البحث. تارة: فيمن يجب عليه.
و أخرى: في كيفية ذبحه، و وقته، و مكانه.
و ثالثة: في جنسه، و وصفه، و عدده.
و رابعة: في مصرفه.
و خامسة: في العجز عنه.
البحث. تارة: فيمن يجب عليه.
و أخرى: في كيفية ذبحه، و وقته، و مكانه.
و ثالثة: في جنسه، و وصفه، و عدده.
و رابعة: في مصرفه.
و خامسة: في العجز عنه.
كتابا، و سنة مستفيضة، و إجماعا بين المسلمين، قال اللَّه تعالى:
فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَ سَبْعَةٍ إِذا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كامِلَةٌ ذلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرامِ۱، و في صحيح زرارة عن الصادق عليه السّلام:
«فقلت: و ما المتعة؟ قال عليه السّلام يهلّ بالحج- إلى ان قال:- فاذا كان يوم التروية أهلّ بالحج و نسك المناسك و عليه الهدي، فقلت: و ما الهدي؟ فقال عليه السّلام: أفضله بدنة، و أوسطه بقرة، و أخفضه شاة»۲ و نحوه غيره.
لظهور الإطلاق، و الاتفاق. و ما نسب إلى الشيخ رحمه اللَّه من عدم وجوبه على المكي إذا تمتع، لاحتمال رجوع اسم الإشارة في قوله تعالى ذلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرامِ إلى خصوص الهدي ضعيف، و اجتهاد في مقابل النص. مع أنه لو فرض أن اسم الإشارة يرجع إلى الهدي فهو من باب ذكر الجزء و إرادة الكل بقرينة صحيح زرارة، يعني أن وجوب التمتع إنما هو للآفاقي دون المكي في أصل الشرع و لا ينافي ذلك ثبوته بجميع أجزائه و شرائطه بالعنوان الثانوي.
نصوصا، و إجماعا، قال أبو عبد اللَّه عليه السّلام في رواية الأعرج: «من تمتع في أشهر الحج ثمَّ أقام بمكة حتى يحضر الحج من قابل فعليه شاة، و من تمتع في غير أشهر الحج ثمَّ جاور بمكة حتى يحضر الحج فليس عليه دم، هي حجة مفردة، و إنما الأضحى على أهل الأمصار»۳، و قال عليه السّلام في صحيح ابن عمار:
«أما المفرد للحج فعليه طواف- إلى أن قال- ليس عليه هدي و لا أضحية»4.
و نسب إلى سلّار وجوبه على القارن، فإن أراد ما إذا وجب الهدي عليه بنذر أو نحوه فلا خلاف فيه و إلّا فلا دليل له عليه.
و أما صحيح العيص عن الصادق عليه السّلام: «في رجل اعتمر في رجب فقال عليه السّلام: إن كان أقام بمكة حتى يخرج منها حاجا فقد وجب عليه هدي، فإن خرج من مكة حتى يحرم من غيرها فليس عليه هدي»٥ فمهجور لدى الإمامية، و موافق لأبي حنيفة فلا وجه للتمسك به و لو للندب.
لظاهر إطلاق النص، و الفتوى.
لأنه مصرف مالي إ شرعا، و عرفا.
لأن وجوب الصوم إنما هو بعد تحقق الاستطاعة و استقرار الوجوب، و عدم التمكن من الهدي لعارض اتفاقي، لا فيما إذا لم يقدر عليه أصلا، و لكن المسألة تحتاج بعد إلى التأمل، لاحتمال كون مطلق التمكن الطولي الترتبي شرطا.
لما مرّ في فصل الاستطاعة للحج، و لكن لو فعل وجب عليه الهدي.
للعمومات، و الإطلاقات الدالة على وجوب الوفاء به.
إجماعا، و نصا يأتي التعرض له في هدي القران إنشاء اللَّه تعالى.
نصا، و إجماعا، و في صحيح جميل بن دراج قال: «سأل رجل أبا عبد اللَّه عليه السّلام عن رجل أمر مملوكه أن يتمتع قال عليه السّلام: فمره فليصم و إن شئت فاذبح عنه»٦ و نحوه غيره.
و أما خبر العطار الدال على عدم الذبح عليه قال: «سألت أبا عبد اللَّه عليه السّلام عن رجل أمر مملوكه أن يتمتع بالعمرة إلى الحج أ عليه أن يذبح عنه؟
قال عليه السّلام: لا لأن اللَّه تعالى يقول عبدا مملوكا لا يقدر على شيء»۷ فيمكن أن يحمل على عدم تعيينه لا نفي التخيير بينه و بين الصوم بقرينة صحيح جميل.
و أما خبر قاسم بن محمد الدال على الذبح- قال: «سألت أبا إبراهيم عليه السّلام عن غلام أخرجته معي فأمرته فتمتع ثمَّ أهلّ بالحج يوم التروية و لم أذبح عنه، أ فله أن يصوم بعد النفر؟ قال عليه السّلام: ذهبت الأيام التي قال اللَّه، ألا كنت أمرته أن يفرد الحج؟ قلت: طلبت الخير قال عليه السّلام كما طلبت الخير فاذهب فاذبح عنه شاة سمينة، و كان ذلك يوم النفر الأخير»۸– فإنما هو لزوال موضوع الصوم، كما صرح به في الخبر.
و أما خبر يونس بن يعقوب قال: «قلت لأبي عبد اللَّه عليه السّلام: إن معنا مماليك لنا قد تمتعوا أ علينا أن نذبح عنهم؟ قال عليه السّلام: المملوك لا حج له و لا عمرة و لا شيء»۹ فمحمول على ما إذا ذهب المملوك إلى الحج بغير إذن مولاه.
و أما خبر حسن بن عمار قال: «سألت أبا عبد اللَّه عليه السّلام عن غلمان لنا دخلوا معنا مكة بعمرة و قد خرجوا معنا إلى عرفات بغير إحرام قال عليه السّلام: قل لهم يغتسلون ثمَّ يحرمون، و اذبحوا عنهم كما تذبحون عن أنفسكم»۱۰ فلا تنافي بينه و بين صحيح جميل، لأنه ذكر فيه الذبح فقط و ذكر أحد فردي التخيير و الاكتفاء به عن الآخر شائع في المحاورات، إذا لا تنافي بين مجموع الأخبار بعد التأمل ورد بعضها إلى بعض.
لأن كل واجب تخييري مطلقا تعذر أحد فرديه يتعين فرده الآخر.
لقوله عليه السّلام: «لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق»۱۱.
لأنه حينئذ كسائر الأحرار، فتشمله الإطلاقات و العمومات.
لأنه فعل من أفعال الحج و كل فعل من أفعاله متقوم بقصد القربة إجماعا، مع أن الذبح يصلح لجهات متعددة و لا يتمحض للهدي إلّا بالنية، و تقدم مرارا كفاية الداعي في كل فعل قربي كما يكفي في غيره.
كل ذلك للأصل، و الإطلاق، و ما ورد من رمي الحجج عليهم السّلام راكبا۱۳ و ماشيا، و القيام و المشي أفضل مع التمكن على المشهور، و يشهد له الاعتبار، مع اهتمام الحجج بالمشي ففي صحيح ابن جعفر قال: «كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله يرمي الجمار ماشيا»۱4، و ركوبهم عليهم السّلام أحيانا كان لأجل بيان الجواز، أو لغرض آخر و لا ينافي أفضلية المشي مع جريان عادتهم عليهم السّلام على نهاية إعمال الخضوع فيما يتعلق بالعبادات و إتيانهم عليهم السّلام لها على أحسن الهيئات، فما نسب إلى المبسوط، و السرائر من أفضلية الركوب في رمي الجمرات، لأن النبي صلّى اللّه عليه و آله رماها راكبا۱٥ لا وجه له.
ثمَّ إنه قد ورد التعبير في الروايات و الكلمات بالرمي ماشيا، و مقتضى الجمود عليه جواز الرمي في حال المشي حول المرمى- مثلا- و هو الموافق للإطلاقات أيضا، و لكن الظاهر أن المراد بالمشي هنا مقابل الركوب أي: في حال الوقوف على الأرض في مقابل الكون على الدابة، و أما إن أريد المشي بالمعنى المعهود ففي كونه أفضل من الرمي راكبا مع الوقوف، كما يظهر من إطلاق المشهور إشكال، بل منع.
ظهر وجهه مما مر، و السيرة المستمرة أقوى دليل على ذلك.
لاحتمال كون نية المنوب عنه لها موضوعية خاصة، و لكن الاحتمال ضعيف.
أولا: بأن نية النائب طريق إلى نيته فكأنه نوى المنوب عنه.
و ثانيا: لا وجه له بعد كون النية مجرد الداعي الذي هو موجود في نفس المنوب عنه و لو بنحو الإجمال و الارتكاز.
لأن النائب حينئذ كالآلة المحضة، فالذبح مستند إلى المنوب عنه، فتجب عليه النية و سائر الشرائط المعتبرة.
لأن المتعارف في الاستنابة في ذبح الهدي الاستنابة بما له من الشرائط.
لاستناد الذبح إليهما معا حينئذ، فتجب النية عليهما. هذا إذا كانت يده موضوعة على السكين أيضا، و أما لو لم يكن كذلك فالظاهر أن الذبح مستند إلى من بيده السكين فلا بد و أن يكون هو المباشر للنية و يختلف الاشتراك باختلاف القوة و الضعف أيضا.
لفرض أنه نائب عنه.
لأن العمل حينئذ قابل للانطباق على الجميع، و في مثله لا بد من التعيين في القصد.
للأصل، فيجزي مجرد النية، إذ لا وجه للنيابة إلّا ذلك.
لأن اللفظ طريق إليها، فيكون المدار على المنوي، و في خبر علي بن جعفر عن أخيه عليه السّلام قال: «سألته عن الضحية يخطئ الذي يذبحها فيسمي غير صاحبها أ تجزي عن صاحب الضحية؟ فقال عليه السّلام: نعم إنما له ما نوى»۱۳.
لأصالة عدم اعتبار التسمية، و لما في خبر الاحتجاج عن صاحب الزمان (عجل اللَّه تعالى فرجه الشريف): «أنه كتب إليه يسأله عن رجل اشترى هديا لرجل غائب عنه و سأله أن ينحر عنه هديا بمنى فلما أراد نحر الهدي نسي اسم الرجل و نحر الهدي ثمَّ ذكره بعد ذلك أ يجزي عن الرجل أم لا؟ الجواب: لا بأس بذلك، و قد أجزأ عن صاحبه»۱4.
للإطلاقات، و ما دل على عدم صحة عبادتهم إنما هو بالنسبة إلى أنفسهم لا مثل الفرض الذي يكون النائب كالالة، و لكن ظاهر الكلمات اعتبار الإيمان في النائب في العبادات مطلقا، و يمكن انصراف كلماتهم عن المقام و إن كان الأحوط اعتبار الإيمان مع الإمكان، لما عرفت.
للأصل، و الإطلاق، و الاتفاق، و صحيح ابن جعفر: «سألته عن الأضحى كم هو بمنى؟ فقال عليه السّلام: أربعة أيام، و سألته عن الأضحى في غير منى فقال ثلاثة أيام»۱٥ و مثله موثق الساباطي قال: «سألته عن الأضحى بمنى، فقال أربعة أيام، و عن الأضحى في سائر البلدان فقال ثلاثة أيام»۱٦.
