وَ مِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَ بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَ ما هُمْ بِمُؤْمِنِينَ (۸) يُخادِعُونَ اللَّهَ وَ الَّذِينَ آمَنُوا وَ ما يَخْدَعُونَ إِلاَّ أَنْفُسَهُمْ وَ ما يَشْعُرُونَ (۹) فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزادَهُمُ اللَّهُ مَرَضاً وَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ بِما كانُوا يَكْذِبُونَ (۱۰)
ذكر سبحانه أولا المؤمنين حقا و هم الذين أخلصوا دينهم للّه، ثم ذكر الكافرين حقا و هم الذين محضوا في الكفر. و اللازم منهما أنّ هناك قسمين آخرين هما من أبطن الكفر و أظهر الإيمان و هم المنافقون، و من أظهر الكفر و أبطن الإيمان؛ حيث إنّ للإنسان قلبا و لسانا فيمكن أن يعتقد بقلبه شيئا و يظهر بلسانه خلافه، و يأتي الثاني عند قوله تعالى: إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَ قَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ [سورة النحل، الآية: ۱۰٦].
و في هذه الآيات يذكر حال المنافقين الذين جعلهم اللّه تعالى في عرض الكفار في الدنيا فقال: يا أَيُّهَا النَّبِيُّ جاهِدِ الْكُفَّارَ وَ الْمُنافِقِينَ وَ اغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَ مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَ بِئْسَ الْمَصِيرُ [سورة التوبة، الآية: 73] كما أنه جمعهم في الآخرة فقال تعالى: إِنَّ اللَّهَ جامِعُ الْمُنافِقِينَ وَ الْكافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعاً [سورة النساء، الآية: ۱٤۰].
و قد عطف هذه الطائفة على الطائفة الثانية لما بينهما من الصّلة و الترابط في الكفر بينما قطع الثانية عن الأولى لما بينهما من التباين و الاختلاف.
و قد وصف سبحانه و تعالى حال الطائفة الثانية في آيتين و حال المنافقين في ثلاث عشرة آية هنا لأنهم أشد ضررا على المسلمين من غيرهم. و انهم فرقة من النّاس توجد في كل عصر و زمان و لا تختص بالمنافقين في عصر التنزيل و إن كانت تتناولهم تناولا أوليا و قد اعتنى اللّه سبحانه بذكر أوصافهم و توبيخهم ليتجنب المؤمنون عن كيدهم و إغوائهم و تضليلهم و خبثهم و إلّا فهم من الكافرين لنفي الإيمان عنهم حيث قال تعالى: وَ ما هُمْ بِمُؤْمِنِينَ فالتقسيم ثنائي في الواقع المؤمن، و الكافر. و إنما أهمل سبحانه ذكر أسمائهم لأن من أدب القرآن الستر مهما أمكن، و لأن الأمر من قبيل القضية الحقيقية شامل لكل من يكون كذلك.