بضرورة من المذهب إن لم تكن من الدّين، و لنصوص مستفيضة التي يأتي بعضها في المسائل الآتية.
لا إشكال في صحة النيابة عن الميت في الحج الواجب و المندوب (۱). و عن الحيّ في المندوب مطلقا (۲)، و في الواجب في بعض الصور (۳).
نصّا، و إجماعا ففي صحيح ابن عيسى قال: «بعث إليّ أبو الحسن الرضا (عليه السلام) رزم ثياب، و غلمانا. و حجة لي و حجة لأخي موسى ابن عبيد، و حجة ليونس بن عبد الرحمن، و أمرنا أن نحج عنه، فكانت بيننا مائة دينار أثلاثا فيما بيننا»۱.
راجع [مسألة ۷۱] من شرائط الاستطاعة.
(مسألة ۱): يشترط في النائب أمور: أحدها: البلوغ على المشهور، فلا يصح نيابة الصبيّ عندهم و إن كان مميزا و هو الأحوط، لا لما قيل: من عدم صحة عباداته لكونها تمرينية لأنّ الأقوى كونها شرعية، و لا لعدم الوثوق به لعدم الرادع له من جهة عدم تكليفه (٤)، لأنّه أخصّ من المدعى، بل لأصالة عدم فراغ ذمة المنوب عنه. بعد دعوى انصراف الأدلة، خصوصا مع اشتمال جملة من الأخبار على لفظ الرجل (٥)، و لا فرق بين أن يكون حجة بالإجارة أو بالتبرع بإذن الوليّ أو عدمه و إن كان و لا يبعد دعوى صحة نيابته في الحج المندوب بإذن الولي (٦). الثاني: العقل، فلا تصح نيابة المجنون الذي لا يتحقق منه القصد (۷)، مطبقا كان جنونه، أو أدواريا في دور جنونه و لا بأس بنيابة السفيه (۸). الثالث: الإيمان (۹)، لعدم صحة عمل غير المؤمن و إن كان معتقدا بوجوبه و حصل منه نية القربة، و دعوى أنّ ذلك في العمل لنفسه دون غيره كما ترى. الرابع: العدالة (۱۰) أو الوثوق بصحة عمله و هذا الشرط إنّما يعتبر في جواز الاستنابة لا في صحة عمله. الخامس: معرفته بأفعال الحج و أحكامه (۱۱) و إن كان بإرشاد معلم حال كل عمل. السادس: عدم اشتغال ذمته بحج واجب عليه في ذلك العام فلا تصح نيابة من وجب عليه حجة الإسلام، أو النذر الضيق مع تمكنه من إتيانه (۱۲)، و أما مع عدم تمكنه- لعدم المال- فلا بأس، فلو حج عن غيره مع تمكنه من الحج لنفسه بطل على المشهور، لكن الأقوى أنّ هذا الشرط إنّما هو لصحة الاستنابة و الإجارة، و الا فالحج صحيح (۱۳) و إن لم يستحق الأجرة و تبرأ ذمة المنوب عنه على ما هو الأقوى. من عدم كون الأمر بالشيء نهيا عن ضدّه. مع أنّ ذلك- على القول به، و إيجابه للبطلان- إنّما يتم مع العلم و العمد، و أما مع الجهل أو الغفلة فلا، بل الظاهر صحة الإجارة أيضا على هذا التقدير لأنّ البطلان إنّما هو من جهة عدم القدرة الشرعية على العمل المستأجر عليه حيث إنّ المانع الشرعيّ كالمانع العقليّ، و مع الجهل أو الغفلة لا مانع، لأنّه قادر شرعا (۱٤).
لعدم الوثوق بالإتيان مناشئ شتى و لا يختص بعدم التكليف و يعمّ المكلفين غير المبالين بالدّين أيضا و هذا معنى إنّ هذا الدليل أعمّ من المدّعى.
ذكر الرجل من باب الغالب و المثال و إلا فلا ريب في صحة استنابة المرأة عن الرجل. و الانصراف بدويّ، و عدم الوثوق دليل عدم الجواز في مقام الإثبات لا الواقع و الثبوت، و قاعدة الاشتغال محكومة بالإطلاقات فصحة استنابته موافقة للأدلة، و لكن الأحوط الجمود على فتوى المشهور.
ثمَّ إنّه لا وجه لابتناء صحة نيابة الصبيّ و عدمها على أنّ عباداته تمرينية أو شرعية أصلا، لأنّ النائب يقصد أمر المنوب عنه و أمر المنوب عنه شرعيّ قطعا، مع أنّ احتمال التمرينية إن كان بمعنى: أنّ الأمر بالأمر ليس بأمر فقد أثبتنا خلافه في الأصول. و إن كان بمعنى «أنّ التمرين حكمة جعل الأحكام عليه، فلا منافاة بينه و بين الشرعية، لأنّه يمكن أن تكون للأحكام عللا كثيرة بالنسبة إلى المكلّفين و غيرهم، فأساس التمرينية بلا أساس أصلا.
لأنّه يصح عن نفسه، فلا بد و أن يصح عن غيره أيضا، و في المدارك دعوى القطع بالصحة.
بالضرورة بين الفقهاء، بل العقلاء لعدم اعتماد الجميع على أفعال المجانين خصوصا مثل هذا العمل الذي له أحكام كثيرة و موضوعات مختلفة.
للإطلاقات، و العمومات، و عدم ما يصلح للتقييد و التخصيص.
و تقتضيه غريزة الاختلاف المذهبي و إن توافقوا في الأصول الإسلامية و الدّينية. و بعد ذلك لا نحتاج إلى الاستشهاد بالوجوه القابلة للخدشة. و لعله لذلك لم يتعرّض له الأكثر، فأوكلوه إلى الفطرة المذهبية.
و منه يظهر الإشكال في العكس أيضا، و يشهد لما قلناه خبر عمار بن موسى عن الصادق (عليه السلام): «في الرجل يكون عليه صلاة أو صوم، هل يجوز أن يقضيه غير عارف؟ قال (عليه السلام): لا يقضيه إلا مسلم عارف»۲.
المناط إحراز صحة عمله- بحسب القواعد الشرعية كقاعدة الصحة و نحوها- و لو كان فاسقا، و مع عدم الإحراز لا يجوز و لو كان عادلا.
يمكن عدّ هذا الشرط من شرائط العمل المستأجر عليه، كما يمكن عده من شرائط العامل، لأنّه من الأمور الإضافية المتقوّمة بالطرفين. و على أيّ تقدير فالدليل عليه- مضافا إلى الإجماع- لزوم كون الأجير قادرا على إتيان العمل المستأجر عليه و مع عدم المعرفة كيف يقدر عليه.
تقدم ما يتعلق به في [مسألة ۱۰۹] فراجع.
صحة الحج و فساده مبنيّ على أنّ قصد عنوان النيابة مقوّم لقصد أصل الحج بحيث لا يتحقق الحج أصلا إلا بقصد النيابة، و أنّه من باب وحدة المطلوب، أو أنّه مجرّد داع لقصد الحج و من باب تعدد المطلوب فعلى الأخير يصح أصل الحج، لتحقق القصد بالنسبة إليه و إن بطلت النيابة. و على الأول لا يصح أصل الحج، لفقد القصد إليه. و حيث إنّ الغالب هو الأخير، فيصح الحج، و مع الشك تجري أصالة الصحة في الحج، فتفرغ ذمة المنوب عنه.
لأنّ عذره عن فعلية النهي يوجب عدم تنجز النهي بالنسبة إليه، فليس في البين منع شرعيّ حتى يكون ممنوعا شرعا و يصير غير مقدور شرعا، فتجتمع بالنسبة إليه القدرة العقلية و الشرعية و لا وقع لتفصيل الكلام هنا بأكثر من ذلك كما وقع عن بعض الشرّاح.
(مسألة ۲): لا يشترط في النائب الحرية. فتصح نيابة المملوك بإذن مولاه، و لا تصح استنابته بدونه، و لو حج بدون إذنه بطل (۱٥).
أما عدم اعتبار الحرية، فللأصل، و الإطلاق، و الاتفاق، و أما الصحة مع إذن المولى فلوجود المقتضي و فقد المانع، فتشمله الأدلة. و أما عدم الصحة بدونه، فلحرمة تصرفاته في منافعه بدون إذن مولاه، فيكون من النهي في العبادة الموجب للبطلان.
(مسألة ۳): يشترط في المنوب عنه الإسلام، فلا تصح النيابة عن الكافر (۱٦) لا لعدم انتفاعه بالعمل عنه، لمنعه و إمكان دعوى انتفاعه بالتخفيف في عقابه، بل لانصراف الأدلة، فلو مات مستطيعا و كان الوارث مسلما لا يجب عليه استئجاره عنه. و يشترط فيه أيضا كونه ميتا (۱۷) أو حيّا عاجزا في الحج الواجب، فلا تصح النيابة عن الحيّ في الواجب إلا إذا كان عاجزا، و أما في الحج الندبيّ فيجوز عن الحيّ و الميت، تبرعا أو بالإجارة.
للإجماع المتسالم بينهم، و ما تقتضيه غريزة الاختلاف الدّينيّ و المذهبيّ.
و قد استدل عليه أيضا بأمور أخرى: فتارة: بأنّه لا ينتفع بالعمل و أخرى: بانصراف الأدلة عنه. و ثالثة: بقوله تعالى ما كانَ لِلنَّبِيِّ وَ الَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَ لَوْ كانُوا أُولِي قُرْبى۳. و رابعة: بقوله أيضا وَ أَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلَّا ما سَعى4 خرج منه المؤمن و بقي الباقي. و خامسة: بأنّ فعل النائب تابع لفعل المنوب عنه في الصحة و الفساد.
و الكل باطل: لإمكان حصول النفع في الدنيا أو البرزخ أو تخفيف العذاب في الآخرة و لا وجه للانصراف و لو كان فهو بدويّ. و الآية الأولى في مقام بيان أنّ الاستغفار لا ينفع المشرك عن الخلود في النار، و أنّه نوع موادة لمن حارب اللّه و رسوله و ليست في مقام بيان عدم النفع أصلا و لو بنحو الجملة و الإجمال. و حيث إنّ عمل النائب كعمل المنوب عنه فكأنّه من سعي نفس الإنسان، فيشمله إطلاق الآية. و أما الأخير فلا دليل على الملازمة من عقليّ، أو عرف أو شرع.
تقدم وجهه في أول الفصل. كما تقدم ما يتعلق ببقية المسألة في المسائل السابقة فراجع.
(مسألة ٤): تجوز النيابة عن الصبيّ المميّز (۱۸) و المجنون، بل يجب الاستئجار عن المجنون إذا استقر عليه حال إفاقته ثمَّ مات مجنونا (۱۹).
لإطلاق الأدلة الشاملة له بعد كون عباداته شرعية كما هو الحق.
لإطلاق الأدلة الدالة على وجوب إخراج الواجبات المالية عن أصل التركة بعد تعلق الوجوب في حال الحياة جامعا للشرائط.
(مسألة ٥): لا تشترط المماثلة بين النائب و المنوب عنه في الذكورة و الأنوثة، فتصح نيابة المرأة عن الرجل كالعكس (۲۰) نعم، الأولى المماثلة (۲۱).
للأصل، و الإطلاق، و ظهور الاتفاق في غير الصرورة، و جملة من الأخبار:
منها: صحيح معاوية: «قلت لأبي عبد اللّه (عليه السلام): الرجل يحج عن المرأة، و المرأة تحج عن الرجل؟ قال (عليه السلام): لا بأس»٥.
