على المعتصم، و قوله عليه السلام: «ماء الحمام كماء النهر يطهّر بعضه بعضا»۱۹.

و قوله عليه السلام: «إذا بلغ الماء قدر كرّ لم ينجسه شي‏ء»۲۰.

فيستفاد من إطلاق مجموعها قاعدة كلية و هي: «أنّ كلّ ماء معتصم يطهّر غيره بالاتصال معه عرفا، و لو بواسطة ماء آخر» لصدق الاتصال بالمعتصم و لو كان بالواسطة كما تقدم في [مسألة ٦] من فصل الماء الجاري، و [مسألة ۳] من ماء المطر في قوله: «نعم، لو جرى على وجه الأرض ..» و في ماء الحمام هذا و أما عدم اعتبار الامتزاج فقد تقدم في [مسألة ۱۳] من فصل المياه.

مسألة ۳: لا فرق بين أنحاء الاتصال في حصول التطهير فيطهر بمجرده، و إن كان الكر المطهّر- مثلا- أعلى و النجس أسفل (۸) و على هذا: فإذا ألقى الكر لا يلزم نزول جميعه فلو اتصل ثمَّ انقطع كفى (۹). نعم، إذا كان الكر الطاهر أسفل، و الماء النجس يجري عليه‏ من فوق لا يطهر الفوقاني بهذا الاتصال (۱۰).

لإطلاق الدليل الشامل للجميع مع أنّ الظاهر أنّ هذه الصورة إجماعية، و حق التعبير أن يقال: و إن كان الكر المطهر مساويا للماء النجس أو القي الماء النجس في الكر الطاهر.

لتحقق الاتصال بالمعتصم عرفا.

للشك في أنّ هذا النحو من الاتصال موجب لطهارة الفوقاني، فلا يصح حينئذ التمسك بالإطلاقات، فتستصحب النجاسة بلا دليل حاكم عليها، بل يحكم العرف فيه بدفع النجاسة من الفوق إلى الأسفل لا حصول الطهارة من الأسفل للفوق، لوجود الدفع في البين، و لذا لو انعكس و كان الماء العالي قليلا طاهرا، و جرى على الأسفل النجس، لا ينفعل العالي بمثل هذا الاتصال، لمكان الدفع، فليس كلّ اتصال مع المعتصم موجبا للطهارة بل ما صدق عليه الاتصال عرفا، و ما لم يحكم به العرف، أو شك فيه، يرجع إلى الاستصحاب، و مع عدم العلم بالحالة السابقة، فقد تقدم حكمه.

تنبيه: يظهر عن جمع من الفقهاء، منهم المحقق و الشهيد الثاني و العلامة رحمه اللّه في تطهير الماء النجس بخصوص الكر، اعتبار علو الكر و كون إلقائه دفعة. قال المحقق رحمه اللّه في الشرائع: «و يطهر بإلقاء الكر عليه دفعة»، و عن الروضة و التذكرة التعبير: بوقوعه عليه دفعة و نحو ذلك من التعبيرات- التي لا أثر لها في النصوص في هذا الأمر العام البلوى و لم يذكروا ذلك دليلا يصح الاستناد عليه في المقابل الإطلاقات و العمومات بل قال في الجواهر في مقام بيان عدم اعتبار علو الكر المطهر: «فلا أظن أحدا ينازع في الطهارة مع مساواة المطهر، بل عن الروض الاتفاق على حصول الطهارة بذلك، و كذا لو القي الماء القليل المتنجس في الكر».

و الحاصل: أنّ الإلقاء و الوقوع و نحو ذلك من التعبيرات، إن كان لأجل دلالة دليل عليها بالخصوص، فلم يدعيها أحد، و إن كان لأجل حصول الامتزاج بذلك، و هو معتبر، فقد تقدم عدم اعتباره. و إن كان لأجل أنّ طريق تطهير المياه في الأزمنة القديمة كان هكذا، فكانوا يعملون كرا في الخارج و يملأونه من الطاهر ثمَّ يلقونه على الماء المتنجس، فجرت عادة الفقهاء على التعبير بما كان يقع في الخارج، فهو حق. و لكنه لا يصير مدركا للحكم الشرعي.

و أما اعتبار الدفعة، فعن جمع اعتبارها، و في الحدائق: «الظاهر أنّه‏ المشهور». و ظاهر جمع، و صريح آخرين عدم الاعتبار.

و استدلوا لاعتبارها.

تارة: بما أرسله المحقق رحمه اللّه من قوله: «لورود النص في الدفعة».

و يرد: بما عن المدارك: «من أنا لم نعثر عليه في كتب الحديث، و لا نقله ناقل في كتب الاستدلال».

و ما في الجواهر من انجباره بالشهرة، مخدوش بعدم ثبوت الشهرة الجابرة، مضافا إلى أنّ الانجبار بها فيما إذا ورد نص مرسل في الكتب، لا فيما إذا كان الورود من مجرد الدعوى، و فرق بينهما، كما لا يخفى.

و أخرى: بأنّ بالدفعة يحصل الامتزاج، دون غيرها. و فيه: ما تقدم من عدم دليل على اعتباره، مع أنّه أعم من المدعى، كما هو واضح.

و ثالثة بأنّها المتيقن من حصول الطهارة.