و أما قول علي عليه السّلام: «الأضحى ثلاثة أيام و أفضلها أولها»۱۷ فيمكن حمله على غير منى، كما أن قول الصادق عليه السّلام في موثق ابن حازم: «النحر بمنى ثلاثة أيام، فمن أراد الصوم لم يصم حتى تمضي الثلاثة الأيام، و النحر بالأمصار يوم، فمن أراد أن يصوم صام من الغد»۱۸ لا بد أن يحمل على الأفضلية، أو على ما حرم الصوم فيها.
تأسيا بالنبي صلّى اللَّه عليه و آله و الأئمة عليهم السّلام.
و قد يستدل بالتأسي على وجوب ذلك. و فيه أن الفعل أعم من ذلك كما هو معلوم، كما أن ما دل على الرخصة للنساء و الخائف و نحوه۱۹ المشتمل على الأمر بالتوكيل في الذبح يوم النحر لا يدل على التعيين، لأن ذلك نحو تعجيل للخير بالنسبة إليهم لا أن يكون تحديدا للوقت خصوصا مع الأخبار المتقدمة الدالة على التوسعة فإنها حاكمة عليها. هذا بحسب العنوان الأولي. و أما بحسب العناوين الثانوية، فقد يجب التأخير عن يوم النحر، و قد يستحب، و قد يحرم.
نصا، و إجماعا، ففي حسن حريز عن أبي عبد اللَّه عليه السّلام: «في متمتع يجد الثمن و لا يجد الغنم، قال عليه السّلام: يخلّف الثمن عند بعض أهل مكة و يأمر من يشتري له و يذبح عنه و هو يجزي عنه فإن مضى ذو الحجة أخر ذلك إلى قابل من ذي الحجة»۲۰. و أما موثق أبي بصير عن أحدهما عليهما السّلام قال: «سألته عن رجل تمتع فلم يجد ما يهدي حتى إذا كان يوم النفر وجد ثمن شاة أ يذبح أو يصوم؟
قال عليه السّلام: بل يصوم، فإن أيام الذبح قد مضت»۲۱ فيحتمل أن يراد به يوم النفر من مكة لا من منى و كان ذلك بعد ذي الحجة، أو يراد أنه صام ثلاثة أيام فيكون له الاجتزاء بالصوم و لا يتعين عليه الذبح كما يأتي.
أما الإجزاء، فلإطلاق الأدلة، كتابا، و سنة- كما تقدم- و قال في كشف اللثام: «قطع به الأصحاب من غير فرق بين العالم و الجاهل، و العامد و الناسي، و لا بين المختار و المضطر»، و في المستند: «لو لا الإجماع لكان مقتضاهما جواز التأخير عن ذي الحجة أيضا كما يوهمه ظاهر المهذب إلا أن الإجماع يدفعه».
و أما الإثم فلما نسب إلى المشهور من كونه واجبا نفسيا في الأيام الأربعة يوم النحر و الثلاثة التي بعدها و ترك كل واجب نفسي يوجب الإثم، و يمكن منع الوجوب النفسي فيها فلا تنفع الكبرى.
لأن الظاهر أن المراد بالأيام مع لياليها- كما في أيام الحيض، و أيام الخيار و نحوها- فتشملها الإطلاقات و العمومات، و قال في الدروس: «لو ذبح ليالي التشريق فالأشبه الجواز و إن منعنا۲۲ فهو مقيد بالاختيار فيجوز مع الاضطرار. نعم يكره، و كذا الأضحية»، و عن الصادق عليه السّلام في صحيح ابن سنان:
«لا بأس بأن يرمي الخائف بالليل، و يضحي و يفيض بالليل»۲۳، و عنه عليه السّلام أيضا في صحيح ابن مسلم: «الخائف لا بأس بأن يرمي الجمار بالليل، و يضحي بالليل، و يفيض بالليل»۲4 و الاستدلال به على عدم الجواز لغير الخائف من الاستدلال بمفهوم الوصف الذي ثبت عدم اعتباره إلا إذا أفاد العلية التامة المنحصرة و هي ممنوعة خصوصا في المقام المبني على التسهيل مهما وجد إليه السبيل، و الأحوط تركه إلا مع العذر- كالجهل، و الاضطرار، و النسيان و نحوهما.
لأن الظاهر من اليوم: اليوم الصومي لا الأجيري.
كما في جميع الموارد، و قد مر في العبادات الاستيجارية من أن المناط على صحة تكليف النائب أو الوكيل عند نفسه، و بحسب رأيه.
لمكان التقييد فيه حينئذ فلا وجه للمخالفة.
إجماعا، و نصا، قال الصادق عليه السّلام في موثق إبراهيم الكرخي: «إن كان هديا واجبا فلا ينحره إلّا بمنى، و إن كان ليس بواجب فلينحره بمكة إن شاء»۲٥، و في موثق عبد الأعلى قال: «قال أبو عبد اللَّه عليه السّلام: لا هدي إلّا من الإبل، و لا ذبح إلا بمنى»۲٦، و يظهر من قول النبي صلّى اللَّه عليه و آله: «منى كلها منحر»۲۷ مسلّميّة الحكم من زمانه صلّى اللَّه عليه و آله.
و أما صحيح ابن عمار عن الصادق عليه السّلام: «في رجل نسي أن يذبح منى حتى زار البيت فاشترى بمكة ثمَّ ذبح، قال عليه السّلام: لا بأس قد أجزأ عنه»۲۸ فمحمول على غير الواجب، مع أنه لا يدل على أن الذبح كان في مكة لأن الاشتراء بمكة أعم من كون الذبح فيه، و خبر ابن عمار قال: «قلت لأبي عبد اللَّه عليه السّلام: إن أهل مكة أنكروا عليك أنك ذبحت هديك في منزلك بمكة، فقال عليه السّلام: إن مكة كلها منحر»۲۹ حمل على الهدي المندوب، و لكنه خلاف الظاهر إلّا أن إطلاقه موهون بالإعراض، و هذا من إحدى الموارد التي أنكر أهل مكة على الإمام عليه السّلام و تأتي البقية في محلها.
إجماعا، و نصوصا تقدم بعضها.
لقوله عليه السّلام في صحيح ابن عمار الوارد في الميقات: «يجزيك إذا لم تعرف العقيق أن تسأل الناس و الأعراب عن ذلك»۳۰، و ما ورد في السؤال عن وادي محسّر بقوله عليه السّلام: «سل الناس»۳۱ و بعد إلغاء الخصوصية عنهما- يستفاد اعتبار قول أهل المحل فيما يخبرون عنه و هو موافق لقاعدة اعتبار قول أهل الخبرة أيضا.
لأن الأصل في كل شرط أن يكون واقعيا إلّا مع الدليل على الخلاف و هو مفقود.
نعم، لو كان ما تقدم من صحيح ابن عمار معمولا بإطلاقه يجزي في صورة النسيان إن ذبح في غيره، و لكن تقدم عدم العمل بإطلاقه.
ثمَّ إنه قد تقدم وجوب ذبح الهدي في منى عند الإمامية، و لكن كلما تفحصت عاجلا في الأخبار لم أجد حدا معينا لمني كما ورد التحديد للحرم، و عرفات، و المزدلفة. نعم قد ورد في صحيح ابن عمار: «إذا مررت بوادي محسّر و هو واد عظيم بين جمع و منى و هو: إلى منى أقرب»۳۲ و هو لا دليل على تحديد منى، بل يمكن أن يكون ذلك الوادي من منى كما يقال: وادي السلام بين النجف و الكوفة و هو إلى النجف أقرب منه إلى الكوفة.
و على هذا فأرض منى قابلة للتوسعة و التضيق، كما في جميع القرى و البلدان التي شاهدنا توسعتها فيما يقرب من هذه الأعصار، فكل ما أطلق عليه منى يصح الذبح، و النحر فيه و إن كان أوسع مما كان في زمن النبي صلّى اللَّه عليه و آله و الأئمة عليهم السلام كما هو كذلك في المسجد الحرام و مسجد النبي صلّى اللَّه عليه و آله، و مكة و سائر المساجد و المشاهد، و على هذا يمكن القول بالإجزاء في المذبح الذي جعلوه في هذه الأعصار في خارج المذبح السابق بعد صدق أن المذبح أحدث في منى، و لا يجوز عند المسلمين ذبح الهدي إلا بمنى.
و حينئذ فلو شكّ في المذبح الحديث أنه في منى أو خارج عنها فلا بد من الحمل على الصحة و هي كونه في منى الشرعي هذا مع أن التقية في جميع جهات الحج من أوسع باب الرحمة للأمة. و لكن الأحوط التأخير حتى يذبح في منى السابق مع عدم المحذور في البين، و يمكن التصحيح- كما تقدم- من جهة التقية.
و لو دار الأمر بين سقوط أصل الهدي أو ذبحه في غير المذبح السابق، فالظاهر عدم سقوطه و عدم التبدّل إلى الصوم. و أما احتمال تعيين كون الذبح في مكة بدعوى: أنها منحر لكفارات العمرة، فهو من مجرد الاستحسان لا وجه للاعتماد عليه بعد كونها خارجة عن منى و لا فرق بعد الذبح في الخارج بين كونه في مكة أو البلد أو غيرهما.
و الحق أن هذه الفروع غير منقحة في كلماتهم، و ليس في البين إجماع معتبر يمكن الاعتماد عليه.
لأصالة الصحة في فعل المسلم.
للأصل الموضوعي المقتضي لعدم خروجه عنها.
لأن مقتضى الأصل عدم الوصول إليها.
للأدلة الثلاثة: قال اللَّه جل جلاله لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلى ما رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعامِ۳۳.
و قال الصادق عليه السّلام في الصحيح: «إذا رميت الجمرة فاشتر هديك إن كان من البدن، أو البقر و إلّا فاجعله كبشا سمينا»۳4، و تأتي نصوص أخرى في المسائل الآتية الظاهرة في مفروغية الحكم من هذه الجهة.
و أما الإجماع فهو بين المسلمين إن لم يكن من الضروري بينهم.
و تقتضيه قاعدة الاشتغال بعد انصراف الإطلاقات إلى الأنعام الثلاثة بل ظهورها فيها عرفا.
نصا، و إجماعا، ففي صحيح الحلبي عن الصادق عليه السّلام: «و أما الإبل فلا يصلح إلّا الثني فما فوق»۳٥، و في المرسل: «لا يجزي في الأضحى من البدن إلا الثني، و هو الذي تمَّ له خمس سنين، و دخل في السادسة۳٦ و هذا التفسير هو المعروف بين أهل اللغة أيضا فالحكم متفق عليه نصا، و فتوى، و لغة.
نصا، و إجماعا، و البحث في هذه المسألة.
تارة: بحسب الإطلاقات.
و أخرى: بحسب الأدلة الخاصة.
و ثالثة: بحسب كلمات الفقهاء.
و رابعة: بحسب كلمات اللغويين.
و خامسة: بحسب الأصل.