و في موثق أبي أيوب: «قلت لأبي عبد اللّه (عليه السلام) امرأة من أهلنا مات أخوها فأوصى بحجة، و قد حجت المرأة فقالت: إن كان يصلح حججت أنا عن أخي، و كنت أنا أحقّ بها من غيري، فقال: أبو عبد اللّه (عليه السلام): لا بأس بأن تحج عن أخيها»٦.
و في صحيح رفاعة عنه (عليه السلام) أيضا: «تحج المرأة عن أبيها»۷ و مثلها غيرها.
لقول أبي عبد اللّه (عليه السلام) في موثق زرارة: «الرجل الصرورة يوصي أن يحج عنه. هل يجزي عنه امرأة؟ قال (عليه السلام): كيف تجزي امرأة و شهادته شهادتان؟! إنّما ينبغي أن تحج المرأة عن المرأة، و الرجل عن الرجل»۸.
و أما خبر بشير النبال: «قلت لأبي عبد اللّه (عليه السلام): إنّ والدتي توفيت و لم تحج. قال: يحج عنها رجل أو امرأة قلت: أيهما أحبّ إليك؟ قال (عليه السلام):
رجل أحبّ إليّ»۹ يمكن أن يحمل على التفصيل من حيث الجهات الخارجية كما هو كذلك غالبا.
(مسألة ٦): لا بأس باستنابة الصرورة، رجلا كان أو امرأة، عن رجل أو امرأة (۲۲) و القول بعدم جواز استنابة المرأة صرورة مطلقا، أو مع كون المنوب عنه رجلا ضعيف (۲۳). نعم، يكره ذلك خصوصا مع كون المنوب عنه رجلا، بل لا يبعد كراهة استئجار الصرورة و لو كان رجلا عن رجل (۲٤).
على المشهور، للإطلاقات و العمومات.
نسب القولان إلى الشيخ (رحمه اللّه)، لقول أبي عبد اللّه (عليه السلام) في خبر زيد الشحام: «يحج الرجل الصرورة عن الرجل الصرورة، و لا تحج المرأة الصرورة عن الرجل الصرورة»۱۰.
و عن سليمان بن جعفر قال: «سألت الرضا (عليه السلام) عن المرأة الصرورة حجت عن امرأة صرورة فقال (عليه السلام): لا ينبغي»۱۱.
و في خبر مصادف عن أبي عبد اللّه (عليه السلام): «في المرأة تحج عن الرجل الصرورة فقال (عليه السلام): إن كانت قد حجت، و كانت مسلمة فقيهة، فرب امرأة أفقه من رجل»۱۲. و لكن قصورها سندا و دلالة، و إعراض الأصحاب عنها أسقطها عن الاعتبار. نعم، تصلحان للكراهية، كما يأتي للمسامحة في الكراهة بما لا يتسامح في غيرها.
استظهرها صاحب الجواهر من الأخبار، و يقتضيها الاعتبار في هذا العمل غير المأنوس الذي يحتاج تحسينها إلى التكرار، و يشهد لها مكاتبة إبراهيم بن عقبة عن أبي جعفر (عليه السلام): «كتبت إليه أسأله عن رجل صرورة لم يحج قط حج عن صرورة لم يحج قط أ يجزي كل واحد منهما تلك الحجة عن حجة الإسلام أو لا؟ بيّن لي ذلك يا سيدي إن شاء اللّه. فكتب (عليه السلام) لا يجزي ذلك»۱۳ القاصر سندا عن إثبات الحرمة.
و أما قولهم (عليهم السلام) في صحيح الحلبي و الموسر الذي لا يتمكن من الحج مباشرة: «فإن عليه أن يحج من ماله صرورة من لا مال له»۱4 فحيث إنّه في مقام توهم الحظر لا يستفاد منه أكثر من الجواز فلا يعارض به غيره مما يستفاد منه المرجوحية.
(مسألة ۷): يشترط في صحة النيابة قصد النيابة، و تعيين المنوب عنه في النية و لو بالإجمال و لا يشترط ذكر اسمه و إن كان يستحب ذلك في جميع المواطن و المواقف (۲٥).
أما اشتراط القصد في النيابة، فلأنّها من العناوين القصدية المتوقفة عليه، و أما كفاية الإجمالي منه، فلعدم دليل على اعتبار الأزيد، بل مقتضى الإطلاقات، و الأصل عدمه، كما أنّ مقتضاها عدم اعتبار ذكر اسمه أيضا، و في صحيح البزنطي:
«إنّ رجلا سأل أبا الحسن الأول (عليه السلام) عن الرجل، يسميه باسمه؟ فقال (عليه السلام): إنّ اللّه لا تخفى عليه خافية»۱٥.
و أما استحباب ذلك فلصحيح ابن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام):
«قلت له: ما يجب على الذي يحج عن الرجل؟ قال (عليه السلام): يسميه في المواطن و المواقف»۱٦ المحمول على الندب جمعا، و إجماعا.
(مسألة ۸): كما تصح النيابة بالتبرع و بالإجارة كذا تصح بالجعالة (۲٦)، و لا تفرغ ذمة المنوب عنه الا بإتيان النائب صحيحا و لا تفرغ بمجرّد الإجارة (۲۷) و ما دل من الأخبار على كون الأجير ضامنا و كفاية الإجارة في فراغها منزلة على أنّ اللّه تعالى يعطيه ثواب الحج إذا قصّر النائب في الإتيان، أو مطروحة لعدم عمل العلماء بها بظاهرها (۲۸).
لظهور الإطلاق، و الاتفاق، و أنّ المدار على إتيان العمل بأيّ وجه حصل.
إجماعا بل ضرورة من الفقه، و تقتضيه قاعدة أنّ الاشتغال اليقيني يقتضي الفراغ اليقيني.
فلا بد من حملها، أوردها إلى أهلها بعد استقرار المذهب على عدم العمل بها، مع أنّها قاصرة الدلالة أيضا، لأنّ في موثق عمار: «قلت: لأنّ الأجير ضامن للحج؟ قال (عليه السلام): نعم»۱۷ و هو أعمّ من فراغ ذمة الميت بمجرد الإجارة، إذ يحتمل أن يكون المراد أنّ الحج في ضمانه فلا بد و أن يخرج من ماله.
و في مرسل ابن أبي عمير عن أبي عبد اللّه (عليه السلام): «في رجل أخذ من رجل مالا و لم يحج عنه و مات و لم يخلّف شيئا فقال (عليه السلام): إن كان حج الأجير أخذت حجته و دفعت إلى صاحب المال، و إن لم يكن حج كتب لصاحب المال ثواب الحج»۱۸.
و فيه: أنّ الجملة الأولى مخالفة لقاعدة انّ الأعمال بالنيات و الجملة الأخيرة أعمّ من سقوط التكليف كما هو واضح. و مثله بالنسبة إلى الجملة الأولى خبر عمار عن أبي عبد اللّه (عليه السلام): «عن رجل أخذ دراهم رجل فأنفقها فلما حضر أوان الحج لم يقدر الرجل على شيء، قال (عليه السلام): يحتال و يحج عن صاحبه كما ضمن، سئل إن لم يقدر؟ قال (عليه السلام): إن كانت له عند اللّه حجة أخذها منه فجعلها للذي أخذ منه الحجة»۱۹.
(مسألة ۹): لا يجوز استئجار المعذور في ترك بعض الأعمال (۲۹)، بل لو تبرع المعذور يشكل الاكتفاء به.
لأصالة بقاء التكليف الواقعيّ الاختياريّ المستفاد من الإطلاقات و العمومات. نعم، لو أتى المعذور بالعمل لنفسه في ظرف العذر يسقط تكليفه تسهيلا و امتنانا، و هو أعمّ من انقلاب التكليف الواقعيّ إلى التكليف العذري بالنسبة إلى النائب. و منه يظهر حكم المتبرع المعذور. و المسألة سيالة في جميع الأعمال النيابية.
(مسألة ۱۰): إذا مات النائب قبل الإتيان بالمناسك فإن كان قبل الإحرام لم يجز عن المنوب عنه، لما مرّ من كون الأصل عدم فراغ ذمته إلا بالإتيان (۳۰)، بعد حمل الأخبار الدالة على ضمان الأجير على ما أشرنا إليه، و إن مات بعد الإحرام و دخول الحرم أجزأ عنه (۳۱)، لا لكون الحكم كذلك في الحاج عن نفسه، لاختصاص ما دل عليه به و كون فعل النائب فعل المنوب عنه لا يقتضي الإلحاق (۳۲) بل لموثقة إسحاق بن عمار، المؤيدة بمرسلتي حسين بن عثمان، و حسين بن يحي، الدالة على أنّ النائب إذا مات في الطريق أجزأ عن المنوب عنه المقيّدة بمرسلة المقنعة (۳۳): «من خرج حاجا فمات في الطريق، فإنّه إن كان مات في الحرم فقد سقطت عنه الحجة» الشاملة للحاج عن غيره أيضا، و لا يعارضها موثقة عمار (۳٤) الدالة على أنّ النائب إذا مات في الطريق عليه أن يوصي، لأنّها محمولة على ما إذا مات قبل الإحرام، أو على الاستحباب. مضافا إلى الإجماع على عدم كفاية مطلق الموت في الطريق و ضعفها سندا- بل و دلالة- منجبر بالشهرة، و الإجماعات المنقولة، فلا ينبغي الإشكال في الإجزاء في الصورة المزبورة. و أما إذا مات بعد الإحرام و قبل دخول الحرم ففي الإجزاء قولان (۳٥). و لا يبعد الإجزاء و إن لم نقل به في الحاج عن نفسه، لإطلاق الأخبار في المقام، و القدر المتيقن من التقييد هو اعتبار كونه بعد الإحرام، لكن الأقوى عدمه (۳٦). فحاله حال الحاج عن نفسه في اعتبار الأمرين في الإجزاء. و الظاهر عدم الفرق بين حجة الإسلام و غيرها من أقسام الحج و كون النيابة بالأجرة أو بالتبرع (۳۷).
و يدل عليه- مضافا إلى قاعدة الاشتغال- الإجماع بقسميه أيضا.
نصّا و إجماعا روى ابن عمار في الموثق: «سألته عن الرجل يموت فيوصي بحجة فيعطي رجل دراهم يحج بها عنه فيموت قبل أن يحج ثمَّ أعطى الدراهم غيره فقال (عليه السلام): إن مات في الطريق أو بمكة قبل أن يقضي مناسكه فإنّه يجزي عن الأول- الحديث-»۲۰.
و لا بد من تقييده بما إذا كان بعد الإحرام و دخول الحرم إجماعا. و يمكن أن يقال: إنّ هذا الحكم لطبيعة الحج من حيث هي بلا فرق فيه بين النفسي و النيابي.
إن لم يكن حكم بطبيعة الحج من حيث هي و الا فالأفراد بحكم الكل طبعا و ذاتا و لا يحتاج إلى الإلحاق.
أما الأولى: فهي عن أبي عبد اللّه (عليه السلام): «في رجل أعطى رجلا» ما يحجه، فحدث بالرجل حدث، فقال: إن كان خرج فأصابه في بعض الطريق فقد أجزأت و إلّا فلا»۲۱.
و الثانية: عنه (عليه السلام) أيضا: «في رجل أعطى رجلا مالا يحج عنه فمات، قال: فإن مات في منزله قبل أن يخرج فلا يجزي عنه، و إن مات في الطريق فقد أجزأ عنه»۲۲.
و أما الأخيرة: فذكرها في المتن و في ذيلها: «فإن مات قبل دخول الحرم لم يسقط عنه الحج و ليقض عنه وليه»۲۳.
