و قد وردت روايات كثيرة في الترغيب و الحث على أداء حق المؤمن و أنّ أداءه من أفضل العبادة و أسماها كما في صحيح مرازم عن الصادق عليه السّلام: «ما عبد اللّه بشيء أفضل من أداء حق المؤمن»۱٥۲، بل في بعض الموارد يجب كما فصل في محله و قد فصل الأئمة و بينوا عليهم السّلام الحقوق المجاملية و غيرها في روايات شتّى ففي خبر معلى بن خنيس عن الصادق عليه السّلام قال: «قلت له: ما حق المسلم على المسلم؟ قال عليه السّلام: له سبع حقوق واجبات، ما منهنّ حق إلا و هو عليه واجب إن ضيع منها شيئا خرج من ولاية اللّه و طاعته و لم يكن للّه فيه نصيب، قلت له: جعلت فداك و ما هي؟ قال: يا معلّى إنّي عليك شفيق أخاف أن تضيع و لا تحفظ و تعلم و لا تعمل قلت: لا قوّة إلا باللّه قال عليه السّلام:
أيسر حق منها أن تحبّ له ما تحبّ لنفسك و تكره له ما تكره لنفسك.
و الحق الثاني: ان تجتنب سخطه و تتبع مرضاته و تطيع أمره.
و الحق الثالث: أن تعينه بنفسك و مالك و لسانك و يدك و رجلك.
و الحق الرابع: أن تكون عينه و دليله و مرآته.
و الحق الخامس: أن لا تشبع و يجوع و لا تروى و يظمأ، و لا تلبس و يعرى.
و الحق السادس: أن يكون لك خادم و ليس لأخيك خادم فواجب أن تبعث خادمك فتغسل ثيابه و تصنع طعامه، و تمهد فراشه.
و الحق السابع: أن تبرّ قسمه، و تجيب دعوته و تعود مريضه و تشهد جنازته، إذا علمت أنّ له حاجة تبادره إلى قضائها و لا تلجئه إلى أن يسألكها و لكن تبادره مبادرة، فإذا فعلت ذلك وصلت ولايتك بولايته و ولايته بولايتك»۱٥۳.
و في رواية ابن عقبة عن الصادق عليه السّلام: «للمسلم على المسلم من الحق أن يسلّم عليه إذا لقيه، و يعوده إذا مرض، و ينصح له إذا غاب، و يسمته إذا عطس، و يجيبه إذا دعاه، و يشيعه إذا مات»۱٥4.
و هناك آداب لا بد من مراعاتها خصوصا في المجالس و قد ورد فيها روايات كرواية ابن العباس قال: «ما رأيت الرضا عليه السّلام جفا أحدا بكلمة قطّ، و لا رأيته قطع على أحد كلامه حتى يفرغ منه و ما رد أحدا عن حاجة يقدر عليها، و لا مد رجليه بين يدي جليس له قط، و لا اتكأ بين يدي جليس له قط و لا رأيته شتم أحدا من مواليه و مماليكه قط، و لا رأيته تفل قط، و لا رأيته تقهقه في ضحكه قطّ بل كان ضحكه التبسم»۱٥٥.
و منها: قبول العذر فعن عليّ عليه السّلام في وصيته لمحمد بن الحنفية: «لا تصرم أخاك على ارتياب، و لا تقطعه دون استعتاب لعلّ له عذر و أنت تلوم به أقبل من متنصّل عذرا صادقا كان أو كاذبا فتنالك الشفاعة»۱٥٦.
و في رواية عليّ بن جعفر عن أبي الحسن عن آبائه عليهم السّلام: «إنّ عليّ بن الحسين عليهما السّلام قال لولده: إن شتمك رجل عن يمينك ثمَّ تحوّل إليك عن يسارك فاعتذر إليك فاقبل عذره»۱٥۷.
و عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله في وصيته لعليّ عليه السّلام: «يا علي من لم يقبل من متنصل عذرا صادقا كان أو كاذبا لم ينل شفاعتي»۱٥۸.
و منها: الصمت و السكوت إلا عن خير، فإنّ كثرة الكلام في حدّ نفسه مذموم فكيف إذا استلزم إزعاج الغير و إيذاؤه، فإنّ ذلك قد يحرم لإيذاء المؤمن المحرّم عقلا و شرعا، فالمراد من الصمت و السكوت هنا ما لم يستلزم الإيذاء.
فعن أبي الحسن الرضا عليه السّلام: «من علامات الفقيه: العلم و الحلم و الصمت إنّ الصمت باب: من أبواب الحكمة، إنّ الصمت يكسب المحبة، إنّه دليل على كل خير»۱٥۹.
و عن الصادق عليه السّلام: «ما عبد اللّه بشيء مثل الصمت، و المشي إلى بيت اللّه»۱٦۰.
و في حديث آخر: «يأتي على الناس زمان تكون العافية عشرة أجزاء تسعة منها في اعتزال الناس، و واحدة في الصمت»۱٦۱.