أما الأولى: فمقتضى إطلاق الهدي، و الأضحية، و نحوهما الإجزاء بكل ما يسمّى غنما، و معزا، و ضأنا و لو كان لها شهر فضلا عن الزائد عليه.
أما الثانية: ففي صحيح العيص عن الصادق عن أمير المؤمنين عليه السّلام: «إنه كان يقول: الثنية من الإبل، و الثنية من البقر، و الثنية من المعز، و الجذعة من الضأن»۳۷، و في صحيح ابن سنان عنه عليه السّلام أيضا: «يجزي من الضأن الجذع، و لا يجزي من المعز إلّا الثني»۳۸ و نحوهما غيرهما المتفقة على اعتبار الجذع في الضأن، و تسالم الكل عليه أيضا، و في خبر حمران عن الصادق عليه السّلام: «أسنان البقر تبيعها و مسنها في الذبح سواء»۳۹ و التبيع: ما دخل في الثانية، و المسنة: ما دخل في الثالثة.
اما الثالثة: فنسب إلى المشهور أن الثني من الغنم و البقر ما تمت له سنة و دخل في الثانية، و نسب إليهم أن الجذع أيضا كذلك أي: ما تمت له سنة و دخل في الثانية.
و هذه النسبة في الضأن مخدوشة لكثرة الأقوال فيه، فعن جمع: أنه ما كمل له ستة أشهر، و عن آخرين: أنه ما كمل له سبعة أشهر، و عن بعض: أنه إن كان بين شابين فسبعة و إن كان بين هرمين فثمانية، فكيف تتحقق مع ذلك الشهرة؟! و على فرض تحقق الشهرة فيه و في الثني فلا دليل على اعتبارها و لا شاهد لها، فلا وجه للاعتماد عليها.
أما الرابعة: فعن جمع من اللغويين: (الجذع) ما دخل في السنة الثانية، و عن بعضهم: أن الأجذاع وقت و ليس بسن.
و نعم ما قال في الجواهر بعد نقل أقوال الفقهاء و اللغويين: «و لم نجد ما يشهد لشيء من ذلك، فإن كان عرف يرجع إليه و إلّا كان الأحوط مراعاة تمام السنة»، و قال في المستند بعد نقل الأقوال: «و حيث لا دليل يمكن التعويل عليه في التعين في المقام فالواجب بمقتضى أصالة الاشتغال الأخذ بالاحتياط و ذبح الأعلى سنا من هذه الأقوال».
أما الأخيرة: فالمسألة من صغريات الأقل و الأكثر و الأول معلوم يقينا و الثاني مشكوك و المرجع فيه البراءة.
إن قلت: إن مراتب السن من المتباينين، مع أن مثل الأجذاع من الصفات و الوقت فيصير من المتباينين، من هذه الجهة أيضا.
قلت: لا ريب في أن مراتب السن من الأقل و الأكثر عرفا، و لغة، و شرعا نعم، إذا لوحظت المراتب بشرط لا تكون من المتباينين حينئذ و لكن لا وجه لهذه الملاحظة و مقتضى الأصل عدمها، و كون الأجذاع من الصفات و الوقت على فرض التسليم إنما هو طريق إلى مراتب السن لا أن يكون لها موضوعية خاصة فمقتضى الأصل الاكتفاء بالأقل سنا في الجميع، مع أن الاحتياط بالأكثر معارض بإتلاف المال في هذه الأزمان التي لا اختيار للحاج في ذبيحته و تكون تحت اختيار عمال المذبح.
إلّا أن يقال: إن لنفس كمال الأضحية موضوعية خاصة مع قطع النظر عن صرفها في المصارف الخاصة، و يشهد بذلك الاعتبار أيضا، و ما ورد من أن اللَّه تعالى لا يبغض الإسراف في نفقة الحج4۰ بناء على شموله لمثل الهدى أيضا.
لما تقدم من الأصل، و طريق الاحتياط واضح. و تقدم في كتاب الزكاة بعض ما ينفع المقام فراجع.
نصا، و إجماعا، ففي صحيح ابن جعفر عن أخيه عليه السّلام: «الرجل يشتري الأضحية عوراء فلا يعلم إلا بعد شرائها هل تجزي عنه؟ قال عليه السّلام: نعم إلا أن يكون هديا واجبا فإنه لا يجوز أن يكون ناقصا»4۱ و إطلاقه يشمل جميع أقسام النقص إلا ما استثني، و يشهد لذلك الاعتبار أيضا، لأن ما يهديه شخص لعظيم من العظماء إن كان ناقصا يلام على إهدائه مع القدرة على التام، و في خبر براء بن عازب- المنجبر بالعمل المؤيد في الجملة بما يأتي من خبر السكوني- قال: «قام فينا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله خطيبا فقال: أربع لا تجوز في الأضحى: العوراء البين عورها، و المريضة البين مرضها، و العرجاء البين عرجها، و الكبيرة التي لا تنقى»4۲، و فسفر قوله صلّى اللَّه عليه و آله: «لا تنقى» بما لا مخ لها و الظاهر أن تقييد هذه العيوب بقوله صلّى اللَّه عليه و آله: «البيّن» إنما هو من باب ذكر طريق إحراز العيب، لأن عيوب الحيوان غالبا لا تعرف إلا بظهورها خارجا خصوصا بالنسبة إلى الأزمنة القديمة فلا موضوعية لها بالخصوص فإذا حكم أهل الخبرة بوجود العيب فيه لا يجزي أيضا، و في خبر السكوني عن جعفر عليه السّلام عن أبيه عليه السّلام قال: «قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله:
لا يضحى بالعرجاء بيّن عرجها، و لا بالعوراء بيّن عورها، و لا بالعجفاء، و لا بالخرفاء، و لا بالجذعاء و لا بالعضباء».4۳ العجفاء: المهزولة، و الجرباء: ما يكون أجربا و الجذعاء: مقطوعة الأنف أو الاذن، و العضباء: المكسورة القرن الداخل، أو مشقوقة الاذن.
لأن ذلك كله نقص، و تقدم اعتبار عدم النقص في صحيح ابن جعفر، مضافا إلى ما مرّ في خبر السكوني.
لتنزل جميع الأدلة على العرف إلا إذا ورد تحديد من الشرع و لم يرد تحديد في المقام، و ما تقدم من قوله صلّى اللَّه عليه و آله: «البيّن ..» من طرق الإحراز لا أن يكون له موضوعية خاصة.
إجماعا، و نصوصا، منها صحيح العيص عن الصادق عليه السّلام: «و إن اشتريته مهزولا فوجدته سمينا أجزأك و إن اشتريته مهزولا فوجدته مهزولا فلا يجزي»44، و عنه عليه السّلام أيضا في صحيح الحلبي: «إذا اشترى الرجل البدنة مهزولة فوجدها سمينة فقد أجزأت عنه، و إن اشتراها مهزولة فوجدها مهزولة فإنها لا تجزي عنه»4٥، فهذه النصوص ظاهرة في الهدي بقرينة الإجماع و الإجزاء و عدمه و إن أمكن حملها على مراتب الفضل.
نصا و إجماعا بلا إشكال فيه من أحد.
لما في صحيح ابن مسلم عن أحدهما عليهما السّلام: «و إن نواها مهزولة فخرجت سمينة أجزأت عنه»4٦، و في خبر منصور عن الصادق عليه السّلام أيضا:
«و من اشترى هديا و هو يرى أنه مهزول فوجده سمينا أجزأ عنه»4۷، و لم يخالف فيه إلّا العماني و هو من الاجتهاد في مقابل النص.
لصحيح ابن مسلم- أيضا- عن أحدهما عليهما السّلام: «إن اشترى أضحية و هو ينوي أنها سمينة فخرجت مهزولة أجزأت4۸، و لا بد من تقييده بما بعد الذبح لأنه المنساق من الحديث. و صريح بعض الكلمات ذلك أيضا، و يشهد للإجزاء قاعدة نفي الحرج بعد فرض أنه تفحص و امتثل تكليفه الظاهري بعد الفحص.
و لو ظهر الهزال قبل الذبح لم يجز للأصل، و إطلاق عدم الإجزاء في خبر منصور- المتقدم- عن الصادق عليه السّلام: «و إن اشترى الرجل هديا و هو يرى أنه سمين أجزأ عنه و إن لم يجده سمينا، و من اشترى هديا و هو يرى أنه مهزول فوجده سمينا أجزأ عنه، و إن اشتراه و هو يعلم أنه مهزول لم يجز عنه»4۹ فما عن بعض من الإجزاء في هذه الصورة أيضا تمسكا ببعض الإطلاقات لا وجه له.
لقول رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله: «صدقة رغيف خير من نسك مهزولة»٥۰، و قول الصادق عليه السّلام في صحيح الحلبي: «و إن اشتراها مهزولة فوجدها مهزولة فإنها لا تجزي عنه»٥۱.
لأن الهزال من الموضوعات العرفية المتعارفة، و كذا السمن فلا بد فيها من الرجوع إلى المتعارف، و روى عن الصادق عليه السّلام: «إنّ حدّ الهزال إذا لم يكن على كليته شيء من الشحم»٥۲ و لكن الخبر قاصر سندا و إن عمل به جمع.
جمودا على الخبر، و خروجا عن خلاف من عمل به.
) للأصل، و الإطلاق الدال على عدم الاجتزاء بالناقص. و أما قول أبي عبد اللَّه عليه السّلام في الصحيح: «من اشترى هديا و لم يعلم أن به عيبا حتى نقد ثمنه ثمَّ علم فقد تمَّ»٥۳، و صحيح ابن عمار عن الصادق عليه السّلام أيضا: «في رجل يشتري هديا فكان به عيب عور أو غيره فقال عليه السّلام: «إن كان نقد ثمنه فقد أجزأ عنه، و إن لم يكن نقد ثمنه رده و اشترى غيره»٥4 فأسقطهما عن الاعتبار عدم عمل المشهور بهما مع ثبوت خيار العيب له في الأول، و عدم الإقدام على اشتراء المعيوب للهدي نوعا إن أخذ بإطلاق الثاني و لا أثر لنقد الثمن و عدمه إلا إذا كان شخص بانيا عليه من أول الاشتراء، لكونه أقل قيمة من الصحيح و في مثله لا وجه للإجزاء مطلقا.
نصا، و إجماعا، فعن مولانا الرضا عليه السّلام: «و لا يجوز أن يضحّى بالخصي لأنه ناقص٥٥»، و في صيح ابن مسلم عن أحدهما عليهم السّلام: «أنه سئل عن الأضحية فقال عليه السّلام: أقرن فحل- إلى أن قال- و سألته أ يضحى بالخصي؟ فقال:
لا»٥٦، و في صحيح ابن الحجاج قال: «سألت أبا إبراهيم عليه السّلام عن الرجل يشتري الهدي، فلمّا ذبحه إذا هو خصي مجبوب، و لم يكن يعلم أن الخصي لا يجزي في الهدي، هل يجزيه أم يعيده؟ قال عليه السّلام لا يجزيه إلّا أن يكون لا قوّة به عليه»٥۷ الى غير ذلك من الروايات.
