قد اختلفت الأخبار و الكلمات في هذه المسألة و البحث فيها من جهات:
الأولى: في أقسام موضوع المسألة.
الثانية: في حكمها بحسب الأصل العملي.
الثالثة: في حكمها بحسب الإطلاقات و العمومات.
الرابعة: في حكمها بحسب الأخبار الواردة.
الخامس: في بيان الكلمات فيها.
أما الجهة الأولى: فالأقسام المتصورة ثمانية:
الأول: بيعها قبل الظهور بضميمة.
الثاني: بيعها قبله أزيد من عام.
الثالث: بعد الظهور مع الضميمة.
الرابع: بعد الظهور أزيد من عام.
الخامس: بعد بدوّ الصلاح سواء كان مع الضميمة أولا و سواء كان في عام واحد أو أزيد منه.
السادس: قبل الظهور مع عدم القيدين.
السابع: بعد الظهور و قبل بدو الصلاح في عام واحد.
الثامن: بيع نفس الموجود فعلا على الشجر لوجود غرض صحيح عقلائي فيه بلا ضميمة و بلا قيد أصلا هذه هي عمدة الأقسام الموضوعية المتصورة في المقام.
أما الجهة الثانية: فمقتضى أصالة عدم النقل و الانتقال عدم ترتب الأثر في جميع هذه الأقسام كما هو الحال في جميع المعاملات و المعاوضات مطلقا عند الشك في ترتب الأثر.
أما الجهة الثالثة: فمقتضى العمومات و الإطلاقات الصحة في جميع هذه الأقسام الثمانية كما هو كذلك في جميع المعاملات و المعاوضات التي يشك في صحتها و فسادها مع صدق عنوان المعاملة عليها عرفا.
و ما يقال: انه في الصورة السادسة من بيع المعدوم مع أنه غرري، لاحتمال عروض عوارض و آفات تمنع عن الظهور فلا وجه للصحة.
(مدفوع): بأنه مع وجود المادة القريبة إلى الظهور لا معنى لكونه معدوما مطلقا مع فرض اعتبار وجود هذه المادة عند أهل الخبرة و ترتب الأثر عليها عندهم.
و أما الغرر فهو محتمل فيها بعد الظهور أيضا، لأن الآفات غير محدودة بحد خاص و لا يعلمها الا اللّه تبارك و تعالى فكم من ثمرات تحصل الآفة بعد ظهورها و كم من آفات تحصل لها قبل الظهور و مع ذلك تبلغ الثمرة إلى نضجها و غاية كمالها و ذلك تقدير العليم الحكيم، مع أنه قد حددوا جميع الآفات الأرضية و الجوية بالاجهزة الخاصة كما هو معلوم فلا موضوع للغرر و الآفة عند أهل الخبرة.
و أما الأخبار فهي على أقسام:
القسم الأول: موثق ابن يزيد قال: «أمرت محمد بن مسلم أن يسأل أبا جعفر عليه السّلام عن قول رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله في النخل، فقال أبو جعفر عليه السّلام: خرج رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فسمع ضوضاء، فقال ما هذا؟ فقيل له تبايع الناس بالنخل العام، فقال: أما إذا فعلوا فلا تشتروا النخل العام حتى يطلع فيه الشيء و لم يحرمه»۱، و في صحيح الحلبي قال: «سئل أبو عبد اللّه عليه السّلام عن شراء النخل و الكرم و الثمار ثلاث سنين أو أربع سنين، فقال عليه السّلام: لا بأس- إلى أن قال- و سئل عن الرجل يشتري الثمرة المسماة من أرض فتهلك ثمرة تلك الأرض كلها، فقال عليه السّلام: قد اختصموا في ذلك إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فكانوا يذكرون ذلك فلما رآهم لا يدعون الخصومة نهاهم عن ذلك البيع حتى تبلغ الثمرة و لم يحرمه و لكن فعل ذلك لأجل خصومتهم»۲، و في موثق ربعي قال: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: إن لي نخلا بالبصرة فأبيعه و أسمي الثمر و استثنى الكر من التمر أو أكثر أو العدد من النخل، فقال عليه السّلام لا بأس قلت: جعلت فداك بيع السنتين، قال عليه السّلام: لا بأس قلت: جعلت فداك إن ذا عندنا عظيم، قال عليه السّلام: أما إنك قلت ذاك لقد كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أحل ذلك فتظالموا، فقال صلّى اللّه عليه و آله: لا تباع الثمرة حتى يبدو صلاحها»۳.
و منه يظهر ان وجه الحرمة على فرض ثبوتها تظالم الناس بعضهم بعضا و لا ريب في حرمة ذلك مطلقا و لو كان في سنين متعددة، و أظهر من الكل في عدم الحرمة رواية يعقوب بن شعيب قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن شراء النخل؟ فقال عليه السّلام: كان أبي يكره شراء النخيل قبل أن يطلع ثمرة السنة، و لكن السنتين و الثلاث كان يقول: إن لم يحمل في هذه السنة حمل في السنة الأخرى قال يعقوب: و سألته عن الرجل يبتاع النخل و الفاكهة قبل أن يطلع سنتين أو ثلاث سنين أو أربعا؟ قال: لا بأس إنما يكره شراء سنة واحدة قبل أن يطلع مخافة الآفة حتى يستبين»4، و مقتضى ظاهرها بل صريحها الجواز مطلقا مع الكراهة في العام الواحد قبل بروز الثمرة و ظهورها عاما واحدا و بلا ضميمة و لها نحو حكومة على سائر أخبار الباب و يستفاد منها ان منشأ تشريع الكراهة كان أمرا خارجا عن حقيقة البيع و هو خصومة الناس و يصير مفادها كالعمومات و الإطلاقات الجواز مطلقا قبل البروز و لو عاما واحدا و بلا ضميمة و لكنه يكره في هذه الصورة.
