لاستصحاب بقاء الوجوب ما لم يدل دليل على الخلاف و لا دليل كذلك- كما يأتي- و على هذا فيصح إعطاؤها في الليل أيضا.
فروع- (الأول): مقتضى الأصل عدم التوقيت في الفطرة و لا يستفاد من الأدلة ذلك أيضا، لأنّها إما المطلقات فهي ليست في مقام بيان هذه الجهات حتى يتمسك بها لثبوت التوقيت و عدمه، و قد ثبت ذلك في الأصول.
و أما مثل قول أبي عبد اللَّه (عليه السلام) في الصحيح: «و إعطاء الفطرة قبل الصلاة أفضل، و بعد الصلاة صدقة»4 فلا دلالة فيه على التوقيت لو لم نقل بدلالتها على عدمه. و أما ما تقدم من صحيح العيص فلا ريب في استفادة الرجحان مما اشتمل على مثل هذه التعبيرات من الروايات، و أما التوقيت فلا يستفاد منها. نعم خبر الإقبال: «إن أخرجتها قبل الظهر، فهي فطرة، و إن أخرجتها بعد الظهر فهي صدقة و لا يجزيك»٥ يدل على التوقيت إن كان المراد بعدم الإجزاء معناه الحقيقيّ لا نفي بعض مراتب الكمال، لكنه قاصر سندا بل و دلالة، فلا يصح للاستناد إليه فمقتضى الأصل و الإطلاق عدم التوقيت في مثل هذه الصدقة التي تحفظ بقاء النفوس عن خطر الموت.
نعم، لا ريب في رجحان الإعطاء قبل الصلاة. و لكن عن العلامة في المنتهى دعوى الإجماع على الإثم مع التأخير عن الصلاة، و هو أيضا أعمّ من التوقيت، لأنّ الإثم يجامع لترك الفورية الواجبة أيضا و لا يلازم التوقيت، مضافا إلى عدم معهودية التوقيت في الصدقات من حيث المنتهى مطلقا و إن وجبت الفورية فيها.
هذا خلاصة الكلام في البحث عن أصل التوقيت و لا وجه للتطويل بأكثر من ذلك، لأنّه من التطويل بلا طائل.
(الثاني): بناء على التوقيت هل هو موقت بفعل الصلاة، أو بالغروب من يوم الفطر؟ ذهب إلى كل قائل، و مقتضى الأصل بقاء الوجوب إلا أن يدل دليل على التحديد بما ذكر.
استدل للأول بأمور كلها مخدوشة: مثل ما تقدم من صحيح العيص٦ و كخبر الحضرمي في قوله تعالى قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى قال (عليه السلام): من أخرج الفطرة. وَ ذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى قال: يروح إلى الجبانة فيصلي»۷.
و خبر المروزي: «فإن لم تجد من تضع الفطرة فيه فاعزلها تلك الساعة قبل الصلاة»۸.
و خبر الإقبال: «ينبغي أن يؤدي الفطرة قبل أن يخرج الناس إلى الجبانة»۹.
(و فيه): أنّ حملها على الأفضلية من أحسن طريق الجمع بينها و بين صحيح الفضلاء، «يعطي يوم الفطر قبل الصلاة فهو أفضل»۱۰ مضافا إلى قرائن داخلية ظاهرة في الندب في بعضها و قصور السند في بعضها الآخر، فلا يستفاد منها أصل وجوب الفورية، فكيف بالتوقيت.
و أما دعوى العلامة الإجماع على أنّه لو أخرها عن صلاة العيد اختيارا أثم.
فهو على فرض كونه إجماعا معتبرا أعمّ من التوقيت، لأنّ الإثم يناسب الفورية أيضا كما مرّ، مع أنّ في اعتبار مثل هذه الإجماعات بحث مذكور في محله هذا كله بالنسبة إلى التوقيت إلى ما قبل الصلاة.
و أما بالنسبة إلى الزوال، فاستدل عليه تارة: بامتداد وقت صلاة العيد إلى الزوال، فهو الوقت في الحقيقة. و أخرى: بما دل على استحباب الفطرة عمن يولد أو يسلم قبل الزوال. و ثالثة بخبر الإقبال الذي تقدم: «إن أخرجها قبل الظهر فهي فطرة و إن أخرجها بعد الظهر فهي صدقة لا تجزيك».
و الكل مخدوش:
أما الأول: فهو مبنيّ على ثبوت التوقيت بالنسبة إلى أصل الصلاة حتى يمتد الوقت بامتداد وقت الصلاة، و تقدم عدم دليل معتبر عليه.
و أما الثاني: ففيه أنّه لا تدل على التوقيت و إنّما هو حكم ندبيّ دل عليه دليل مخصوص. و أما الأخير: ففيه- مضافا إلى قصور سنده، و ابتنائه على أن يكون المراد بالظهر الزوال لا صلاة الظهر- أنّه يمكن حمله على الأفضلية.
و أما الثالث: فاستدل عليه بصحيحي العيص، و ابن سنان، و استصحاب بقاء الوجوب. و أشكل في صحيح العيص بأنّه في الزكاة المعزولة فلا يشمل غيرها.
(و فيه): أنّه من مجرد الاحتمال لا ينافي ظهور الإطلاق و مع إجماله ففي الاستصحاب غنى و كفاية.
فتلخص أنّ المستفاد من مجموع الأدلة أفضلية التقديم على صلاة العيد ثمَّ إلى الزوال، و مقتضى إجماع العلامة (قدّس سرّه) وجوب الفورية، إما التوقيت فلا يستفاد منها أبدا.
(الثالث): بناء على ثبوت التوقيت هل هو من باب وحدة المطلوب بحيث لا تكليف بالفطرة بعد الوقت، أو أنّه من باب تعدد المطلوب؟ مقتضى المرتكزات في الصدقات- خصوصا هذه الصدقة التي هي نحو تأمين للموت نعم، لا ريب في أنّ للعيد أهمية خاصة جلبا لقلوب الفقراء في العيد، و عطفا عليهم بالعناية و المواساة فالتوقيت على فرض ثبوته بالنسبة إلى بعض مراتب المطلوبية لا تمامها.
(الرابع): بناء على ثبوت التوقيت بالصلاة هل التوقيت بالنسبة إلى نفس الصلاة من حيث هي بحيث يكون لإتيانها موضوعية خاصة في التوقيت، فلا توقيت بالنسبة إلى من لم يصلّ عصيانا أو عذرا، أو أنّه بلحاظ وقتها و إنّما ذكر الصلاة طريقا إلى الوقت؟ وجهان الظاهر هو الأخير كما لا يخفى على الخبير، و التحديد بالنسبة إلى الصلاة يمكن أن يكون بلحاظ وقتها الفضلي، و أن يكون بلحاظ وقتها الإجزائي.