للإطلاق بعد عدم كونه نقصا، و في صحيح ابن مسلم عن أحدهما عليهما السّلام «الفحل من الضأن خير من الموجوء، و الموجوء خير من النعجة، و النعجة خير من المعز»٥۸.
لظهور الأدلة في أن الشرائط شرائط واقعية لا فرق فيها بين حالة الاختيار و الاضطرار إلا مع الدليل على الخلاف و هو مفقود. و أما قوله تعالى:
فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ٥۹ فالمراد به الأنواع أي: الإبل، أو البقر، أو الغنم لا كل ما أمكن و لو كان ناقصا، و كذا صحيحتي ابن عمار المشتملة إحداهما على قوله عليه السّلام: «فإن لم تجد فما استيسر من الهدي»٦۰، و الأخرى على قوله عليه السّلام:
«فان لم تجد فما تيسر عليك، و عظم شعائر اللَّه عز و جل»٦۱ المراد بهما بيان الأفضل فالأفضل في مقام التيسير لا الاكتفاء بالناقص.
خروجا عن خلاف من جزم بإجزاء الناقص عند عدم القدرة على الكامل، و جمودا على ما يحتمل من الصحيحين.
نسب إلى المشهور، لإطلاق ما دل على عدم إجزاء الناقص، و إطلاق ما تقدم في خصوص الخصي من صحيح ابن مسلم- المتقدم- و غيره.
و عن جمع منهم الشيخ: الإجزاء عند تعذر غيره، لإطلاق الآية المباركة:
«فما استيسر من الهدي»، و ما تقدم من صحيحي ابن عمار، و ذيل ما تقدم من صحيح ابن الحجاج من قوله عليه السّلام: «إلا أن يكون لا قوة به عليه»، و خبر أبي بصير عن الصادق عليه السّلام: «فالخصي يضحي به؟ قال عليه السّلام: لا إلا أن لا يكون غيره»٦۲.
و حمل الأخير على التضحية المندوبة، و تقدم ما في صحيحي ابن عمار.
و أما ذيل صحيح ابن الحجاج فحيث أنه علّق الحكم فيه على عدم القدرة على غيره فيكون إجزاء الناقص دائرا مدار عدم القدرة على التام و هذا مخالف للمشهور، و إطلاق أدلة بدلية الصوم حينئذ إلّا أن يعمل به في خصوص مورده.
جمودا على ذيل صحيح ابن الحجاج، و خروجا عن خلاف من ذهب إلى وجوب ذبحه حينئذ كالشيخ، و من تبعه من المتقدمين، و بعض متأخري المتأخرين.
فائدة: حمل قوله تعالى فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ٦۳، و قول أبي عبد اللَّه عليه السّلام: «فإن لم تجد فما استيسر عليك»٦4، و قوله عليه السّلام الآخر: «فان لم تجد فما استيسر من الهدي»٦٥ على أنواع الهدي و الأفضل فالأفضل و إن كان صحيحا، و لكن حيث ورد ذلك كله في مقام الرأفة و الامتنان يكون الحمل على إجزاء الناقص عند عدم التمكن إلا منه صحيحا أيضا، فيما لم يرد دليل على الخلاف، إلّا أن الظاهر تسالمهم على عدم العمل بهذا الإطلاق، مع أن إهداء الشيء الناقص إلى العظيم من كل حيثية وجهه مما يستنكره العقل السليم- و إن كان ليس من عادة عظيم العظماء المداقّة في الهدايا و العطايا، بل ما رأينا منه إلا خلاف ذلك، و في جملة من الدعوات: «يا من يقبل اليسير و يعفو عن الكثير»، و كذا قوله: «خيرك إلينا نازل و شرنا إليك صاعد»- و على أي تقدير فما هو المشهور من عدم الإجزاء في كل ناقص هو المتعين.
كل ذلك للإطلاق، و الاتفاق، و نصوص خاصّة بعد عدم صدق النقص على ذلك كله، و في خبر ابن أبي نصر عن أحدهما عليهم السّلام: «سئل عن الأضاحي إذا كانت الاذن مشقوقة أو مثقوبة بسمة فقال عليه السّلام: ما لم يكن منها مقطوعا فلا بأس»٦٦.
و أما ما في خبر الحلبي عن الصادق عليه السّلام: «و إن كان شقا فلا يصلح»٦۷
فلا بد من حمله على ما إذا كان الشق موجبا للنقص، و نحوه النبوي: «أنه نهى أن يضحّى باعضب الاذن و القرن»٦۸. و في صحيح جميل عنه عليه السّلام أيضا أنه قال:
«في المقطوع القرن أو المكسور القرن إذا كان القرن الداخل صحيحا فلا بأس و إن كان القرن الظاهر الخارج مقطوعا»٦۹. و قال في المدارك: «قد قطع الأصحاب بإجزاء الجمّاء و هي التي لم تخلق لها قرن، و الصماء و هي فاقدة الاذن خلقة، للأصل، و لأن فقد هذه الأعضاء لا يوجب نقصا في قيمة الشاة و لا في لحمها».
أقول: هو حسن بالنسبة إلى الجماء، إذ الظاهر تعارفه و عدم عده نقصا عند العرف و إن كان في تعليله ما لا يخفى.
و أما الفاقدة الاذن خلقة، فيمكن أن يكون نقصا خصوصا بعد قول أمير المؤمنين عليه السّلام: «فاذا سلمت الاذن و العين سلمت الأضحية و تمت و إن كانت عضباء تجر رجلها إلى المنسك»۷۰. إلا أن يقال: أنه في مقام بيان النواقص الطارئة و الأضحية المندوبة لا الخلقية و الهدي الواجب.
و أما البتراء: فإن كانت من النوع الذي ليس لها ذنب أصلا فالظاهر الإجزاء، و إنّ كانت مما لها ذنب و اتفق عدمه خلقة فيشكل الإجزاء إن لم يكن إجماع، و يظهر من الكلمات عدم تحققه، و يمكن أن يجمع بين الكلمات بذلك.
لرواية ابن هاني عن علي عليه السّلام قال: «أمرنا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله في الأضاحي أن نستشرف العين و الاذن، و نهانا عن الخرقاء و الشرقاء و المقابلة و المدابرة»۷۱ قال الصدوق في معاني الأخبار: «الخرقاء: أن يكون في الاذن ثقب مستدير، و الشرقاء: المشقوقة الاذن باثنين حتى ينفذ إلى الطرف، و المقابلة: أن يقطع في مقدّم أذنها شيء، ثمَّ يترك ذلك معلقا لا تبين كأنه زغبة، و المدايرة: أن يفعل مثل ذلك بمؤخر أذن الشاة»۷۲، و في كشف اللثام: «إنه موافق لكتب اللغة».
أقول: هذا بناء على ضبط الكلمة- (بالقاف)- (شرقاء) و هو شق الاذن باثنين كما في النهاية أيضا.
و كذا لا يصح لو كان الهدي مقطوع الأنف، و هو المعبر عنه في اللغة: ب (الشرقاء)، كما في مجمع البحرين و غيره، و كذا لا يترك الاحتياط في فاقدة الاذن، و في فاقدة الذنب على ما مر.
لإطلاق ما دل على عدم إجزاء الناقص، و خصوص صحيح ابن مسلم عن أحدهما عليهم السّلام قال: «سألته عن الهدي الذي يقلّد، أو يشعر ثمَّ يعطب قال عليه السّلام: إن كان تطوعا فليس عليه غيره، و إن كان جزاء، أو نذرا فعليه بدله»۷۳، و في صحيح ابن عمار عن الصادق عليه السّلام: قال: «سألته عن رجل أهدى هديا فانكسرت، فقال: إن كانت مضمونة فعليه مكانها و المضمون ما كان نذرا أو جزاء أو يمينا»۷4.
و ما ظاهره الخلاف كصحيح ابن عمار عن الصادق عليه السّلام قال: «سألته عن رجل أهدى هديا و هو سمين فأصابه مرض و انفقأت عينه فانكسر، فبلغ المنحر و هو حي قال عليه السّلام: يذبحه و قد أجزأ عنه»۷٥ و غيره من الأخبار لا بد من حمله على المندوب أو طرحه.
للإطلاقات و العمومات، كما أنه تجري الفضولية فيه مع تحقق قصد القربة حين الذبح، و لكن الأحوط خلافه.
نصا، و إجماعا، قال أبو عبد اللَّه عليه السّلام في صحيح الحلبي: «تكون ضحاياكم سمانا، فإنّ أبا جعفر عليه السّلام كان يستحب أن تكون أضحية سمينة»۷٦ و غير ذلك من الروايات، و يشهد إطلاق قوله عليه السّلام: «و عظّم شعائر اللَّه»۷۷، و في المرسل أن النبي صلّى اللَّه عليه و آله: «ضحّى بكبش أملح»۷۸ و المراد به ما فيه سواد و بياض، و البياض أغلب.
لقول أبي عبد اللَّه عليه السّلام: «ضحّ بكبش أسود، أقرن، فحل، فإن لم تجد أسود فأقرن فحل يأكل في سواد، و يشرب في سواد، و ينظر في سواد»۷۹، و عن أحدهما عليهم السّلام في صحيح ابن مسلم: «أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله كان يضحّي بكبش أقرن عظيم فحل يأكل في سواد، و ينظر في سواد، فإن لم تجدوا من ذلك شيئا فاللَّه أولى بالعذر»، و في صحيح ابن مسلم قال: «سألت أبا جعفر عليه السّلام أين أراد إبراهيم عليه السّلام أن يذبح ابنه؟ قال عليه السّلام: على الجمرة الوسطى، و سأله عن كبش إبراهيم عليه السّلام ما كان لونه و أين نزل؟ قال عليه السّلام: أملح، و كان أقرن، و نزل من السماء على الجبل الأيمن من مسجد منى، و كان يمشي في سواد، و يأكل في سواد، و ينظر و يبعر و يبول في سواد»۸۰ و المراد بقولهم عليهم السّلام، يأكل في سواد: الكناية عن السمن و الاستفراه.
لقول أبي عبد اللَّه عليه السّلام في خبر أبي بصير: «لا يضحي إلا بما قد عرف به»۸۱ المحمول على الندب جمعا، و إجماعا، و في خبر ابن يسار قال: «سألت أبا عبد اللَّه عليه السّلام عمن اشترى شاة لم يعرّف بها، قال عليه السّلام لا بأس بها عرف أم لم يعرّف»۸۲
(۷۱) لصحيح سعيد قال: «قلت لأبي عبد اللَّه عليه السّلام: إنا نشتري الغنم بمنى و لسنا ندري عرّف بها أم لا؟ فقال عليه السّلام: إنهم لا يكذبون لا عليك ضحّي بها»۸۳.
و يكفي فيه المسمى.
و عن المفيد رحمه اللَّه ذكر عشيّة عرفة و لا بد من حمله على الأفضلية، لأنها أفضل الأوقات و الحالات في أفضل الأمكنة.
لقول أبي عبد اللَّه عليه السّلام في صحيح ابن عمار: «أفضل البدن ذوات الأرحام من الإبل و البقر- و قد تجزي الذكورة من البدن- و الضحايا من الغنم الفحولة»۸4 و نحوه غيره.
