لأن الأحكام الآتية متوقفة على إسلامهم، أو التزامهم بما يصدر من الحاكم الشرعي من الحكم، و إلا فهم على شريعتهم في الإرث، لأن نكاحهم صحيح عندنا، و النسب و السبب متفرعان عليه، فعلى مذهبهم يصح نكاحهم و إرثهم، ما لم يسلموا، أو يترافعوا إلينا.
و غيرهم من الكفار إذا ترافعوا إلى المسلمين أو أسلموا (۱).
(مسألة ۱): الكفار قد ينكحون المحرمات عند المسلمين بمقتضى مذهبهم و قد ينكحون المحللات فلهم نسب و سبب صحيحان و فاسدان (۲)، فيورثون بالنسب و السبب الفاسدين عندنا كما يورثون بالصحيحين منهما (۳).
الأقسام المتصورة في النسب المتولد من النكاح، أو السبب نفسه، أربعة:
الأول: أن يكون النكاح صحيحا عندنا و عندهم، فيرث كل منهما الآخر بلا شك و شبهة، لما مرّ من الأدلة.
الثاني: أن يكون فاسدا عندنا، و فاسدا عندهم، فلا يرث كل منهما الآخر، لعدم تحقق النسب الصحيح أو السبب، فلا مقتضى له، مضافا إلى العمومات، و الإطلاقات، الواردتان في مثل قول نبينا الأعظم صلى اللَّه عليه و آله: «و للعاهر الحجر، و لا يورث ولد الزنا»۱، أو قوله عليه السلام: «الولد لغية لا يورث»۲.
الثالث: صحيح عندهم، و فاسد عندنا، و هذا هو محل البحث، فيرث كل منهما الآخر على المشهور، لما يأتي من الروايات.
الرابع: أن يكون فاسدا عندهم، و صحيحا عندنا- كالولد المتولد من النكاح المنقطع مثلا فإنه فاسد عندهم، فيكون ولد زنا لفساد السبب عندهم، و ليس كذلك عندنا- مقتضى الإطلاق جريان أحكام الصحيح، و الحكم بالإرث، و لا يؤثر زعمهم الفاسد، لأن المدار على الواقع، و المفروض إحرازه بالأدلة، و لكن مقتضى قاعدة الإلزام: «ألزموهم بما ألزموا به أنفسهم»۳، عدم الإرث، لأنهم ألزموا أنفسهم بالفساد، و عدم ترتب أحكام الصحة، و بها تخصص لعمومات، و تقيد الإطلاقات، و أن الصحة عندنا لا يؤثر في إلزامهم على أنفسهم، و لعله هو الصحيح، و اللَّه العالم بالحقائق.
ثمَّ إنه لو كان النكاح شبهة عندنا، و سفاحا عندهم، يكون حكمه حكم القسم الرابع، و لو كان بالعكس يكون حكمه حكم القسم الثالث.
و قد ظهر مما ذكرنا أن ذلك لا يتوقف على مسألة تكليف الكفار بالفروع، كتكليفهم بالأصول، لأن الحرمة لا تنافي ترتب أحكام الصحة عليه لدليل خاص، فنكاح البنت حرام، بلا فرق فيه بين المسلم و المجوسي و سائر فرق الكفار، و الولد المتولد منها فاسد عندنا لا يورث، و إن كان يورث عند الكافر المعتقد صحته لدليل خاص، فيترتب عليه آثار الزوجية في الإرث، و البنتية حسب مذهبهم دون مذهبنا.
و المراد من الفاسد ما كان عن نكاح محرم عندنا، لا عندهم، كما هو واضح.
على المشهور نصوصا مستفيضة، فعن علي عليه السلام في معتبرة السكوني: «انه كان يورث المجوسي إذا تزوج بأمه و أخته و بابنته، من جهة أنها أمه و أخته و أنها زوجته»4، و في صحيح عبد اللَّه بن سنان: «قذف رجل مجوسيا عند أبي عبد اللَّه عليه السلام، فقال: مه، فقال الرجل: إنه ينكح امه و أخته، فقال: ذاك عندهم نكاح في دينهم»٥، و في رواية البختري عن علي عليه السلام: «انه كان يورّث المجوس إذا أسلموا من وجهين بالنسب، و لا يورّث على النكاح»٦، أي لا يورث على النكاح الشرعي الذي عندنا. و في صحيح محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام قال: «سألته عن الأحكام، قال: تجوز على أهل كل ذي دين بما يستحلّون»۷، و في معتبرة علي بن أبي حمزة عن أبي الحسن عليه السلام انه قال: «ألزموهم بما ألزموا به أنفسهم»۸، و في الموثق: «كل قوم يعرفون النكاح عن السفاح، فنكاحهم جائز»۹، إلى غير ذلك من الأخبار.