و حيث إنّ مقتضى الأصل عدم الإجزاء فلا بد من الاقتصار على المتيقن المستفاد من مجموع النصوص بقرينة فهم الأصحاب. و المتيقن من المجموع ما ذكره (قدّس سرّه).
و توهم: الأخذ بإطلاق المرسلة و تقييد ما تقدم من الأخبار بها، فيكون الحكم في النائب هو الإجزاء و لو مات قبل الإحرام و دخول الحرم جمودا على إطلاق الموت في الطريق فيخالف حكم موت النائب مع موت الأصيل في هذه الجهة (مردود): لما مر من عدم صحة الأخذ بالإطلاق في هذا الحكم المخالف للأصل، مع قصور سند المرسلتين، فما نسب إلى المشهور و اختاره الماتن هو المتعيّن.
عن الصادق (عليه السلام): «في رجل حج عن آخر و مات في الطريق، قال (عليه السلام): و قد وقع أجره على اللّه، و لكن يوصي، فإن قدر على رجل يركب في رحله و يأكل زاده فعل»۲4 و الحمل على الاستحباب من أحسن طرق الجمع بين الأصحاب.
نسب الأول إلى الشيخ (رحمه اللّه) و ادعى في خلافه الإجماع عليه، و لكنه موهون بدعوى الإجماع عن غيره على خلافه.
للأصل، و ظهور الإجماع، و ما تقدم من مرسلة المقنعة المعمولة فلا وجه للتمسك بإطلاق قوله (عليه السلام): «إن مات في الطريق فقد أجزأ عنه»۲٥، للزوم تقييده بالمرسلة الظاهرة في العموم و إنّ هذا حكم طبيعة الحج من حيث هي مع و هن الإطلاق بالإجماع على الخلاف، مع أنّه من قبيل زيادة الفرع على الأصل، لما مرّ من أنّ من يحج عن نفسه إن مات قبل دخول الحرم لا يجزي عن حجه فكيف نقول به في النائب؟! مع عدم دليل معتبر للفرق بينهما.
للإطلاق الشامل للجميع، مع عدم الدليل على التفصيل.
(مسألة ۱۱): إذا مات الأجير بعد الإحرام و دخول الحرم يستحق تمام الأجرة إذا كان أجيرا على تفريغ الذمة (۳۸) و بالنسبة إلى ما أتى به من الأعمال إذا كان أجيرا على الإتيان بالحج، بمعنى الأعمال المخصوصة (۳۹) و إن مات قبل ذلك لا يستحق شيئا، سواء مات قبل الشروع في المشي، أو بعده و قبل الإحرام، أو بعده و قبل الدخول في الحرم، لأنّه لم يأت بالعمل المستأجر عليه- لا كلا و لا بعضا (٤۰) بعد فرض عدم إجزائه (٤۱) من غير فرق بين أن يكون المستأجر عليه نفس الأعمال، أو مع المقدمات من المشي و نحوه. نعم، لو كان المشي داخلا في الإجارة على وجه الجزئية- بأن يكون مطلوبا في الإجارة نفسا- استحق مقدار ما يقابله من الأجرة بخلاف ما إذا لم يكن داخلا أصلا، أو كان داخلا فيها لا نفسا بل مطلقا بوصف المقدّمية (٤۲) فما ذهب إليه بعضهم (٤۳) من توزيع الأجرة عليه أيضا مطلقا لا وجه له (٤٤). كما أنه لا وجه لما ذكره بعضهم: من التوزيع على ما أتى به من الأعمال بعد الإحرام، إذ هو نظير ما إذا استؤجر للصلاة، فأتى بركعة أو أزيد ثمَّ أبطلت صلاته (٤٥)، فإنّه لا إشكال في أنّه لا يستحق الأجرة على ما أتى به، و دعوى أنّه و إن كان لا يستحق من المسمّى بالنسبة، لكن يستحق أجرة المثل لما أتى به، حيث إنّ عمله محترم مدفوعة: بأنّه لا وجه له بعد عدم نفع للمستأجر فيه (٤٦). و المفروض أنّه لم يكن مغرورا من قبله (٤۷) و حينئذ فتنفسخ الإجارة إذا كانت للحج في سنة معينة (٤۸)، و يجب عليه الإتيان به إذا كانت مطلقة (٤۹)، من غير استحقاق لشيء على التقديرين (۵۰).
بما جعله الشارع مفرغا، و يدل عليه- مضافا إلى الإجماع- عموم وجوب الوفاء بالعقد أيضا لحصول العمل المستأجر عليه، فيتحقق استحقاق الأجرة لا محالة و لا فرق بين أجرة الذهاب و العود، لأنّ أجرة العود قد لوحظت في عقد الإجارة الواقعية على تفريغ الذمة و قد حصل، فيستحقها الأجير لا محالة.
إتيان الأعمال المخصوصة يتصوّر على قسمين:
الأول: الإتيان بها أعمّ من الحقيقي و التنزيل الشرعي، فيكون حكمه حكم ما إذا استؤجر على تفريغ الذمة، فيستحق تمام الأجرة.
الثاني: الإتيان بها في الخارج أي: ذوات الأعمال الخارجية من حيث هي و حينئذ فتتسقط الأجرة عليها، لظهور الاستئجار في التقسيط بحسب المتعارف ما لم تكن قرينة على الخلاف مضافا إلى ظهور الإجماع عليه أيضا، و المنساق من الإجارة في الحج عند المتشرعة هو الأول ما لم تكن قرينة على الخلاف.
مقتضى المرتكزات العرفية المنزلة عليها الأدلة الشرعية أنّه إن أتى ببعض العمل المستأجر عليه، فيستحق الأجرة بالنسبة إلى ما أتى به من العمل، و عدم الإجزاء شرعا لا ربط له بما هو المتعارف من الإجارة نوعا بلا فرق فيه بين كون المشي جزءا أو مقدمة لتعارف تقسيط الأجرة مطلقا ما لم يصرّح بالخلاف.
عدم الإجزاء شرعا لا ربط له باحترام العمل الذي وقع مورد الإجارة، فيستحق الأجرة بحسب ما أتى به من العمل، لفرض وقوعه بتمام أجزائه و جزئياته مورد الإجارة.
بل و إن كانت بوصف المقدمية يستحق الأجرة له أيضا، لفرض أنّه عمل محترم و يقابل بالمال عند الناس إلا إذا كان بعنوان التقييد بمعنى: أنّه لو لم تحصل ذو المقدمة لكانت المقدمة لغوا محضا و وقع الإقدام منهما في الإجارة هكذا فلا يستحق حينئذ شيئا.
و هو الذي تقتضيه قاعدة احترام العمل، و نسبه في الحدائق إلى ظاهر الأصحاب.
ظهر مما تقدم أنّه لا وجه. و خلاصة الكلام: أنّ المشي تارة: يجعل مورد الإجارة جزءا، و أخرى: يكون موردها مقدمة بذاته من حيث هو مع قطع النظر عن كل شيء، و ثالثة: يجعل موردا لها حين إرادة ذي المقدمة، أو بقصد التواصل به إلى ذي المقدمة، و رابعة: يكون موردا لها بقيد التوصل به إلى النتيجة بحيث لو لم تترتب النتيجة لا يكون موردا لها أبدا، و قد أقدم الأجير على هتك عمله حينئذ و مقتضى المتعارف و قاعدة احترام العمل جزءا و كلا، جزئيا و كليا و لا وجه للاحترام إلا الضمان و التدارك توزيع الأجرة على الجميع إلا الأخير، بل و كذا بالنسبة إلى أجرة الإياب أيضا، لأنها ملحوظة في الإجارات نوعا و إن لم تكن دخيلة في العمل جزءا أو مقدمة بل يوجب زيادة الأجرة إن كانت المسافة بعيدة، و قلتها إن لم يكن كذلك، فللحج البلدي أجرة، و للميقاتي أجرة أخرى و يختلف ذلك قربا و بعدا و بحسب سائر الجهات. و مدرك الكل أصالة احترام العمل التي هي من أهمّ الأصول النظامية بين جميع الناس.
إن قيل: لا يثبت بها تقسيط الأجرة بل لا تثبت إلّا أجرة المثل.
يقال: نعم، لو لا وقوع الإقدام على أجرة المسمّى.
القياس مع الفارق، لأنّه في صورة الإبطال قد أقدم على هتك عمله و ألقى احترام عمله. نعم، لو حصل البطلان القهري كالموت و نحوه، فهو عين المقام. بل و كذا في صورة الإبطال العمدي يكون ما أتى به من القراءة و الأذكار مثل المقام. إن فرض توزيع الأجرة عليها عرفا حتى في هذه الصورة، لعدم بطلانها في ذاتها في صورة إبطال الصلاة و إنّما بطلت جزئيتها للصلاة فقط. نعم، مع عدم التوزيع عليها عرفا بعد إبطال الصلاة لا وجه له حينئذ.
المناط في استحقاق أجرة المثل ملكية المنفعة بالتسبب العقدي مع بطلان أجرة المسمّى و لو تقسيطا سواء انتفع بها المستأجر أم لا. و هذا المعنى حاصل في المقام، لكن الكلام في بطلان التقسيط مع أنّ أهل الخبرة يحكمون به.
و خلاصة الكلام من البدء إلى الختام: أنّ المقصود الأصليّ من النيابة و الإجارة في مثل الحج و الزيارة هو نفس الأعمال الخاصة و العبادات المخصوصة و هي الدّاعي الأوليّ للإقدام المعاوضي إجارة كان أو جعالة، و لكن القرار المعامليّ إنّما هو جميع ما يقع من العامل في الخارج من أول إقدامه على ما له دخل في هذا العمل إلى آخر رجوعه إلى المحل، و في الرجوع إلى سيرة الذين أعدّوا أنفسهم للنيابة غني و كفاية.
و هذه المسألة ليست تعبدية و لا نظرية بل عرفية محضة لا بد فيها من مراجعة العرف و أهل الخبرة لذلك.
و أما توهم: أنّه لا وجه لأجرة المسمّى في المقام، لأنّها تكون فيما إذا كانت للشيء قيمة، و لا قيمة لجزء العمل هنا. فباطل، لأنّ عدم الاعتبار بجزء العمل شرعا لا يوجب سلب الاعتبار العرفيّ عن العمل المصروف فيه، فيرجع إلى أهل الخبرة فكل ما عيّن من المال في العمل المصروف جزءا و كلا يتعيّن ذلك على المستأجر الكلام.
إلا إذا أقدم الأجير على هتك عمله.
قاعدة «إنّ المغرور يرجع إلى من غرّه» من القواعد الفطرية بين الناس في الجملة. و يكفي في اعتبارها عدم ثبوت الردع، مع أنّه قد ورد التقرير لها في النبويّ- كما سيأتي في كتاب البيع- بعين هذا اللفظ و في موارد أخرى مختلفة. و هي متوقفة على صدق التغرير، و مع الشك لا مجرى لها فكيف بصدق عدم الغرور.
لعدم الموضوع للوفاء بها حينئذ، فتنفسخ لا محالة.
يعني وجوب الاستئجار من تركته إذا لم تشترط المباشرة.
ظهر مما مرّ أنّه يستحق بالنسبة إن لم يقدم على هتك عمله بالمرة.