أرسل ذلك في الاقتصاد إرسال المسلمات قال: «إن من شرط الهدي إن كان من البدن أو البقر أن يكون أنثى، و إن كان من الغنم أن يكون فحلا من الضأن فإن لم يجد الضأن جاز التيس من المعز و (التيس): هو الذكر من المعز» و مثله يصلح للاستحباب و إن لم يصلح للإيجاب.
لصحيح ابن سنان عن أبي عبد اللَّه عليه السّلام في قول اللَّه عز و جل:
فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْها صَوافَ قال: ذلك حين تصف للنحر يربط يديها ما بين الخف إلى الركبة»۸٥، و في صحيح الكناني قال: «سألت أبا عبد اللَّه عليه السّلام كيف تنحر البدنة؟ فقال عليه السّلام تنحر و هي قائمة من قبل اليمين»۸٦، و عن أبي خديجة:
«رأيت أبا عبد اللَّه عليه السّلام و هو ينحر بدنته معقولة يدها اليسرى، ثمَّ يقوم به من جانب يدها اليمنى و يقول: «بسم اللَّه و اللَّه أكبر، اللّهم هذا منك و لك اللّهم تقبل مني» ثمَّ يطعن في لبتها ثمَّ يخرج السكين بيده فإذا وجبت قطع موضع الذبح بيده»۸۷.
لقول الصادق عليه السّلام في الصحيح: «إذا اشتريت هديك فاستقبل به القبلة و انحره أو اذبحه و قل: «وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ حَنِيفاً مسلما وَ ما أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ إِنَّ صَلاتِي وَ نُسُكِي وَ مَحْيايَ وَ مَماتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ، لا شَرِيكَ لَهُ وَ بِذلِكَ أُمِرْتُ و أنا من المسلمين اللّهم منك و لك، بسم اللَّه و باللَّه و اللَّه أكبر اللّهم تقبل مني» ثمَّ أمرّ السكين و لا تنخعها حتى تموت»۸۸، و قريب منه مرسل الصدوق.
للتأسّي، و لقول أبي عبد اللَّه عليه السّلام في صحيح الحلبي: «فإن كانت امرأة فلتذبح لنفسها و لتستقبل القبلة»۸۹ المحمول على الندب إجماعا.
لقول الصادق عليه السّلام في صحيح ابن عمار: «كان علي بن الحسين يجعل السكين في يد الصبي ثمَّ يقبض الرجل على يد الصبي فيذبح»۹۰ المحمول على الندب.
لقول النبي صلّى اللَّه عليه و آله لفاطمة عليها السّلام: اشهدي ذبح ذبيحتك فإن أول قطرة منها يغفر اللَّه بها كل ذنب عليك و كل خطيئة عليك- إلى ان قال- و هذا للمسلمين عامة»۹۱.
البحث في هذه المسألة.
تارة: بحسب الأصل.
و اخرى: بحسب الأدلة.
و ثالثة: بحسب كلمات الأجلّة.
أما الأولى: فمقتضى أصالة البراءة عدم وجوب شيء عليه لا الأكل و لا الإهداء، و لا الصدقة بل يفعل بهديه كل ما شاء و أراد، لقاعدة السلطنة، و أصالة بقاء ملكه عليه.
أما الثانية: فالأصل في المقام قول اللَّه جل جلاله:
فَكُلُوا مِنْها وَ أَطْعِمُوا الْبائِسَ الْفَقِيرَ۹۲، و قوله تعالى فَكُلُوا مِنْها وَ أَطْعِمُوا الْقانِعَ وَ الْمُعْتَرَّ۹۳ و ربما يقال: بظهورهما في الوجوب.
و فيه. أولا: ما ادعى من ورودهما مورد توهم الحظر، فلا يستفاد منها الوجوب حيث أن أهل الجاهلية كانوا يتنزهون عن الأكل، لأنها صدقة فيكون مفادهما حينئذ لا بأس بالأكل منها و لا وجه للتنزه عن الأكل، لأنها هدية إلى اللَّه تعالى لا أن تكون صدقة.
و ثانيا: أنهما لبيان كيفية التقسيم و ليس في مقام إيجاب حكم، و يشهد له الاختلاف في التعبير في قوله تعالى وَ أَطْعِمُوا الْبائِسَ الْفَقِيرَ تارة و الْقانِعَ وَ الْمُعْتَرَّ و أخرى فإنه يناسب مطلق الرجحان لا الإيجاب.
و ثالثا: إنها إرشاد إلى ما هو السيرة المألوفة في الضحايا من إمساك بعضها و الإهداء ببعض، و الصدقة بالبعض الآخر.
و رابعا: أن سياق الآيتين سياق الترغيب إلى الآداب و الخيرات كما لا يخفى على من راجع تمامهما، و كذا الأخبار الواردة في تفسيرهما، فاستفادة الوجوب منهما في المقام مشكلة جدا، و يشهد له أيضا أنه لو كان ذلك واجبا لصار معروفا عند الناس و لما احتاج الرواة إلى السؤال عن الصادق عليه السّلام كما يأتي في الأخبار.
أما الروايات: فمنها صحيح سيف التمار- الوارد في هدي السياق- قال:
«قال أبو عبد اللَّه عليه السّلام: إن سعيد بن عبد الملك قدم حاجا فلقي أبي فقال: إن سقت هديا فكيف أصنع؟ فقال له أبي: أطعم أهلك ثلثا، و أطعم القانع و المعتر ثلثا، و أطعم المساكين ثلثا»۹4، و في خبر العقرقوفي قال: «قلت لأبي عبد اللَّه عليه السّلام:
سقف في العمرة بدنة فأين أنحرها؟ قال عليه السّلام: بمكة: قلت أي شيء أعطي منها؟
قال عليه السّلام كل ثلثا، و تصدق بثلث»۹٥، و في صحيح سيف أسقط ثلث الإهداء إلّا أن يراد بقوله تعالى وَ أَطْعِمُوا الْقانِعَ وَ الْمُعْتَرَّ الإهداء و هو ينافي تسالمهم على عدم اعتبار الفقر في الإهداء و هذا الاختلاف أيضا من شواهد عدم الوجوب.
و أما الأخبار الدالة على أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله أمر حين نحر أن يؤخذ من كل بدنة حذوة من لحمها ثمَّ تطرح في برمة ثمَّ تطبخ، و أكل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله و علي عليه السّلام منها و حسيا من مرقها، كما في صحيح ابن عمار۹٦ و مرسل الصدوق۹۷ فهي حكاية فعل لا يستفاد منه الوجوب و لفظ الأمر أعم منه، مع أنها لا تدل على التثليث و ليس فيها ذكر من القسمين الأخيرين، مع أنها في هدي السياق، فاستفادة أصل التثليث من مجموع الأدلة في هدي التمتع مشكل بل ممنوع.
مع أنه لم يذكر الإهداء في الآية إلّا أن يدخل في قسم الأكل و هو تكلف، و استفادة وجوب أكل الثلث منها أشكل، بل ممنوع أيضا خصوصا بالنسبة إلى الأزمنة القديمة التي لم تكن عندهم وسائل لحفظ اللحم.
فتلخص من جميع ما مر: أن المرجع هو الأصل بعد عدم استفادة وجوب الأكل من هذه الأدلة.
و أما كلمات الفقهاء فلا إجماع في البين- لا منقولا، و لا محصلا- على وجوبه، نعم اختاره جمع منهم المحقق في الشرائع، و مستندهم ما تقدم من الأدلة مع المناقشة فيها فلا معدل عن أصالة عدم الوجوب مع ملاحظة الكلمات أيضا. نعم لا ريب في الاستحباب لعدم قصور الأدلة المزبورة عن إثباته بعد البناء على المسامحة فيه.
خروجا عن خلاف من أوجبه.
الكلام في الإهداء و الصدقة عين الكلام في الأكل من حيث الأصل، و الأدلة، و الكلمات قال المحقق الأردبيلي في شرح الإرشاد: «المشهور بين المتأخرين وجوب القسمة أثلاثا، و وجوب ما يصدق عليه الأكل من الثلث، و وجوب التصدق بالثلث على الفقير المؤمن المستحق للزكاة، و الهدية بالثلث الآخر إلى المؤمن- ثمَّ قال- و استفادة ذلك كله من الدليل مشكل».
أقول: أصل النسبة في جميع ما قاله إلى المشهور أشكل، كما لا يخفى على من راجع الكلمات، و عدم تعرضهم لهذه المسألة من جميع الجهات، و عدم ذكر لها في ما وصل إلينا عن هدي النبي صلّى اللَّه عليه و آله الذي هو المؤسس لهذه القوانين، و لا عن أوصيائه المعصومين عليهم السّلام إلا ما ورد في هدي السياق و الأضحية المندوبة۹۸ مع أن الحكم عام البلوى لجميع الأمة و ليس لهم حق الإهمال و الإجمال في مثله، و ليس هذا الحكم بخصوصه مورد التقية حتى يتطرق إليه الإجمال من هذه الجهة.
و خلاصة ما ينبغي أن يقال في المقام: إن الضحايا بين المسلمين بل الناس كلهم لا يترتب عليها حكم الصدقة المحضة بحيث تتأبى بعض النفوس عن أكلها و قد جرت العادة بينهم على أنهم يأكلون منها و يهدون منها إلى الأهل و الجيران و يتصدقون ببعضها أيضا، و ليست هذه العادة على نحو اللزوم بحيث لو لم يتصدق يستنكر ذلك منه، بل هي من العادات المجاملية الجارية بينهم و لا يلتزمون أن يكون بنحو التثليث، بل يكتفون بنحو صرف الوجود في الجملة و هذه العادة متبعة ما لم يرد ردع عنها من الشرع و لم يثبت ذلك بل الأدلة الواردة في المقام على فرض تماميتها مقررة لها، فيكون جميع ذلك من المجاملات المندوبة، كما عن جمع من الفقهاء»، و نسب في الدروس استحباب أصل الصرف في الثلاثة إلى الأصحاب بعد أن اختار هو الوجوب و تبعه غيره.
قال في الجواهر و يعم ما قال: فلا ريب في استحباب التثليث المزبور في هدي التمتع فإن النصوص و إن لم تنص عليه بخصوصه إلا أنه مع إمكان شمول خبر الأضاحي قد يقال بأن المراد منها بيان الكيفية التي لا فرق فيها بين الواجب و المندوب- و قال رحمه اللّه- و أما القسمة أثلاثا فلم أعرف قولا بوجوبها».
خروجا عن خلاف من أوجبه، كالشهيدين في اللمعة، و الروضة و غيرهما، بل نسب إلى المشهور بين المتأخرين كما مر و لكن لا دليل لهم كما اعترف به جمع.
لاكتفاء النبي صلّى اللّه عليه و آله و علي عليه السّلام بذلك۹۹، و تعذر أكل الثلث خصوصا إن كان الهدي من الإبل أو البقر، أو كان متعددا و لو من الغنم، بل يظهر منهم الاتفاق على كفاية المسمى في الأكل، و تقتضيه الإطلاقات بعد قصور أدلة التثليث عن تقييدها بالثلث.
لأصالة بقاء ملكه عليها و هو مسلط على ماله يفعل به ما يشاء.