و فيه: أنّه لا وجه للأخذ بالمتيقن، مع وجود الإطلاق. نعم، لو كان المراد بالدفعة في مقابل الدفعات المتخلل بينها العدم، فلا ريب في اعتبارها حينئذ، و يمكن أن يكون نظر من اعتبرها إلى ذلك أيضا، كما يمكن أن يكون نظر من يظهر منه اعتبار الإلقاء إلى ذلك، أو إلى حصول الامتزاج، فيكون النزاع لفظيا.

و بالجملة إنّ المسألة كانت ابتلائية في الأزمنة القديمة، و لم يشر في الأدلة لا سؤالا من الناس، و لا ابتداء من المعصوم عليه السلام إلى علوّ المطهّر الدال على الإلقاء عرفا، و لا إلى الامتزاج، و لا إلى الدفعة مع شدة الحاجة إلى البيان و لم يتعرض المتقدمون من الفقهاء لبيان ذلك مع شدة الحاجة إليه فيحصل من ذلك الظن القوي بعدم اعتبار شي‏ء من ذلك، و لا يقصر هذا الظن من سائر الظنون الاجتهادية التي يعتمد المجتهدون عليها في استنباطاتهم.

مسألة ٤: الكوز المملو من الماء النجس إذا غمس في الحوض يطهر، و لا يلزم صب مائه و غسله (۱۱).

للاتصال بالماء المعتصم، فيطهر بذلك الماء و ظرفه، و لا يعتبر في‏ طهارة الظرف، التعدد المعتبر في تطهير الأواني، لأنّ التعدد معتبر فيها إن كان التطهير بالقليل، دون المعتصم، كما سيأتي في فصل المطهّرات.

مسألة ٥: الماء المتغيّر إذا القي عليه الكر، فزال تغيره به، يطهر، و لا حاجة إلى إلقاء كر آخر بعد زواله (۱۲). لكن بشرط أن يبقى الكر الملقى على حاله من اتصال أجزائه و عدم تغيره، فلو تغير بعضه قبل زوال تغير النجس، أو تفرق بحيث لم يبق مقدار الكر متصلا باقيا على حاله، تنجس، و لم يكف في التطهير (۱۳). و الأولى إزالة التغيير أولا، ثمَّ إلقاء الكر أو وصله به.

لتحقق الاتصال بالمعتصم، فتشمله إطلاقات الأدلة و عموماتها الدالة على كفاية مجرد الاتصال، و إن زال به التغيير.

لتنجس مقدار المتغير من الكر، و يتنجس الباقي أيضا بالاتصال لكونه قليلا ملاقيا للمتنجس.

مسألة ٦: تثبت نجاسة الماء كغيره، بالعلم (۱٤) و بالبينة (۱٥).و بالعدل الواحد على إشكال (۱٦) لا يترك فيه الاحتياط. و بقول ذي اليد و إن لم يكن عادلا (۱۷). و لا تثبت بالظن المطلق على الأقوى (۱۸).

كونه حجة فطرية، كما أثبتناه في بحث حجية القطع في علم الأصول‏۲۱.

لكونها من الحجة العقلائية، و لا بأس بالتعرض لحجية البينة هنا إجمالا:

(قاعدة اعتبار البينة)

و فيها جهات من البحث:

الأولى: لا ريب و لا إشكال في حجية شهادة العدلين- المصطلح عليها بالبينة- الا أنّ حجيتها هل تكون تعبدية محضة أو أنّها من الحجج العقلائية- حتّى يكفي في اعتبارها عدم ثبوت الردع عنها؟ الظاهر هو الأخير، لما تقدم من أنّه‏ قد ارتكز في أذهان العقلاء من كلّ مذهب و ملة من الركون إلى شهادة شاهدين عدلين من مذهبهم. نعم، قد يكون العادل في مذهب غير عادل في مذهب آخر و لا ينافي ذلك التسالم على أصل الكبرى- في الجملة- فتكون شهادة العدلين من العلم العادي النوعي المتعارف لديهم، و إن لم يكن من العلم الوجداني فلا يشملها ما دل على النهي عن اتباع غير العلم، لأنّ العلم في الكتاب و السنة أعم من العلم العادي الاطمئناني، فهي متبعة لديهم مطلقا الا إذا حددها الشارع بحدود و قيود، كما سيأتي تفصيل ذلك في كتاب القضاء و الشهادات إن شاء اللّه تعالى.

و يشهد لما قلناه أنا لم نظفر بخبر يدل على السؤال عن حجية أصل البينة، بل و لم نظفر من المعصوم عليه السلام لحجيتها من غير سؤال، مع كونها ابتلائية من كلّ جهة.

نعم، جميع ما ورد فيها من الآيات و الروايات، وردت لبيان إقامتها، و الأخذ بها، فأرسل في الكتاب و السنة أصل اعتبارها إرسال المسلّمات. فراجع.

و يعضد ما قلناه أيضا السيرة العملية من الفقهاء في جميع أبواب الفقه، على العمل بها، و الاعتماد عليها مطلقا إلا ما خرج بالدليل. و عن صاحب الجواهر رحمه اللّه: «ينبغي القطع به بل لا أجد فيه خلافا إلا ما يحكى عن القاضي، و ظاهر عبارة الكاتب و الشيخ و لا ريب في ضعفه» فإنّ الظاهر أنّ السيرة و الإجماع، و دعوى القطع حصلت عما ارتكز في نفوسهم الشريفة من اعتبار العلم العادي مطلقا، لا لدليل تعبدي.

