هذا الحصر ليس بعقلي، بل و لا شرعي صحيح، لأن الحق إما حق اللَّه تعالى، أو حق الآدمي، أو مشترك بينهما.
نعم يقع الكلام في القسم الأخير في أنه هل يلحق بحق اللَّه، أو الآدمي، أو يترتب عليه حكم كل واحد منهما؟
هذا الحصر ليس بعقلي، بل و لا شرعي صحيح، لأن الحق إما حق اللَّه تعالى، أو حق الآدمي، أو مشترك بينهما.
نعم يقع الكلام في القسم الأخير في أنه هل يلحق بحق اللَّه، أو الآدمي، أو يترتب عليه حكم كل واحد منهما؟
للأصل، و الإجماع، و النصوص منها، قول الصادق عليه السلام في رواية داود بن الحصين: «كان علي عليه السلام لا يجيز في الطلاق إلّا شاهدين عدلين»، و تقدم في كتاب الطلاق بعض الكلام، فراجع.
لأنه حينئذ طلاق عرفا، و شرعا، و لغة، و لا يثبت الطلاق إلّا بشاهدين عدلين. نعم لو رجع الاختلاف إلى الاختلاف في المال يمكن أن يدخل في القسم الآتي بعد ذلك، لو عممنا الاختلاف المالي حتى إلى هذه الجهة، و لم نخصصه بما كان مدلولا مطابقيا للدعوى، و يأتي التفصيل بعد ذلك.
نسب هذا الضابط إلى المشهور، و يظهر منهم الإجماع عليه.
و ناقش في هذه الكلية جمع- منهم المحقق الأردبيلي- و الظاهر أنه لا وجه للمناقشة، إذا لوحظ القدر المتيقن من الإجماع، كما هو الشأن في الأخذ بالإجماع في سائر الموارد، مع تردد مورده بين الأقل و الأكثر، و في مورد الشك يرجع إلى أصالة عدم الاعتبار إن لم يكن عموم- نحرز كونه في مورد البيان- في البين.
و منه يظهر إلحاق بعضهم الخمس، و الزكاة، و الكفارة بما ذكر، إذ الشك في كون الموارد المزبورة منها يكفي في عدم الإلحاق، ما لم يكن دليل معتبر في البين، و قد ورد في جملة منها- مضافا إلى ما مر من الإجماع- روايات خاصة مثل صحيحة محمد بن مسلم: «لا تجوز شهادة النساء في الهلال، و لا في الطلاق»۱، و مثله غيره من الصحاح، و في موثق السكوني عن جعفر عن آبائه عن علي عليهم السلام: «كان يقول: شهادة النساء لا تجوز في طلاق، و لا نكاح، و لا حدود إلّا في الديون، و ما لا يستطيع الرجال النظر إليه»۲، فإنها صريحة في- عدم قبول شهادتهن إلّا في الموارد المستثناة. و هناك روايات أخرى ستأتي في موردها إن شاء اللَّه تعالى، و سيأتي خبر يونس المعمول به لدى الأصحاب ما تثبت به القاعدة الكلية، إلّا ما خرج بالدليل.
نصا، و اتفاقا، قال الصادق عليه السلام في رواية يونس: «استخراج الحقوق بأربعة وجوه: بشهادة رجلين عدلين، فإن لم يكونا رجلين فرجل و امرأتان، فإن لم تكن امرأتان فرجل و يمين المدعي، فإن لم يكن شاهد فاليمين على المدعى عليه»۳، و هذا موافق لسهولة الشريعة، فيسقط التمسك بأصالة عدم الاعتبار مع مثل هذه الأخبار، التي تقدم بعضها في القضاء، و يأتي في الحدود بعضها الآخر.
و قصور السند منجبر بعمل الأصحاب، و الاعتماد عليه، و مثل يونس لا يروى إلّا عن ثقة أو من الإمام عليه السلام، فلا وجه للإشكال بضعف السند و غيره، مع أن الإمام عليه السلام في مقام تأسيس قاعدة كلية جارية في جميع الموارد، إلّا ما خرج منها بدليل مخصوص تخصص به القاعدة الكلية لو كان في مقام البيان من كل جهة، أي من جهة النفي المطلق و الإثبات في مورد خاص، و نعم ما قال صاحب الجواهر: «المستفاد من النصوص ثبوت كل حق من حقوق الآدميين بالشاهد و اليمين، إلّا ما خرج بأدلة مخصوصة من إجماع أو غيره، و من ذلك ينفتح لك باب عظيم في محال الخلاف، و الظاهر قيام المرأتين مع اليمين مقامه في ذلك كقيام المرأتين مع الشاهد مقامه في موضوعه».