(مسألة ۱۲): يجب في الإجارة تعيين نوع الحج، من تمتع، أو قران، أو إفراد (۵۱) و لا يجوز للمؤجر العدول عمّا عيّن له و إن كان إلى الأفضل (۵۲). كالعدول من أحد الأخيرين إلى الأول- إلا إذا رضي المستأجر بذلك، فيما إذا كان مخيّرا بين النوعين أو الأنواع- كما في الحج المستحبّي و المنذور المطلق- أو كان ذا منزلين متساويين في مكة و خارجها (۵۳) و أما إذا كان ما عليه من نوع خاص فلا ينفع رضاه أيضا بالعدول إلى غيره (٥٤)، و في صورة جواز الرضا بكون رضاه من باب إسقاط حق الشرط إن كان التعيين بعنوان الشرطية و من باب الرضا بالوفاء بغير الجنس إن كان بعنوان القيدية (۵۵) و على أيّ تقدير يستحق الأجرة المسماة و إن لم يأت بالعمل المستأجر عليه على التقدير الثاني، لأنّ المستأجر إذا رضي بغير النوع الذي عينه فقد وصل إليه ماله على المؤجر، كما في الوفاء بغير الجنس في سائر الديون، فكأنّه قد أتى بالعمل المستأجر عليه و لا فرق فيما ذكرنا بين العدول إلى الأفضل أو إلى المفضول. هذا و يظهر من جماعة جواز العدول إلى الأفضل- كالعدول إلى التمتع- تعبدا من الشارع، لخبر أبي بصير عن أحدهما: «في رجل أعطى رجلا دراهم يحج بها مفردة أ يجوز له أن يتمتع بالعمرة إلى الحج؟ قال (عليه السلام): نعم إنّما خالف إلى الأفضل» و الأقوى ما ذكرناه، و الخبر منزل على صورة العلم برضاء المستأجر (۵۶) بذلك مع كونه مخيّرا بين النوعين جمعا بينه و بين خبر آخر (۵۷): «في رجل أعطى رجلا دراهم يحج بها حجة مفردة قال (عليه السلام) ليس له أن يتمتع بالعمرة إلى الحج، لا يخالف صاحب الدراهم» و على ما ذكرنا- من عدم جواز العدول الا مع العلم بالرضا- إذا عدل بدون ذلك لا يستحق الأجرة في صورة التعيين على وجه القيدية (۵۸)، و إن كان حجه صحيحا عن المنوب عنه و مفرغا لذمته (۵۹) إذا لم يكن ما في ذمته متعينا فيما عين، و أما إذا كان على وجه الشرطية فيستحق (۶۰)، إلا إذا فسخ المستأجر الإجارة من جهة تخلف الشرط، إذ حينئذ لا يستحق المسمّى بل أجرة المثل (۶۱).
لظهور الاتفاق و اختلاف الأغراض، و الأحكام الشرعية باختلاف الأنواع، و ما يأتي من خبر عليّ بن رئاب.
للأصل، و ما دل على وجوب الوفاء بالعقود مضافا إلى الإجماع.
بلا إشكال فيه إن كان الرضاء قبل الشروع في العمل، و أما بعد الفراغ منه، فهو من صغريات جريان الفضولية في العبادات، كما إذا صلّى شخص في منزل أحد- أو توضأ من مائه- من دون إحراز رضاه و بعد الفراغ منها رضي و أجاز، و مقتضى العمومات الصحة مع حصول قصد القربة و المسألة سيالة في موارد كثيرة.
لأن التعيين حينئذ حكم شرعيّ ليس تحت اختيار المستأجر حتى ينفع رضاه. هذا بالنسبة إلى براءة ذمة المستأجر، و كذا بالنسبة إلى صحة نفس العمل، لأنّ الأجير قصد الأمر المتوجه إلى المنوب عنه. و المفروض أنّه لم يكن مأمورا بما قصده الأجير. و أما بالنسبة إلى براءة ذمة النائب، فيصح رضاه، لأنّ الحق قائم به كما لا يخفى.
لأنّه يصح أن يكون التعيين بعنوان الشرط الخارج عن ذات الشيء، كما يجوز أن يكون بعنوان القيد المقوّم له عرفا، و هما اعتباران صحيحان عند المتعارف في أغراضهم العرفية و يصح تنزيل الأدلة عليهما أيضا، و يختلف الأثر بالنسبة الى كل منهما كما ذكره (رحمه اللّه)، فتارة: يكون من باب إسقاط الشرط. و أخرى:
يكون من الوفاء بغير الجنس.
أو العلم بأنّ تعينه للنوع الخاص لم يكن لأجل خصوصية فيه، بل كان ذكره من باب المثال و ما هو الأسهل على النائب أو نحو ذلك مما لا يوجب التعين.
و أما الإشكال على الوجه الأول: من أنّه مع العلم بالرضا لا وجه للسؤال (مدفوع): بأنّ هذا السؤال إنّما هو لحصول الاطمئنان الظنيّ، و زوال الوسوسة.
رواه صاحب الوسائل عن عليّ۲٦، و استظهر في المدارك أنّه ابن رئاب، فيكون معتبرا.
لأنّه حينئذ من الوفاء لغير الجنس مع عدم رضاء من له الحق و هو باطل بالأدلة الأربعة، و ظاهر مثل هذه الإجارة الواقعة بعنوان القيدية عدم تقسيط الأجرة على ما أتى به الأجير من العمل، فكأنّ المستأجر قال: إن أتيت بهذا العمل الكذائي فلك أجرة خاصة و إلّا فلا شيء لك أبدا و قبل الأجير ذلك. هذا بالنسبة إلى الأجرة بإزاء المناسك. و أما الأجرة بإزاء الذهاب و سائر الأعمال المقدمة، فهل تقسط عليها الأجرة أو لا؟ وجهان، يأتي في الفرع اللاحق ما ينفع المقام.
لفرض أنّ النائب أتى بالعمل عن المنوب عنه و المفروض أنّ إتيان ذات العمل عنه صحيح شرعا، فلا بد من فراغ ذمته.
و أما توهم: أنّ التعيين في الإجارة يوجب تقييدا في ذات العمل المستأجر عليه، فيصبر حينئذ من الوفاء بغير الجنس. فباطل بالنسبة إلى ذات العمل من حيث هو، لأنّ المفروض أنّه مشروع في حق المنوب عنه. نعم، هو صحيح بالنسبة إلى العقد الإجاريّ، و قلنا ببطلانه أيضا.
و كذا توهم أنّه منهيّ عنه فكيف تصح عبادة؟! و ذلك لما ثبت في محله من أنّ الأمر بالشيء لا يقتضي النهي عن ضدّه فالعمل صحيح و تبرأ ذمة المنوب عنه و يكون كعمل المتبرع، فكأنّ الأجير أقدم على هتك عمله من حيث العوض فقط لا أن يبطل عمله بالذات حتى يصير فاسدا أصلا مطلقا.
لفرض صحة الإجارة و أنّ تخلف الشرط لا يوجب بطلانها.
أما عدم استحقاق أجرة المسمّى فلا فلانفساخ أصل الإجارة بالفسخ، و أما استحقاق أجرة المثل فلأصالة احترام العمل التي هي من أهمّ الأصول العقلائية المقرّرة شرعا.
(مسألة ۱۳): لا يشترط في الإجارة تعيين الطريق و إن كان في الحج البلدي، لعدم تعلق الغرض بالطريق نوعا، و لكن لو عيّن تعيّن (۶۲) و لا يجوز العدول عنه إلى غيره، الا إذا علم أنّه لا غرض للمستأجر في خصوصيته و إنّما ذكره على المتعارف، فهو راض بأيّ طريق كان، فحينئذ لو عدل صح و استحق تمام الأجرة، و كذا إذا أسقط بعد العقد حق تعيينه (۶۳) فالقول بجواز العدول مطلقا، أو مع عدم العلم بغرض في الخصوصية ضعيف كالاستدلال له بصحيحة حريز: «عن رجل أعطى رجلا حجة يحج عنه من الكوفة فحج عنه» من البصرة فقال: لا بأس، إذا قضى جميع المناسك فقد تمَّ حجة» إذ هي محمولة على صورة العلم بعدم الغرض كما هو الغالب (6٤). مع أنّها إنّما دلت على صحة الحج من حيث هو (65) لا من حيث كونه عملا مستأجرا عليه كما هو المدعى و ربما تحمل على محامل آخر (66) و كيف كان لا إشكال في صحة حجه و براءة ذمة المنوب عنه إذا لم يكن ما عليه مقيدا بخصوصية الطريق المعيّن (67) إنّما الكلام في استحقاقه الأجرة المسماة على تقدير العدول و عدمه، و الأقوى أنّه يستحق من المسمّى بالنسبة و يسقط منه بمقدار المخالفة إذا كان الطريق معتبرا في الإجارة على وجه الجزئية (68)، و لا يستحق شيئا على تقدير اعتباره على وجه القيدية، لعدم إتيانه بالعمل المستأجر عليه حينئذ (69) و إن برئت ذمة المنوب عنه بما أتى به، لأنّه حينئذ متبرع بعمله، و دعوى أنّه يعدّ في العرف أنّه أتى ببعض ما استؤجر عليه، فيستحق بالنسبة، و قصد التقييد بالخصوصية لا يخرجه عرفا عن العمل ذي الأجزاء، كما ذهب إليه في الجواهر لا وجه لها (70) و يستحق تمام الأجرة إن كان اعتباره على وجه الشرطية الفقهية (7۱)، بمعنى: الالتزام في الالتزام. نعم، للمستأجر خيار الفسخ لتخلف الشرط، فيرجع إلى أجرة المثل (7۲).
أما عدم اعتبار تعين الطريق، فللأصل بعد عدم دليل عليه، و أما التعين في صورة التعين، فلدليل وجوب الوفاء بالعقود و الشرط.
لوجود المقتضي لاستحقاق تمام الأجرة في الفرعين حينئذ و عدم المانع عنه كما هو معلوم.
فيصير التعين من باب المثال حينئذ لا الخصوصية.
فلا تصلح للاستدلال بها للمقام مع عدم ظهورها فيه.
كاحتمال أنّه لم يكن من باب الإجارة الاصطلاحية حتى يجب الوفاء به بل كان ارتزاقا لهذه الجهة، أو أنّه منها و لكن لا يجب الوفاء بالشرط، لعدم كونه مذكورا في العقد، أو أنّه قوله: (من الكوفة) متعلق بقوله: (اعطى) لا بقوله (يحج) و الكل خلاف الظاهر كما لا يخفى.
كما إذا كان منذورا بعنوان إتيانه من الطريق الخاص و لكن أصل الحج صحيح، كما تقدم في [مسألة ۳۱] من الفصل السابق.
لما مرّ من انحلال الأجرة و تقسيطها عرفا في أمثال المقام.
إلا إذا أجاز المستأجر ذلك، فيكون من قسم الفضوليّ الذي نهى المالك عنه ثمَّ أجاز، و يأتي في كتاب البيع صحته.
لها وجه وجيه. إذا ليس المراد- بالتقييد- الدقي العقلي و المقوّم الذاتيّ الحقيقيّ بحيث ينفي القيد تكوينا بانتفائه، بل المراد به القيد العرفي الذي يكون برزخا بين الالتزام و القيدية الدقية المقوّمة لذات الشيء.
و بالجملة: العرف يرى الأجير ذا حق في المشي على المستأجر خصوصا مع براءة ذمة المنوب عنه عن الحج و لا يرون عمله المشي باطلا محضا بالنسبة إليه.
يمكن القول بالتبعيض فيه أيضا، لصدق أنّه أتى ببعض العمل عرفا، إذ أنّ الشرط طريق و مرآة إلى ما في الخارج لا أن يكون له موضوعية محضة و لا أن يكون مبنيا على الدقة العقلية.
لأصالة احترام العمل التي هي أصل نظاميّ عقلائيّ.