ثمَّ إنّه وردت في الكتاب الكريم جملة من الآيات الكريمة يستفاد منها اعتبار شهادة العدلين، و كونها من العلم العادي النوعي- الذي يعتبر عند العقلاء- كقوله تعالى‏ وَ اسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجالِكُمْ‏۲۲.

و قوله تعالى‏ وَ أَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ‏۲۳.

و قوله تعالى‏ اثْنانِ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ‏۲٤.

إلى غير ذلك مما ورد من الآيات الكريمة حول شهادة العدلين- تحملا و أداء- الدالة على المفروغية عن أصل اعتبارها عرفا مطلقا، و في قوله تعالى في مدح النبي صلّى اللّه عليه و آله‏ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَ يُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ‏۲٥ أيضا نحو دلالة على اعتبارها.

كما يستفاد اعتبارها مطلقا من جملة من الأخبار أيضا، كقول الصادق عليه السلام في معتبرة مسعدة بن صدقة: «كلّ شي‏ء هو لك حلال حتّى تعلم أنّه حرام بعينه، فتدعه من قبل نفسك، و ذلك مثل الثوب يكون عليك قد اشتريته، و هو سرقة .. إلى أن قال عليه السلام: أو امرأة تحتك و هي أختك أو رضيعتك، و الأشياء كلّها على هذه حتّى يستبين لك غير ذلك، أو تقوم به البينة»۲٦.

و قد عمل به المشهور، و تلوح منه قرائن صحة الصدور، كما لا يخفى.

و يستفاد منه أنّه عليه السلام في مقام بيان إعطاء الضابطة في الموضوعات المشتبهة و أنّ البينة في عرض الاستبانة التي هي عبارة عن العلم، فكأنّه قال عليه السلام: حتى يحصل لك العلم الوجداني، أو العلم العادي النوعي الذي منه البينة.

المقيد بما دل على اعتبار التعدد في البينة.

و عنه عليه السلام أيضا لابنه إسماعيل في صحيح حريز: «إذا شهد عندك المؤمنون فصدقهم»۲۷.

المقيد بما دل على اعتبار التعدد في البينة.

و عنه عليه السلام أيضا: «كل شي‏ء لك حلال حتّى يجيئك شاهدان يشهدان أنّ فيه ميتة»۲۸.

و قد وردت في الشهادة على الهلال أخبار مستفيضة۲۹ ظاهرة فيما قلناه فإنّ سنخ هذه التعبيرات تدل على المفروغية عن اعتبار البينة مطلقا فتوهم اختصاص اعتبارها بالموارد الخاصة، مما لا وجه له، لأنّ جميع ما ذكر من الموارد الخاصة في الآيات و الروايات من باب المثال لا الاختصاص.

الثانية: هل يشترط في اعتبارها حصول الاطمئنان الشخصي بمفادها أو يكفي النوعي. أو لا يعتبر شي‏ء؟ مقتضى المرتكزات، و أنّها من العلم العادي، هو الوسط، و الإطلاقات منزلة عليه أيضا. هذا إذا لم يكن اطمينان معتبر على الخلاف. و الا فيشكل اعتبارها، و إن كان هو مقتضى الإطلاق لو لا دعوى الانصراف. و قال في الجواهر: «لا فرق في ثبوت النجاسة بالبينة بين حصول الظن منها، و عدمه، كما في كل مقام تقبل فيه» و ظاهره الشخصي، دون النوعي.

الثالثة: قد اشتهر أنّ مثبتات الأمارات معتبرة، و منها البينة، لكونها طريقا إلى ثبوت الواقع، و كلّما ثبت الشي‏ء بواقعة يترتب عليه جميع لوازمه و آثاره مطلقا.

و لكن الكلام في تعميم الاعتبار بالنسبة إلى جميع اللوازم و الملزومات مطلقا، أو أنّه تابع لمقدار دلالتها عليها بالدلالة العرفية المعتبرة. و الحق هو الأخير لما فصلناه في الأصول‏۳۰. فإطلاق القول بأنّ مثبتات الأمارات معتبرة بقول مطلق يكون بلا دليل.

الرابعة: الضابط في الشهادة العلم بالمشهود به، كتابا لقوله تعالى‏ وَ لا تَقْفُ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ‏۳۱.

و كذا قوله تعالى‏ إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَ هُمْ يَعْلَمُونَ‏۳۲.

و سنة لقوله صلّى اللّه عليه و آله: «هل ترى الشمس؟ على مثلها فاشهد أو دع»۳۳.

و قوله الصادق عليه السلام: «لا تشهدن بشهادة حتّى تعرفها كما تعرف كفك»۳٤.

بل و يدل عليه مفهوم الشهادة أيضا لأنّه من المشهود و هو يساوق العلم و الظاهر أنّ العلم معتبر في الشهادة من حيث الطريقية إلى الواقع لا أن تكون له موضوعية خاصة فيها لأنّ جميع الحجج إنّما تعتبر من حيث الطريقية و الاعتبار من جهة الموضوعية يحتاج إلى دليل و هو مفقود.