و لكن عن جماعة عدم توريثهم إلا بالصحيح من النسب، و السبب، مستدلين بأمور:
الأول: قوله تعالى وَ قُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَ مَنْ شاءَ فَلْيَكْفُرْ۱۰، و قوله تعالى:
و فيه: أن الحق، و الحكم و القسط الذي أنزله اللَّه تعالى هو ما ورد عن أهل البيت عليهم السلام بعد ما أمر نبيه صلى اللَّه عليه و آله بالابلاغ، فبلّغ مباشرة بنفسه الأقدس تارة، و أخرى بالإيصاء لأهل البيت به، و في المقام إن ما تقدم من الروايات هو الحكم الحق الواقعي.
الثاني: الإجماع، كما ادّعاه جمع من الأعلام.
و فيه: أنه كيف يتحقق الإجماع مع ذهاب المشهور إلى خلافه، و ورود روايات كذلك.
الثالث: العمومات، و الإطلاقات الدالة على الفساد، من غير فرق بين المسلم و الكافر، فلا يندرج حينئذ تحت أدلة المواريث و قواعدها المبنية على النسب، و السبب الصحيحين.
و فيه: أن العمومات، و الإطلاقات، مخصصة، و مقيدة، بما تقدم من الروايات.
الرابع: أنه لا يجوز للفقيه أن يحكم بغير مذهب الحق مع الاختيار، و في المقام لا بد و أن يكون النسب، و السبب، صحيحين عندنا، فلا عبرة بالفاسدين مطلقا.
و فيه: أنه أشبه بالمصادرة على المدعي، فإن مذهب الحق هو توريثهم بالنسب، و السبب، الصحيحين و الفاسدين، لما تقدم من الروايات.
و عن جمع- منهم الشهيدان و العلامة- التفصيل بين النسب و السبب، فيورثونهم بالنسب مطلقا- صحيحة و فاسدة- و أما السبب فلا بد و أن يكون صحيحا، فلا يورثونهم بالفاسد منه، لأن النسب قد يتحقق و إن لم يكن عن منشإ شرعي، كالمتولد من الوطء بالشبهة، فيلحق الولد بأبيه شرعا، و المقام كذلك، فتشمله عمومات الإرث، و مطلقاته، و أما السبب، فلا يقال الواطي بالشبهة أنه زوج و المرأة زوجة، إذا لو تزوج أخته ورثت بالنسب خاصة، دون السبب، أي الزوجية، و كذا لو تزوج بنته أو أمه، فالمدار على النسب مطلقا.
و فيه: أنه خلاف الروايات المتقدمة- خصوصا معتبرة السكوني- بل يمكن أن يقال: كما أن مقتضى الأصل هو أن النسب مطلقا موجب للإرث، إلا ما خرج بالدليل- كولد الزنا- كذلك السبب أيضا، لإطلاق قولهم عليهم السلام: «لكل قوم نكاح»۱۳، و قوله عليه السلام: «كل قوم يعرفون النكاح عن السفاح فنكاحهم جائز»۱4، و تشمله عمومات الإرث، فالتفكيك بين الموجبين يحتاج إلى دليل. فما ذهب إليه المشهور هو المنصور المتعين.
(مسألة ۲): لو اجتمع في مجوسي و غيره من الكفار أمران يرث بهما (٤).
للعموم، و الإطلاق- كما تقدم- فلو كانت أم هي زوجة، فإن لها نصيب الزوجة و هو الربع مع عدم الولد، و الثلث نصيب الأمومة إن لم يكن لها مشارك كالأب، و إلا فالباقي يردّ عليها بالأمومة، فلو كانت بنت هي زوجة، فلها نصيبها، أي الثمن من التركة، و النصف نصيب البنتية، و الباقي يردّ عليها بالقرابة إن لم يكن لها مشارك.
(مسألة ۳): لو فرض مشروعية الاشتراك في الزوجة عند بعض الكفار فتزوج اثنان- أو أكثر- امرأة فماتت يقسّم إرث الزوج الواحد بينهم بالسوية (٥)، و لو مات أحد الزوجين فلها منه نصيبها من الربع أو الثمن (٦).
من النصف أو الربع- كإرث الزوجات يقسّم بينهن، لما مر من إطلاق أن النصف للزوج واحدا أو أكثر، فلا يكون لكل واحد نصف أو ربع، لأنه يستلزم العول الباطل
للإطلاق، و العموم، و احتمال استحقاقها نصف الثمن أو نصف الربع إن كان الزوج اثنين، بعيد جدا، لأنه خلاف نص الآية المباركة۱٥.
(مسألة ٤): لو اجتمع السببان و كان أحدهما يمنع الآخر ورث من جهة المانع فقط (۷).
