إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبارَكاً وَ هُدىً لِلْعالَمِينَ (۹٦) فِيهِ آياتٌ بَيِّناتٌ مَقامُ إِبْراهِيمَ وَ مَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً وَ لِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَ مَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعالَمِينَ (97)
بعد ما ذكر سبحانه ان البر لا ينال إلا بالإنفاق في سبيل اللّه عز و جل و ان البر يشمل جميع ما ينفقه في سبيله تبارك و تعالى- عملا كان أو مالا أو جاها أو المعارف الحقة الإلهية، و بين سبحانه بعض مفتريات اليهود و ادعاؤهم الكذب على اللّه عز و جل في نسبة الاحكام اليه تعالى. و كان الواجب عليهم نيل البر بإتيان الوظائف التي قررها اللّه تعالى في التوراة التي أنزلها على موسى (عليه السلام) و اتباع ملة ابراهيم (عليه السلام) حنيفا.
و في هذه الآيات الشريفة يقرر تعالى مظهرا آخر من مظاهر البر و هو تعظيم بيت اللّه الحرام الذي هو أول بيت تحقق فيه الهدى و دين الحق و تضمن شعار الوحدة لجميع الأديان السماوية في عبادة الواحد الأحد، و الذي فيه آيات بينات تدل على منزلته العظيمة في الملة الحنيفية التي أمرنا باتباعها. و ان اليهود و غيرهم من اهل الكتاب إن كانوا حريصين حقا على ديانة اوائلهم و مناسكهم و آثارهم فلا بد لهم من تعظيم هذا البيت المبارك الذي فيه للناس هدى و للخائف أمن و ان محمدا يدعوهم إلى البيت الذي دعى ابراهيم اليه.
و قد امر اللّه تعالى الناس بالحج اليه إذا توفرت فيه الشروط المعتبرة و ان من اعرض عن ذلك كان من الكافرين لنعمة عظيمة و أنكر حكما الهيا.
و في الآية الشريفة التعريض باهل الكتاب و لا سيما اليهود الذين طعنوا في نبوة نبينا الأعظم (صلى اللّه عليه و آله) عند ما امر المسلمين بالتوجه إلى الكعبة و اعترضوا على هذا الحكم بأن بيت المقدس أعلا شأنا و أعظم منزلة من الكعبة و انه قبلة الأنبياء و منهم ابراهيم (عليه السلام) الذي يدعى الرسول انه على ملته، فان استقبال الكعبة أعراض عن ملته و نسخ لها و هو محال عند اليهود، فرد عز و جل عليهم و أنكر هذه الشبهة بإثبات المنزلة العظيمة و الشأن الكبير لبيت اللّه الحرام و السبق الزماني له على بيت المقدس، و جعل الآية على ذلك انه مبارك و ان فيه مقام ابراهيم (عليه السلام) بخلاف بيت المقدس الذي لم يحدث إلا بعد ابراهيم (عليه السلام).