ثمَّ إنّ العلم المعتبر فيها يحتمل أن يكون بمعنى العلم المنطقي الذي لا يحتمل فيه الخلاف و يكون مقابلا للاطمئنان و الظن و يحتمل أن يراد به العلم المصطلح عليه في الكتاب و السنة- أي الاطمئنان الذي يعتمد عليه الناس في أمور معاشهم و معادهم- و مقتضى الجمود على ما تقدم من النظر إلى الشمس و الكف- و إن كان هو الأول و هو المشهور و ادعي عليه الإجماع و تقتضيه مادة الشهادة- الا أنّ ظاهر صحيح ابن وهب جواز الشهادة معتمدا على الاستصحاب و هو: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: الرجل يكون في داره، ثمَّ يغيب عنها ثلاثين سنة و يدع فيها عياله، ثمَّ يأتينا هلاكه و نحن لا ندري ما أحدث في داره و لا ندري ما أحدث له من الولد إلا أنا لا نعلم أنّه أحدث في داره شيئا و لا حدث له ولد، و لا تقسم هذه الدار على ورثته الذين ترك في الدار حتّى يشهد شاهدا عدل أنّ هذه الدار دار فلان مات و تركها ميراثا بين فلان و فلان أو نشهد على هذا؟ قال: نعم»۳٥.

و خبر حفص بن غياث- الدال على جواز الشهادة مستندا إلى اليد- قال له رجل: «إذا رأيت شيئا في يد رجل يجوز لي أن أشهد أنّه له قال عليه السلام:

نعم، قال الرجل: أشهد أنّه في يده و لا أشهد أنّه له فلعله لغيره، فقال أبو عبد اللّه عليه السلام أ فيحل الشراء منه؟!! قال: نعم، فقال أبو عبد اللّه عليه السلام: فلعله لغيره فمن أين جاز لك أن تشتريه و يصير ملكا لك، ثمَّ تقول‏ بعد الملك هو لي و تحلف عليه، و لا يجوز أن تنسبه إلى من صار ملكه من قبله إليك، ثمَّ قال أبو عبد اللّه عليه السلام: لو لم يجز هذا لم يقم للمسلمين سوق»۳٦.

و لكن لا بد من رفع اليد عن ظاهرهما للمعارضة و الهجر و إمكان الحمل على صورة حصول العلم. مع أنّ صحيح وهب ينافي ذيله: «كلّ ما غاب من يد المرء المسلم غلامه أو أمته أو غاب عنك لم تشهد به».

و بصحيحه الآخر: «اشهد بما هو علمك»۳۷و يأتي التفصيل في القضاء و الشهادات إن شاء اللّه تعالى.

الخامسة: قد تقدم اعتبارها في تمام الموضوعات مطلقا إلا ما دل الدليل على الخلاف، و هي مقدمة على جميع الأصول و القواعد الجارية في الموضوعات مطلقا، كالاستصحاب، و أصالة الطهارة، و التذكية و الصحة و الحقيقة و عدم الحجية و غير ذلك من الأصول، و كقاعدة الفراغ و التجاوز و الحلية و الحيلولة، و يد المسلم و سوقه و غير ذلك من القواعد الموضوعية.

و الوجه في ذلك كلّه تسالم الأصحاب،- بل العقلاء- على أنّ اعتبار القواعد و الأصول الموضوعية من قبيل اللااقتضاء بالنسبة إلى الحجج المعتبرة في الموضوعات، و لا معنى لمعارضة اللااقتضاء مع ما فيه الاقتضاء، و يأتي في كتاب القضاء تتمة الكلام، و الفروع المتعلقة۳۸ بالمقام إن شاء اللّه تعالى.

نسب إلى المشهور عدم اعتباره في الموضوعات إلا ما خرج بالدليل، لأصالة عدم الحجية و الاعتبار. و عن بعض اعتباره فيها كاعتباره في الأحكام إلا ما خرج بالدليل، لأنّه من موجبات حصول العلم العادي و الاطمئنان‏ لدى الأنام، و لأنّه إذا اعتبر في الأحكام، يعتبر في الموضوعات بلا كلام، و لورود النص على اعتباره في موارد متفرقة يبعد الاختصاص بها و يقرب كونها من باب المثال، كالاعتماد على أذان الثقة، و عزل الوكيل بوصول خبر العزل به، و ثبوت الوصية به، و غير ذلك من الموارد الكثيرة۳۹.

إن قلت: بين خبر الثقة و العدل الواحد عموم من وجه، إذ يمكن أن يكون ثقة، و لم يكن عدلا، و يمكن العكس، كما إذا كان بحيث يعرض له الاشتباه و النسيان، فما دل على اعتبار خبر الثقة لا يشمل خبر العدل الواحد.

قلت: مورد البحث ما إذا لم يكن في البين عنوان خارجي يمنع القبول، كما أنّ الحكم في البينة أيضا كذلك.

إن قلت: قد تقدم قول أبي عبد اللّه عليه السلام في خبر مسعدة بن صدقة: «الأشياء كلّها على هذا حتّى يستبين لك غير ذلك أو تقوم به البينة»٤۰.

فحصر عليه السلام الحجة على الموضوعات بالعلم و البينة، و ما ورد في الجبن- في الخبر المتقدم- «كلّ شي‏ء حلال حتّى يجيئك شاهدان يشهدان أنّ فيه الميتة»٤۱.

قلت أولا: إنّ الحصر ليس حقيقيا قطعا، لأنّ قول ذي اليد و سوق المسلم حجة.

و ثانيا: المراد بالاستبانة في خبر ابن صدقة، ما يصح ركون النفس إليه، و يحصل الاطمئنان منه- أي العلم العادي الذي هو المراد من العلم و الاستبانة في الكتاب و السنة- و المفروض أنّ قول الثقة و العدل الواحد من موجباته.

