نصا، و إجماعا، قال أبو عبد اللّه عليه السّلام في صحيح ابن عمار: «المحصور غير المصدود، و قال المحصور هو المريض، و المصدود هو الذي رده المشركون كما ردوا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله- الحديث-»۱.
المحصور: من يمنعه المرض عن إتمام نسكه على تفصيل تقدم في المصدود (۱).
(مسألة ۱): من أحرم لحج، أو عمرة مطلقا ثمَّ أحصر وجب عليه الهدي (۲)، و لا يحلّ حتّى يذبح هديه في منى إن كان الإحرام الإحصار للحج، و في مكة إن كان للعمرة (۳)، و زمانه بالنسبة إلى الحج يوم النحر و أيام التشريق (٤)، و بالنسبة إلى العمرة ليس له زمان معين (٥). نعم لا بد و أن يكون في مكة (٦) فإذا أحرز أنه ذبح أو نحر يقصّر و يحلّ من كل شيء إلّا النساء (۷)، فلا تحل له النساء حتى يحج في القابل بنفسه (۸)، أو يطاف عنه مع عدم تمكنه بنفسه من الرجوع و الطواف مباشرة (۹).
للأدلة الثلاثة: قال تعالى فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ وَ لا تَحْلِقُوا رُؤُسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ۲، و في صحيح معاوية عن الصادق عليه السّلام: «سألته عن رجل أحصر فبعث بالهدي، فقال عليه السّلام: يواعد أصحابه ميعادا، فان كان في حج فمحل الهدي يوم النحر فليقصّر من رأسه، و لا يجب عليه الحق حتى يقضي مناسكه و ان كان في عمرة فلينتظر مقدار دخول أصحابه مكة و الساعة التي يعدهم فيها، فاذا كان تلك الساعة قصّر و أحل، و إن كان مرض في الطريق بعد ما أحرم فأراد الرجوع إلى أهله رجع و نحر بدنة إن أقام مكانه، و إن كان في عمرة فإذا برئ فعليه العمرة واجبة، و إن كان عليه الحج فرجع إلى أهله و أقام ففاته الحج و كان عليه الحج من قابل فان ردوا الدراهم عليه و لم يجدوا هديا ينحرونه و قد أحل لم يكن عليه شيء و لكن يبعث من قابل و يمسك أيضا، و قال عليه السّلام: إن الحسين بن علي عليهما السلام خرج معتمرا فمرض في الطريق فبلغ عليا ذلك و هو بالمدينة فخرج في طلبه فأدركه بالسقيا و هو مريض فقال عليه السّلام: يا بني ما تشتكي؟ فقال عليه السّلام: رأسي فدعا علي عليه السّلام ببدنة فنحرها و حلق رأسه و رده إلى المدينة، فلما برئ من وجعه اعتمر- الحديث-»۳ و موثق زرعه قال: «سألته عن رجل أحصر في الحج قال عليه السّلام:
فليبعث بهديه إذا كان مع أصحابه، و محله أن يبلغ الهدي محله و محله منى يوم النحر إذا كان في الحج و إن كان في عمرة نحر بمكة فإنما عليه أن يعدهم لذلك اليوم فقد وفى و إن اختلفوا في الميعاد لم يضره إن شاء اللّه تعالى»4 و قريب منهما غيرهما، و في الجواهر دعوى الإجماع بقسميه عليه في الجملة.
و إطلاق هذه الأخبار يشمل الحج الواجب و المندوب، فلا وجه لما نسب إلى المفيد و سلار من التفرقة بينهما، للمرسل قال الصادق عليه السّلام: «المحصور بالمرض إن كان ساق هديا أقام على إحرامه حتى يبلغ الهدي محله ثمَّ يحل، و لا يقرب النساء حتى يقضي المناسك من قابل»٥ هذا إذا كان في حجة الإسلام، و أما حجة التطوع فإنه ينحر هديه و قد حل ما كان أحر منه إن شاء حج من قابل و إن لم يشأ لم يجب عليه الحج، لأن قصور سنده، و إعراض المشهور عنه أوهنه، مع أن كون تمامه من قول الإمام عليه السّلام أول الكلام.