لما مرّ من أن الطبقة الأولى تمنع الطبقة اللاحقة، مثل بنت هي أخت من أم، فلها نصيب البنت دون الأخت، لما تقدم أنه لا ميراث عندنا لأخت مع وجود بنت، و كذا لو كانت بنت هي بنت البنت، فلها نصيب البنت فقط، لأنه لا ميراث لبنت البنت مع وجود البنت، و كذا عمة هي أخت من أب، فإن لها نصيب الأخت دون العمة، لأنه لا ميراث لها عندنا مع الأخت، إلى غير ذلك من الأمثلة. نعم، لو لم يكن مانع في البين كالأم و الزوجة، فإنهما تجتمعان. فلا مانع من إرثهما معا، كما تقدم في معتبرة السكوني.
(مسألة ٥): إذا تزوجوا بالسبب الفاسد عندهم و الصحيح عندنا فإجراء حكم الصحيح عليه غير بعيد و لكن العمل بقاعدة «الإلزام» أولى (۸).
تقدم ما يتعلق بالمسألة في أول البحث في القسم الرابع من الأقسام المذكورة فيها.
(مسألة ٦): المسلم لا يرث بالسبب الفاسد و إن فرض كونه عن شبهة (۹).
لظواهر الأدلة المتقدمة، و عدم تحقق الموجب للإرث، لأن السبب الفاسد كالعدم، مضافا إلى الإجماع، فلو تزوج أحد محارمه لم يتوارثا بهذا التزويج، و إن فرض كونه عن شبهة، كما لو تزوج امه من الرضاع أو عمته أو خالته.
(مسألة ۷): يرث المسلم بالنسب الصحيح و كذا الفاسد لو كان عن شبهة (۱۰)، بلا فرق في الشبهة بين الموضوعية و الحكمية (۱۱).
لأن الوطء بالشبهة كالعقد الصحيح في إلحاق النسب إجماعا، فتشمله عمومات الإرث، و إطلاقاته، حتى لو ظهرت و انكشفت الشبهة، لأن الاشتباه أحد الأسباب المثبتة للنسب. نعم، في الزنا لا توارث كما مر، فالمراد بالنسب الصحيح النسب الحاصل من سبب صحيح، و كذا النسب الفاسد، أي النسب الحاصل عن سبب الوطء بالشبهة.
لأن المدار على الشبهة ما دامت باقية، مضافا إلى الإجماع فلو اعتقد أن هذه المرأة أجنبية، فتزوّجها، ثمَّ بانت أنها أخته أو امه بعد ما أولد منها، يرث الولد منهما و هما منه، و لكن لا ترث الزوجة بالزوجية، لما تقدم، و يأتي هنا جميع الفروع التي تتصور في المجوس أيضا، و كذا لو اعتقد أنه يجوز نكاح الأم من الرضاع، فتزوّجها و أولدها، ثمَّ ظهر له الحرمة، و هكذا لو اشتبه زوجته فوطئها فأولدها. نعم، في الجاهل المقصر ادّعوا الإجماع على أنه كالعامد، فحينئذ يخرج عن الشبهة. فتأمل.
(مسألة ۸): لو اختلف المجتهدان في الحكم فتزوج القائل بالصحة أو مقلديه- المرأة فليس للقائل بالفساد ترتيب آثار الصحة عليه فلا توارث بينهما عند المبطل (۱۲)، على خلاف القائل بالصحة (۱۳).
لعدم تحقق السبب عنده، و ليس له الحكم بمذهب المصحح بعد ما يرى فساده. نعم، في الكفار خرج بالدليل بقاعدة الإلزام، و سائر الأدلة و أما في غيرهم لا أمر له بالإلزام، فلو ترافع مقلدان لمن يرى جواز تزويج أم المزني بها، فتزوج بها عند من يرى فساده و بطلانه، فيحكم عليهم بمقتضى مذهبه بفساد العقد، و عدم التوارث.
و يحتمل ترتيب آثار الصحة عند من يرى فساد العقد، لأن المتيقن من بطلان العقود ما إذا كان الطرفان كلاهما يعتقدان الفساد، و إما إذا كان أحدهما يعتقد الفساد، و الآخر الصحة، لا يترتب عليه أحكام الفساد على العقد، فتأمل فإن باب المناقشة فيه مفتوح.
لتحقق السبب و عدم المانع في البين، فيؤثر المقتضي أثره ثمَّ إن الشقوق العقلية في المقام أربعة:
الأول: أن يكون العقد عند الزوج صحيح، و عند الزوجة باطل، اجتهادا، أو تقليدا، فلا ترث الزوجة منه، و يرث الزوج منها، لتحقق السبب عنده، فتشمله الإطلاقات، و العمومات و تترتب عليه سائر الآثار من النفقة، و عدم نكاح أختها، و عدم التزويج بالخامسة، إلى غير ذلك، و لا ربط للمقام بقاعدة الإقرار، بل المدار شمول الإطلاقات، و العمومات كما عرفت.
