لا ريب في أصل رجحانها بالأدلة الأربعة: فمن الكتاب قوله تعالى يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَ صابِرُوا وَ رابِطُوا۱.
و قوله تعالى وَ أَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَ مِنْ رِباطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَ عَدُوَّكُمْ۲.
و من السنة قول النبيّ صلّى اللّه عليه و آله: «من رابط في سبيل اللّه يوما و ليلة كانت له كصيام شهر و قيامه، فإن مات جرى عليه عمله الذي كان يعمل، و أجرى عليه رزقه، و أمن الفتان»۳.
و عنه صلّى اللّه عليه و آله أيضا: «كل الميت يختم على عمله إلا المرابط (في سبيل اللّه)، فإنّه ينمو له عمله إلى يوم القيامة، و يؤمن من فتان4، القبر»٥.
و عنه صلّى اللّه عليه و آله: «عينان لا تمسّهما النار عين بكت من خشية اللّه و عين باتت تحرس في سبيل اللّه»٦.
و في الصحيح عن الباقرين عليهما السّلام: «الرباط ثلاثة أيام، و أكثره أربعون يوما فإذا كان ذلك فهو جهاد»۷.
و في رواية يونس بن عبد الرحمن قال: «سأل أبا الحسن عليه السّلام رجل و أنا حاضر فقلت له: جعلت فداك إنّ رجلا من مواليك بلغه أنّ رجلا يعطي سيفا و قوسا في سبيل اللّه فأتاه فأخذهما منه ثمَّ لقيه أصحابه فأخبروه أنّ السبيل مع هؤلاء لا يجوز، و أمروه بردهما قال عليه السّلام: فليفعل قال: قد طلب الرجل فلم يجده و قيل له: قد قضى الرجل قال عليه السّلام فليرابط و لا يقاتل قال: مثل قزوين و عسقلان و الدّيلم و ما أشبه هذه الثغور فقال: نعم، قال: فإن جاء العدوّ الى الموضع الذي هو فيه مرابط كيف يصنع؟ قال عليه السلام: يقاتل عن بيضة الإسلام قال: يجاهد؟
قال عليه السّلام: لا، إلّا أن يخاف على دار المسلمين، أرأيتك لو أنّ الروم دخلوا على المسلمين لم يسع لهم أن يمنعوهم، قال: يرابط و لا يقاتل، و إن خاف على بيضة الإسلام و المسلمين قاتل فيكون قتاله لنفسه ليس للسلطان، لأنّ في دروس الإسلام دروس ذكر محمد صلّى اللّه عليه و آله۸».
و من الإجماع إجماع المسلمين.
و من العقل حكمه القطعي برجحان التحذر عن كيد الخائنين و المشركين و المنافقين.
ثمَّ إنّ ظاهر الآية الكريمة و إن كان هو الوجوب مطلقا لكن كونها في مقام المدح يسقط هذا الظهور، مضافا إلى ظهور الإجماع على عدم الوجوب و يمكن اتصافها بالوجوب أيضا لأجل مصالح يراها وليّ الأمر، كما يمكن أن يتصف بالحرمة لأجل مفاسد مترتبة عليها.