إن قلت: فعلى هذا لا وجه لاعتبار البينة في الفقه مطلقا، لكفاية شهادة العدل الواحد، فيكون ضم العدل الآخر- أو أربعة عدول في الموارد المختصة من اللغو.

قلت: اعتبار شهادة العدل الواحد لا يستلزم سقوط اعتبار البينة، لدليل خاص يدل عليه بالخصوص في موارد خاصة، كما أنّ اعتبار البينة لا يستلزم سقوط اعتبار ما لا يثبت إلا بأربعة رجال، كالزنى و اللواط و المساحقة.

و يمكن جعل النزاع لفظيا، فمن يقول بعدم الاعتبار- أي فيما إذا لم يحصل الاطمئنان النوعي العادي. و من يقول به- أي فيما حصل ذلك: فما ذهب إليه جمع من اعتباره في النجاسة، لأجل حصول الاطمئنان النوعي من قوله، لا لأجل دليل ورد فيه بالخصوص.

و الحاصل مما تقدم أنّ الاطمئنان العادي العقلائي، حجة عقلائية، و لم يردع عنه الشارع و ما اشتمل من الكتاب و السنة على النهي عن اتباع غير العلم و نحوه من التعبيرات، يراد به غير الاطمئنان العادي العقلائي و قد صرّح بذلك جمع من الفقهاء، منهم صاحب الجواهر في مواضع من كتابه، فراجع.

المراد باليد هنا، و في قاعدة اليد، الاستيلاء العرفي العادي، لا الجارحة الخاصة. و مدرك الاعتبار السيرة العقلائية، و اتفاق الفقهاء، كما في الحدائق، و ورود روايات مختلفة في الأبواب المتفرقة٤۲. قال في الجواهر:

«و للسيرة القاطعة، و لاستقراء موارد قبول إخبار ذي اليد بما هو أعظم من ذلك من الحل و الحرمة و غيرهما».

و في مصباح الفقيه التمسك بالقاعدة المعروفة: «من ملك شيئا ملك الإقرار به»، و قال:

«إذ الظاهر أنّ المراد بهذه القاعدة: أنّ من كان مستوليا على شي‏ء، و متصرفا فيه، قوله نافذ بالنسبة إليه».

و يدل عليه ما ورد في الدهن المتنجس: من أنّه «ينبه لمن اشتراه ليستصبح به»٤۳.

فإنّه ظاهر في اعتبار قول ذي اليد، و كذا ذيل صحيح ابن عمار: «قلت: فرجل من غير أهل المعرفة ممن لا نعرفه أنّه يشربه على الثلث، و لا يستحله على النصف يخبر أنّ عنده بختج ٤٤على الثلث قد ذهب ثلثاه، و بقي ثلثه يشرب منه قال عليه السلام: نعم»٤٥.

و لكن يظهر من صدر الحديث، عدم الشرب مع الاتهام فيستفاد من مجموع الصدر و الذيل: اعتبار قول ذي اليد إن لم يكن متّهما. فما عن شرح المفاتيح، و شارح الدروس: من عدم اعتبار قول ذي اليد في خصوص النجاسة، تمسكا بقوله عليه السلام: «كلّ شي‏ء نظيف حتّى تعلم أنّه قذر»٤٦. و أنّه ليس قول ذي اليد من العلم. ضعيف في الغاية، لأنّ المراد بالعلم مطلق ما هو معتبر شرعا، أمارة كان أو أصلا.

و الظاهر أنّ اعتبار قول ذي اليد، من باب إفادته الاطمئنان العادي النوعي، فيعتبر من هذه الجهة. فيشكل الاعتبار إن لم يكن نوعا كذلك و يمكن أن يستفاد ذلك مما تقدم في صحيح ابن عمار صدرا و ذيلا. و بذلك يمكن أن يجمع بين قول المشهور القائلين باعتباره، و قول من يذهب إلى عدم الاعتبار.

ثمَّ إنّه لا يعتبر في اعتبار قول ذي اليد: الإيمان، و العدالة، لإطلاق الأدلة، و تصريح الأصحاب، بل ظاهر سيرة العقلاء العمل بقوله و لو كان كافرا، و يقتضيه إطلاق تعبيرات الفقهاء أيضا. فتأمل.

فرعان:

الأول: عن بعض الفقهاء (قدّس اللّه سرهم: التعبير بالمالك، و عن بعضهم بذي اليد، و عن ثالث الجمع بينهما. و قال في الجواهر:

«يقوى في النظر عموم القبول لكلّ مستول على عين شرعا لملك، أو وكالة، أو إجارة، أو أمانة، أو ولاية و نحوها، بل قد يدور في الذهن قبول الغاصب الذي هو كالمتملك عرفا».

الثاني: لو كان ذو اليد صبيا، فهل يقبل قوله في النجاسة؟ لا يبعد ذلك، لجريان السيرة على الاجتناب عنها مع إخباره، و يأتي في فصل طرق ثبوت النجاسة في [مسألة ۱۰] و ما بعدها ما يرتبط بالمقام.

لأصالة عدم الاعتبار ما لم يكن دليل عليه، و لأنّه لو بني على اعتبار الظن بالنجاسة، لاختل النظام و تعطّل سوق الأنام.