للأصل، و الإطلاقات، و لأنه لا معنى لضمان شخص لمال نفسه، نعم عليه الإثم لو كان الأكل واجبا و تركه اختيارا هذا. و يمكن فرض الضمان هنا بمعنى وجوب البدل مع الإمكان، و لكن ظاهرهم عدم القول به، فيكون وجوب الأكل على فرض ثبوته تكليفا محضا متعلقا بما قصد كونه هديا من غير أن يتعقب حقا أو ضمانا.
لأن مقتضى الأصل، و الإطلاقات، و ظاهر الكلمات كون الهدي واجبا نفسيا مستقلا لا أن يكون أصل وجوب الهدي مشروطا بالهدية و الصدقة حتى لا يسقط التكليف به إلا بهما. نعم هما واجبان مستقلان على فرض ثبوت وجوبهما، فالتكليف بالهدي يسقط بمجرد الذبح.
و بعبارة أخرى: الهدية و الصدقة مع الذبح من تعدد المطلوب لا من وحدته، و حينئذ فإن كانا من الحق المتعلق بالعين بعد الذبح أو قبله و بعد تعيينه له لا إشكال في الضمان، لقاعدة ضمان الحقوق المالية المتعلقة بالعين إلّا ما خرج بالدليل، و إن لم يكن كذلك بل كانا من مجرد الحكم التكليفي المحض- كنفقة الأقارب- فلا وجه للضمان.
و كذا لو شككنا في أنهما من أي القسمين، لأصالتي عدم ثبوت الحق، و البراءة عن الضمان، و مقتضى الأصل و الإطلاق كون الهدية و الصدقة حكما تكليفيا محضا، فأصل وجوب الهدي كان ذميا و سقط بالذبح، و وجوب الهدية و الصدقة على فرضه كان كذلك و يسقط و لو بالإتلاف اختيارا، كما إذا أتلف شخص ماله اختيارا فتسقط نفقة الأقارب لا محالة و إن أثم من حيث تفويت موضوع التكليف المطلق و لا وجه للضمان، هذا بحسب الأصل و الإطلاق.
إن قلت: ظاهر الوجوب المتعلق بصرف العين في مصرف خاص حصول الحق فيها كالزكاة، و الخمس، و منذور التصدق و نحوهما، فيكون المال أمانة في يده حتى يردها إلى أهلها.
قلت: هذا أصل الدعوى، و أول المدعى، و الموارد المذكورة- مع أنها محل الخلاف- إنما ثبت الحق فيها لأجل قرائن معتبرة داخلية أو خارجية تدل على ذلك لا لأجل نفس الوجوب من حيث هو، مع أن ظواهر الأدلة في المقام إنما هو التكليف بالأكل، و الإهداء و التصدق، و ليس فيها ما يمكن أن يستظهر منه ثبوت الحق.
نعم، يمكن أن يقال: أن الضمان ليس مترتبا على ثبوت الحق، بل المراد به في المقام نفس بقاء وجوب الصرف في المصارف الخاصة و عدم سقوطه بالإتلاف و الإخلال به اختيارا، و يكفي فيه أصالة بقائه ما لم يدل دليل على الخلاف.
و فيه: أن الوجوب إنما تعلق بصرف ذات العين فقط، فيشكل جريان الأصل بالنسبة إلى البدل، مع أنه ليس من المتعارف فيما أعد للهدية و الصدقة إعطاء القيمة عند تلف العين بنحو يكون الشخص ملزما به، هذا كله بحسب الأصل، و الاستظهارات، و أما الكلمات فهي مضطربة فراجع المطولات.
قد جزم بالضمان الشهيد الثاني في الروضة، و عن صاحب الجواهر الاحتياط الوجوبي في النجاة.
لعدم تحقق التصدق المأمور به، كما في سائر موارد التصدق من الزكاة و غيرها على ما تقدم تفصيله في كتاب الزكاة.
للأصل، و الإطلاق، و السيرة في الهدايا، و قال في الجواهر و نعم ما قال- «لا ريب في عدم اعتبار الفقر في ثلث الإهداء بل إن لم يكن الإجماع لا يعتبر فيه الإيمان خصوصا مع الندرة في تلك الأمكنة و الأزمنة فيلزم إما سقوط وجوب الهدي أو التكليف بالمحال».
لأنه المتيقن قطعا من مورد الهدية، و لأن الإهداء إلى الفقير إهداء إلى اللَّه تعالى و الهدي هدي اللَّه تعالى.
لقول اللَّه تعالى إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ وَ الْمَساكِينِ۱۰۰، و يدل عليه الإجماع أيضا.
مقتضى الإطلاقات جواز التصدق به على كل فقير لم يحكم بكفره و لا مقيد لها في البين إلّا ما ورد في الزكاة۱۰۱، و إلّا شبهة الإجماع.
و الأول مختص بمورده.
و الأخير غير ثابت، مضافا إلى ما ورد من أن: «أفضل الأعمال عند اللَّه إبراد الكباد الحارة، و إشباع الكباد الجائعة»۱۰۲، مع أن تلك المشاعر العظام مقام الائتلاف و توسعة الرحمة من اللَّه تعالى و من خلقه. هذا بناء على وجوب التصدق.
و أما بناء على استحبابه فالأمر أوسع، و في خبر هارون بن خارجة عن الصادق عليه السّلام: «إن علي بن الحسين عليه السّلام كان يطعم من ذبيحته الحرورية، قلت:
و هو يعلم أنهم حرورية؟ قال عليه السّلام: نعم»۱۰۳.
لما مرّ من صحة الإهداء إلى الفقير أيضا، بل هو الأحوط و عن العلامة رحمه اللَّه القطع بالإجزاء فيما تصدق بالجميع، و الأمر بالإهداء و التصدق و إن كان مباينا لكن يكفي الفرق الاعتباري بينهما و لكن الأحوط الضمان ثلث الإهداء.
لما مرّ من أنها من باب تعدد المطلوب بلا فرق بين مناشئ التعذر و لو كان للخوف من الحكومة.
للأصل، و الإطلاق، مع العلم برضائهم، و أما مع عدمه فيشكل بناء على ثبوت الحق، و يجزي رضاؤهم اللاحق و لو أحرز من قبولهم أو أكلهم.
لأن الحيوان قيميا فيجب القيمة.
جمودا على مثل قوله تعالى وَ أَطْعِمُوا الْقانِعَ وَ الْمُعْتَرَّ۱۰4.
لأن المثل أقرب إلى المضمون.
جمودا على الإطلاق البدلية. ثمَّ إنه قد ذكرت في الآية الكريمة ألفاظ ثلاثة: القانع، و المعتر، و البائس.
أما الأول: فهو الذي يقنع بما يعطى و لا يسخط.
و الثاني: هو عابر السبيل و المار بك لتطعمه.
و البائس: و هو الفقير كما ورد في الرواية۱۰٥، فيكون قوله تعالى الْبائِسَ الْفَقِيرَ من قبيل البيان و التوضيح.
كل ذلك للأصل، و الإطلاق، هذا، و قد ظهر من مطاوي ما تقدم أنه يمكن أن يكون شيئا في الذمة أولا كوجوب الإهداء و التصدق في المقام قبل ذبح الهدي ثمَّ يصير في العين كما بعد الذبح بناء على ثبوت الحق ثمَّ التبديل إلى الذمة، كما إذا أتلف العين أو أخل بهما على ما مرّ و له نظائر كثيرة في الفقه.
للأصل بعد عدم دليل على الضمان من تسبيب أو مباشرة للإتلاف.
لإطلاق أدلة الوكالة الشامل للمقام أيضا.
لانطباق عنوان الفقر عليه أيضا.
لأصالة عدم الإجزاء بعد ظهور الأدلة في اعتبار المباشرة في الأكل.
لأنه يصير مالكا بعد القبض فيفعل بملكه كل ما يريد.
كل ذلك للأصل، و الإطلاق.
للأصل، و لما تقدم من الإطلاق الشامل للمباشرة و غيرها.
لإطلاق الأدلة و ما تقدم من النصوص۱۰٦.
مقتضى الأصل هو الثاني، و لكن ظاهرهم التسالم على جواز كون هدي القرآن من الكفارة كما سيأتي.
للأصل، و إطلاق الدليل، و قد تقدم في كتاب الزكاة فراجع۱۰۷.
لوجود العنوان فيشمله الإطلاق.
أما الأول: فلمضمر أبي بصير: «لا تضحي بثور و لا جمل»۱۰۸.
و أما الثاني: فلا دليل له إلا ظهور عدم الخلاف.
و أما الأخير: فنسب إلى قطع الأصحاب، و استدل أيضا بما تقدم من بعض الأخبار۱۰۹ و ذلك كله يكفي في الكراهة تسامحا.
كما عن جمع من أعاظم القدماء- كالشيخين، و الصدوقين، و المرتضى، و غيرهم- لصحيح حريز عن أبي عبد اللَّه عليه السّلام: «في متمتع يجد الثمن و لا يجد الغنم، قال عليه السّلام: يخلّف الثمن عند بعض أهل مكة و يأمر من يشتري له و يذبح عنه و هو يجزي عنه، فإن مضى ذو الحجة أخّر ذلك إلى قابل من ذي الحجة»۱۱۰، و في خبر النضر قال: «سألت أبا عبد اللَّه عليه السّلام عن رجل تمتع بالعمرة إلى الحج فوجب عليه النسك فطلبه فلم يجده و هو مؤسر حسن الحال و هو يضعف عن الصيام، فما ينبغي له أن يصنع؟ قال عليه السّلام: يدفع ثمن النسك إلى من يذبحه بمكة إن كان يريد المضي إلى أهله و ليذبح عنه في ذي الحجة، فقلت:
فإنه دفعه إلى من يذبح عنه فلم يصب في ذي الحجة نسكا و أصابه بعد ذلك قال عليه السّلام: لا يذبح عنه إلا في ذي الحجة، و لو أخره إلى قابل»۱۱۱.
و نسب إلى المشهور الانتقال إلى الصوم، لصدق عدم وجدان الهدي، فيشمله إطلاق قوله تعالى فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ۱۱۲.
و فيه: أن الصحيح المتقدم شارح و مفسّر للآية الكريمة فيكون المراد بالوجدان فيها الأعم من وجدان العين و الثمن و المباشرة و الاستنابة. و أما قوله في خبر النضر: «و هو يضعف عن الصيام» فهو سؤال آخر لم يجب الامام عليه السّلام عنه لا أن يكون قيدا للسؤال الأول.
و أما خبر أبي بصير عن أحدهما عليهما السّلام: «رجل تمتع فلم يجد ما يهدي حتى إذا كان يوم النفر وجد ثمن شاة أ يذبح أو يصوم؟ قال عليه السّلام: بل يصوم، فإن أيام الذبح قد مضت»۱۱۳ فمع قصور سنده يمكن حمله على ما إذا صام ثلاثة أيام بقرينة صحيح حماد قال: «سألت أبا عبد اللَّه عليه السّلام عن متمتع صام ثلاثة أيام في الحج ثمَّ أصاب هديا يوم خرج من منى قال عليه السّلام أجزأه صيامه»۱۱4 و لكن هذا الحمل مخالف لخبر آخر عن أبي بصير المشتمل على قوله عليه السّلام: فلم يجد ما يهدي و لم يصم الثلاثة أيام»۱۱٥، كما أن خبر حماد معارض بخبر ابن خالد قال:
«سألت أبا عبد اللَّه عليه السّلام عن رجل تمتع و ليس معه ما يشتري به هديا، فلما أن صام ثلاثة أيام في الحج أيسر أ يشتري هديا فينحره أو يدع ذلك و يصوم سبعة أيام إذا رجع إلى أهله؟ قال عليه السّلام: يشتري هديا فينحره و يكون صيامه الذي صامه نافلة له»۱۱٦ و يمكن الحمل على الندب و يأتي بعض الكلام إن شاء اللَّه تعالى،
ظهر وجه الاحتياط مما سبق.