و في رواية هشام ابن سالم قال: «قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله لرجل أتاه: ألا ادلك على أمر يدخلك اللّه به الجنة؟ قال: بلى يا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قال: أنل مما أنالك اللّه، قال: فإن كنت أحوج ممن أنيله؟ قال صلّى اللّه عليه و آله فانصر المظلوم. قال: فإن كنت أضعف ممن أنصره؟ قال صلّى اللّه عليه و آله: فاصنع للأخرق- يعني أشر عليه- قال: فإن كنت أخرق ممن أصنع له؟ قال: فأصمت لسانك إلا من خير، أما يسرك أن يكون فيك خصلة من هذه الخصال تجرك إلى الجنة»۱٦۲.
و في حديث: آخر عنه صلّى اللّه عليه و آله: أمسك لسانك فإنّها صدقة تتصدق بها على نفسك، و لا يعرف حقيقة الإيمان حتى يخزن لسانه»۱٦۳. و هناك روايات اخرى تحث على ذلك.
و منها: الكلام في الخير مع الاختصار: ففي وصية النبي صلّى اللّه عليه و آله لأبي ذر:
«اترك فضول الكلام و حسبك من الكلام ما تبلغ به حاجتك يا أبا ذر كفى بالمرء كذبا أن يحدث بكل ما سمع- إلى أن قال صلّى اللّه عليه و آله- يا أبا ذر إنّ اللّه عند لسان كل قائل فليتق اللّه امرؤ و ليعلم ما يقول»۱٦4.
و عن أبي جعفر عليه السّلام يقول: «كان أبو ذر رحمه اللّه يقول: يا مبتغي العلم إنّ هذا اللسان مفتاح خير، و مفتاح شرّ فاختم على لسانك كما تختم على ذهبك و ورقك»۱٦٥.
و في وصية النبيّ لأبي ذر المتقدمة: يا أبا ذر الذاكرين في الغافلين كالمقاتل في الفارين في سبيل اللّه، يا أبا ذر الجليس الصالح خير من الوحدة و الوحدة خير من جليس السوء، و إملاء الخير خير من السكوت، و السكوت خير من إملاء الشرّ»۱٦٦.
و عنه صلّى اللّه عليه و آله: «نجاة المؤمن حفظ لسانه»۱٦۷، إلى غير ذلك من الأخبار الكثيرة.
و منها: الجلوس دون مجلسه تواضعا قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: «كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله إذا دخل منزلا قعد في أدنى المجلس إليه حين يدخل»۱٦۸.
و قال عليه السّلام: «من رضي بدون الشرف من المجلس لم يزل اللّه و ملائكته يصلون عليه حتى يقوم»۱٦۹.
و عنه صلّى اللّه عليه و آله: «أخذ القوم مجالسهم فإن دعا رجل أخاه و أوسع له في مجلسه فليأته فإنّما هي كرامة أكرمه بها أخوه، و إن لم يوسع له أخوه فلينظر أوسع مكان يجده فليجلس فيه»۱۷۰.
و منها: اعتراض المسلم في حديثه كما تقدم قال الصادق عليه السّلام: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: «من عرض لأخيه المسلم المتكلم في حديثه فكأنّما خدش وجهه»۱۷۱. و لا تشمل الرواية فيما إذا كان حديثه اعتراض فصبر حتى فرغ من حديثه ثمَّ ذكر اعتراضه مع مراعاة الآداب.
و منها: التناجي قال أبو عبد اللّه عليه السّلام في الصحيح: «إذا كان القوم ثلاثة فلا يتناجى منهم اثنان دون صاحبهما، فإنّ في ذلك ما يحزنه و يؤذيه»۱۷۲.
و منها: إكرام الشريف و الكريم و إجلال ذي الشيبة المؤمن: قال عبد اللّه بن سنان: «قال لي أبو عبد اللّه عليه السّلام: إنّ من إجلال اللّه عزّ و جلّ إجلال الشيخ الكبير»۱۷۳.
و في رواية أخرى عنه عليه السّلام: «من إجلال اللّه عزّ و جلّ إجلال ذي الشيبة المسلم»۱۷4.
و قال عليه السّلام: «من وقر ذا شيبة في الإسلام آمنه اللّه من فزع يوم القيامة»۱۷٥.
و قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: «بجلوا المشايخ فإنّ من إجلال اللّه تبجيل المشايخ»۱۷٦.
و عن الصادق عليه السّلام قال: «قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: إذا أتاكم كريم قوم فأكرموه»۱۷۷.
و في رواية الحجال قال: قلت لجميل بن دراج قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: إذا أتاكم شريف قوم فأكرموه؟ قال: نعم. قلت: و ما الشريف؟ قال: قد سألت أبا عبد اللّه عن ذلك فقال: الشريف من كان له مال. قلت: فما الحسب؟ قال عليه السّلام:
الذي يفعل الأفعال الحسنة بماله و غير ماله. قلت: فما الكرم؟ قال عليه السّلام:
التقوى»۱۷۸.
و قال أمير المؤمنين عليه السّلام: «لما قدم عدي بن حاتم إلى النبيّ صلّى اللّه عليه و آله أدخله النبيّ بيته و لم يكن في البيت غير خصفة و وسادة أدم فطرحها رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله لعدي بن حاتم»۱۷۹.
