مقتضى الإطلاقات و العمومات و أصالة الصحة صحة مثل هذه الإجارات مطلقا، و استدل على البطلان بالأدلة الثلاثة العقل، و الإجماع، و السنة.
أما الأول: فلأن مال الإجارة معدوم و التمليك صفة وجودية، و لا يصح تعلق الصفات الوجودية بالمعدوم.
و فيه .. أولا: انه ليس من العدم المطلق بل من عدم الملكة و له حظ من الوجود، كما ثبت في محله فيصح تعلق الملكية به حينئذ.
و ثانيا: ان التمليك و التملّك و الملكية من الاعتباريات و ليست من الخارجيات لا من الأعيان و لا من العوارض، و الاعتباريات خفيفة المؤنة جدا تدور مدار صحة الاعتبار كيف ما اعتبر، و إن لم يصح ذلك في العقليات الدقيقة، هذا مضافا إلى ما ذكر في المتن.
أما الثاني: فالظاهر أنه على فرض تحققه انما حصل مما بأيدينا من الأخبار فلا اعتبار به.
أما الثالث: الاخبار الخاصة- التي هي العمدة- الواردة في المزارعة منها قول أبي عبد اللّه عليه السّلام في موثق أبي بصير: «لا تستأجر الأرض بالتمر و لا بالحنطة و لا بالشعير و لا بالأربعاء و لا بالنطاف، قلت: و ما الأربعاء؟ قال عليه السّلام: الشرب، و النطاف فضل الماء، و لكن تقبلها بالذهب و الفضة و النصف و الثلث و الربع»۱، و مثله خبره الآخر بزيادة قوله عليه السّلام: «لأن الذهب و الفضة مضمون و هذا ليس بمضمون»۲، و منها خبر ابن يسار قال: «سألت أبا جعفر عليه السّلام عن إجارة الأرض بالطعام، قال: إن كان من طعامها فلا خير فيه»۳، و مثله خبر أبي بردة4، و منها قول أبي جعفر عليه السّلام في خبر يونس بن عبد الرحمن: «العلة في ذلك ان الذي يخرج منها حنطة و شعير و لا يجوز إجارة حنطة بحنطة و لا شعير بشعير»٥، و منها صحيح الحلبي: «لا تستأجر الأرض بالحنطة ثمَّ تزرعها حنطة».٦، و المتأمل في هذه الأخبار بعد رد بعضها إلى بعض لا يستفيد أزيد من الكراهة، كما يظهر ذلك من المحقق «ره» في النافع و تبعه العلامة في بعض كتبه.
و استدل بعضهم للمنع بلزوم الغرر و الربا و اتحاد العوضين. و هو مخدوش بأن المحصول في المزارعة معلوم نوعا عند أهل الخبرة بها مع أنها مبنية على المسامحة من هذه الجهة، و أما الآفات السماوية فهي تعم جميع الأشياء فإذا لوحظت الإجارة بالنسبة إليها يلزم الغرر في جملة منها، و أما لزوم الرباء.
ففيه. أولا: انه مبنى على جريانه في غير البيع من سائر المعاوضات و هو مشكل كما مر في محله.
و ثانيا: المقام خارج عن الربا تخصصا لأن العوض يقع بإزاء العمل بلا اتحاد في جنس العوضين حتى يلزم الرباء و منه يعلم دفع إشكال اتحاد العوضين أيضا.