على المشهور، لما تقدم من النصوص. و أما حسنة ابن عمار عن الصادق عليه السّلام: «إن الحسين بن علي عليهما السّلام خرج معتمرا فمرض في الطريق فبلغ عليا عليه السّلام و هو بالمدينة فخرج في طلبه فأدركه بالسقيا و هو مريض بها فقال عليه السّلام:
يا بني ما تشتكي؟ فقال عليه السّلام: اشتكي رأسي، فدعا علي عليه السّلام ببدنة فنحرها و حلق رأسه و رده إلى المدينة فلما برئ من وجعه اعتمر، فقلت: أرأيت حين برئ من وجعه أحل له النساء؟ فقال عليه السّلام: لا تحل له النساء حتى يطوف بالبيت و يسعى بين الصفا و المروة، فقلت: فما بال النبي صلّى اللّه عليه و آله حين رجع إلى المدينة حل له النساء و لم يطف بالبيت؟! فقال عليه السّلام: ليس هذا مثل هذا النبي صلّى اللّه عليه و آله كان مصدودا و الحسين عليه السّلام محصورا»٦ المعتضد بما تقدم في ذيل صحيحه الآخر، و كذا صحيحه عنه عليه السّلام أيضا أنه قال: «في المحصور و لم يسق الهدي قال عليه السّلام: ينسك و يرجع، فان لم يجد ثمن هدي صام»۷، و خبر رفاعة عن الصادق عليه السّلام قال:
«سألته عن رجل ساق الهدي ثمَّ أحصر قال عليه السّلام: يبعث بهديه قلت: هل يتمتع من قابل؟ فقال عليه السّلام: لا، و لكن يدخل في مثل ما خرج منه»۸ فيمكن حملها على بعض المحامل، مع أن ظهورها في إحرام الحسين عليه السّلام أول الكلام، كما قيل، و فعل الهدي كان صدقة تصدق بها عن ابنه الحسين عليه السّلام، فلا وجه لما نسب إلى الإسكافي من التخيير بين البعث و الذبح في مكان الحصر جمعا بين الأخبار.
و أما حملها على الضرورة فلا وجه له، لأنه مع تحقق الضرورة يجوز التقصير حينئذ لو لم يبلغ الهدي محله فيقصّر فعلا و يبعث بالهدي إلى محله، و لكنه مشكل بالنسبة إلى إطلاق الأخبار الذي يستفاد منه الذبح أو النحر في محل الحصر مع الضرورة.
فرع: لا موضوعية لبعث الهدي لمن لم يسق الهدي و لا ببعث ثمنه، بل المناط كله تحقق الهدي عنه و لو بتوكيل بعض أصدقائه، أو بالأخبار بالتلفون و نحوه لبعض إخوانه هناك أن يذبحوا عنه.
نصا، و إجماعا بالنسبة إلى يوم النحر. و أما أيام التشريق فلأنها أيام النحر كما تقدم، و يمكن أن يراد بيوم النحر في صحيح معاوية الجنس الشامل لها أيضا.
للأصل، و الإطلاق بعد عدم دليل على التعيين.
إجماعا، و نصا تقدم في موثق زرعة.
إجماعا، و نصوصا، تقدم في صحيح معاوية، و في خبر حمران «فأما المحصور فإنما يكون عليه التقصير»۹، و في صحيح معاوية «لا تحل له النساء حتى يطوف بالبيت و يسعى بين الصفا و المروة»۱۰.
إجماعا، و نصوصا تقدم بعضها.
لما تقدّم في محله من جواز الاستنابة حينئذ بلا فرق بين ما إذا كان تطوعا أو واجبا غير مستقر أو مستقرا لم يتمكن من الرجوع. نعم لو كان واجبا مستقرا و تمكن من الرجوع لا يصح له الاستنابة حينئذ.
(مسألة ۲): لو أحصر النائب عن الغير أو المتبرع عنه، فهو كمن حج عن نفسه، فيجب عليه الهدي أيضا و يحل من كل شيء حرّم عليه بالإحرام إلّا النساء فلا تحل له إلّا بطواف النساء مباشرة مع التمكن، أو بالاستنابة مع عدمه (۱۰).
لان ظاهرهم أن ما ذكر حكم الحصر مطلقا في كل محصور كذلك بلا فرق بين أقسام الحج.
(مسألة ۳): لو أحصر في عمرة التمتع و بعث الهدي و أحرز ذبحه في محله ثمَّ قصّر تحلّ له النساء بالتقصير من دون احتياج إلى طواف النساء لا مباشرة و لا استنابة مع عدمه (۱۱)، و لكن الأحوط الإتيان به مباشرة مع الإمكان و الاستنابة مع العدم (۱۲).
لأنه بالتقصير في عمرة التمتع إن أتى بها جامعا للشرائط يحل منهن أيضا و ليس فيها طواف النساء فكذا في صورة الإحصار، فيشمله كل ما دل على أنه ليس في عمرة التمتع طواف النساء من إجماع و غيره و لا وجه لزيادة الفرع على الأصل.