لقاعدة الاشتغال، و لأنه المنساق من مجموع الأدلة، و تشهد له السيرة أيضا.
لما تقدم من جواز ذلك.
لما مر من إطلاق الأدلة الشامل لهما.
لظهور الأدلة في اختصاصه بالمالك، و يبقى وجوب التصديق و الإهداء بحاله، لفرض أنه نائب فيما يجب عليه، و لو قيل: بأن الأكل قابل للنيابة لوجب عليه ذلك أيضا بناء على الوجوب.
لقاعدة أن العرف هو المتبع فيما لم يرد فيه تحديد خاص من الشرع، و قد ورد النص على عدم وجوب بيع ثياب التجمل، كما في خبر البزنطي قال: «سألت أبا الحسن عليه السّلام عن المتمتع يكون له فضول من الكسوة بعد الذي يحتاج إليه فتسوى بذلك الفضول مائة درهم، يكون ممن يجب عليه؟
فقال له: لا بد من كسر أو نفقة، قلت: له كسر أو ما يحتاج إليه بعد هذا الفضل من الكسوة فقال: و أي شيء كسوة بمائة درهم؟ هذا ممن قال اللَّه تعالى فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَ سَبْعَةٍ إِذا رَجَعْتُمْ۱۱۷، و في مرسل ابن أسباط عن أبي الحسن الرضا عليه السّلام: «رجل تمتع بالعمرة إلى الحج و في عيبته ثياب له، أ يبيع من ثيابه شيئا و يشتري هديه؟ قال عليه السّلام: لا هذا يتزين به المؤمن، يصوم و لا يأخذ من ثيابه شيئا»۱۱۸.
و من كان له مال في بلده و تمكن في منى من الحوالة إليه أو الاستدانة ثمَ الأداء فهو قادر، و إن لم يتمكن منهما فليس بقادر على الثمن و ينتقل تكليفه إلى الصوم و إن كان ذا مال في بلده، و كذا لو تمكن من بيع ما في بلده بلا حرج عليه.
على المشهور، للأصل، و ظواهر الأدلة، و أخبار مستفيضة:
منها: صحيح الحلبي عن الصادق عليه السّلام: «تجزي البقرة أو البدنة في الأمصار عن سبعة، و لا تجزي بمنى إلّا عن واحد»۱۱۹، و خبره الآخر قال: «سألت أبا عبد اللَّه عليه السّلام عن النفر تجزيهم البقرة؟ قال عليه السّلام أما في الهدي فلا، و أما في الأضحى فنعم»۱۲۰، و صحيح ابن مسلم عن أحدهما عليهما السّلام قال: «لا يجوز البدنة و البقرة إلّا عن واحد بمنى»۱۲۱، و صحيح الأزرق قال: «سألت أبا الحسن عليه السّلام عن متمتع كان معه ثمن هدي و هو يجد بمثل ذلك الذي معه هديا فلم يزل يواني و يؤخر ذلك حتّى إذا كان آخر النهار غلت الغنم فلم يقدر بأن يشتري بالذي معه هديا قال عليه السّلام: يصوم ثلاثة أيام بعد أيام التشريق»۱۲۲.
و نسب إلى الشيخ، و جمع إجزاء الواحد عن خمسة، و عن سبعة، و عن سبعين عند الضرورة، و إلى المنتهى إجزاء الواحد عند الضرورة عن الكثير مطلقا، و عن الخلاف إجزاء البقرة أو البدنة عن سبعة عند الضرورة إن كانوا من أهل خوان واحد، و حكى في الشرائع قولا بالاجزاء مطلقا عند الضرورة عن خمسة و عن سبعة إذا كانوا أهل خوان واحد إلى غير ذلك من الأقوال.
و استندوا في أقوالهم إلى جملة من الأخبار كخبر زيد بن جهم قال: «قلت لأبي عبد اللَّه عليه السّلام: متمتع لم يجد هديا فقال عليه السّلام أما كان معه درهم يأتي به قومه فيقول: أشركوني بهذا الدرهم»۱۲۳، و صحيح حمران قال: «عزت البدن سنة بمنى حتى بلغت البدنة مائة دينار، فسئل أبو جعفر عليه السّلام عن ذلك فقال: اشتركوا فيها قلت: كم؟ قال عليه السّلام: ما خفّ فهو أفضل، فقلت: عن كم يجزي؟ فقال عليه السّلام عن سبعين»۱۲4، و صحيح ابن الحجاج قال: «سألت أبا إبراهيم عليه السّلام عن قوم غلت عليهم الأضاحي و هم متمتعون و هم مترافقون، و ليسوا بأهل بيت واحد و قد اجتمعوا في مسيرهم و مضربهم واحد، أ لهم أن يذبحوا بقرة؟ قال عليه السّلام: لا أحب ذلك إلّا من ضرورة»۱۲٥، و صحيح ابن عماد عن الصادق عليه السّلام قال: «يجزي البقرة عن خمسة بمنى إذا كانوا أهل خوان واحد»۱۲٦، و مرسل الحسن بن علي عن رجل أنه قال لأبي عبد اللَّه عليه السّلام: «إن الأضاحي قد عزّت علينا، قال عليه السّلام: فاجتمعوا و اشتروا جزورا فانحروها فيما بينكم، قلنا: و لا تبلغ نفقتنا قال عليه السّلام: فاجتمعوا و اشتروا شاة فاذبحوها فيما بينكم، قلنا: تجزي عن سبعة؟ قال عليه السّلام: نعم و عن سبعين»۱۲۷.
و الكل مخدوش بموافقة العامة۱۲۸، و مخالفة المشهور، و إمكان الحمل على الأضحية المندوبة و لا ينافيه ذكر «منى» في بعضها لوقوع الأضاحي المندوبة فيها أيضا.
نصا، و إجماعا، ففي خبر ابن سنان قال: «كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله يذبح يوم الأضحى كبشين أحدهما عن نفسه، و الآخر عمن لم يجد هديا من أمته، و كان أمير المؤمنين عليه السّلام يذبح كبشين أحدهما عن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله و الآخر عن نفسه۱۲۹، و يدل على صحة التشريك بالنسبة إلى أكثر من السبعين أيضا كما تقدم، و لكن لا ريب في رجحان قلة الشركاء، و مقتضى الأصل، و الإطلاق و بعض الأخبار و الكلمات عدم الفرق في صحة التشريك في الأضحية المندوبة بين حال الاختيار و غيره و لا بين المبعوث بها من الآفاق و غيره.
كما عن جمع من الأصحاب، بل المشهور- كما في كشف اللثام- لإطلاقات الأدلة بعد عدم اعتبار مباشرة المالك للذبح، و للاطمئنان برضا المالك به، لأنه نحو إحسان بالنسبة إليه، و لصحيح منصور بن حازم عن الصادق عليه السّلام:
«في رجل يضل هديه فوجده رجل آخر فينحره، فقال عليه السّلام: إن كان نحره بمنى فقد أجزأ عن صاحبه الذي ضل عنه، و إن كان نحره في غير منى لم يجز عن صاحبه»۱۳۰ و مقتضى إطلاقه الاجزاء و لو لم يقصد عن صاحبه، و لكن لا وجه للتمسك به، لأن ظاهر حال المسلم أنه ينحره عن صاحبه، فالإطلاق محمول على القرينة المحفوفة به، مع أنه لا بد من الإضافة إلى المالك و لا يحصل إلا بقصد الذبح عنه، و يشهد للإجزاء خبر ابن عيسى عن أبي عبد اللَّه عليه السّلام: «في رجل اشترى شاة فسرقت منه أو هلكت، فقال إن كان أوثقها في رحله فضاعت فقد أجزأت عنه»۱۳۱ فيكون الإجزاء بالذبح عنه بالأولى، و خبر علي عن العبد الصالح عليه السّلام: «إذا اشتريت أضحيتك و قمطتها و صارت في رحلك فقد بلغ الهدي محله»۱۳۲، و صحيح ابن عمار قال: «سألت أبا عبد اللَّه عليه السّلام عن رجل اشترى أضحية فماتت أو سرقت قبل أن يذبحها قال عليه السّلام: لا بأس و إن أبدلها فهو أفضل و إن لم يشتر فليس عليه شيء»۱۳۳، و خبر إبراهيم بن عبد اللَّه عن رجل قال: «اشترى لي أبي شاة بمنى فسرقت، فقال لي أبي: ائت أبا عبد اللَّه عليه السّلام فسأله عن ذلك، فأتيته فأخبرته، فقال لي: ما ضحي بمنى شاة أفضل من شاتك»۱۳4 و غيره من الأخبار.
فما عن المحقق من عدم الإجزاء، و نسبه في المسالك إلى المشهور اجتهاد في مقابل النص، و النسبة إلى الشهرة ممنوعة بل الشهرة على الخلاف.
لصحيح ابن مسلم عن أحدهما عليهما السّلام قال: «إذا وجد الرجل هديا ضالا فليعرفه يوم النحر و الثاني و الثالث، ثمَّ ليذبحها عن صاحبها عشية الثالث»۱۳٥، و هو بالنسبة إلى التعريف محمول على الندب جمعا بينه و بين ما تقدم من صحيح ابن حازم الوارد في مقام البيان، لأنه بعد إطلاق الإذن من المالك الحقيقي (الشارع) في الإجزاء لا وجه للتوقف.
و المتحصل من مجموع الأخبار الواردة في المقام: أن الشارع جعل ولاية ذبح الهدي لواجده عن صاحبه و لم يجر عليه حكم اللقطة و هذا تسهيل، و تيسير، و امتنان بالنسبة إلى صاحبه. و على فرض وجوب التعريف فهو نفسي.
مستقل لا أن يكون شرطا لصحة الذبح عن صاحبه.
لظهور الأدلة باختصاصه بخصوص مباشرة المالك.
ليتخلص المالك عن تبعية الإبدال.
لوقوع الهدي عن أهله و في محلّه.
لعدم ترجيح لأحدهما على الآخر في البين.
لأنه تصرف في ملك الغير بغير إذنه.
لأنه مأذون شرعا و لا أثر لإذن المالك بعد إذن الشارع.
لأصالة بقاء حقه و ملكه.
إذ لا أثر لرضاه و عدمه بعد إذن الشارع.
مبنيان على أن إذن الشارع في ذبحه عن مالكه متكفل لبيان هذه الجهات أيضا أولا؟ و الأحوط للمالك إظهار الرضا و مع عدمه فالأحوط لهما التصالح و التراضي.
