هذا التعريف اللقيط هو المشهور بين الفقهاء و يشهد له العرف و اللغة أيضا.
إذا وجد صبي ضائع لا كافل له و لا يستقل بنفسه على السعي فيما يصلحه و الدفع عما يضره و يهلكه (208)، و يقال له «اللقيط» (209) يجوز بل يستحب التقاطه و أخذه بل يجب إذا كان في معرض التلف (210)، سواء كان منبوذا قد طرحه أهله في شارع أو مسجد و نحوهما عجزا عن النفقة أو خوفا من التهمة أو غيره، بل و إن كان مميزا بعد صدق كونه ضائعا سواء كان منبوذا قد طرحه أهله في شارع أو مسجد و نحوهما عجزا عن النفقة أو خوفا من التهمة أو غيره، بل و إن كان مميزا بعد صدق كونه ضائعا تائها لا كافل له (211).
و يقال له المنبوذ أيضا فاللقيط و الملقوط باعتبار الالتقاط و المنبوذ باعتبار النبذ و مرجع الكل إلى واحد، و اللقيط و المنبوذ واقع في جميع بلاد الدنيا و لا يختص ببلد دون أخرى خصوصا في أوقات الحوادث العظمى كالقحط و الغلاء أعاذنا اللّه تعالى منها.
و ذكر الصبي في المتن من باب المثال فيشمل الصبية أيضا.
أما أصل الجواز فللأصل و الإجماع.
و أما الاستحباب فلأنه إحسان و خير بالنسبة إلى الغير، و مقتضى الأدلة الكثيرة المرغّبة إليها استحبابه بلا إشكال بل مقتضى مثل قولهم عليهم السّلام: «لكل كبد حراء أجر»1، استحبابه بالنسبة إلى الحيوان أيضا فضلا عن الإنسان.
و أما الوجوب مع كونه في معرض التلف فلأنه إنقاذ حينئذ للنفس المحترمة عن الهلاك و هو واجب كفائي و قد يصير عينيا.
لشمول الإجماع و السيرة للجميع مضافا إلى الإطلاقات التي يأتي التعرض لبعضها، و المراد بالكافل من وجب عليه حضانته كالأب و الجد و الأم.
و إيكال فهم معنى اللقيط و المنبوذ إلى العرف في كل محل و مكان أولى من تعرض الفقهاء و تكلّفاتهم فيه إذ ليس من الحقيقة الشرعية و لا من الموضوعات المستنبطة بل من المعاني العرفية في القرون القديمة و في زمان البعثة و بعدها و قصة اللّه تعالى من التقاط موسى2، و يوسف3 عليهما السّلام، شاهدة لبعض ما قلناه.
(مسألة ۱): إذا أخذ اللقيط و التقطه يجب عليه حضانته و حفظه و القيام بضرورة تربيته (212) بنفسه أو بغيره (213)، و هو أحق به من غيره (21٤) إلى أن يبلغ (215) فلس لأحد أن ينتزعه من يده و يتصدى حضانته (216) غير من له حق الحضانة شرعا بحق النسب كالأبوين و الأجداد و سائر الأقارب، أو بحق الوصاية كوصي الأب أو الجد إذا وجد أحد هؤلاء فيخرج بذلك عن عنوان اللقيط لوجود الكافل له حينئذ و اللقيط من لا كافل له و كما لهؤلاء حق الحضانة فلهم انتزاعه من يد آخذه (217)، كذلك عليهم ذلك (218) فلو امتنعوا أجبروا عليه (219).
للإجماع و السيرة المستمرة و صيرورته بالأخذ وليا شرعيا على الحضانة و الحفظ.
لأن المناط تحقق الحضانة و الحفظ بأي وجه حصل و يدل عليه إطلاق مورد الإجماع و السيرة.
لصيرورته وليا شرعا بالأخذ كما في تلقيط الحيوان و غيره.
لانقطاع ولايته بالبلوغ إجماعا.
لفرض تحقق ولاية الملتقط على اللقيط شرعا فلا موضوع لأخذ الغير حينئذ لتحقق الكافل شرعا.
لأن حق الحضانة لهم و كان الأخذ بغير حق واقعا.
لوجوب الحضانة عليهم نصا و إجماعا كما يأتي في كتاب النكاح إن شاء اللّه تعالى عند بيان أحكام الأولاد.
كما في كل حق واجب امتنع من عليه الحق عن أدائه و تقدم في موارد كثيرة و يأتي كذلك.
(مسألة ۲): لا يجب تعريف اللقيط على الملتقط (220).