لاستصحاب بقاء حكم الإحرام ما لم يدل دليل على الخلاف و لذا مال جمع منهم ثاني المحققين و الشهيدين إلى توقف إحلالهن له عليه.
و فيه: أنه لا وجه للاستصحاب في مقابل ما دل على أنه ليس في عمرة التمتع طواف النساء، و إطلاق ما دل على أن المحصور يحل ببلوغ الهدي محله، و يشهد له صحيح البزنطي: «سأل أبا الحسن عليه السّلام عن محرم انكسرت ساقه أيّ شيء يكون حاله؟ و أي شيء عليه؟ قال عليه السّلام: هو حلال من كل شيء فقال: من النساء و الثياب و الطيب؟ فقال عليه السّلام: نعم من جميع ما يحرم على المحرم»۱۱ فهو و إن كان لا بد من تقييده بالنسبة إلى بعث الهدي مطلقا و بالنسبة إلى طواف النساء للحج مطلقا و العمرة المفردة و لكن تأخذ بدليل المقيد فيما ثبت التقييد، و بإطلاق الصحيح في ما لم يثبت.
(مسألة ٤): لو ظهر أنه لم يذبح الهدي له و قد تحلل لا شيء عليه من إثم، و لا كفارة فيما فعله من منافيات الإحرام. و كان عليه هدي في القابل (۱۳)، و ليمسك من حين البعث إلى يوم الوعد الثاني أيضا (۱٤).
بلا خلاف أجده في شيء في ذلك و لا إشكال كما اعترف به جمع، لأن تحلله الواقع منه قد وقع بإذن الشارع فلا بد من ترتب الأثر عليه، و عن الصادق عليه السّلام في صحيح ابن عمار- المنقول عن التهذيب- «فإن ردوا الدراهم عليه و لم يجدوا هديا ينحرونه و قد أحل لم يكن عليه شيء، و لكن يبعث من قابل و يمسك أيضا»۱۲، و في خبر زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام: «قلت: أرأيت إن ردّوا عليه دراهمه و لم يذبحوا عنه و قد أحل فأتى النساء، قال عليه السّلام: فليعد و ليس عليه شيء، و ليمسك الآن عن النساء إذا بعث»۱۳ و مثله موثق زرعة المتقدم.
على المشهور، لما مر من قوله عليه السّلام: «و يمسك» الظاهر في الوجوب. و عن جمع منهم المحقق في النافع، و الفاضل في المختلف عدم الوجوب و حمل الأخبار على الندب، للأصل بعد أن لم يكن محرما و لا في الحرم.
و فيه: أنه من الاجتهاد في مقابل النص، مع أنه يمكن أن يكون محرما أحل الشارع له ذلك ما دام لم يبعث دفعا للحرج و المشقة عنه.
(مسألة ٥): لو بعث الهدي ثمَّ زال العارض قبل التحلل وجب عليه إتمام النسك، فإن كان في عمرة مفردة أتمّها و إن كان في الحج و قد أدرك الموقفين على ما تقدم من التفصيل صح حجه (۱٥)، و إلا تحلل بعمرة مفردة (۱٦)، و عليه القضاء في القابل مع الاستقرار أو استمرار الاستطاعة وجوبا، و إلّا فندبا (۱۷).
كل ذلك لما دل على وجوب إتمام النسك بالشروع في إحرامه مع التمكن من الإتمام و المفروض تمكنه منه و ليس لبعث الهدي من حيث هو موضوعية خاصة في التحلل، بل هو محلل بشرط عدم التمكن من الإتمام مضافا إلى الإجماع، و ما يأتي من صحيح زرارة.
لعدم صحة جريان حكم المحصور عليه مع رفع عذره فيجب عليه التحلل بالعمرة كما تقدم.
أما الوجوب في الأولين: فللأدلة الدالة على الوجوب مع الاستقرار و استمرار الاستطاعة. و أما الاستحباب في الأخير: فللأدلة الدالة على استحباب الحج مطلقا حتى مع فقد الاستطاعة، مضافا إلى الإجماع و النص، ففي صحيح زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام: «إذا أحصر الرجل يبعث بهديه فإذا أفاق و وجد من نفسه خفة فليمض إن ظنّ أنه يدرك الناس، فان قدم مكة قبل أن ينحر الهدي فليقم على إحرامه حتى يفرغ من جميع المناسك و لينحر هديه، و لا شيء عليه، و إن قدم مكة و قد نحر هديه فإنّ عليه الحج من قابل أو العمرة، قلت: فان مات و هو محرم قبل أن ينتهي إلى مكة، قال عليه السّلام: يحج عنه إذا كان حجة الإسلام و يعتمر، إنما هو شيء عليه»۱4. و في التهذيب «فإن عليه الحج من قابل و العمرة» و نسخة الكافي و إن كانت أضبط كما هو المشهور، لكن الموافق للقواعد ما في نسخة التهذيب، إما بجعل العمرة العمرة التمتعية أو عمرة مفردة، و قيد القابل للحج.