الثاني: عكس ذلك، و الحكم فيه معلوم أيضا مما مرّ.
الثالث: أن يكون العقد عندهما- الزوج و الزوجة- صحيح، و حكمه واضح.
الرابع: أن يكون العقد عندهما باطل، فلا إرث إلا مع تحقق الشبهة، و ذلك في الولد فقط دون الزوج و الزوجة، كما تقدم.
(مسألة ۹): لو انتقل المجوسي إلى ملة أخرى و مات عليها تجري عليه أحكام الملة التي مات عليها (۱٤). و لو علمنا بالانتقال ثمَّ العود إلى ملته الاولى و شكّ في أن موت المورث كان قبل العود إليها أو بعده و كانت أحكام الملّتين متنافية تجري القرعة (۱٥)، و لو كان المورث يهوديا- مثلا- و الوارث مسيحيا فالمدار على مذهب الوارث (۱٦)
لأنه تدين بذلك، و الزم نفسه بالأحكام التي انتقل إليها، و التي ماتت فيها فتجري القاعدة المتقدمة.
نعم، لو كان الانتقال من ملة إلى أخرى باطلا عندهم، تجري عليه أحكام الملة الأولى، إلا إذا كان الانتقال إلى الحق الواضح.
لأنها لكل أمر مجهول بعد عمل الأصحاب بها، و المقام كذلك، و يجري ما ذكرنا في غير المجوسي من أصناف الكفار أيضا.
لأن المال انتقال إليهم شرعا و عرفا، فيلزمهم الحاكم الشرعي بأحكامهم، و لا عبرة بمذهب المورّث، و لانسباق ذلك من القاعدة أيضا.
(مسألة ۱۰): لو لم يفصح الوارث بدينه لمانع و لم تكن قرينة تعينه فهل تجري القرعة (۱۷)، أو يحكم عليه بأحكام الإسلام؟ الظاهر هو الثاني (۱۸).
لأنها لكل أمر مشتبه، و المقام كذلك.
لأنه الحق، و هو مكلفون به، و معه لا يبقى مجال للشك حتى تجري القرعة. هذا إذا لم يظهر الواقع بالتأخير في الحكم، و إلا يؤخّر الحكم حتى تظهر الحقيقة، أو كانت قرينة تعين دينه.
(مسألة ۱۱): لو كان في ورثتهم قاصر يعمل الحاكم الشرعي بما هو في دينهم (۱۹)، و لو لم يكن للميت وارث فهل يعمل بما هو في دينهم (۲۰)، أو تنتقل التركة إلى الحاكم الشرعي في عصرنا؟ الظاهر هو الثاني (۲۱).
لقاعدة الإلزام، و لا بد للحاكم الشرعي الرجوع إلى أمين من أهل الخبرة في دينهم، حتى يعرف أحكامهم، و يلزمهم على ذلك.
لعموم القاعدة المتقدمة.
لما تقدم من الإطلاقات، و العمومات، مثل قوله عليه السلام: «الإمام وارث من لا وارث له»۱٦، و معهما لا مجرى للقاعدة. نعم، الأحوط أن يأخذه الحاكم و يصرفه فيما يقتضي مذهبهم، إن لم يناف الدين، و لم تكن إعانة على الإثم و تقدم حكم الذمي في (مسألة ۹) في إرث من لا وارث له.
- الوسائل: باب ۷4 من أبواب نكاح العبيد و الإماء.
- الوسائل: باب ۸ من أبواب ميراث ولد الملاعنة.
- الوسائل: باب ۳ من أبواب ميراث المجوس الحديث: ۲.
- الفقيه ج: 4 صفحة: ۲4۹.
- الوسائل: باب ۲ من أبواب ميراث المجوس.
- الوسائل: باب ۱ من أبواب ميراث المجوس الحديث: 4.
- الوسائل باب ۳ من أبواب ميراث المجوس الحديث: ۱.
- الوسائل باب ۳ من أبواب ميراث المجوس الحديث: ۲.
- الوسائل: باب ۸۳ من أبواب نكاح العبيد و الإماء الحديث: 4.
- سورة الكهف الآية: ۱۹.
- سورة المائدة الآية: 4۲.
- سورة المائدة الآية: 4۹.
- الوسائل: باب ۸۳ من أبواب نكاح العبيد و الإماء.
- الوسائل: باب ۸۳ من أبواب نكاح العبيد و الإماء.
- سورة النساء الآية: ۱۲.
- الوسائل: باب ۳ من أبواب ضمان الجريرة و الإمامة.