البحث في المقام تارة بحسب إطلاقات أدلة القصاص، و أخرى بحسب الدليل الخاص.
أما الأولى: فالمنساق من مجموعها أن القصاص إنما هو لتدارك النقص الوارد على المجني عليه، و إيراد مثله على الجاني، لحفظ النظام و قطع تعدي الأنام، فمع عدم النقص و الشين، فلا يبقى موضوع له.
إن قيل: قد تألم المجني عليه بالألم و تضرر بصرف المال في المعالجة و المداواة.
يقال: تدارك ذلك كله بالغرامة، و هي غير القصاص، مع أنه يمكن أن لا يكون تضرر في البين، كما إذا كانت المعالجة بكرامة ولي أو اعجاز نبي، و للحاكم الشرعي إن يعزّر الجاني في مثل الفرض لأنه فعل منكرا.
إن قيل: هل يمكن ابتناء المقام على ما قالوه من أن الحادث الزائل العائد كالذي لم يزل، أو كالذي لم يعد، فعلى الأول يثبت القصاص دون الأخير؟.
يقال: لا مدرك لما قالوه من عقل أو نقل أو عرف، فكيف يصح الابتناء عليه؟!
و أما الدليل الخاص- و هو الجهة الثانية- فيستفاد من التعليل الوارد في رواية ابن عمار عن أبي جعفر عن أبيه عليهما السّلام: «أن رجلا قطع من بعض اذن الرجل شيئا، فرفع ذلك إلى علي عليه السّلام فأقاده، فأخذ الآخر ما قطع من اذنه فرده على اذنه بدمه فالتحمت و برئت، فعاد الآخر إلى علي عليه السّلام فاستقاده فأمر بها فقطعت ثانية و أمر بها فدفنت، و قال عليه السّلام: إنما يكون القصاص من أجل الشين»۲۷، و هو في غير الفرض، لأن المفروض في المقام أن المعاد عين المبتدأ بلا شين في البين أصلا، مع أنه جعل القصاص من أجل الشين لا كلية فيه، إلا أن يقال: إنه بيان لحكمة القصاص، لا أن يكون علة له.
و هنا فروع لا بأس بالإشارة إليها.
الأول: هل يجوز ذلك من حيث الحكم التكليفي إن كان ذلك العضو من نفسه أو من غيره بإذنه؟ مقتضى الأصل الجواز.
الثاني: هل يجرى على المقطوع بعد الالتصاق و الالتحام حكم الميتة أو لا؟ فيه تفصيل، فإن صار بالالتصاق و الالتحام جزء حقيقيا من البدن بحيث يتأثر الإنسان بعصره و حره و برده مثلا، فلا يجري عليه حكم الميتة، و إلا فيجري و يلحق به الشك للاستصحاب.
الثالث: هل تجوز الصلاة فيه؟ هذا الفرع مبني على سابقة كما مرّ بلا حاجة للإعادة.
الرابع: لو جنى عليه شخص، فهل يجري عليه حكم الجناية على الأجزاء الأصلية؟ الظاهر ابتناؤه على الفرع الثاني كما تقدم.
الخامس: لو ألصق عضو آخر ببدنه، فهل يجري عليه حكم غصب المال أو هو منصرف عنه؟ يمكن تقوية الثاني إن لم يكن عرف على خلافه.
السادس: هل يجوز التبادل من شخصين بين عضويهما لغرض شخصي، مع عدم محذور شرعي في البين؟ مقتضى الأصل الجواز، فلو صار عضو الأجنبية جزء لبدن الأجنبي مثلا أو بالعكس، فهل يجري عليه الحكم الأول أو الثاني؟ الظاهر ابتناء هذا الحكم على الفرع الثاني كما مرّ.
السابع: هل يجوز بيع الأعضاء لهذا الغرض إذا كانت فيها منفعة محللة شائعة أو لا يجوز، لأنه من بيع الميتة؟ منشأ القول بالجواز انصراف أدلة بيع الميتة عن ذلك، هذا في العضو المنفصل بلا اختيار.
و أما المتصل، فهل يجوز للإنسان بيع بعض أعضاء بدنه في حال حياته بحيث يقطع؟ الظاهر عدمه، لعدم السلطة على ذلك، إلا بمجوز شرعي، و هو مفقود.