و عن ظاهر النهاية، و صريح الحلبي: ثبوتها به، لابتناء غالب الأحكام على الظنون و فيه: أنّها ظنون دلت على اعتبارها أدلة مخصوصة.

و لامتناع ترجيح المرجوح على الراجح و فيه: أنّه من إحدى مقدمات دليل الانسداد، و لا ينفع ما لم تنضم إليه سائر المقدمات.

و لما في بعض الأخبار٤۷من الأمر بغسل الثوب المأخوذ من يد الكافر.

و فيه: أنّه معارض بما يدل٤۸على جواز الصلاة فيما يعمله الكافر. و لأنّ السجاد عليه السلام حين أراد به الصلاة كان يلقي الفراء، لأنّ أهل العراق يستحلون الميتة بالدباغ‏٤۹.

و فيه: أنّه أعم من النجاسة مع أنّ في لبسه لها دليلا على عدم النجاسة.

فلا اعتبار بمثل هذا الظن، لأصالة عدم الحجية في كلّ ما شك في حجيته التي هي من الأصول المعتبرة المجمع عليها لدى الفقهاء، بل المتفق عليها عند العقلاء- لأنّ الحجية، ما يصح أن يحتج به، و لا يكون ذلك إلا مع ثبوت‏ الحجة، و الجزم بها و مع الشك فيها لا يصح ذلك، فيكفي الشك في الحجية في عدم الحجية، و قد استدل على ذلك بالأدلة الأربعة كما فصلناه في الأصول‏٥۰.

مسألة ۷: إذا أخبر ذو اليد بنجاسة، و قامت البينة على الطهارة، قدمت البينة (۱۹)، و إذا تعارضت البينتان تساقطتا (۲۰) إذا كانت بينة الطهارة مستندة إلى العلم (۲۱)، و إن كانت مستندة إلى الأصل، تقدم بينة النجاسة (۲۲).

لأنّ عمدة الدليل على اعتبار قول ذي اليد: السيرة، و الإجماع، و المتيقن منهما، ما إذا لم تكن أمارة أقوى على الخلاف، و البينة أقوى من اليد.

نعم، إن شهدت البينة بأصالة الطهارة، تقدم اليد عليها كتقدم كل أمارة على الأصل، لأنّ البينة أقوى الأمارات بعد الإقرار إذا كان المشهود به علميا، كالشمس، و كما ينظر إلى الكف. و أما إذا كان أصلا أو أمارة ظنية، فتقدم الأمارة عليها و إن استندت إلى الأصل مطلقا، يدا كانت الأمارة أو غيرها. و أما إذا استندت إلى الأمارة، كأن شهدت البينة بقول ذي اليد- مثلا- فلا وجه لتقديمها على اليد مطلقا، بل لا بد من إعمال المرجحات الموجبة لحصول العلم بإحداهما، فيؤخذ بها و تترك الأخرى.

لقبح الترجيح بلا مرجح، و عدم إمكان الأخذ بهما، فلا بد من التساقط. و لكن سيأتي إن شاء اللّه تعالى في كتاب القضاء، ظهور الأخبار الواردة في تعارض البينات في عدم التساقط، و لزوم إعمال المرجح. إلا أن يقال: إنّها مختصة بخصوص مورد التخاصم عند الحاكم. و إن كان في إحديهما ترجيح، يمكن القول بالأخذ بها، لبناء العقلاء على الأخذ بذي المزية عند التعارض.

ثمَّ إنّ الحكم بالتساقط مبنيّ على اختصاص التخيير بخصوص تعارض الأخبار، لورود التخيير في الأخبار٥۱ العلاجية بعد فقد المرجح و أما إن قلنا أنّ التخيير بعد فقد المرجح، موافق للسيرة العقلائية عند تعارض الحجج، مع عدم وجود المزية، و قد ورد التخيير في الأخبار٥۱ العلاجية موافقا لها، فيثبت في‏ المقام أيضا. و لكن ظاهر الفقهاء (قدّس اللّه سرّهم) عدم تخيير الحاكم في تعارض البينتين، فإن كان إجماع، يقبل في مورده. و يأتي التفصيل في كتاب القضاء إن شاء اللّه تعالى.

لأنّ المناط في التعارض، و التساقط: كون المتعارضين في عرض واحد- بأن كانا إما مستندين إلى العلم، أو العلمي. و إن اختلفا- بأن كان أحدهما مستندا إلى الأصل، و الآخر إلى العلم أو العلمي- يقدم الآخر على ما استند إلى الأصل مطلقا، و لا تعارض حينئذ في البين.

هذا من باب المثال. و إلا فلو كانت بينة النجاسة مستندة إلى الأصل، تقدم بينة الطهارة عليها.

فروع:

الأول: لا يعتبر في البينة ذكر مستند الشهادة، للأصل و الإطلاق. إلا إذا دعت ضرورة إليه، و يأتي في [مسألة ٤] من فصل طريق ثبوت النجاسة ما ينفع المقام.

الثاني: لا يشترط في اعتبار البينة قيامها عند الحاكم الشرعي، بل كلّ من قامت لديه بينة الطهارة أو النجاسة، له أن يعمل بها، بل قد يجب.

الثالث: لو كانت البينة وسواسيا ففي اعتبار شهادتها في النجاسة إشكال.

الرابع: لو قامت البينة على أحدهما، و علم بخطإ مستندها، لا اعتبار بها.