لما مر من النص، و الإجماع، و إطلاقهما يشمل جميع ما ذكر، و إطلاق صحيح الحلبي عن الصادق عليه السلام: «تجوز شهادة النساء مع الرجل في الدين؟ قال: نعم»4، كما يثبت بشهادة امرأتين مع اليمين، للأدلة الدالة على قيام امرأتين مقام الرجل، و جملة من الأخبار منها إطلاق قول أبي الحسن عليه السلام: «إذا شهد لصاحب الحق امرأتان و يمينه فهو جائز»٥، و مثله غيره.
لقول أبي الحسن الرضا عليه السلام في الموثق: «تجوز شهادتهن في النكاح إذا كان معهن رجل»٦، و ما يدل على القبول مطلقا. كما في رواية زرارة قال:
«سألت أبا جعفر عليه السلام عن شهادة النساء تجوز في النكاح؟ قال: نعم»۷، و غيره من الأخبار لا بد و أن يحمل على ذلك، كما أن ما دلّ على عدم القبول۸، يقيد بما إذا لم يكن معهن رجل.
لجملة من النصوص، منها قول علي عليه السلام في الموثق: «لا تجوز شهادة النساء في الحدود و لا في القود»۹، و مثله غيره.
و ما يظهر منه القبول مثل صحيح ابن حمران عن الصادق عليه السلام: «أ تجوز شهادة النساء في الحدود؟ فقال عليه السلام: في القتل وحده، إن عليا عليه السلام كان يقول: لا يبطل دم امرئ مسلم»۱۰، يحمل على ما إذا كانت موردها الدية دون القصاص جمعا.
و أما ما في ذيل رواية عبد الرحمن عن الصادق عليه السلام: «تجوز شهادة النساء في الحدود مع الرجال»۱۱، فمحمول على كون الشهادة للرجل مستقلا، و إن النساء بمنزلة الضميمة غير المستقلة.
لأن كل ذلك من حق الآدمي المتعلق بالمال، فيشملها عموم الدليل على كل حال، كما تقدم.
لثبوت الموضوع عرفا، فيشمله الحكم قهرا، و في مورد الشك يرجع إلى أصالة عدم ترتب الأثر، بعد عدم صحة التمسك بالأدلة لكون الشبهة موضوعية.
أما الثبوت بالرجال في موارد جواز النظر، فلعموم أدلة قبول شهادتهم الشاملة للمقام أيضا. و أما الثبوت بالنساء منضمات و منفردات، فلإطلاق الإجماع، و المستفيضة من النصوص، منها قول الصادق عليه السلام في رواية ابن محبوب: «تجوز شهادة النساء فيما لا يستطيع الرجال أن ينظروا إليه، و يشهدوا عليه»۱۲، و بمفهومه يستدل على عدم الجواز فيما هو ظاهر، و مثل رواية عبد اللّه ابن سنان عنه عليه السلام أيضا قال: «تجوز شهادة النساء وحدهن بلا رجال في كل ما لا يجوز للرجال النظر إليه»۱۳، إلى غير ذلك من الروايات.
على المشهور بين الفقهاء للأصل، و إمكان دعوى القطع مما وصل إلينا من الكتاب۱4، و السنة- كما مر- من أن كل امرأتين عدلين بمنزلة عدل واحد.
و ما نسب إلى المفيد قبولها عن امرأتين مسلمتين مستورتين فيما لا تراه الرجال- كالعذرة و الولادة و الاستهلال و عيوب النساء و الحيض و النفاس لا وجه له.
و أما قول الصادق عليه السلام في خبر أبي بصير: «تجوز شهادة امرأتين في استهلال»۱٥، و قول الصادق عليه السلام في خبر عبد اللَّه: «تجوز شهادة القابلة وحدها في المنفوس»۱٦، فلا بد من حمله على القبول في الجملة و لو بعد الانضمام، أو ردّه إلى أهله.
إجماعا، و نصا، ففي صحيح ابن يزيد قال: «سألت أبا عبد اللَّه عليه السلام عن رجل مات و ترك امرأته و هي حامل، فوضعت بعد موته غلاما، ثمَّ مات الغلام بعد ما وقع إلى الأرض فشهدت المرأة التي قبلتها أنه استهل و صاح حين وقع إلى الأرض- ثمَّ مات- قال عليه السلام: على الإمام أن يجيز شهادتها في ربع ميراث الغلام»۱۷، و به يقيد الروايات الدالة في إعطاء تمام الإرث بشهادة القابلة۱۸.