(مسألة ٦): لو فات الحج بعد البعث و زال العذر قبل التقصير يتحلل بعمرة مفردة (۱۸).
لانحصار تحلله حينئذ بذلك، و تقدم مكررا أنه حكم من فاته الحج إن تمكن من العمرة.
(مسألة ۷): إذا أحصر المعتمر بالعمرة و تحلل بعد البعث، فعليه العمرة إن وجبت عليه بعد زوال العذر، و إلّا فيستحب من غير مضي زمان، و إن كان الأولى فعلها في الشهر الداخل (۱۹).
أما الوجوب فيما إذا وجبت: فلعموم دليل وجوبها و إطلاقه و أما عدم اعتبار مضي الزمان بعد زوال العذر: فللأصل و الإطلاق.
و أما الاحتياط: فملأ تقدم في فصل العمرة من أنه أولى و أحوط فراجع.
(مسألة ۸): من أراد أن يدرك فضل الحج في كل سنة يستحب له عمل يقوم مقام الحج بأن يبعث مع أحد من إخوانه ثمن أضحيته و يأمره أن يطوف عنه أسبوعا بالبيت و يذبح عنه، فاذا كان يوم عرفة لبس ثيابه، و الأولى أن تكون كثياب المحرم، و تهيأ، و أتى المسجد و لا يزال في الدعاء حتى تغرب الشمس (۲۰).
لقول أبي عبد اللّه عليه السّلام: «ما يمنع أحدكم من أن يحج كل سنة؟ فقيل: لا يبلغ ذلك أموالنا فقال عليه السّلام: أما يقدر أحدكم إذا خرج أخوه أن يبعث معه بثمن أضحية و يأمره أن يطوف عنه أسبوعا بالبيت و يذبح عنه فاذا كان يوم عرفة لبس ثيابه و تهيأ و أتى المسجد فلا يزال في الدعاء حتى تغرب الشمس»۱٥. هذا بعض الكلام في أحكام الحج و إلا فتفصيل المسائل و بسط الكلام فيه أجل من أن يستقصي قال زرارة للصادق عليه السّلام في الصحيح: «جعلني اللّه فداك إني أسألك في الحج منذ أربعين عاما فتفتيني فقال: يا زرارة بيت حج إليه قبل آدم بألفي عام تريد أن تفنى مسائله في أربعين عاما»۱٦ و الحمد للّه ربّ العالمين و لا حول و لا قوة إلا باللّه العلي العظيم و صلّى اللّه على محمد و آله الطيبين الطاهرين.
- الوسائل باب: ۱ من أبواب الإحصار و الصد حديث: ۱
- سورة البقرة: ۱۹٦ و راجع ما يتعلق بالآية المباركة في ج: ۳ من مواهب الرحمن في تفسير القرآن.
- الوسائل باب: ۲ من أبواب الإحصار و الصد حديث: ۱ و ۲.
- الوسائل باب: ۲ من أبواب الإحصار و الصد حديث: ۱ و ۲.
- الوسائل باب: ۱ من أبواب الإحصار و الصد حديث: ٦.
- الوسائل باب: ۱ من أبواب الإحصار و الصد حديث: ۲.
- الوسائل باب: ۷ من أبواب الإحصار و الصد حديث: ۱.
- الوسائل باب: 4 من أبواب الإحصار و الصد حديث: ۲.
- الوسائل باب: ٦ من أبواب الإحصار و الصد حديث: ۱.
- الوسائل باب: ۱ من أبواب الإحصار و الصد حديث ۲.
- الوسائل باب: ۷ من أبواب الإحصار و الصد حديث: ۱.
- الوسائل باب: ۲ من أبواب الإحصار و الصد حديث: ۱.
- الوسائل باب: ۱ من أبواب الإحصار و الصد حديث: ٥.
- الوسائل باب: ۳ من أبواب الإحصار و الصد حديث: ۱.
- الوسائل باب: ۹ من أبواب الإحصار و الصد حديث: ٦.
- الوسائل باب: ۱ من أبواب وجوب الحج حديث: ۱۲.