للأصل بعد عدم دليل عليه، مع أن اللقيط على قسمين:
الأول: من ضاع و العادة جارية بأن أولياء اللقيط غالبا يتفحصون عنه حينئذ لا أن الملتقط يتفحص عن ولي اللقيط.
الثاني: المنبوذ و لا أثر للتعريف حينئذ لفرض أنهم نبذوه و رفعوا اليد عنه.
(مسألة ۳): إذا كان للّقيط مال من فراش أو غطاء زائد على مقدار حاجته أو غير ذلك جاز للملتقط صرفه في إنفاقه بإذن الحاكم أو وكيله (221)، و مع تعذرهما جاز له ذلك بنفسه و لا ضمان عليه (222)، و إن لم يكن له مال فإن وجد من ينفق عليه من حاكم بيده بيت المال أو من كان عنده حقوق تنطبق عليه من زكاة أو غيرها أو متبرع كان له الاستعانة بهم في إنفاقه أو الإنفاق عليه من ماله (223)، و ليس له حينئذ الرجوع على اللقيط بما أنفقه بعد بلوغه و يساره و إن نوى الرجوع عليه (22٤)، و إن لم يكن من ينفق عليه من أمثال ما ذكر تعيّن عليه و كان له الرجوع عليه مع قصد الرجوع لا بدونه (225).
لأن ولاية الحضانة و إن ثبتت للملتقط شرعا و لكن ولايته على ما يتعلق باللقيط غير ثابتة، و مقتضى الأصل عدمها فلا بد من الرجوع إلى الحاكم الشرعي.
أما جواز الصرف مع عدم الحاكم الشرعي أو وكيله فلأنه من المعروف الذي أذن فيه الشارع و من الأمور الحسبية التي رغب فيها الشرع.
و أما عدم الضمان فلفرض وجود الإذن الشرعي فيه فلا وجه للضمان حينئذ.
نعم، لو تعدى يكون ضامنا فيما تعدى لسقوط أمانته فيه.
لأن كل ذلك من الإحسان المحض المطلوب عقلا و شرعا.
لفرض وجود غيره بالإنفاق التبرعي فلا أثر لقصده بعد إمكان التبرع من غيره.
أما التعين عليه لفرض الانحصار به فيجب عليه الإنفاق لوجوب حضانته عليه.
و أما صحة الرجوع مع قصده فلعدم تحقق التبرع و المجانية بل قصد عنوان المعاوضية فيصح له الرجوع حينئذ لاحترام ماله و لقاعدة السلطنة بعد كون الوجوب لا يقتضي المجانية.
و أما عدم الصحة بدون قصد الرجوع فلتحقق المجانية و التبرع و لكنه مشكل لأن عدم قصد الرجوع أعم من تحقق عنوان التبرع و المجانية كما مر غير مرة.
(مسألة ٤): يشترط في الملتقط البلوغ و العقل و الحرية (226) و كذا الإسلام إن كان اللقيط محكوما بالإسلام (227).
أما اعتبار الأولين فلإجماع الفريقين مع قصورهما عن الولاية و الحضانة.
و أما الأخير فادعى عليه الإجماع و أنه لا يقدر على شيء، و في شمول الدليلين لما إذا كان بإذن المولى إشكال و عن الصادق عليه السّلام في خبر أبي خديجة «في المملوك يأخذ اللقطة؟ فقال: و ما للمملوك و اللقطة و المملوك لا يملك من نفسه شيئا فلا يعرض لها المملوك فإنه ينبغي أن يعرّفها سنة في مجمع فإن جاء طالبها دفعها إليه و إلا كانت في ماله، فإن مات كانت ميراثا لولده و لمن ورثه فإن لم يجئ لها طالب كانت في أموالهم هي لهم، فإن جاء طالبها بعد دفعوها اليه»4، و لكن ذيله ظاهر في اللقطة المالية إذ لا يجب التعريف في اللقيط على الملتقط كما مر في (مسألة ۲).
لأنه نحو ولاية و لا ولاية للكافر على من حكم بإسلامه و لظهور الإجماع من غير المحقق في الشرائع و النافع فيظهر منه التردد و تبعه تلميذه، و معلومية عدم جواز مثل هذه الولاية من مذاق الشرع للكافر على المسلم.
(مسألة ٥): لقيط دار الإسلام محكوم بالإسلام (228) و كذا لقيط دار الكفر إذا وجد فيها مسلم احتمل تولد اللقيط منه (229)، و إن كان في دار الكفر و لم يكن فيها مسلم أو كان و لم يحتمل كونه منه يحكم بكفره (230)، و فيما كان محكوما بالإسلام لو أعرب عن نفسه الكفر بعد البلوغ يحكم بكفره (231)، لكن لا يجري عليه حكم المرتد الفطري على الأقوى (232).
