لقول الصادق عليه السّلام في صحيح ابن سنان: «الذي بيده عقد النكاح هو
وليّ أمرها»۹، المنطبق عليه مع فقد الباقي و قوله صلّى اللَّه عليه و آله: «السلطان وليّ من لا وليّ له»۱۰، و مع كون المورد من موارد الحسبة تشمله ولاية الحسبة أيضا.
و لا بأس بالتعرض لها في المقام.
قد اشتهر بين الفقهاء ولاية الحسبة و الأمور الحسبية و التصدي للأمور الحسبية و البحث فيها من جهات:
الأولى: في معنى لفظ الحسبة و هو بمعنى الأجر، أي ما يرجى من إتيانه الأجر و الثواب عند اللَّه تعالى و منه الحديث: «من أذّن إيمانا و احتسابا غفر له»۱۱، أي طلبا للثواب من اللَّه تبارك و تعالى و كذا «من صام يوما من شعبان ايمانا و احتسابا»۱۲، فالأمور الحسبية هي: ما يصح أن يطلب في إتيانها الأجر و الثواب من اللَّه تبارك و تعالى، سواء كانت من الأمور النوعية كالقضاوة و الحكومة بين الناس مثلا أو من الأمور الشخصية كتجهيز جنازة مسلم لا وليّ له أو تطهير مسجد أو مصحف أو المقدسات الدينية أو المذهبية، و منه يعلم أن موضوعها لا بد و أن يكون ما فيه رضاء الشارع و الإذن فيه فما هو المرجوح سواء كان مكروها أو محرما لا يقع بنفسه من موارد الحسبة.
فموردها يكون موارد الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر و القيام بما فيه مرضاة اللَّه تعالى إيجابا أو ندبا.
الثانية: ما يكون مرضيا للّه تعالى و مأذون من قبله إما أن يكون مشروطا بقيام شخص خاص به متصفا بصفة خاصة، و يعبّر عنه بالقضاوه و عمن يقوم به بالقاضي و الحاكم الشرعي و هو منشئ الحكم و الفتوى و يحرم نقض حكمه و غير ذلك من الآثار مما ذكرنا في كتاب القضاء، أو لا يعتبر فيه ذلك بل المناط
كله القيام بالعمل على طبق الموازين الشرعية جامعا للشرائط و فاقدا للموانع اجتهادا صحيحا أو تقليدا كذلك، فلا موضوع للحكم أصلا حتى يجب إنفاذه و يحرم نقضه.
نعم، في موارد انطباق الحسبة مع الحكم و كل قضاؤه شرعية حسبية دون العكس فيكون بينهما العموم المطلق.
الثالثة: مورد الحسبة يمكن أن يكون واجبا كفائيا كتجهيزات الميت مثلا و الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر و إقامة جميع الواجبات النظامية، أو عينا كنفس ما تقدم من الأمثلة مع الانحصار، أو مندوبا كإقامة جميع قضاء الحوائج مع عدم الاقتران بالنهي، أو مباحا كجملة من المباحات النظامية مع عدم منع شرعي في البين.
و لا يصح أن يكون مكروها فضلا عن كونه محرما، لأن موضوعها متقوّم بما يحتسب فيه الأجر للَّه تبارك و تعالى.
الرابعة: يكفي في الدليل على الحسبة عموم مثل قوله تعالى فَاسْتَبِقُوا الْخَيْراتِ*۱۳، و قوله تعالى وَ سارِعُوا إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ۱4، فضلا عن السنة المقدسة المتواترة مثل قوله عليه السّلام: «عونك الضعيف من أفضل الصدقة»۱٥، و قوله عليه السّلام: «اللَّه في عون العبد ما دام العبد في عون أخيه»۱٦، و كل ذلك اذن في التصدّي و لا يحتاج مع ذلك إلى الإذن من الحاكم الشرعي.
نعم، إذنه طريق للإثبات و لتشخيص الموضوع.
و تظهر الثمرة في أنه لو أتى بالعمل جامعا للشرائط يصح بناء على عدم شرطية الإذن إلا في مقام الإثبات فقط.
الخامسة: ما عن جمع بل نسب إلى المشهور من التعبير بولاية الحسبة لعدول المؤمنين.
و فيه مسامحة إذ لا ولاية في البين، و لا تعتبر العدالة بنحو الموضوعية إنما المناط كله القيام بالعمل و إتيانه مطابقا للموازين الشرعية سواء كان العامل عادلا أو لا، و سواء كانت له الولاية أو لا بعد عموم الإذن الشرعي للعمل و إن أريد بالولاية مجرد الإذن الشرعي فلا مشاحة في الاصطلاح.
السادسة: ذكروا أن الحسبة مؤخرة عن ولاية الحاكم الشرعي رتبة فلا تصل النوبة إلى الحسبة مع وجود الحاكم الشرعي.
و كلية هذا الكلام يحتاج إلى تأمل تام، لأنهم لم يستندوا فيها إلى ما يشفي العليل و يروي الغليل، فلو وجد ميت لا وليّ له و يمكن الاستئذان في تجهيزاته من الحاكم فتصدى لها عامي بدون إذنه مع كونها مطابقة للقوانين الشرعية من كل جهة، فدفنه، هل يجب النبش و اجراء التجهيزات عليه ثانيا بإذن الحاكم الشرعي؟! و لو أحتكر الملاك عن الناس الطعام و وقع الناس في المضيقة و قام شخص من العوام مع إمكان الإذن من الحاكم الشرعي. و لكنه لم يستأذن منه و باع الطعام بسعر الوقت مع مراعاة جميع الجهات الشرعية، هل يبطل البيع؟! و للمسألة نظائر كثيرة مع أنها مورد الابتلاء في جميعها و للمقام فروع أخرى تعرضنا لها في مواردها.