الخامس: لو كانا عدلين عند شخص، و فاسقين عند آخر فللأول ترتيب الأثر، بخلاف الآخر.

مسألة ۸: إذا شهد اثنان بأحد الأمرين، و شهد أربعة بالآخر، يمكن- بل لا يبعد- تساقط الاثنين بالاثنين، و بقاء الآخرين (۲۳).

إن كان بقاؤهما لأجل عدم صدق التعارض بالنسبة إليهما، فهو خلاف‏ المتعارف. و إن كان لأجل الترجيح بالأكثرية، كما يأتي في كتاب القضاء، فهو مبنيّ على التعدي عن مورد التخاصم و فصل الخصومة إلى جميع موارد قيام البينة، و لا دليل عليه إلا دعوى: أنّ الترجيح مطلقا موافق للسيرة العقلائية، و قد ورد الدليل على طبقها.

مسألة ۹: الكرية تثبت بالعلم و بالبينة (۲٤)، و في ثبوتها بقول صاحب اليد وجه، و إن كان لا يخلو عن إشكال (۲٥). كما أنّ في إخبار العدل الواحد، أيضا إشكالا (۲٦).

لما تقدم من عموم اعتبارها مطلقا، إلا ما خرج بالدليل.

إن كان ذو اليد من أهل الخبرة و الاطلاع بالكرّيّة، فالظاهر قبول قوله فيها، لجريان دليل اعتباره حينئذ. و إن لم يكن كذلك، فمقتضى الأصل عدم الاعتبار بعد الشك في شمول دليل اعتباره لهذه الصورة.

ما لم يفد الاطمئنان النوعي، كما تقدم تفصيله.

مسألة ۱۰: يحرم شرب الماء النجس إلا في الضرورة (۲۷) و يجوز سقيه للحيوانات (۲۸)، بل و للأطفال أيضا (۲۹). و يجوز بيعه مع الإعلام (۳۰).

بضرورة من المذهب، بل الدين في كلّ من المستثنى و المستثنى منه.

للأصل: نعم، يكره لما عن أبي بصير: «عن البهيمة، البقرة و غيرها، تسقى و تطعم ما لا يحل للمسلم أكله أو شربه. أ يكره ذلك؟ قال عليه السلام: نعم، يكره ذلك»٥۳.

مناهي الشريعة المقدسة على أقسام:

الأول: ما علم أنّ أصل تحققه مبغوض مطلقا، سواء كان بنحو المباشرة أم‏ التسبيب كالمتعلقة بالدماء و الأعراض، و الأموال، و كلّ ما يضر، و شرب المسكر و نحو ذلك، و لا ريب في حرمة التسبب بها إلى غير المكلّف، صبيا كان أو مجنونا.

الثاني: ما يختص بخصوص المكلّفين، كترك الصلاة- مثلا- و لا ريب في اختصاصها بخصوصهم، و عدم حرمة التسبب بالنسبة إلى غير المكلّفين.

الثالث: ما يشك في أنّها من أيّهما، و مقتضى الأصل عدم حرمة التسبب فيها، فيلحق بالثاني. هذا بحسب القاعدة.

و نسب إلى المحقق الأردبيلي (قدّس سرّه: أنّ الناس مكلّفون بإجراء أحكام المكلّفين على الأطفال فإن تمَّ إجماعا، و حرم التسبب إلى أكل الحرام بالنسبة إلى المكلفين، حرم بالنسبة إلى الأطفال أيضا. و لكن البحث في كلّ من الصغرى و الكبرى، و يأتي- إن شاء اللّه تعالى- في [مسألة ۳۲] و ما بعدها من فصل في صحة الصلاة، ما ينفع المقام.

لجواز بيع كلّ ما فيه غرض عقلائي غير منهيّ عنه شرعا. أما وجوب الإعلام، فلقول الصادق عليه السلام في الزيت: «فلا تبعه إلا لمن تبيّن له، فيبتاع للسراج. و أما الأكل فلا»٥٤.

و قوله عليه السلام في الزيت أيضا: «و أعلمهم إذا بعته»٥٥.

و قوله عليه السلام فيه أيضا: «و ينبه لمن اشتراه ليستصبح به»٥٦.

و يستفاد منه التعميم، بعد القطع بعدم خصوصية المورد و هل يكون وجوب الإعلام نفسيا، أو شرطيا لصحة المعاملة، أو إرشاديا محضا، لئلا يستعمله فيما يعتبر فيه الطهارة؟ وجوه، أقواها الأخير. و يأتي التعرض لها في كتاب البيع، إن شاء اللّه تعالى و حينئذ فلو علم المشتري بالنجاسة، يسقط وجوبه. و أما الاستدلال على وجوب الإعلام: بأنّ في تركه تسبيبا للوقوع في الحرام فسيجي‏ء، في بيان قاعدة حرمة التسبيب إلى الحرام في [مسألة ۳۲] من (فصل يشترط في صحة الصلاة) ما ينفع المقام، إن شاء اللّه تعالى.