للإجماع و السيرة و ظاهر الحال و هذا هو الإسلام التبعي و الإسلام المباشري هو الإقرار بالشهادتين، و يعتبر فيه البلوغ و العقل فلا موضوع له بالنسبة إلى اللقيط لما مر من اعتبار عدم البلوغ فيه فالإسلام التبعي ورد في المجنون و غير المميّز.
تغليبا لحكم الإسلام الذي يعلى و لا يعلى عليه5، و استقرت على ذلك سيرة الفقهاء فتوى و عملا.
لانتفاء الإسلام النفسي و التبعي عنه حينئذ فلا معنى للحكم بإسلامه و حديث «كل مولود يولد على الفطرة»6، على فرض اعتبار سنده لا وجه للأخذ بإطلاق دلالته إذ يحتمل فيه أن المراد يولد على استعداد بفطرته لقبول الإسلام لو عرض عليه ذلك لا أن المراد الإسلام الفعلي و لو لم يكن نفسيا و لا تبعيا.
لأنه لا منشأ حينئذ لإسلامه لا التبعي لخروجه عنه بالبلوغ و اختياره الكفر و لا المباشري لفرض اختياره الكفر فيكفر لا محالة.
بناء على سبق الإسلام المباشري الاستقلالي في تحقق الارتداد و لا يحكم بارتداده لعدم موضوع له حينئذ.
و أما بناء على كفاية سبق الإسلام التبعي فيه فيحكم عليه به و تقدم في كتاب الطهارة، و يأتي في كتاب الحدود ما يناسب المقام.
(مسألة ٦): اللقيط محكوم بالحرية (233) ما لا يعلم خلافه أو أقرّ على نفسه بالرق بعد بلوغه (23٤) حتى فيما لو التقط من دار الكفر و لم يكن فيها مسلم احتمل تولده منه (235)، غاية الأمر أنه يجوز استرقاقه حينئذ و هذا غير الحكم برقّيته كما لا يخفى (236).
للأصل و الإجماع و النصوص منها صحيح ابن مسلم قال: «سألت أبا جعفر عليه السّلام عن اللقيط؟ فقال: حر لا يباع و لا يوهب»7، و عن الصادق عليه السّلام:«اللقيط لا يشترى و لا يباع»8، و عنه عليه السّلام أيضا في خبر حريز: «المنبوذ حر إن شاء جعل ولاءه للدين ربّوه و إن شاء لغيرهم»9
لعدم شمول ما دل على الحرية لصورتي العلم بالخلاف و الإقرار بالرقية إجماعا، و لعموم «إقرار العقلاء على أنفسهم جائز»10، و قول علي عليه السّلام في خبر عبد اللّه بن سنان: «الناس كلهم أحرار إلا من أقر على نفسه بالعبودية»11
لشمول ما دل على حريته لهذه الصورة أيضا.
أما جواز الاسترقاق فلفرض أنه استولى عليه في دار الكفر.
و أما عدم كونه مساوقا للرقية فلكونهما متغايرين موضوعا و حكما و عرفا و عقلا.
(مسألة ۷): لو مات اللقيط و لم يظهر له نسب يكون وارثه الإمام عليه السّلام (237).
لما سيأتي إن شاء اللّه تعالى في كتاب الإرث من أن الإمام وارث من لا وارث له.
(مسألة ۸): إذا اشترك اثنان في التقاط اللقيط يترتب على كل منهما ما تقدم من الأحكام (238).
لصدق الموضوع عليهما فيكون الحكم كذلك قهرا كما مر في (مسألة ۲) و غيرها.
(مسألة ۹): لا تجب المباشرة في حضانة اللقيط و سائر شؤونه و يجوز فيها الاستنابة بل يصح دفعه إلى ما أعدّ لذلك (239).
لإطلاق الأدلة من غير تقييد، و أصالة الوكالة في جواز التوكيل في كل شيء إلا ما خرج بالدليل.
(مسألة ۱۰): لا يترتب حكم اللقيط على طفل أخذ من الدولة أو من غيرها لتربيته (240).
لعدم صدق اللقيط عليه.
نعم، لو شرط في الحضانة شروطا صحيحة شرعية لا بد من الوفاء بها لعموم «المؤمنون عند شروطهم»12
(مسألة ۱۱): لو التقط صبي لقيطا يتعلق الحكم بوليّه (241).
لعدم التكليف بالنسبة إليه فيقوم وليه مقامه في ما تقدم من الأحكام.