لفرض أنه لم يكن ملكا له، و لا عن المالك لفرض عدم تحقق النية بالنسبة إليه، و في خبر جميل عن أحدهما عليهما السّلام: «في رجل اشترى هديا فنحره فمر به رجل فعرفه، فقال هذه بدنتي ضلّت منّي بالأمس، و شهد له رجلان بذلك، فقال عليه السّلام: له لحمها و لا يجزي عن واحد منهما، ثمَّ قال: و لذلك جرت السنة بإشعارها و تقليدها إذا عرفت».
و هل للمالك إجازة هذا النحر أو الذبح للذابح؟ وجهان مبنيان على جريان الفضولية في مثل هذه الأمور و عدمه.
كل ذلك للأصل و الإطلاق، و صحيح ابن جعفر عن أخيه عليه السّلام «سألته عن الضحية يخطئ الذي يذبحها فيسمّى غير صاحبها أ تجزي عن صاحب الضحية؟ فقال: نعم إنما له ما نوى»۱۳٦ و إطلاقه يشمل المقام أيضا.
لإطلاق أدلة وجوبه، و قاعدة الاشتغال، و لصحيح أبي بصير قال:
«سألت أبا عبد اللَّه عليه السّلام عن رجل اشترى كبشا فهلك منه، قال: يشتري مكانه آخر، قلت: فإن اشترى مكانه آخر ثمَّ وجد الأول قال عليه السّلام: إن كانا جميعا قائمين فليذبح الأول و ليبع الآخر، و إن شاء ذبحه، و إن كان قد ذبح الأخير ذبح الأول معه»۱۳۷، و ما دلّ على الإجزاء بالشراء، و دخول الرحل- كما تقدم- محمول على الأضحية المندوبة، أو على هدي السياق على ما يأتي التفصيل. و لم أجد من تعرض للمسألة في هدي التمتع على ما تفحصت عاجلا غير صاحب الجواهر في النجاة. نعم تعرضوا لها في هدي السياق.
لما تقدم في خبر أبي بصير، و استفادة وجوب ذبح الأول منه مبنية على تعيين الأول للذبح، و أما مع عدم تعينه فلا وجه للوجوب و حصول التعين بمجرد الشراء في هدي التمتع مشكل بل ممنوع، و يأتي في هدي السياق ما ينفع المقام.
كما صرح به صاحب الجواهر في النجاة، و يمكن أن يستفاد مما مرّ في خبر أبي بصير بقوله عليه السّلام: «و إن شاء ذبحه» بناء على أنه نحو ترغيب إلى الخير.
لما مرّ في خبر أبي بصير المحمول على الندب، لإجزاء ما ذبحه أولا و تحقق الامتثال به فلا وجه لوجوب الأخير.
لا ريب في أصل مرجوحية الإخراج نصا، و إجماعا، و مقتضى قاعدة السلطنة، و أصالة البراءة جواز تصرف المالك فيه بكل ما شاء و أراد إلا مع دليل معتبر على الخلاف. نعم لو صار الهدي متعلّقا لحق الغير لا يصح تصرفه فيه بدون رضاه فتكون حرمة الإخراج على هذا موافقة للقاعدة، و لكنه في هدي التمتع ليس كذلك.
و استدل على حرمة الإخراج.
تارة: بقطع الأصحاب كما هو عادة صاحب المدارك فكثيرا ما يجعله من الأدلة.
و أخرى: بصحيح ابن مسلم عن أحدهما عليهما السّلام قال: «سألته عن اللحم أ يخرج به من الحرم؟ فقال عليه السّلام: لا يخرج منه بشيء إلّا السنام بعد ثلاثة أيام»۱۳۸.
و ثالثة: بخبر ابن عمار قال: «قال أبو عبد اللَّه عليه السّلام: لا تخرجن شيئا من لحم الهدي»۱۳۹.
و رابعة: بمرسل الفقيه قال: «قال أبو عبد اللَّه عليه السّلام: كنا ننهى عن إخراج لحوم الأضاحي بعد ثلاثة أيام لقلة اللحم و كثرة الناس، فأما اليوم فقد كثر اللحم و قل الناس فلا بأس بإخراجه و لا بأس بإخراج الجلد و السنام من الحرم و لا يجوز إخراج اللحم منه»۱4۰.
و خامسة: بخبر ابن أبي حمزة عن أحدهما عليهما السّلام قال: «لا يتزود الحاج من أضحيته، و له أن يأكل منها بمنى أيامها»۱4۱، و مثله خبر علي بزيادة: «إلّا السنام فإنه دواء»۱4۲.
و سادسة: بموثق إسحاق بن عمار عن أبي إبراهيم عليه السّلام قال: «سألته عن الهدي أ يخرج شيء منه عن الحرم؟ فقال عليه السّلام: بالجلد و السنام و الشيء ينتفع به، قلت: أنه بلغنا عن أبيك أنه لا يخرج من الهدي المضمون شيئا، قال عليه السّلام: بل يخرج بالشيء ينتفع به، و زاد فيه أحمد: و لا يخرج بشيء من اللحم من الحرم»۱4۳.
و الكل مخدوش أما الأول: فمن اين حصل لصاحب المدارك قطع الأصحاب بالحرمة، مع أنه نسب إلى المشهور كراهة الإخراج قال في شرح المفاتيح: «المشهور بين الأصحاب كراهة إخراج شيء من الهدي من منى و استحباب صرفه بها و لعله مما لا خلاف فيه».
و أما الثاني: يدل على النهي عن الإخراج عن الحرم و هو أعم من منى، مع أنه أعم من الهدي الكفارات و الضحايا و التطوعات، و أعم من كون المخرج هو المالك أو المهدى إليه أو الفقير و هذا التعميم مما لم يقل أحد بتحريمه.
و أما الثالث: مجمل من حيث محلّ الإخراج و من حيث المخرج.
و أما الرابع: فقوله عليه السّلام في المرسل: «فلا بأس بإخراجه» ظاهر بل نص في الجواز، و ذيله يدل على النهي عن الإخراج عن الحرم.
و أما الخامس: فالتزوّد غير الإخراج و بينهما عموم من وجه.
و الأخير: لا يدل على الحرمة أيضا، فاستفادة حرمة إخراج الهدي من منى مما ذكر ممنوعة، و على الفرض فهي مختصة بما إذا أقلّ اللحم و كثر الناس أو احتاج الناس إليه، كما في مرسل الفقيه، و في صحيح ابن مسلم عن أبي عبد اللَّه عليه السّلام قال: «سألته عن إخراج لحوم الأضاحي من منى فقال عليه السّلام كنّا نقول: لا يخرج منها بشيء لحاجة الناس إليه فأما اليوم فقد كثر الناس فلا بأس بإخراجه»۱44، و في صحيحه الآخر عن أبي جعفر عليه السّلام قال: «كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله نهى أن تحبس لحوم الأضاحي فوق ثلاثة أيام من أجل الحاجة فأما اليوم فلا بأس به»۱4٥، و في صحيح جميل عن الصادق عليه السّلام: «إن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله إنما نهى عن ذلك، لأن الناس كانوا يومئذ مجهودين فأما اليوم فلا بأس»۱4٦ إلى غير ذلك مما يستفاد منه أن الحرمة- على فرض ثبوتها- كانت في زمان خاص، و لجهة مخصوصة إلا أن تحمل هذه الأخبار على الأضحية المندوبة دون الواجبة، و لكنه خلاف التعليلات الظاهرة في التعميم، مع أن الأضحية المندوبة في منى قليلة جدا، لاكتفاء الناس بالواجبة منها و من ذلك كله يظهر الوجه في عدم الجزم بالحرمة و الاحتياط فيها.
ثمَّ إن الحرمة على القول بها إنما يصح بناء على وجوب التثليث أكلا، و هدية، و تصدقا و أما بناء على العدم فلا وجه للحرمة.
و لا ريب في أن حرمة الإخراج- على فرض الثبوت- قابلة للزوال بكل ما هو أهم منها.
فائدة: قد علل جواز الإخراج.
تارة: بكثرة اللحم و قلة الناس، كما في مرسل الفقيه.
و أخرى: بقوله عليه السّلام: «فقد كثر الناس» كما في صحيح ابن مسلم.
و ثالثة: بعدم جهود الناس كما في صحيح جميل.
و يمكن رفع التنافي بأن يكون المراد بقلة الناس في المرسل قلة الفقراء الذين تصرف إليهم الهدي بقرينة صحيح جميل، و المراد بكثرة الناس كثرة الأغنياء فيهم و قلة فقرائهم فلا تنافي بين الأخبار.
للأصل، و ظواهر الأدلة.
لأصالتي البراءة و سلطنة الناس على أموالهم، و ذكر خصوص اللحم فيما تقدم من الأخبار، و في بعضها التصريح بجواز إخراج الجلد و السنام، و الشيء ينتفع به كما في موثق إسحاق بن عمار. و عن المسالك حرمة إخراجها أيضا، و تمسك بما دل على التصدق و هذا منه غريب.
للتأسّي، و صحيح ابن عمار قال: «سألت أبا عبد اللَّه عليه السّلام عن الإهاب فقال عليه السّلام: تصدق به أو تجعله مصلّي تنتفع به في البيت و لا تعطه الجزارين، و قال عليه السّلام: نهى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله أن يعطي جلالها و جلودها و قلائدها الجزارين، و أمره أن يتصدق بها»۱4۷ و عن ابن جعفر عن أخيه عليه السّلام قال: «سألته عن جلود الأضاحي هل يصلح لمن ضحي بها أن يجعلها جرابا؟ قال: لا يصلح أن يجعلها جرابا إلّا أن يتصدق بثمنها»۱4۸ و لمثل هذه الأخبار ذهب في المسالك إلى وجوب التصدق بها.
و لكن: التأسّي قاصر عن إفادة الوجوب، و صحيح ابن جعفر عليه السّلام أعم منه، و سياق البقية آب عن الوجوب أيضا، و في رواية ابن عمار عن الصادق عليه السّلام:
«و إن تصدق به فهو أفضل»۱4۹ و لا ريب في أن الأحوط التصدق.
لإطلاق الأدلة، و لأصالة عدم اشتراط صحة الهدي بعدم الخروج.
للأصل، و أن الناس مسلطون على أموالهم بعد عدم شمول دليل المنع لهم أو الشك في الشمول.
بأن يهدي الثلث المشاع من الهدي إلى شخص، و ثلثه المشاع الآخر إلى فقير آخر، ثمَّ يشتري الثلاثين منهما أو يستوهبهما فيصير ملكا، فيصح له الإخراج.
لأن حرمة الإخراج- على فرض الثبوت- تكليفية محضة.
لأن الحرمة- على فرض الثبوت- أعم من الحدوث و البقاء.
لقاعدة السلطنة. ثمَّ إنه لو أهدى شخص بأكثر من هدي واحد، فمقتضى الإطلاق شمول الحرمة له، كما أن مقتضاه شمول الحكم للضحايا المندوبة في منى.
لظهور الإطلاق.
لعدم شمول الأدلة لهذه الصورة. و عن صاحب الجواهر دعوى القطع بذلك و الإبقاء فيه يكون تضييعا للمال و إتلافا له و بغير وجه.