استحبابا مؤكدا، بل يظهر من بعض الأخبار وجوبه، ففي خبر الأسلمي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «قال رسول اللّه: من أتى مكة حاجا و لم يزرني إلى المدينة جفوته يوم القيامة، و من أتاني زائرا وجبت له شفاعتي، و من وجبت له شفاعتي وجبت له الجنة، و من مات في أحد الحرمين: مكة و المدينة لم يعرض و لم يحاسب، و من مات مهاجرا إلى اللّه عز و جل حشر يوم القيامة مع أصحاب بدر»۱ و في صحيح إسحاق بن عمار: «أن أبا عبد اللّه عليه السّلام قال لهم: مرّوا بالمدينة فسلّموا على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، و ان كانت الصلاة تبلغه من بعيد»۲ و مثلهما غيرهما، و استفادة تأكد الاستحباب منها مسلمة، و أما الوجوب فهو مشكل، و قد ثبت الاستحباب أيضا بضرورة من الدين و نصوص مستفيضة من الفريقين۳ ضبطها الحفاظ من المحدثين في الكتب المعتمدة.
و يمكن إثبات رجحان زيارة قبور الصلحاء و الأبرار و المتقين الأخيار بالأدلة الأربعة فضلا عن زيارة الأنبياء، و الأوصياء المعصومين، و العلماء العاملين أما من الكتاب فبالآيات المرغبة إلى التفكر في الآخرة و الدالة على فناء الدنيا و أنها لهو و لعب و هي كثيرة، و لا ريب في أن زيارة القبور من أهم موجبات ذلك، فتكون راجحة لذلك.
و أما من العقل فلا شبهة عند كل عاقل أن أهل السعادة و الأبرار ممن يتبرك الناس بهم في حياتهم و تلك البركات لا تنقطع بموتهم، بل تزداد لورودهم إلى معدن الخيرات و البركات و انقطاع نفوسهم الشريفة عن عالم الماديّات و الشهوات، و العقل يحكم بحسن التماس تلك البركات و السعي في عدم الحرمان عنها، بل زيارة قبول مطلق المؤمنين نحو تودد و تجب بالنسبة إليهم و هو مما يوجب الثواب العظيم كما في زمان حياتهم فتكون حسنة و لا بد من دركها و الاهتمام بعدم فوتها، بل هو نحو من حقوق المؤمنين بعضهم على بعض حيا و ميتا لا بد من إعمالها و القيام بدرك مصالحها.
و أما من الإجماع فإجماع جميع المسلمين بل العقلاء على رجحان زيارة قبور أهل الإيمان و الصلاح في كل ملة فضلا عن الأنبياء و المعصومين و الشهداء و العلماء العاملين و المتقين و لم يخالف في ذلك إلا بعض من انتحل الإسلام و قد تصدّى لرده علماء الفريقين من شاء فليرجع إلى الكتب المعدة لذلك كالغدير للعلامة الأميني رحمه اللّه، و قد روى الفريقان عن نبينا الأعظم صلّى اللّه عليه و آله أنه قال:
«نهيتكم عن زيارة القبور ألا فزوروها» أو قوله صلّى اللّه عليه و آله «من أراد أن يزور فليزر» و هذا الخبر مذكور في أبواب الذبائح من الحج، و في أبواب الجنائز من كتب الفريقين4.
و أما من السنّة فهي مستفيضة بل متواترة بالنسبة إلى زيارة خاتم النبيين صلّى اللّه عليه و آله قال صلّى اللّه عليه و آله: «من زارني أو زار أحدا من ذريتي زرته يوم القيامة فأنقذته من أهوالها»٥، و قال صلّى اللّه عليه و آله لعلي عليه السّلام: «يا علي من زارني في حياتي أو بعد موتي أو زارك في حياتك أو بعد موتك أو زار ابنيك في حياتهما أو بعد مماتهما ضمنت له يوم القيامة أن أخلّصه من أهوالها و شدائدها حتى أصيّره معي في درجتي»٦، و قال صلّى اللّه عليه و آله للحسن عليه السّلام: «من زارني حيا أو ميتا أو زار أباك حيا أو ميتا، أو زار أخاك حيا أو ميتا كان حقا عليّ أن أستنقذه يوم القيامة»۷، و قال صلّى اللّه عليه و آله للحسين عليه السّلام: «يا بني من أتاني زائرا بعد موتي فله الجنّة، و من أتى أباك زائرا بعد موته فله الجنّة، و من أتى أخاك زائرا بعد موته فله الجنّة، و من أتاك زائرا بعد موتك فله الجنة»۸ إلى غير ذلك من النصوص، و عن العامة بطرق شتّى عن النّبي صلّى اللّه عليه و آله: «من حج فلم يزرني فقد جفاني»۹.
فائدة: لا يخفى أن شرف الزيارة و كمالها و ثوابها يدور مدار شرف المزور و كماله و قربه عند اللّه تعالى، فكلما كان قربه إلى اللّه تعالى و أصالته بالعوالم الغيبة أقوى و أكمل تكون كذلك مرتبة زيارته حتى تكون زيارته كزيارة اللّه تعالى تنزيلا تشريفيا لا حقيقيا حتى يقال أنه محال بالنسبة إليه عز و جل.