القسم الثاني: موثق سماعة قال: «سألته عن بيع الثمرة هل يصلح شراؤها قبل أن يخرج طلعها؟ فقال عليه السّلام: لا إلا أن يشتري معها شيئا من غيرها رطبة أو بقلا فيقول: اشترى منك هذه الرطبة و هذا النخل و هذا الشجر بكذا و كذا، فإن لم تخرج الثمرة كان رأس مال المشتري في الرطبة و البقل»٥، و في موثق ابن عمار٦، قال: «سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: لا تشتر الزرع ما لم يسنبل، فإذا كنت تشتري أصله فلا بأس بذلك أو ابتعت نخلا فابتعت أصله و لم يكن فيه حمل لم يكن به بأس».
و يمكن حملهما على الكراهة خصوصا موثق سماعة بقرينة ذكره في السؤال: «هل يصلح» و الشاهد على الكراهة ما مر من الخبرين.
القسم الثالث: قول أبي عبد اللّه عليه السّلام في صحيح الحلبي: «و ان اشتريته- أي النخل- في سنة واحدة فلا تشتره حتى يبلغ»۷، و للبلوغ مراتب أرقى مرتبتها الظهور و هو ظاهر في الحرمة لو لا ما مر من القسم الأول من الاخبار الموجب لصرفه إلى الكراهة خصوصا مع تذييله بقوله عليه السّلام: «و سئل عن الرجل يشتري الثمرة المسماة من أرض فتهلك ثمرة تلك الأرض كلها- الحديث كما تقدم-»، و في موثق ابن الوشاء قال: «سألت الرضا عليه السّلام هل يجوز بيع النخل إذا حمل؟
قال عليه السّلام: لا يجوز بيعه حتى يزهو، قلت: و ما الزهو جعلت فداك؟
قال عليه السّلام: يحمر و يصفر و شبه ذلك»۸، و في موثق بن موسى قال: «سألته عن الكرم متى يحل بيعه؟ قال عليه السّلام: إذا عقد و صار عروقا»۹، و في خبر آخر عنه:
«و صار عقودا» و العقود اسم الحصرم بالنبطية، و في حديث المناهي عنه عليه السّلام:
«و نهى النبي صلّى اللّه عليه و آله ان يبتاع الثمار حتى تزهو، يعنى تصفر أو تحمر»۱0، و في النبوي: «نهى عن المخاضرة و هو ان يبتاع الثمار قبل أن يبدو صلاحها»۱۱ إلى غير ذلك التي عبر فيها.
تارة: ببدو الصلاح كما تقدم في رواية ربعي.
و أخرى: ب «الإطعام» كما في موثق سماعة۱۲.
و ثالثة: ب «البلوغ»۱۳.
و رابعة: ب «الإدراك»۱4.
و خامسة: ب «الاستبانة» كما تقدم في موثق ابن شعيب.
و سادسة: ب «التبيين» كما فيه كذلك.
و يمكن إرجاع الكل إلى معنى واحد لأنها موضوعات عرفية قابلة للتشكيك و لها مراتب مختلفة.
و بالجملة: الموضوع عرفي لا ان يكون تعبديا شرعيا أو من الموضوعات التي لنظر الفقيه فيها دخل حتى يحتاج إلى البيان و الإطناب بل أهل تلقيح النخل و عمال الأشجار و البساتين ربما يكونوا أعرف بهذه الأمور من الفقيه، و استندوا إليها للمنع عن صحة البيع قبل بدو الصلاح.
القسم الرابع: صحيح الحلبي قال: «سئل أبو عبد اللّه عليه السّلام: عن شراء النخل و الكرم و الثمار ثلاث سنين أو أربع سنين، فقال عليه السّلام: لا بأس تقول: إن لم يخرج في هذه السنة خرج في قابل»۱٥، و صحيح خالد عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:
لا تشتر النخل حولا واحدا حتى يطعم و ان شئت ان تبتاعه سنتين فافعل»۱٦، و قد تقدم في خبر يعقوب بن شعيب أيضا.
أقول: يستفاد من قوله عليه السّلام، «ان لم يخرج في هذه السنة خرج في قابل» ان المناط كله هو الاطمئنان العرفي بالخروج فيشمل ذلك السنة الواحدة و كذا قوله عليه السّلام في رواية أبي بصير۱۷: «حتى تثمر و تأمن ثمرتها من الآفة».
القسم الخامس: خبر محمد بن شريح قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل اشترى ثمرة نخل سنتين أو ثلاثا و ليس في الأرض غير ذلك النخل؟
قال عليه السّلام: لا يصلح إلا سنة و لا تشتره حتى يبين صلاحه، قال: و بلغني انه قال في ثمر الشجر لا بأس بشرائه إذا أصلحت ثمرته فقيل له: و ما صلاح ثمرته؟ فقال:
إذا عقد بعد سقوط ورده»۱۸، هذه هي الأخبار التي وصلت إلينا.
و المتحصل من مجموعها بعد رد بعضها إلى بعض الجواز مطلقا و لو قبل البروز في عام واحد و بلا ضميمة لكن على كراهة و هذا هو مختار صاحب الحدائق و نسب الميل إليه إلى جملة من محققي المتأخرين و لكن في الجواهر ادعى الإجماع على الخلاف على تفصيل يأتي.