كما لو كان الوارث منحصرا ببنت واحدة و أم، فيعطى للبنت الواحدة النصف- كما مر- و للأم السدس، فيبقى الثلث، و كذا لو انحصر الوارث في بنات متعددة، و أم، فيعطى الثلثان لهن، و للأم السدس، و يبقى سدسا، و هذا هو القسم السادس من الأقسام المتقدمة، و هو المعروف بمسألة التعصيب، الذي هو محل الخلاف بيننا و بين الجمهور أيضا، فإنهم يلتزمون بأن الفاضل من التركة للعصبة، و الإمامية يردّون الفاضل إلى ذوي الفروض حسب السهام، و العصبة في فيها التراب، و استدلوا بالأخبار المتواترة الواردة عن أئمتنا الهداة (عليهم أفضل الصلاة و السلام).
و عصبة الرجل أولياؤه الذكور من ورثته الذين ينتمون إليه، و إنما سمّوا بها لأنهم يحيطون بالرجل، كالأب و الأخ و الابن و العم.
و العصبة عندهم قسمان:
الأول: كل ذكر ينتسب إلى الميت بلا واسطة، أو بواسطة الذكور، فلو خلّف بنتا و ابن الابن، كان النصف من التركة للبنت- كما تقدم- و الباقي للحفيد، و كذا لو خلّف بنتا، و أخا أو عما، كان النصف للبنت، و الفاضل لأحد الباقين.
الثاني: العصبة بالغير، و هن البنات، و بنات الابن، و الأخوات من الأبوين، و من الأب، و هن لا يرثن بالتعصيب إلا بالذكور في درجتهن، أو فيما دونهن، فلو خلّف مثلا بنتين و بنت ابن، فللبنتين الثلثان، و لم يكن لبنت الابن شيء إلا إذا كان لها أخ أو كان هناك ابن الابن مثلا.
و كيف كان، لا ترد الزيادة من التركة إلى العصبة، فإن كان هناك مساو لا فرض له، تكون الزيادة له بالقرابة، كما في الأبوين و زوج أو زوجة، فللأم ثلث المال و للزوج أو الزوجة نصيبهما، و للأب الباقي لأنه مساو، و لا فرض له في هذا الحال، و لو كان أخوة حاجبون، كان للأم السدس كما مرّ. و كذا في الأبوين و الزوج و الأولاد، فإن للزوج الربع، و لكل من الأبوين السدس، و الباقي للأبناء بالقرابة، إذ لا فرض لهم في هذا الحال غير ذلك من الموارد.
و إذا لم يكن قريبا مساويا له في الطبقة و كان بعيدا، أي الطبقة المتأخرة، لم يرث و ردّ الفاضل و الزائد من التركة على ذوي الفروض، حسب السهام- عدا الزوج و الزوجة لا يرد عليهما كما يأتي- للأدلة الثلاثة.
أما الكتاب: فقوله تعالى وَ أُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللَّهِ*۱۷، بدعوى: أن المراد من الآية المباركة أن الإرث بتمامه للأقرب فالأقرب، فإن البنت أقرب من ابن الابن للأخ و من ابن العم و هكذا. و قد يستدل أيضا بقوله تعالى لِلرِّجالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَ الْأَقْرَبُونَ وَ لِلنِّساءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَ الْأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيباً مَفْرُوضاً۱۸، و له وجه.
و أما السنة: فهي كثيرة، منها ما عن أبي جعفر الباقر عليه السلام: «إن بعضهم أولى بالميراث من بعضهم، لأن أقربهم إليه رحما أولى به، ثمَّ قال أبو جعفر: أيهم أولى بالميت، و أقربهم إليه؟ أمه أو أخوه؟ أ ليس الأم أقرب إلى الميت من إخوته؟»۱۹، و في رواية حسين الرزاز قال: «أمرت من يسأل أبا عبد اللّه عليه السلام المال لمن هو؟ للأقرب أو العصبة؟ فقال: المال للأقرب، و العصبة في فيه (فيها) التراب»۲۰.
و ما يستفاد من بعض الأخبار من اختصاص الإرث ببعض دون بعض، كما في المكاتبة إلى أبي جعفر عليه السلام: «يسأله عن رجل مات و كان مولى لرجل، و قد مات مولاه قبله، و للمولى ابن و بنات، فسألته عن ميراث المولى، فقال: هو للرجال دون النساء»۲۱، و قريب منها غيرها، إما محمولان، أو مطروحان، لمخالفتهما لما تقدم.
و أما الإجماع: فهو من ضروريات المذهب أيضا.