(مسألة ۱٤): إذا آجر نفسه للحج عن شخص مباشرة في سنة معينة، ثمَّ آجر عن شخص آخر في تلك السنة مباشرة أيضا، بطلت الإجارة الثانية، لعدم القدرة على العمل بها بعد وجوب العمل بالأولى. و مع عدم اشتراط المباشرة فيهما أو في إحداهما صحتا معا (7۳)، و دعوى: بطلان الثانية و إن لم يشترط فيها المباشرة مع اعتبارها في الأولى. لأنّه يعتبر في صحة الإجارة تمكن الأجير من العمل بنفسه، فلا يجوز إجارة الأعمى على قراءة القرآن، و كذا لا يجوز إجارة الحائض لكنس المسجد و إن لم يشترط المباشرة ممنوعة (7٤): فالأقوى الصحة. هذا إذا آجر نفسه ثانيا للحج بلا اشتراط المباشرة و أما إذا آجر نفسه لتحصيله فلا إشكال فيه (75)، و كذا تصح الثانية مع اختلاف السنتين، أو مع توسعة الإجارتين، أو توسعة إحديهما بل و كذا مع إطلاقهما، أو إطلاق إحديهما إذا لم يكن انصراف الى التعجيل (76) و لو اقترنت الإجارتان- كما إذا آجر نفسه من شخص، و آجره وكيله من آخر في سنة واحدة، و كان وقوع الإجارتين في وقت واحد- بطلتا معا (77) مع اشتراط المباشرة فيهما و لو آجره فضوليان من شخصين- مع اقتران الإجارتين- يجوز له إجارة إحداهما (78) كما في صورة عدم الاقتران و لو آجر نفسه من شخص، ثمَّ علم أنّه آجره فضوليّ من شخص آخر سابقا على عقد نفسه، ليس له إجازة ذلك العقد (79) و إن قلنا بكون الإجازة كاشفة بدعوى أنّها حينئذ تكشف عن بطلان إجارة نفسه. لكون إجارة نفسه مانعا عن صحة الإجارة حتى تكون كاشفة و انصراف أدلة صحة الفضولي عن مثل ذلك.
إن لم يكن انصراف معتبر إلى المباشرة و الا فتكون كالصورة الأولى.
لأنّ التمكين بنفسه أعمّ من المباشرة و التسبب و المفروض عدم اشتراط المباشرة، فيتمكن من العمل. نعم، لو اشترطت المباشرة، فيرجع إلى التمكن بنفسه من نفسه. و هذا خارج عن الفرض و يكون من القسم الأول الذي اشترطت فيه المباشرة.
لأنّه تصريح حينئذ بكفاية التسبيب و يكون تمام الأجرة في الإجارة له إلا أن يكون تقييد في البين بإعطاء تمامها إلى الأجير الثاني لو استأجره.
كل ذلك لوجود المقتضي و فقد المانع، فتشملها الإطلاقات و العمومات، و مع وجود قرينة معتبرة على التعجيل تبطل الثانية في صورة إطلاقهما، و كذا إذا كانت إحديهما مقيدة بهذه السنة مثلا، و كانت الأخرى مطلقة مع قرينة دالة على التعجيل فيها أيضا.
لامتناع صحتهما معا. و بطلان الترجيح بلا مرجح. و التخيير يحتاج إلى دليل و هو مفقود، فيرجع إلى الأصل و مقتضاه عدم ترتب الأثر على كل واحدة منهما.
لما يأتي في محله من كون الفضوليّ في العقود مطابقا للقاعدة فيصح المجاز و يلغو الآخر لا محالة، فصحة أحد العقدين دون الآخر يكون مع المرجح و هو الإجازة اللاحقة له. و منه يعلم حكم صورة عدم الاقتران.
لأنّه فوّت مورد الإجازة عمدا بإجازة نفسه، فلا سلطنة له على منافعه حتى يجيز إجازة الفضولي. و يأتي إن شاء اللّه تعالى في الفضولي بعض الكلام. و أما صحة الإجارة الفضولية بإجازة المستأجر فيأتي في [مسألة ۱٦] تفصيله فراجع.
(مسألة ۱٥): إذا آجر نفسه للحج في سنة معينة لا يجوز له التأخير، بل و لا التقديم، الا مع رضا المستأجر و لو أخر لا لعذر أثم و تنفسخ الإجارة إن كان التعيين على وجه التقييد و يكون للمستأجر خيار الفسخ لو كان على وجه الشرطية (80) و إن أتى به مؤخرا لا يستحق الأجرة على الأول، و إن برئت ذمة المنوب عنه به (81) و يستحق المسماة على الثاني الا إذا فسخ المستأجر فيرجع إلى أجرة المثل (82) و إذا أطلق الإجارة، و قلنا بوجوب التعجيل لا تبطل مع الإهمال. و في ثبوت الخيار للمستأجر حينئذ و عدمه وجهان من أنّ الفورية ليست توقيتا و من كونها بمنزلة الاشتراط (83).
أما عدم جواز التقديم و التأخير، فلأنّه خلاف الشرط الذي يجب الوفاء به، و مقتضى الأصل عدم التسلط على متعلق حق الغير إلا برضاه. و أما جوازه برضاء المستأجر، فلأنّ الحق له و يدور مدار رضاه.
و أما الإثم مع التخلف لا لعذر، فلأنّه ترك الواجب عمدا، و كل ترك واجب كذلك يوجب الإثم.
و أما انفساخ الإجارة مع التقييد و الخيار مع الشرط فيأتي إن شاء اللّه تعالى ما يتعلق به في [مسألة ۱۲] من كتاب الإجارة. و الظاهر عدم الفرق في هذه الجهة بين كون التخلف لعذر أو لا إلا في الإثم و عدمه فراجع كتاب الإجارة. هذا كله إذا علم أنّ التعيين إنّما هو لخصوصية خاصة فيه، و أما إذا لم يعلم ذلك أو علم عدمه بالقرائن فالظاهر جواز التقديم و التأخير و يصح العمل و يستحق تمام الأجرة.
أما براءة ذمة المنوب عنه، فلفرض أنّه أتى بالعمل بعنوان النيابة، و أما عدم استحقاق الأجرة فلأجل أنّه لم يأت بما استؤجر عليه، فيكون كالمتبرع بعمله عنه مثل ما إذا استؤجر على أن يصوم عن زيد يوم الجمعة فصام عنه يوم الخميس هذا بناء على التقييد الدقيّ العقليّ. و أما بناء على ما قلناه من التقييد العرفيّ الذي يكون برزخا بين التقييد العقليّ و الشرطية المحضة، فيستحق من الأجرة بالنسبة، و تقتضيه أصالة احترام المال و العمل إلا مع الإقدام على المجانية المحضة.
لقاعدة «احترام العمل ما لم يثبت الهتك و المجانية».
و هو الظاهر عرفا في الإجارات المتعارفة إلا مع القرينة على الخلاف.
(مسألة ۱٦): قد عرفت عدم صحة الإجارة الثانية فيما إذا آجر نفسه من شخص في سنة معينة ثمَّ آجر من آخر في تلك السنة، فهل يمكن تصحيح الثانية بإجازة المستأجر الأول أو لا؟ فيه تفصيل، و هو أنّه إن كانت الأولى واقعة على العمل في الذمة لا تصح الثانية بالإجازة، لأنّه لا دخل للمستأجر بها إذا لم تقع على ماله حتى تصح له إجازتها (8٤) و إن كانت واقعة على منفعة الأجير في تلك السنة- بأن تكون منفعته من حيث الحج، أو جميع منافعه له- جاز له إجازة الثانية، لوقوعها على ماله (85) و كذا الحال في نظائر المقام، فلو آجر نفسه ليخيط لزيد في يوم معيّن، ثمَّ آجر نفسه ليخيط أو ليكتب لعمرو في ذلك اليوم، ليس لزيد إجازة العقد الثاني (86) و أما إذا ملكه منفعة الخياطة، فآجر نفسه للخياطة أو للكتابة لعمرو، جاز له إجازة هذا العقد (87)، لأنّه تصرف في متعلق حقه، و إذا أجاز يكون مال الإجارة له لا للموجر (88). نعم، لو ملك منفعة خاصة- كخياطة ثوب معيّن، أو الحج عن ميت معيّن على وجه التقييد- يكون كالأول في عدم إمكان إجازته (89).
هذا التعليل عليل جدّا. لأنّه لا يعتبر في مورد الإجازة كونه مالا للمجيز، بل يكفي كونه موردا لحقه و لو في الجملة و إن لم يكن مالا له، و لا ريب في كون الإجازة الثانية من حيث المزاحمة للإجارة مع الأولى تكون موردا لحق المستأجر الأول، فتصح إجازته بلا إشكال و يأتي التفصيل في [مسألة ٤] من كتاب الإجارة (فصل يكفي في صحة الإجارة) فراجع، و لا وجه للتطويل في المقام مع ما يأتي في مستقبل الكلام.
فيكون المقتضي للإجازة موجودا و المانع عنهما مفقودا.
ظهر مما مرّ صحة إجازته، لأنّ العقد الثاني وقع على مورد حق زيد، فيصح له إجازته، لكونه مسلّطا على حقه إبقاء و إسقاطا.
أما إجازة الخياطة، فلكون منفعة الخياطة له. و أما إجازة الكتابة، فلأجل وقوعها في مورد حقه، فتصح الإجازة منه من هذه الجهة.
لوقوع الإجازة على عين ماله فبالإجازة تكون الأجرة له لا محالة. نعم، لو كان الاحتياج إلى الإجازة من جهة المزاحمة الحقية فقط فلا يكون مال الإجارة في الإجارة الثانية للمستأجر الأول بل تكون للأجير إلا أن يتصالحا على أن يكون للمستأجر، كما أنّ مال الإجارة في الإجارة الأولى له أيضا إلا أن تكون في البين قرائن تدل على الخلاف.
تقدم إمكان إجازة كل ما كان مزاحما لحقه و لو لم يكن بنفسه مالا له، فراجع. و يأتي التفصيل في كتاب الإجارة.
فروع- (الأول): الإجارة الثانية إن زاحمت الإجارة الأولى لا تصح بدون إجازة المستأجر الأول سواء كانت المزاحمة في ماله أم ما يتعلق بحقه على ما يأتي التفصيل في كتاب الإجارة.
(الثاني): بعد إجازة الإجارة الثانية تكون الأجرتين للأجير إلا مع القرينة على الخلاف.
(الثالث): يجوز للمستأجر إلغاء قيد المباشرة أو السنة المعينة في الإجارة الأولى، لأنّ ذلك من فروع سلطنته عرفا، فتصير الإجارة الثانية صحيحة لا محالة، لوجود المقتضي و فقد المانع. و يجب على الأجير تحصيل مورد الإجارة الأولى تسبيبا مع إلغاء قيد المباشرة، و في السنة الأخرى مباشرة مع إلغاء السنة المعينة.
(مسألة ۱۷): إذا صدّ الأجير أو أحصر كان حكمه كالحاج عن نفسه فيما عليه من الأعمال (90) و تنفسخ الإجارة مع كونها مقيدة بتلك السنة، و يبقى الحج في ذمته مع الإطلاق، و للمستأجر خيار التخلف إذا كان اعتبار تلك السنة على وجه الشرط في ضمن العقد (91) و لا يجزئ عن المنوب عنه (92) و إن كان بعد الإحرام و دخول الحرم، لأنّ ذلك كان في خصوص الموت في جهة الإخبار، و القياس عليه لا وجه له و لو ضمن المؤجر الحج في المستقبل- في صورة التقييد- لم تجب إجابته، و القول بوجوبه ضعيف (93)، و ظاهرهم استحقاق الأجرة بالنسبة إلى ما أتى به من الأعمال، و هو مشكل (9٤)، لأنّ المفروض عدم إتيانه للعمل المستأجر عليه، و عدم فائدة فيما أتى به (95) فهو نظير الانفساخ في الأثناء لعذر غير الصد و الحصر، و كالانفساخ في أثناء سائر الأعمال المرتبطة، لعذر في إتمامها، و قاعدة احترام المسلم لا تجري لعدم الاستناد إلى المستأجر، فلا يستحق اجرة المثل أيضا (96).