  1. تقدم في صفحة: ۱٤۹.
  2. الوسائل باب: ۱٤ من أبواب الماء المطلق حديث: ۱٥.
  3. الوسائل باب: ۱٦ من أبواب الماء المطلق حديث: ۷.
  4. الوسائل باب: ۱٦ من أبواب الماء المطلق حديث: ۸.
  5. الوسائل باب: ۱٦ من أبواب الماء المطلق حديث: ۹.
  6. الوسائل باب: ۱٤ من أبواب الماء المطلق حديث: ۱۲.
  7. الوسائل باب: ۲۲ من أبواب الماء المطلق حديث: ۱.
  8. الوسائل باب: ۱٤ من أبواب الماء المطلق حديث: ۱٥.
  9. الوسائل باب ۹: من أبواب الماء المطلق حديث: ۸.
  10. الوسائل أبواب: ۱٥- ۲۲ من أبواب الماء المطلق.
  11. تقدم في صفحة: ۲۲٤- ۲۲٥.
  12. الوسائل باب: ۳۲ من أبواب آداب الحمام حديث: ٦.
  13. الوسائل باب: ۱ من أبواب السواك حديث: ۱۱ و غيره.
  14. تقدم في صفحة: ۲۲٥.
  15. تقدم في صفحة: ۲۲٥.
  16. الوسائل باب: ۱ من أبواب الماء المطلق حديث: ٦.
  17. الوسائل باب: ٦ من أبواب الماء المطلق حديث: ٥.
  18. مستدرك الوسائل باب: ۹ من أبواب الماء المطلق حديث: ۸.
  19. الوسائل باب: ۷ من أبواب الماء المطلق حديث: ۷.
  20. الوسائل باب: ۹ من أبواب الماء المطلق حديث: ۱.
  21. راجع المجلد الثاني من تهذيب الأصول صفحة: ۱۱ الطبعة الثانية- بيروت.
  22. سورة البقرة( ۲) الآية: ۲۸۲.
  23. سورة الطلاق( ٦٥) الآية: ۲.
  24. سورة المائدة( ٥) الآية: ۱۰٦.
  25. سورة التوبة( ۹) الآية: ٦۱.
  26. الوسائل باب: ٤ من أبواب ما يكتب به حديث: ٤ ج: ٤.
  27. الوسائل باب ٦ من أبواب أحكام الوديعة حديث ۱ ج: ۱۳.
  28. الوسائل باب: ٦۱ من أبواب الأطعمة المباحة حديث: ۲ ج: ۱۷.
  29. الوسائل باب: ۱۱ من أبواب أحكام شهر رمضان ج: ۷.
  30. راجع تهذيب الأصول ج: ۲ صفحة: ۲٥ ط ۲ بيروت.
  31. سورة الإسراء( ۱۷) الآية: ۳٦.
  32. سورة الزخرف( ۲۳) الآية: ۸٦.
  33. الوسائل باب: ۲۰ من أبواب الشهادات حديث: ۳ ج: ۱۸.
  34. الوسائل باب: ۲۰ من أبواب الشهادات حديث: ۱ ج: ۱۸.
  35. الوسائل باب: ۱۷ من أبواب الشهادات حديث: ۲ ج: ۱۸.
  36. الوسائل باب: ۲٥ من أبواب كيفية الحكم و أحكام الدعوى حديث: ۲ ج: ۱۸.
  37. الوسائل باب: ۱۷ من أبواب الشهادات حديث: ۱ ج: ۱۸.
  38. كما و سيأتي في صفحة: ۲٥۳ فروع تتعلق بالقاعدة.
  39. تقدم بعضها في صفحة ۳٦: و قد ورد في الوسائل باب ۱۱ من أبواب بيع الحيوان حديث: ۲. و باب: ۳۸ مما يكتسب به حديث: ۲ ج: ۱۲.
  40. تقدم في صفحة: ۲۳٤.
  41. تقدم في صفحة: ۲۳٤.
  42. منها رواية حفص المتقدمة صفحة ۲٤٦ و منها ما سواه في الوسائل باب: ۸ من أبواب ميراث الزوج حديث: ۳. و باب: ۲٥ من أبواب كيفية الحكم و أحكام الدعوى. و باب: ٥ من أبواب بيع الحيوان و ستجي‏ء إن شاء اللّه تعالى عند ذكر قاعدة اليد روايات أخرى.
  43. الوسائل باب: ۷ من أبواب الأشربة المحرمة حديث: ٤ ج: ۱۷.
  44. معرّب بخته أي: العصير المطبوخ.
  45. الوسائل باب: ٦ من أبواب ما يكتسب به حديث: ٤.
  46. الوسائل باب: ۳۷ من أبواب النجاسات حديث: ٤.
  47. الوسائل: ۱٤ من أبواب النجاسات و باب: ٥۰ حديث: ۱ منها.
  48. الوسائل باب: ۷۳ من أبواب النجاسات.
  49. الوسائل باب: ٦۱ من أبواب النجاسات حديث: ۲.
  50. راجع تهذيب الأصول ج: ۲ صفحة: ٦۲ ط ۲ بيروت.
  51. الوسائل باب: ۹ من أبواب صفات القاضي.
  52. الوسائل باب: ۹ من أبواب صفات القاضي.
  53. الوسائل باب: ۱۰ من أبواب الأشربة المحرمة حديث: ٥ و ٤.
  54. الوسائل باب: ٦ من أبواب ما يكتسب به.
  55. الوسائل باب: ٦ من أبواب ما يكتسب به.
  56. الوسائل باب: ٦ من أبواب ما يكتسب به.
الرئیسیة
السیرة
المکتبة
القائمة
بحث
× Add a menu in "WP Dashboard->Appearance->Menus" and select Display location "WP Bottom Menu"