الأولى: قد مر اعتبار القصد في تملك اللقطة إن لم يوجد صاحبها بعد تعريفها في تمام السنة و يكفي الإجمالي الارتكازي منه (242).
لأصالة عدم حصول الملكية إلا بذلك و إن كان مقتضى بعض الإطلاقات مثل قوله عليه السّلام: «فهي لك»13، و قريب منه غيره عدم اعتباره لكن من جهة الشك في كونه واردا مورد البيان من هذه الجهة يشكل التمسك به، و يدل على ما ذكرنا من كفاية الإجمالي منه بعض الأخبار كما مر14، فيكفي الأقل منه.
الثانية: لو ذكر شخص علامات اللقطة و لكن علم الملتقط انها كانت في يده على نحو غير مشروع- من الغصب أو السرقة أو المعاوضات الباطلة- ليس له دفع المال إليه و إن ذكر العلائم المعلومة (243).
لقاعدة اليد و عدم الإذن الشرعي في الدفع إليه بعد تحقق هذا العلم فيرجع إلى صاحبه الشرعي أو الحاكم.
الثالثة: إذا تضرر الملتقط بتعريف اللقطة أو يقع به في الحرج و الشدة يسقط التعريف (2٤٤)، و يرجع بها إلى الحاكم الشرعي (245).
لقاعدة نفي الحرج و الضرر.
لأنه من موارد الحسبة فيرجع إليه.
الرابعة: لو التقط شيئا و عليه علامة معتبرة للوقف لا يجوز له التملك و لو بعد التعريف (246)، و يرجع فيه إلى الحاكم الشرعي (247).
للأصل و الإجماع.
لأن فيه صور و تفاصيل و هو اعرف بهما.
الخامسة: إذا وجد الصبي أو المجنون لقطة ما دون الدرهم ليس لأحد انتزاعها منه (248).
لتحقق الحق بل الملك له بناء على عدم قصد التملك في اللقطة.
نعم، بناء عليه لا بد من إحرازه و لو إجمالا، و تقدم في كتاب البيع ما يتعلق بتحقق القصد منه تفصيلا فراجع.
السادسة: لو التقط شيئا و علم أن صاحبه يأتي و يأخذه منه سقط التعريف (249).
لكونه لغوا، و كذا لو علم أن صاحبها يرجع إلى امكنة معينة و أشخاص مخصوصة يأخذها منهم تدفع اللقطة حينئذ إليهم لو حصل الوثوق و الاطمئنان بهم.
السابعة: إذا التقط شيئا و شك في أن المالك أعرض عنه أم لا يجري عليه حكم الالتقاط (250).
لاستصحاب بقاء الملكية ما لم يعلم الخلاف.
الثامنة: لا فرق فيما تقدم من الأحكام في المال الملتقط بين احتمال كونه من مسلم أو غيره، كما لا فرق بين أن تكون في بلاد الإسلام أو غيره (251).
لأصالة احترام المال ما لم يعلم خلافه.
التاسعة: لو تنزلت القيمة للقطة في مدة التعريف لا ضمان على الملتقط (252).
للأصل بعد فرض عدم الإفراط و التفريط منه.
العاشرة: يجوز الاستنابة لالتقاط الأشياء بأجرة أو دونها (253).
للأصل و الإطلاقات فيترتب على النائب ما تقدم من الأحكام إلا إذا كان في البين شرط.
الحادية عشر: لو التقط شيئا و علم بصاحبه الذي عليه دين له يجوز أخذه تقاصا إن تحقق شروط التقاص (25٤).
لما يأتي في كتاب القضاء من الإطلاقات و العمومات فيه الشاملة للمقام.
- راجع الوسائل باب: 19 من أبواب الصدقة.
- سورة القصص: 8.
- سورة يوسف: 10.
- الوسائل باب: 20 من أبواب اللقطة الحديث: 1.
- الوسائل باب: 1 من أبواب موانع الإرث.
- راجع ج: 1 صفحة: 391.
- الوسائل باب: 22 من أبواب اللقطة الحديث: 5.
- الوسائل باب: 22 من أبواب اللقطة الحديث: 1.
- الوسائل باب: 62 من أبواب العتق الحديث: 3.
- الوسائل باب: 3 من أبواب الإقرار ج: 16.
- الوسائل باب: 29 من أبواب العتق الحديث: 1
- الوسائل باب: 20 من أبواب المهور الحديث: 4 ج: 15.
- الوسائل باب: 13 من أبواب اللقطة الحديث: 2.
- راجع صفحة: 319.