لظهور الإطلاق و الاتفاق في أنّ أحكام الصد و الحصر مترتبة على طبيعة الحج سواء كان للنفس أم للغير.
أما انفساخ الإجارة، فلأنّ تعذر العمل يكشف عن فساد التمليك و التملك على ما يأتي في كتاب الإجارة [مسألة ۱۲]. و أما بقاء الحج في ذمته مع الإطلاق، فلأصالة اللزوم، مضافا إلى ظهور الاتفاق. و أما ثبوت خيار الشرط إن كان اعتبار التعين على وجه الشرطية، فلما يأتي في محله إن شاء اللّه تعالى من أنّ تعذر الشرط يوجب الخيار. راجع أحكام الشروط في كتاب البيع.
لأصالة عدم الإجزاء إلا مع الدليل على الخلاف و لا دليل عليه في المقام و إن ورد في الموت بعد دخول الحرم و الإحرام. و إجراؤه هنا قياس بلا كلام، فلا وجه لما نسب إلى الشيخ (رحمه اللّه) من الإجزاء.
أما عدم وجوب الإجابة، فللأصل بعد عدم دليل عليه. و أما القول بالوجوب فنسب إلى المقنعة، و النهاية، و مهذب البارع و لا وجه له، و لذا حمل على الاستئجار ثانيا بالمتخلف من الأجرة و لو معاطاة و لا إشكال فيه حينئذ.
تقدم في [مسألة ۱۱] عدم الإشكال فيه كما هو المتعارف بين عمال مثل هذه الأعمال.
التسبيب الاختياري إلى الضمان المعاوضي لا يدور مدار استقرار الفائدة و تحققها، كما إذا اشترى شيئا لرفع الحاجة و استعمله فتلف بآفة سماوية و لا ريب في تحقق الضمان المعاوضي حينئذ، و لا فرق بين الأموال و الأعمال، لاحترام كل منهما شرعا، و عرفا، و عقلا.
توزيع الأجرة في نظائر المقام من المتعارف بين الأنام فلا تصل النوبة إلى أجرة المثل، مع أنّه يكفي في صحة الاستناد التسبب العقدي و هو حاصل قطعا فلا وجه للتشكيك فيه.
(مسألة ۱۸): إذا أتى النائب بما يوجب الكفارة فهو من ماله (97).
للإجماع، و لأنّها عقوبة للمباشرة فلا ربط لها بالمستأجر.
(مسألة ۱۹): إطلاق الإجارة يقتضي التعجيل بمعنى: الحلول في مقابل الأجل (98) لا بمعنى الفورية (99). إذ لا دليل عليها، و القول بوجوب التعجيل إذا لم يشترط الأجل ضعيف (100) فحالها حال البيع، في أنّ إطلاقه يقتضي الحلول بعني: جواز المطالبة. و وجوب المبادرة معها.
لقاعدة السلطنة، لأنّ الأعمال كالأموال، فكما أنّ العقد الموجب لإثبات مال في الذمة يقتضي ذلك، فكذا إذا كان موجبا لثبوت عمل فيها فلمالك الذمة المطالبة متى شاء و أراد. هذا مع عدم اشتراط الأجل و إلا فلا وجه للتعجيل لإقدامها على إسقاط حق التعجيل حينئذ.
بل بمعنى فعلية حق المطالبة متى شاء و أراد، كما يأتي منه (رحمه اللّه) لأنّ مقتضى الأصل عدم لزوم الفورية، و لا يستفاد ذلك من الأدلة أيضا.
لأصالة عدم وجوب التعجيل عليه و إنّما الثابت وجوب الأداء عند مطالبة ذي الحق، و حرمة الحبس مع عدم إحراز الرضاء بالتأخير.
و يمكن أن يجعل السكوت عن المطالبة طريقا لإحراز الرضاء بالتأخير و لكن يختلف ذلك حسب اختلاف الموارد و الأشخاص.
(مسألة ۲۰): إذا قصرت الأجرة لا يجب على المستأجر إتمامها، كما أنّها لو زادت ليس له استرداد الزائد (101). نعم، يستحب الإتمام كما قيل بل قيل (102). يستحب على الأجير أيضا رد الزائد، و لا دليل بالخصوص على شيء من القولين. نعم، يستدل على الأول: بأنّه معاونة على البر و التقوى و على الثاني: بكونه موجبا للإخلاص في العبادة.
لأصالة عدم الوجوب عليه في الأول، و أصالة عدم الولاية له على الاسترداد في الأخير.
حكي الأول عن النهاية، و المبسوط، و الأخير عن التذكرة.
و قوله (رحمه اللّه): (موجبا للإخلاص) أي: أقرب إليه إن كان قبل الشروع في العمل، و أما إن كان بعده فلا أثر له في الإخلاص و عدمه، مع أنّ هذه الوجوه الاعتبارية لا تصلح مدركا للفتوى بالاستحباب إلا بناء على المسامحة فيه حتى بمثل هذه الأمور.
(مسألة ۲۱): لو أفسد الأجير حجة بالجماع قبل المشعر فكالحاج عن نفسه يجب عليه إتمامه، و الحج من قابل، و كفارة بدنه (103). و هل يستحق الأجرة على الأول أو لا؟ قولان، مبنيان على أنّ الواجب هو الأول و أنّ الثاني عقوبة أو هو الثاني و أنّ الأول عقوبة، قد يقال بالثاني، للتعبير في الأخبار بالفساد، الظاهر في البطلان، و حمله على إرادة النقصان و عدم الكمال مجاز لا داعي إليه. و حينئذ فتنفسخ الإجارة إذا كانت معينة، و لا يستحق الأجرة، و يجب عليه الإتيان في القابل بلا اجرة. و مع إطلاق الإجارة تبقى ذمته مشغولة، و يستحق الأجرة على ما يأتي به في القابل، و الأقوى صحة الأول (10٤)، و كون الثاني عقوبة لبعض الأخبار الصريحة في ذلك (105) في الحاج عن نفسه، و لا فرق بينه و بين الأجير. و لخصوص خبرين في خصوص الأجير (106) عن إسحاق بن عمار عن أحدهما (عليهما السلام) قال: «قلت: فإن ابتلى بشيء يفسد عليه حجه حتى يصير عليه الحج من قابل، أ يجزي عن الأول؟ (107) قال: نعم، قلت: فإنّ الأجير ضامن للحج؟ «قال: نعم». و في الثاني سئل الصادق (عليه السلام) عن رجل حج عن رجل، فاجترح في حجه شيئا يلزم فيه الحج من قابل و كفارة قال (عليه السلام): «هي للأول تامة، و على هذا ما اجترح». فالأقوى استحقاق الأجرة على الأول، و ان ترك الإتيان من قابل، عصيانا أو لعذر (108) و لا فرق بين كون الإجارة مطلقة أو معينة (109). و هل الواجب إتيان الثاني بالعنوان الذي أتى به الأول- فيجب فيه قصد النيابة عن المنوب عنه و بذلك العنوان- أو هو واجب عليه تعبدا و يكون لنفسه؟ وجهان، لا يبعد الظهور في الأول و لا ينافي كونه عقوبة، فإنّه تكون الإعادة عقوبة. و لكن الأظهر الثاني (110) و الأحوط أن يأتي به بقصد ما في الذمة (111) ثمَّ لا يخفى عدم تمامية ما ذكره ذلك القائل (112)، من عدم استحقاق الأجرة- في صورة كون الإجارة- معينة و لو على ما يأتي به في القابل، لانفساخها. و كون وجوب الثاني تعبدا، لكونه خارجا عن متعلق الإجارة و إن كان مبرئا لذمة المنوب عنه، و ذلك لأنّ الإجارة و إن كانت منفسخة بالنسبة إلى الأول، لكنّها باقية بالنسبة إلى الثاني تعبدا (113)، لكونه عوضا شرعيا تعبديا عما وقع عليه العقد، فلا وجه لعدم استحقاق الأجرة على الثاني و قد يقال بعدم كفاية الحج الثاني أيضا (11٤) في تفريغ ذمة المنوب عنه، بل لا بد للمستأجر أن يستأجر مرّة أخرى في صورة التعيين، و للأجير أن يحج ثالثا في صورة الإطلاق لأنّ الحج الأول فاسد، و الثاني إنّما وجب للإفساد عقوبة، فيجب ثالث، إذ التداخل خلاف الأصل. و فيه: أنّ هذا إنّما يتم إذا لم يكن الحج في القابل بالعنوان الأول، و الظاهر من الأخبار- على القول بعدم صحة الأول- وجوب إعادة الأول و بذلك العنوان، فيكفي في التفريغ، و لا يكون من باب التداخل، فليس الإفساد عنوانا مستقلا. نعم، إنّما يلزم ذلك إذا قلنا إنّ الإفساد موجب لحج مستقل لا على نحو الأول، و هو خلاف ظاهر الأخبار (115) و قد يقال في صورة التعيين (116) إنّ الحج الأول إذا كان فاسدا و انفسخت الإجارة يكون لنفسه فقضاؤه في العام القابل أيضا يكون لنفسه، و لا يكون مبرئا لذمة المنوب عنه، فيجب على المستأجر استئجار حج آخر. و فيه أيضا ما عرفت من أنّ الثاني واجب بعنوان إعادة الأول و كون الأول- بعد انفساخ الإجارة بالنسبة إليه (117)، لا يقتضي كون الثاني له و إن كان بدلا عنه، لأنّه بدل عنه بالعنوان المنويّ لا بما صار إليه بعد الفسخ. هذا، و الظاهر- عدم الفرق في الأحكام المذكورة- بين كون الحج الأول المستأجر عليه واجبا أو مندوبا بل الظاهر جريان حكم وجوب الإتمام و الإعادة في النيابة تبرعا أيضا (118)، و إن كان لا يستحق الأجرة أصلا (119).
لإطلاق الأدلة المثبتة لإيجاب هذه الأمور في إفساد الحج بالجماع قبل المشعر الشامل لذات الحج سواء كان مباشريا أم نيابيا، مضافا إلى الإجماع على عدم الفرق بينهما في ذلك.
على المشهور بين متأخري المتأخرين. و اختاره في الجواهر في الكفارات، و لكنه اختار خلافه في المقام و يأتي التحقيق في محله إن شاء اللّه تعالى.
ففي صحيح زرارة قال: «سألته عن محرم غشي امرأته و هي محرمة قال (عليه السلام): جاهلين أم عالمين؟ قلت: أجنبيّ على الوجهين جميعا قال (عليه السلام): إن كانا جاهلين استغفرا ربّهما. و مضيا على حجهما و ليس عليهما شيء. و إن كانا عالمين فرق بينهما- إلى أن قال- حتى يقضيا نسكهما و يرجعا إلى المكان الذي أصابا فيه ما أصابا، قلت، فأيّ الحجتين لهما؟ قال (عليه السلام): الأولى التي أحدثا فيها ما أحدثا، و الأخرى عليهما عقوبة»۲۷ و الإشكال عليه بالإضمار لا يضرّ بعد كون المضمر مثل زرارة الذي لا يسأل إلا من الإمام (عليه السلام).