و منها: التبسم في وجه المؤمن فعن الرضا عليه السّلام قال: «من تبسم في وجه أخيه المؤمن كتب اللّه له حسنة و من كتب اللّه له حسنة لم يعذّبه اللّه»۱۸۰.
القذى عنه حسنة، و ما عبد اللّه بمثل إدخال السرور على المؤمن»۱۸۱.
و عن الصادق عليه السّلام: «ضحك المؤمن تبسم»۱۸۲، كما يكره القهقهة فعنه عليه السّلام: «القهقهة من الشيطان»۱۸۳.
و منها: إظهار المحبة: فعن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله: «تحبّب إلى الناس يحبّوك»۱۸4.
و يستحب أن يخبره بحبّه له، فإنّ ذلك قد يوجب كثرة المودة و ازالة بعض ما يوجب البغضاء. في الخبر: «إنّ رجلا قال لأبي جعفر عليه السّلام: إنّي أحبّ هذا الرجل، فقال له أبو جعفر عليه السّلام فأعلمه فإنّه أبقى للمودة و خير في الألفة»۱۸٥.
و عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله: «إذا أحبّ أحدكم صاحبه أو أخاه فليعلمه»۱۸٦.
و منها: ذكر الرجل بكنيته: فعن أبي الحسن عليه السّلام: «إذا كان الرجل حاضرا فكنه و إن كان غائبا فسمّه»۱۸۷، و لا ريب أنّ ذلك نحو توقير و احترام للشخص.
و منها: إطابة الكلام: فإنّها منحة حميدة يمنّ اللّه على من يشاء من عباده قال النبيّ صلّى اللّه عليه و آله: «إنّ في الجنة غرفا يرى ظاهرها من باطنها و باطنها من ظاهرها لا يسكنها من أمتي إلا من أطاب الكلام، و أطعم الطعام، و أ فشيء السلام و أدام الصيام، و صلى بالليل و الناس نيام»۱۸۸.
و كان عليّ عليه السّلام يقول: «لا تغضبوا و لا تغضبوا أفشوا السلام و أطيبوا الكلام»۱۸۹.
و من أجلى مصاديق الكلام الطّيب ذكر اللّه تبارك و تعالى كما في الرواية۱۹۰، و كذا حسن الكلام مع مراعاة الآداب.
و منها: ترك المراء، فعن الصادق عليه السّلام: «من يضمن لي أربعة بأربعة أبيات في الجنة، أنفق و لا تخف فقرا، و أنصف الناس من نفسك، و أفش السلام في العالم، و اترك المراء و إن كنت محقّا»۱۹۱، و المراد بالمراء اللجاجة.
و منها: ترك ما لا يعنيه: فعن أبي جعفر عليه السّلام: «من حسن إسلام المرء ترك ما لا يعنيه»۱۹۲.
و عن عليّ عليه السّلام: «مر برجل يتكلم بفضول الكلام فوقف عليه ثمَّ قال: إنّك تملي على حافظيك كتابا إلى ربك فتكلم بما يعنيك و دع ما لا يعنيك»۱۹۳.
و عن الصادق عليه السّلام: «من ماز موضع كلامه من عقله قلّ كلامه فيما لا يعنيه»۱۹4، إلى غير ذلك من الأخبار.
و ينبغي التفكر فيما يريد أن يتكلم به و يحفظ لسانه عمّا لا يجوز من الكلام، فعن عليّ عليه السّلام: «اللسان سبع عقور إن خلي عنه عقر»۱۹٥.
و عنه عليه السّلام أيضا: «لسان المؤمن وراء قلبه و قلب المنافق وراء لسانه»۱۹٦.
و يستحب الصّبر على الحسّاد و غيرهم من أعداء النّعم فعن الصادق عليه السّلام:
«اصبر على أعداء النّعم فإنّك لن تكافئ و من عصى اللّه فيك بأفضل من أن تطيع اللّه فيه»۱۹۷.
و عنه عليه السّلام أيضا: «قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: إنّ اللّه أخذ ميثاق المؤمن على بلايا أربع أشدّها عليه مؤمن يقول بقوله يحسده، أو منافق يقفو أثره، أو شيطان يغويه، أو كافر يرى جهاده فما بقاء المؤمن بعد هذا»۱۹۸.
ثمَّ إنّه ينبغي إفشاء السلام لما تقدم من الأخبار، و عن أبي جعفر عليه السّلام: «إنّ اللّه عزّ و جلّ يحبّ إفشاء السلام»۱۹۹.
و عن جعفر بن محمد عن آبائه عليهم السّلام في وصية النبيّ صلّى اللّه عليه و آله لعليّ عليه السّلام: «يا عليّ ثلاث كفارات: إفشاء السلام، و إطعام الطعام، و الصلاة بالليل و الناس نيام»۲۰۰، إلى غير ذلك من الأخبار.
و قد وردت آداب أخرى في كيفية المجالسة و دخول المجالس ذكرها علماء الأخلاق و من شاء فليرجع إليها في محالّها.