يستفاد من الآية الشريفة أمور:
الأول: تدل الآية الشريفة على دوام الابتلاء و الامتحان في الأمم و جريانهما وفق السنة الإلهية، و لا يستثنى من ذلك قوم و لا أمة.
و تدل أيضا على تكرار الحوادث و ما جرى على الأمم الغابرة، و هو المعبّر عنه بعود التاريخ و تكراره.
الثاني: أنّ تمنّي الجنة بدون تحمّل متاعب التكليف و مشاقه في مرضاة اللّه من اللغو الباطل، و من جوامع كلمات نبينا الأعظم (صلّى اللّه عليه و آله): «حفّت الجنة بالمكاره».
و يمكن أن يجعل ذلك من القواعد العقلية من باب ملازمة المعلول للعلة التامة، و عدم انفكاكه عنها.
الثالث: أنّ تمنّي النّصر من اللّه جلّت عظمته عند تناهي الشدّة لا يكون منافيا للشكر و التسليم، و الرضا بالقضاء، لفرض أنّ الجميع منه تعالى و إليه عزّ و جلّ. و من ذلك يعلم أنّه لا يضرّ بمقام الرسول لو طلب من اللّه تعالى النّصر مع علمه بوعده عزّ و جلّ له به، فإنّ الرسل يطلبون من اللّه تعالى دائما النّصر بلسان الحال أو المقال.
الرابع: يدل قوله تعالى: أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ على أنّ عند شدة البلاء يكون النّصر، و تدل عليه أحاديث من السنة الشريفة منها قوله (صلّى اللّه عليه و آله): «عند تناهي الشدة يكون الفرج».
الخامس: لم يذكر سبحانه درجات الجنة و مقاماتها لعدم تناهيها و لأنّها تختلف باختلاف مراتب المبتلين بالبأساء و الضّرّاء.
و إذا كان هذا حال من أراد الوصول إلى الجنان فكيف حال من أراد الوصول إلى ساحة الرّحمن و ظهور تجلياته عزّ و جلّ فالطريق يكون أصعب، و الامتحان أشد، فلا بد من ترك ما سواه و التوجه إلى من لا يقصد الملأ الأعلى إلا إياه، و التفاني في حبّ اللّه تعالى، و مراقبة النفس في جميع الأحوال.
ألاحظه في كلّ شيء رأيته و أدعوه سرّا بالمنى فيجيب ملأت به سمعي و قلبي و ناظري و كلّي و أجزائي فأين يغيب
السادس: إنّ قوله تعالى: أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ يتضمّن قاعدة عقلية عرفانية، و هي محبة الخالق لخلقه، و المعبود الحيّ القيوم لعباده، و استباق العلّة التامة لمعلولها، و تربيبه العظيم لجميع جهات العبد بذاته و أعراضه، و قد أثبت أهل الفلسفة العملية أنّ هذا الشوق تكويني، كما فصّلوا ذلك في مباحث النفس، و شرح المقام يأتي في مستقبل الكلام إن شاء اللّه تعالى.