ففي صدر خبر ابن عمار: «سألته عن الرجل يموت فيوصي بحجة، فيعطي رجل دراهم يحج بها عنه، فيموت قبل أن يحج ثمَّ أعطى الدراهم غيره قال (عليه السلام): إن مات في الطريق، أو بمكة قبل أن يقضي مناسكه فإنّه يجزي عن الأول. قلت: فإن ابتلى ..»۲۸ إلى آخره كما في المتن. و حمل الخبرين على أنّ المراد بالإجزاء إعطاء الثواب، أو المراد اجتزاء المجموع من حيث المجموع خلاف الظاهر.
لأنّه العمل المستأجر عليه و المفروض أنّه مفرغ للذمة، فالمقتضي لاستحقاق الأجرة موجود و المانع عنه مفقود.
لأنّه تكليف بالنسبة إلى الأجير فقط و لا ربط له بالمستأجر فيكون كسائر تروك الإحرام التي يرتكبها الأجير.
لشمول إطلاق الدليل لكل منهما.
لا ريب في أنّ الثاني تعبد محض بعد ما مرّ أنّ الأول هو الفرض، كما لا ريب في ثبوت المنشئيّة للحج النيابيّ لهذا التعبد، فيصح كل منهما فيقصد النيابة عن المنوب من حيث صيرورتها موجبا.
أو يقصد التعبد من حيث كونه من آثار النيابة فلا ثمرة عملية مهمة في هذا البحث، بل و لا علمية كما لا يخفى على أهله.
لأنّه جمع بين القولين و يرتفع هذا النزاع من البين.
هو صاحب الجواهر في بحث النيابة في الحج. و جعل قوله: (هذا) إحدى الأقوال الثمانية في المسألة فراجع فإنّ جملة من تلك الأقوال لا مدرك لها يصح الاعتماد عليه، و لا وجه للتعرض لتلك الأقوال، لأنّ هذا الكتاب ليس موضوعا لذلك.
و خلاصة دليله: أنّه لا وجه لاستحقاق الأجرة في المقام أصلا، لأنّ الأول باطل لا معنى لاستحقاق الأجرة على الباطل. و الثاني: تعبد شرعيّ لا ربط له بالمستأجر و المنوب عنه.
و هذا الدليل ظاهر الخدشة أولا: بما تقدم من أنّ الأول هو الفرض المجزي و المفرغ للذمة فيستحق الأجرة بالنسبة إليه، و ثانيا: بأنّه مع العلم بفراغ ذمة المنوب عنه أما بالأول أو الثاني. و هذا هو الغرض الأهمّ الذي تقوم به صحة الإجارة فكيف لا يستحق الأجرة فيكون دليله (رحمه اللّه) شبيه بالمغالطة.
يعني: أنّ مقتضى ظاهر حال المسلم في إجارة نفسه لشيء بقاء الإجارة إلى أن يحكم الشارع بفراغ ذمة الأجير عن العمل المستأجر عليه، فهذا نحو التزام شرعيّ يلتزمه المسلم على عهدته في إجارته بالالتزام العقدي لتفريغ الذمة و هو حاصل، كما أنّ الحكم بالفراغ من الشارع حاصل أيضا.
و هذا وجه حسن، و لكنه مردود بما تقدم من كون الأول هو الفرض فتسقط ذمة الأجير من هذه الجهة أيضا، كما تفرغ ذمة المستأجر. و منه يظهر بطلان ما عن بعض أعاظم المحشين من أنّ التعبد بوجوب إعادة الحج لا يستلزم التقييد ببقاء الإجارة.
هذا أيضا إحدى الأقوال الثمانية في المسألة، و نسب إلى الشيخ و العلامة و غيرهما.
بل خلاف الأصل و العرف و الاعتبار أيضا.
قال في الجواهر: «و دعوى أنّ الحج بإفساده له انقلب لنفسه لأنّه غير المستأجر عليه يدفعها منع الانقلاب إليه» و هو كذلك، إذ مقتضى الأصل عدم الانقلاب بعد إتيانه بقصد المنوب عنه.
يعني: على فرض صحة الانقلاب و لكنه لا دليل عليه من عقل أو نقل، بل مقتضى الأصل عدمه. و لعمري إنّ ذكر هذه الأقوال التي لا دليل عليها و النقض و الإبرام فيها من مجرّد تضييع العمر.
كل ذلك للإطلاق الشامل للجميع و إنّ هذه الأحكام أحكام طبيعة الحج من حيث هي ما لم يدل دليل على الخلاف، و تأتي فروع أخرى مناسبة للمقام في بيان أصل المسألة.
أما الحج الأول فلإقدامه على التبرع به. و أما الثاني فلأنّه من توابع فعله فيكون بمنزلة الكفارة اللازمة له. كما أنّ في صورة الإجارة إذا أفسد الأجير الحج الأول و وجب عليه الحج الثاني تكون نفقاته على نفسه.
فروع- (الأول): لا يسقط الحج ثانيا على الأجير بإسقاط المستأجر حقه، لأنّه حكم شرعيّ لا يدور مدار رضاه و عدمه.
(الثاني): لو كان الحج الثاني مستلزما للحرج بالنسبة إلى الأجير فهل يجب أيضا أو لا؟ مقتضى عموم أدلة نفي الحرج هو الأخير.
(الثالث): الظاهر فورية الإتيان به في القابل، كما يأتي في محله.
(مسألة ۲۲): يملك الأجير الأجرة بمجرّد العقد، لكن لا يجب تسليمها إلا بعد العمل (120)، إذا لم يشترط التعجيل، و لم تكن قرينة على إرادته، من انصراف أو غيره (121)، و لا فرق في عدم وجوب التسليم بين أن تكون عينا أو دينا (122)، و لكن إذا كانت عينا و نمت كان النماء للأجير (123) و على ما ذكر- من عدم وجوب التسليم قبل العمل إذا كان المستأجر وصيا أو وكيلا، و سلّمها قبله كان ضامنا لها (12٤)، على تقدير عدم العمل من المؤجر، أو كون عمله باطلا. و لا يجوز لهما اشتراط التعجيل من دون إذن الموكل أو الوارث (125) و لو لم يقدر الأجير على العمل مع عدم تسليم الأجرة كان له الفسخ (126). و كذا للمستأجر. لكن لما كان المتعارف تسليمها أو نصفها قبل المشي، يستحق الأجير المطالبة في صورة الإطلاق، و يجوز للوكيل و الوصيّ دفعها من غير ضمان.
أما الأول فلأنّ عقد الإجارة بل كل عقد معاوضة من موجبات التمليك و التملك اتفاقا من العلماء و السيرة من العقلاء. و أما الأخير فلأنّ بناء المعاوضات مطلقا على التسليم، و مطالبة ما تملكه و صحة الامتناع عن الأداء في ظرف امتناع الآخر. و هذه كلها من مقوّمات المعاوضات. و يأتي في كتاب البيع و الإجارة تتمة الكلام.
لأنّ عدم وجوب تسليم الأجرة إلا بعد العمل مقتضى ذات الإجارة من حيث هي، إذ التسليم في العمل لا يتحقق إلا بتمامه. نعم، القرينة على الخلاف مقدمة عليه كتقدم النص على الظاهر، أو تقدم الأظهر عليه.
لوجود سببية التمليك و التملك في كل منهما و هو عقد الإجارة.
لقاعدة «تبعية النماء للأصل في الملكية المسلّمة عند الكل، فكل من كان الأصل ملكه كان النّماء له.
لتحقق التعدّي منه حينئذ. نعم، إذا تعذر الاستئجار بغير هذا النحو فالظاهر عدم التعدّي فلا ضمان كما يأتي.
لأصالة عدم ولايتهما عليه إلا مع الإذن و لا بد في اعتبار إذن الوارث من تقيده بما إذا كان له نحو حق في ذلك و لو بنحو النظارة أو نحوها و إلا فلا مدخلية لإذنه.
عدم القدرة مع ضيق الوقت يوجب الانفساخ كما يأتي في كتاب الإجارة، و لعل مراده (قدّس سرّه) الامتناع عن العمل. نعم، إن كان المتعارف دفع الأجرة كلا أو بعضا قبله بنحو يكون إطلاق العقد منزلا عليه و لم يدفع كان له الفسخ بذلك تعذر عليه الحج أم لا.
(مسألة ۲۳): إطلاق الإجارة يقتضي المباشرة (127)، فلا يجوز للأجير أن يستأجر غيره، الا مع الإذن صريحا أو ظاهرا و الرواية الدالة على الجواز محمولة على صورة العلم بالرضا من المستأجر (128).
لأنّها الظاهرة من مثل قوله: «آجرتك على أن تحج لي- مثلا-» و لو لم يكن ظهور لفظيّ أو قرائن أخرى على المباشرة في البين، فمقتضى الإطلاق جواز الاستنابة و لكنّه مع ذلك مشكل إلا مع استظهار التعميم صريحا أو ظاهرا، و عدم كون الإجارة الثانية بالأقل إلا مع الإتيان ببعض العمل. و يأتي التفصيل في كتاب الإجارة إن شاء اللّه تعالى.
فعن ابن عيسى قال: «قلت لأبي الحسن الرضا (عليه السلام): ما تقول في الرجل يعطي الحجة فيدفعها إلى غيره؟ قال (عليه السلام): لا بأس»۲۹ و لكنّها ليست ظاهرة في الإجارة المعهودة فيمكن حملها على مجرّد تحصيل الحجة بأيّ نحو أمكن.
(مسألة ۲٤): لا يجوز استئجار من ضاق وقته عن إتمام الحج (129) تمتعا و كانت وظيفته العدول إلى حج الإفراد- عمّن عليه حج التمتع، و لو استأجره مع سعة الوقت فنوى التمتع ثمَّ اتفق ضيق الوقت، فهل يجوز له العدول و يجزئ عن المنوب عنه أو لا؟ وجهان: من إطلاق أخبار العدول و من انصرافها إلى الحاج عن نفسه و الأقوى عدمه (130)، و على تقديره (131) فالأقوى عدم إجزائه عن الميت، و عدم استحقاق الأجرة عليه (132) لأنّه غير ما على الميت، و لأنّه غير العمل المستأجر عليه (133).
لقاعدة الاشتغال، و أصالة عدم الإجزاء ما لم يدل دليل على الخلاف و لا دليل على الخلاف في المقام، و ما ورد في صحة العدول إنّما ورد في مورد خاص فلا يشمل ما نحن فيه.
إن كان ذلك لأجل الانصراف فلا وجه له، لأنّه بدويّ. و إن كان لأجل قاعدة الاشتغال، و أصالة عدم الإجزاء فهي محكومة بالإطلاقات، فالأقوى الإجزاء للإطلاقات الظاهرة في أنّ ذلك حكم ذات الحج من حيث هو سواء كان عن نفسه أم عن غيره.
أي: على تقدير عدم جواز العدول لا يجزي و هو معلوم لا يحتاج إلى البيان. و أما على تقدير صحة العدول و الإجزاء فلا ريب في فراغ ذمة المنوب عنه و استحقاق الأجير للأجرة على تفصيل يأتي.
إن كانت الإجارة على تفريغ الذمة شرعا يستحق الأجرة بناء على الإجزاء. و أما بناء على عدم الإجزاء فتسقط الأجرة على ما تقدم في [مسألة ۱۷] فراجع.
ظهر مما مرّ أنّ هذا التعليل عليل.
(مسألة ۲٥): يجوز التبرع عن الميت في الحج الواجب أيّ واجب كان، و المندوب، بل يجوز التبرع عنه بالمندوب و إن كانت ذمته مشغولة بالواجب، و لو قبل الاستئجار عنه للواجب. و كذا يجوز الاستئجار عنه في المندوب كذلك (13٤) و أما الحيّ فلا يجوز التبرع عنه في الواجب إلا إذا كان معذورا في المباشرة- لمرض، أو هرم- فإنّه يجوز التبرع عنه (135)، و يسقط عنه وجوب الاستنابة على الأقوى، كما مرّ سابقا (136) و أما الحج المندوب فيجوز التبرع عنه كما يجوز له أن يستأجر له حتى إذا كان عليه حج واجب لا يتمكن من أدائه فعلا (137) و أما إن تمكن منه فالاستئجار للمندوب قبل أدائه مشكل (138) بل التبرع عنه في الحج المندوب حينئذ أيضا لا يخلو عن إشكال (139) في الحج الواجب.
