البحث في الشروط من جهات.
الأولى: المعنى الجامع للشرط في جميع استعمالاته الشد و الربط و يستعمل بهذا المعنى في التكوينيات كشرطية المحاذاة للإحراق و طلوع الشمس للنهار، و في المجعولات الاعتبارية- شرعية كانت أو عرفية- كشرطية الطهارة للصلاة، و القدرة على التسليم في البيع مثلا. و يعبر عن القسم الثاني بالتعهد أيضا، لأن التعهد بشيء نحو شد و ربط له بالعهدة، فالجامع القريب بين جميع موارد استعمالاته انما هو الشد سواء استعمل في الفقه أو في الأصول أو العلوم الأدبية و غيرها، و لو قيل أن مادة الكلمة كانت بحسب الأصل (الشد) فبدلت إحدى الدالين (راء) و الأخرى (طاء) توسعة في الاستعمالات، لم يكن به بأس.
و كيف كان فهل يعتبر أن يكون هذا الشد و الربط في ضمن التزام آخر أولا؟ مقتضى الأصل و الإطلاق، و استقلالية المفاهيم الاسمية في مرتبة ذاتها عدم اعتبار ذلك، فيصح استعماله مستقلا في المحاورات الصحيحة العرفية من دون أن يكون في ضمن التزام آخر، فيقال: شددت حبل مودتك بعنقي، و ربطت رأيي برأيك، و تعهدت لك بكذا، و شرطت لك على نفسي بكذا. و الكل صحيح في المحاورات و لا يعد ذلك غلطا محاوريا، و في حديث بريرة: «إن قضاء اللّه أحق و شرطه أوثق، و الولاء لمن أعتق»۱، و عن علي عليه السّلام: «إن شرط اللّه قبل شرطكم»۲، و عن الصادق عليه السّلام: «ما الشرط في الحيوان؟ قال عليه السّلام: ثلاثة أيام.
قلت: و في غيره. قال عليه السّلام: هما بالخيار حتى يفترقا»۳، و أطلق على النذر أيضا، كما في رواية منصور عن العبد الصالح: «في من نذر أن يطلق زوجته. قال عليه السّلام:
فليف للمرأة بشرطها، فان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قال: المؤمنون عند شروطهم»4. و قد أتعب بعض مشايخنا قدس سره نفسه الشريفة في إرجاع ذلك كله إلى الالتزام، و لكنه خلاف المنساق منها عرفا.
نعم، الغالب في الشروط وقوعها في ضمن التزام آخر، و لكن الغلبة الوجودية لا تكون مقومة لمفهوم اللفظ، كما هو واضح ثمَّ إنه بعد صدق الشرط على الشروط الابتدائية يوجب الوفاء بها أيضا إلا مع وجود دليل على الخلاف و لا دليل عليه الا دعوى الإجماع عليه.
و فيه. أولا: إنه اجتهادي.
و ثانيا: ان المتيقن منه على فرض اعتباره خصوص الوعد، و ربما يأتي ما يناسب المقام.
الثانية: الشرط بمعنى الربط و اللزوم في أي مورد استعمل يكون مشتقا و لا وجه لجموده مطلقا، فما عن الشيخ الأنصاري قدس سره من إنه إذا استعمل في ما يلزم من عدمه العدم من دون ملاحظة أن يلزم من وجوده الوجود يكون جامدا و لا مصدر له، فليس فعلا لأحد، و اشتقاق المشروط و الشارط منه ليس على الأصل، و لذا ليس بمتضايفين، بل الشارط هو الجاعل و المشروط من جعل له الشرط كالمسبب (بالكسر و الفتح) المشتقين من السبب.
فاسد. أما أولا: فلأنه أيضا بمعنى الربط و اللزوم إلا أن الحاكم به.
تارة: هو العقل.
و أخرى: الشارع.
و ثالثة: العرف كما يدل عليه الوجدان.
و الشرط في جميع موارد استعمالاته مطلقا مشتق و يتعد باللام، و على، و في، يقال: اشترط زيد لنفسه على عمرو، و يشترط الوضوء في الصلاة، و الاشتقاق المعنوي سهل المؤنة و نسبة المعنى المشتق منه إلى الفروع المتفرعة عنه نسبة المادة المبهمة من كل حيثية و جهة إلى الصور العارضة عليه و نسبة اللامتحصل المحض إلى المتحصل و هذا أوضح شيء لكل من راجع وجدانه.
و أما ثانيا: فلأنه لا يكون عدم التضايف دليلا على كونه جامدا إذ لم يذكر أحد عدم ذلك علامة للجمود و وجوده علامة للاشتقاق و إنما هو أمر يصح اعتباره في المشتقات و يصح ذلك في المقام أيضا، لأن المشروط بعنوان المجعولية و المفعولية مضائف للشارط وجدانا.
نعم، بمعنى المشروط فيه لا تضايف بينهما دقة، و لكنه موجود عرفا و عناية، و كذا في الطهارة و الصلاة فإنها مجعول فيها الشرط من الجاعل و لا يلزم أن يكون التضايف بصيغة الفاعل و المفعول بل يكفي بنحو الاعتبار بأي نحو أمكن.
الثالثة: ما هو المتعارف بين الناس في شروطهم المجعولة في معاملاتهم و منشئاتهم انما هو الإلزام و الالتزام و هو المنساق من الشروط المذكورة في السنة، و ظاهر كلمات الفقهاء أيضا.
نعم، لو كانت قرينة في البين على أنه من التقييد و الشرط الأصولي لا بد من حمله عليه من جهة القرينة حينئذ، و تظهر في موردين.
الأول: انه على الأول لا تبطل المعاملة و الإنشاء مع عدمه، بل يثبت حق الإجبار و الخيار، و على الثاني تبطل مع العدم، و مع الشك في أنه من أيهما فالأصل بقاء أثر المعاملة إلى أن يتبين الحال. هذا إذا صدق عنوان المعاملة عرفا بدون القيد، و أما مع عدم الصدق أو الشك فيه فمقتضى الأصل عدم ترتيب الأثر. ثمَّ انه بعد فرض الصدق يكون الشرط من الالتزام فيثبت حق الإجبار ثمَّ الخيار ظاهرا.
الثاني: انه عند الإطلاق يحمل على المعنى الأول، لأنه المنساق المتعارف عند الناس، دون الثاني لأنه اصطلاح خاص يحتاج إلى القرينة.