و تقدم في كتاب الوصية ما يتعلق بالمقام. فراجع.
و الظاهر عدم الاختصاص بالقابلة، و إنما ذكر من باب الغالب و المثال، فيثبت الربع بشهادة مطلق المرأة و لو لم تكن قابلة، كما يدل عليه صحيح محمد بن مسلم قال: «سألته تجوز شهادة النساء وحدهن؟ قال عليه السلام: نعم، في العذرة و النفساء»۱۹، و غيره من الأخبار.
للأصل، و الإجماع، و اختصاص الدليل بالمرأة، و حرمة القياس.
للأصل، و إطلاق أدلتها، و تقدم في كتاب الطلاق و الظهار دليل اعتبارها فيهما.
أما النكاح فلقول أبي عبد اللَّه عليه السلام في الموثق: «سن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم في ذلك الشاهدين تأديبا و نظرا، لئلا ينكر الولد و الميراث»۲۰، و ما يدلّ على الخلاف۲۱، محمول على التقية، أو على ما تقدم.
و أما العتق فلما ورد من الشهادة في عتق الصادق عليه السلام غلمانه۲۲، كما أن المشهور- بل الآية المباركة۲۳، و الأخبار۲4– استحباب الشهادة في الدين أيضا.
و لكن يمكن أن يقال: أن جميع ذلك للاستيثاق و الوثوق، كما ورد في البيع كذلك۲٥، فيكون مثل الكتابة.
بضرورة من الفقه إن لم يكن من المذهب، قال نبينا الأعظم صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم و تبعه جميع الأئمة الهداة عليهم السلام: «أيها الناس إنما أنا بشر و أنتم تختصمون، و لعل بعضكم ألحن بحجته من بعض، و إنما أقضي على نحو ما أسمع منه فمن قضيت له من حق أخيه بشيء فلا يأخذ به، فإنما اقطع له قطعة من النار»۲٦.
لأنه لا معنى لطريقية الشهادة و الحكم إلّا ذلك، كما هو واضح.
للكتاب، و السنة، و الإجماع، قال تعالى وَ لا تَكْتُمُوا الشَّهادَةَ وَ مَنْ يَكْتُمْها فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ وَ اللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ۲۷، و أما السنة فكثيرة منها ما عن الصادق عن آبائه عليهم السلام عن النبي صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم: «نهى عن كتمان الشهادة»۲۸.
و أما كون الوجوب كفائيا، فلظهور الإجماع في أنه لا يتعين إلّا مع عدم غيره، كما هو الشأن في جميع الواجبات الكفائية.
لقاعدة رفع الضرر المقيدة للأدلة المتقدمة.
على المشهور- و لم يخالف فيه إلّا ابن إدريس- لقوله تعالى وَ لا يَأْبَ الشُّهَداءُ إِذا ما دُعُوا۲۹، بقرينة قول الصادق عليه السلام في الصحيح: «قبل الشهادة»۳۰، و قول أبي الحسن في قوله تعالى وَ لا يَأْبَ الشُّهَداءُ إِذا ما دُعُوا قال: «من كان في عنقه شهادة، فلا يأب إذا دعي لإقامتها، و ليقمها و لينصح فيها، و لا تأخذه فيها لومة لائم و ليأمر بالمعروف و لينه عن المنكر»۳۱، إلى غير ذلك من الأخبار، و احتمال حمل جميع ذلك على مجرد المجاملة و الأخلاق خلاف الظاهر.
و دليل كون الوجوب كفائيا الإجماع، كما مر في سابقة.
لقول أبي جعفر عليه السلام في الصحيح: «إذا سمع الرجل الشهادة و لم يشهد عليها، فهو بالخيار، إن شاء شهد و إن شاء سكت»۳۲، و قريب منه غيره.
لصحيح محمد بن مسلم۳۳، عن أبي جعفر عليه السّلام: «إذا سمع الرجل الشهادة و لم يشهد عليها فهو بالخيار ان شاء شهد و إن شاء سكت، إلّا إذا علم من الظالم فيشهد، و لا يحل له إلّا أن يشهد»، و التقييد بعدم محذور شرعي كالضرر و الحرج، فلقاعدة نفي كل منهما.