ادعي عليه الإجماع تارة: و استدل بقول الصادق عليه السلام: «لا تقبل شهادة الولد على والده»٥۲.
و أخرى: بأنه خلاف المعروف الذي أمر اللَّه تعالى بقوله عز و جل:
وَ صاحِبْهُما فِي الدُّنْيا مَعْرُوفاً٥۳.
و ثالثة: و الشهادة على الوالد ليست معروفة، بل قد تعد عقوقا، و بأصالة عدم ترتب الأثر.
و رابعة: بعد الشك في شمول الأدلة اللفظية لها، لأن التمسك بها تمسك بالدليل في الموضوع المشكوك.
و نوقش في الأولى: بعدم الثبوت.
و فيه: أن مدعي الإجماع الشيخ و المرتضى، و قد اعتمدوا عليهما إلّا في موارد دلّ دليل معتبر على الخلاف.
و في الثانية: بالضعف و المعارضة بما يأتي.
و فيه: أن الانجبار و الموافقة مع الأصل أخرجاه من الضعف إلى القوة.
و في الثالثة: أنها حينئذ إحياء للحق و لحدود اللَّه تعالى، فكيف لا يكون من المعروف؟! و في الأخير: أنه محكوم بالإطلاقات و العمومات، بعد تحقق الصدق العرفي، كما هو معلوم بالوجدان.
و ما نسب إلى جمع منهم الشهيد من الجواز، تمسكا بإطلاق قوله تعالى:
كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَداءَ لِلَّهِ وَ لَوْ عَلى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوالِدَيْنِ وَ الْأَقْرَبِينَ٥4، و قول أبي الحسن الرضا عليه السلام: «أقم الشهادة للَّه و لو على نفسك أو الوالدين»٥٥، و قول الصادق عليه السلام في الصحيح: «أقيموا الشهادة على الوالدين و الولد»٥٦.
مخدوش: إذ فيه أن الآية المباركة (سياقها) تشعر بأن المراد منها بيان الشهادة في أصول الدين، بقرينة قوله تعالى شُهَداءَ لِلَّهِ، فتكون من سنخ قوله تعالى لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَ الْيَوْمِ الْآخِرِ يُوادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ وَ لَوْ كانُوا آباءَهُمْ أَوْ أَبْناءَهُمْ أَوْ إِخْوانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ٥۷، و الشك فيه يجزي في عدم صحة التمسك بإطلاقها، و الخبران يحملان على ذلك أيضا، بعد هجر العمل بإطلاقهما، و إعراض المشهور عن ذلك.
و يمكن حملهما أيضا على ما إذا كان الوالد غير مبال بدينه و أحكام الشريعة، بحيث تكون شهادة الولد موجبة لارشاده فيشمله عموم العلة الوارد في قول نبينا الأعظم صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم في الصحيح عن الصادق عليه السّلام قال: «جاء رجل إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم فقال: إن أمي لا تدفع يد لامس، فقال: فاحبسها، قال: قد فعلت، قال: فامنع من يدخل عليها، قال: فعلت، قال: قيدها فإنك لا تبرها بشيء أفضل من أن تمنعها من محارم اللَّه عز و جل»٥۸.
و على هذا، لا فرق بين الوالد و الوالدة، و لعل مراد المشهور من عدم القبول غير هذه الصورة، و مما ذكرنا يظهر الحال في الأم، فإنه لا فرق بين الوالد و الوالدة في هذه الصورة- كما عرفت- فيكون هذا من الجمع العرفي بين القولين، كما مر.