كل ذلك لظهور الإطلاق و الاتفاق، و في خبر ابن عميرة قال: «قلت لأبي عبد اللّه (عليه السلام): بلغني عنك أنّك قلت: لو أنّ رجلا مات و لم يحج حجة الإسلام فحج عنه بعض أهله أجزأ ذلك عنه، فقال: نعم. أشهد بها على أبي أنّه حدّثني أنّ رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله) أتاه رجل فقال: يا رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله) إنّ أبي مات و لم يحج، فقال له رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله) حج عنه فإنّ ذلك يجزي عنه»۳۰.
و في خبر ابن حبيب قال: «قلت لأبي عبد اللّه (عليه السلام) إنّ أبي هلك و هو رجل أعجميّ و قد أردت أن أحج عنه و أتصدّق، فقال: افعل فإنّه يصل إليه»۳۱ و يشهد له الاعتبار، و ارتكاز الناس أيضا لأنّه تفضل و إحسان محض عرفا، و شرعا، و عقلا.
أما عدم جواز التبرع عنه مع عدم العذر، فلظواهر الأدلة، و قاعدة الاشتغال، و الإجماع. و أما جوازه مع العذر فيشكل أيضا. لأنّ ظاهر الأدلة، تشريع الاستنابة بالنسبة إليه و أنّه يجهز رجلا، و الحكم مخالف للقاعدة فلا بد من الاقتصار على المنساق من الدليل. نعم، لو كان منه تسبب لذلك يمكن شمول الأدلة له حينئذ.
راجع [مسألة ۷۱] من مسائل اشتراط الاستطاعة.
لإطلاق أدلة التطوع بالحج، و إطلاق ما دل على التسبب للحج الندبي الشامل للاستئجار أيضا، مضافا إلى ظهور الاتفاق عليه.
يظهر من صاحب الجواهر الاتفاق على الجواز و هو مقتضى الإطلاقات أيضا كخبر أبي بصير قال أبو عبد اللّه (عليه السلام): «من حج فجعل حجته عن ذي قرابته يصله بها كانت حجة كاملة، و كان للذي حج عنه مثل أجره»۳۲.
و قال في الجواهر: «لا فرق عندنا بين من كان عليه حج واجب- مستقرا كان أم لا- و غيره تمكن من أدائه ففرّط أو لم يفرّط بل يحج بنفسه واجبا و يستنيب غيره في التطوع» فلا وجه للإشكال.
لا إشكال فيه، لظهور الإطلاق و الاتفاق. و ما في بعض النسخ هنا من قوله (رحمه اللّه): «في الحج الواجب» زائد و سهو عن القلم.
(مسألة ۲٦): لا يجوز أن ينوب واحد عن اثنين أو أزيد في عام واحد (140)، و إن كان الأقوى فيه الصحة. إلا إذا كان وجوبه عليهما على نحو الشركة، كما إذا نذر كل منهما أن يشترك مع الآخر في تحصيل الحج (141) و أما في الحج المندوب فيجوز حج واحد عن جماعة بعنوان النيابة (142)- كما يجوز بعنوان إهداء الثواب (143)- لجملة من الأخبار الظاهرة في جواز النيابة أيضا، فلا داعي لحملها على خصوص إهداء الثواب.
للإجماع في الحج الواجب، و قوله (رحمه اللّه): «و إن كان الأقوى الصحة» زائد و لعله كان في آخر المسألة السابقة، و قوله: «هناك في الحج الواجب» هنا فاشتبه الناسخ و غيّره.
ثمَّ إنّه يدل على عدم الجواز صحيح ابن بزيع قال: «أمرت رجلا أن يسأل أبا الحسن (عليه السلام) عن الرجل يأخذ من رجل حجة فلا تكفيه، أ له أن يأخذ من رجل آخر حجة أخرى و يتسع بها و يجزي عنهما جميعا إن لم يكفه إحداهما فذكر أنّه قال: أحبّ إليّ أن تكون خالصة لواحد، فإن كانت لا تكفيه فلا يأخذ»۳۳.
و أما صحيحة الآخر الآتي في الفرع اللاحق فلا بد من حمله على الحج المندوب أو غيره من المحامل.
لإطلاق أدلة النيابة حينئذ من غير ما يصلح للتقييد من إجماع أو غيره.
أرسله في الجواهر إرسال المسلّمات، و تقتضيه إطلاقات الروايات فعن محمد ابن إسماعيل قال: «سألت أبا الحسن (عليه السلام): كم أشرك في حجتي؟
قال (عليه السلام): كم شئت»۳4، و عن هشام بن الحكم عن أبي عبد اللّه (عليه السلام): «في الرجل يشرك أباه أو أخاه أو قرابته في حجه، فقال (عليه السلام):
إذا يكتب لك حجا مثل حجهم و تزداد أجرا بما وصلت»۳٥.
لأنّ الثواب حقه فيجوز له إهداؤه إلى كل من يريد سواء كان ذلك قبل العمل أم حينه أم بعده، و يشهد له خبر الحرث: «قلت لأبي عبد اللّه (عليه السلام)- و أنا بالمدينة بعد ما رجعت من مكة-: إنّي أردت أن أحج عن ابنتي، قال (عليه السلام): فاجعل ذلك لها الآن»۳٦.
و يمكن أن يستدل بإطلاقه لصحة جعل نفس الحج لها لا مجرّد ثوابها، و يقتضيه ما تقدم من خبري محمد بن إسماعيل، و هشام.
(مسألة ۲۷): يجوز أن ينوب جماعة عن الميت أو الحيّ في عام واحد في الحج المندوب، تبرعا، أو بالإجارة (1٤٤) بل يجوز ذلك في الواجب أيضا، كما إذا كان على الميت- أو الحيّ الذي لا يتمكن من المباشرة لعذر- حجان مختلفان نوعا كحجة الإسلام و النذر أو متحدان من حيث النوع كحجتين للنذر، فيجوز أن يستأجر أجيرين لهما في عام واحد (145)، و كذا يجوز إذا كان أحدهما واجبا و الآخر مستحبا بل يجوز أن يستأجر أجيرين لحج واجب واحد (146)- كحجة الإسلام في عام واحد احتياطا- لاحتمال بطلان حج أحدهما. بل و كذا مع العلم بصحة الحج من كل منهما و كلاهما آت بالحج الواجب، و إن كان إحرام أحدهما قبل إحرام الآخر، فهو مثل: ما إذا صلّى جماعة على الميت في وقت واحد و لا يضر سبق أحدهما بوجوب الآخر، فإنّ الذمة مشغول ما لم يتم العمل، فيصح قصد الوجوب من كل منهما و لو كان أحدهما أسبق. شروعا (147).
للأصل، و الإطلاق، و الاتفاق، و ما تقدم من خبر ابن عيسى اليقطيني قال: «بعث إليّ أبو الحسن الرضا (عليه السلام) رزم ثياب و غلمانا و حجة لأخي موسى بن عبيد، و حجة ليونس بن عبد الرحمن، و أمرنا أن نحج عنه فكانت بيننا مائة دينار أثلاثا فيما بيننا»۳۷.
و في خبر الديلمي مولى الرضا (عليه السلام) قال: «سمعت الرضا (عليه السلام) يقول: من حج بثلاثة من المؤمنين فقد اشترى نفسه من اللّه عزّ و جلّ بالثمن و لم يسأله من أين اكتسب ماله من حلال أو حرام»۳۸.
للأصل، و ظهور الإجماع.
لما مرّ في سابقة، و لأنّه احتياط حسن على كل حال.
و كذا لو كان أحدهما أسبق ختاما، لأنّ قصد الوجوب طريق إلى ما هو في علم اللّه تعالى من أصل تفريغ الذمة، أو ما يوجب زيادة مراتب القبول و الكمال. فما عن بعض الشراح من أنّه لا يصح قصد الوجوب حينئذ مخدوش، لما عرفت.
- الوسائل باب: ۳4 من أبواب نيابة الحج حديث: ۱.
- الوسائل باب: ۱۲ من أبواب قضاء الصلاة حديث: ٥.
- سورة التوبة، الآية ۱۱۳.
- سورة النجم، الآية ۳۹.
- الوسائل باب: ۸ من أبواب النيابة في الحج حديث: ٦.
- الوسائل باب: ۸ من أبواب النيابة في الحج حديث: ۱.
- الوسائل باب: ۸ من أبواب النيابة في الحج حديث: ٥.
- الوسائل باب: ۹ من أبواب النيابة في الحج حديث: ۲.
- الوسائل باب: ۸ من أبواب النيابة في الحج حديث: ۸.
- الوسائل باب: ۹ من أبواب النيابة في الحج حديث: ۱.
- الوسائل باب: ۹ من أبواب النيابة في الحج حديث: ۱.
- الوسائل باب: ۹ من أبواب النيابة في الحج حديث: ۳.
- الوسائل باب: ٦ من أبواب النيابة في الحج حديث: ۳.
- الوسائل باب: ۲4 ممن أبواب وجوب الحج حديث: ۷.
- الوسائل باب: ۱٦ من أبواب النيابة في الحج حديث: ٥.
- الوسائل باب: ۱٦ من أبواب النيابة في الحج حديث: ۱.
- الوسائل باب: ۱٥ من أبواب النيابة في الحج حديث: ۱.
- الوسائل باب: ۲۳ من أبواب النيابة في الحج حديث: ۱.
- الوسائل باب: ۲۳ من أبواب النيابة في الحج حديث: ۳.
- الوسائل باب: ۱٥ من أبواب النيابة في الحج حديث: ۱.
- الوسائل باب: ۱٥ من أبواب النيابة في الحج حديث: ۳.
- الوسائل باب: ۱٥ من أبواب النيابة في الحج حديث: 4.
- الوسائل باب: ۲٦ من أبواب وجوب الحج حديث: 4.
- الوسائل باب: ۱٥ من أبواب النيابة في الحج حديث: ٥.
- الوسائل باب: ۱٥ من أبواب النيابة في الحج حديث: 4.
- الوسائل باب: ۱۲ من أبواب النيابة في الحج حديث: ۲.
- الوسائل باب: ۳ من أبواب كفارات الاستمتاع في الإحرام حديث: ۹.
- الوسائل باب: ۱٥ من أبواب النيابة في الحج حديث: ۱.
- الوسائل باب: ۱4 من أبواب النيابة في الحج حديث: ۱.
- الوسائل باب: ۲٦ من أبواب وجوب الحج حديث: 4.
- الوسائل باب: ۲۳ من أبواب النيابة في الحج حديث: ۳.
- الوسائل باب: ۲٥ من أبواب النيابة في الحج حديث: 4.
- الوسائل باب: ۱۹ من أبواب النيابة في الحج حديث: ۱.
- الوسائل باب: ۲۸ من أبواب النيابة في الحج حديث: ۱.
- الوسائل باب: ۲۸ من أبواب النيابة في الحج حديث: ۳.
- الوسائل باب: ۲۹ من أبواب النيابة في الحج حديث: ۱.
- الوسائل باب: ۳4 من أبواب النيابة في الحج حديث: ۱.
- الوسائل باب: ۳۹ من أبواب وجوب الحج حديث: ۱.