دين الميت على أقسام خمسة:
الأول: من لا مال له أصلا و لا ريب في سقوط الخطاب التكليفي بالنسبة إليه و إلى ورثته. و أما اشتغال ذمة الميت، فيمكن اعتباره له فيقال في العرف:
مات مديونا و مشغول الذمة بمال الغير خصوصا إن كان متسامحا في الأداء و هو اعتبار صحيح لا دليل على امتناعه من عقل أو شرع، و يصح صيرورته مورد الشفاعة مع المسامحة. و أمّا الخطاب التكليفي بالنسبة إلى ورثته لأداء دين مورثهم فلا دليل عليه، و مقتضى الأصل عدمه، و لكن حق الديان لا يسقط إلّا بالأداء من الزكاة أو بالإسقاط و الإبراء.
الثاني: من له مال و دينه مستغرق لماله، و لا ريب في توجه الخطاب التكليفي بأداء الدّين إلى الورثة لأولويتهم به من غيرهم، و لأنّهم المسؤولون عما يتعلق بالميت عرفا و شرعا.
و أما المال ففيه احتمالات، بل أقوال:
أولها: الانتقال إلى الديان بحسب حصص دينهم و يجب على الورثة تسليمه إليهم، و هذا من مجرد الاحتمال و لا قائل به منا، بل ادعي الإجماع بقسميه على خلافه، و مقتضى عموم ما تركه الميّت فلوارثه عدمه أيضا.
ثانيها: أن يبقى على حكم مال الميت يؤدّى منه دينه، و هو احتمال حسن ثبوتا و لا مانع منه عقلا و لا نقلا، لأنّ الملكية أمر اعتباري يصح اعتبارها للميت أيضا إن ترتب عليه ثمرة صحيحة، كما في المقام، و في دية الميت إن قطعت بعض أعضائه بعد موته فإنّها بحكم ماله يؤدّى منه دينه كما يأتي إن شاء اللّه تعالى.
و قد يستدل عليه مضافا إلى الأصل، بجملة من الأخبار:
منها: خبر السكوني عن الصادق (عليه السلام): «أول شيء يبدأ به من المال الكفن، ثمَّ الدّين، ثمَّ الوصية، ثمَّ الميراث»٥.
حيث أضاف المال إلى الميت، و يستفاد منه بقاء ملكيته لتمام ماله.
و فيه: أنّه في مقام بيان وجوب هذا الترتيب، و تقديم الأهمّ فالأهمّ، و لا يستفاد منه حكم مالك المال بعد صاحبه، و مثله قول عليّ (عليه السلام) في خبر محمد بن قيس: «الدّين قبل الوصية، ثمَّ الوصية على أثر الدّين، ثمَّ الميراث بعد الوصية، فإنّ أول القضاء كتاب اللّه»٦.
بل هو أظهر في ما ذكرناه من سابقة، كما لا يخفى.
و منها: خبر عباد بن صهيب عن أبي عبد اللّه (عليه السلام): «في رجل فرط في إخراج زكاته في حياته، فلما حضرته الوفاة حسب جميع ما فرط فيه مما لزمه من الزكاة، ثمَّ أوصى به أن يخرج ذلك فيدفع إلى من يجب له، قال:
فقال (عليه السلام): جائز يخرج ذلك من جميع المال إنّما هو بمنزلة الدّين لو كان عليه ليس للورثة شيء حتّى يؤدّوا ما أوصى به من الزكاة»۷.
و فيه: أنّ المراد بقوله (عليه السلام): «ليس للورثة شيء» أي ليس لهم التغيير و لا التصرف في المال لتعلق حق الغير به حتّى يؤدوا ما أوصى به و ليس في مقام بيان بقاء المال على ملك الميت، و لا ظهور له فيه حتّى يصح الاستدلال به لذلك في مقابل المرتكزات من انتقال المال إلى الوارث و انقطاع علاقة الميت عن ماله بموته، و غير ذلك من الأخبار التي لا تكون في الدلالة مثل ما ذكر.
ثالثها: انتقال المال إلى الورثة متعلقا بحق الغير و هو المطابق للمرتكزات، لأنّ العرف و العقلاء و المتشرعة يرون لصاحب الحق أخذ حقه من التركة مع امتناع الورثة عن الأداء، فيكون المال بعد موت صاحبه، كوثيقة الدين، مضافا إلى أنّه ادعى عليه الإجماع، و تدل عليه العمومات و الإطلاقات الدالة على أنّ ما تركه الميت فلوارثه، مع أنّ الورثة بعد موت مورثهم يرون أنفسهم واجدين لشيء من المال بعد أن كانوا فاقدين له، لكنّه ملك طلق مع عدم الدّين، و متعلق لحق الغير مع الدّين و لا ثمرة عملية معتنى بها بين القولين، لعدم جواز تصرف الوارثة في المال قبل أداء الحق على كلّ منهما و جوازه بعده على كلا القولين.
ثمَّ إنّ ظاهر المشهور أنّ تعلق حق الديان بمال الميت كتعلق حق الرهانة و هو متين و مطابق للمرتكزات أيضا، فيكون الرهن على قسمين: رهن اختياري حاصل في حال الحياة، و رهن عرفي غير اختياري حاصل بعد الممات، و كما لا يجوز للورثة التصرف إلّا برضاء من له الحق كذلك لا يجوز لغيرهم أيضا، لوحدة المناط فيهما.
الثالث من أقسام دين الميت: ما إذا كان أقلّ من التركة، و ظاهر ما تقدم من الأخبار- كظاهر الكلمات- عدم جواز التصرف فيها للورثة إلّا مع الأداء أو الضمان الشرعي، و نسب إلى المحقق الثاني (رحمه اللّه) الجواز في هذا القسم، لإطلاق صحيح البزنطي: «في من مات و ترك عيالا و عليه دين، قال (عليه السلام): إن استيقن أنّ الذي عليه يحيط بجميع المال فلا ينفق عليهم، و إن لم يستيقن فلينفق عليهم من وسط المال»۸.
و مثله صحيح ابن الحجاج۹، فإذا كان الإنفاق الذي هو إتلاف المال جائزا يجوز التصرف بغيره بالأولى.
و فيه: أنّ ذلك من باب إحراز الرضا في الدين غير المستغرق خصوصا بالنسبة إلى الإنفاق لعيال الميت الذي يرضى به نوع المدينين و يستنكرون ممن لا يرضى بذلك، فلا ربط له بالمقام. نعم، لو كان تعلق الحق بنحو الكليّ في المعين يصح للورثة التصرف فيها ما بقي مقدار الدّين فلا يجوز بعد ذلك، و لكنه خلاف ظاهر إطلاق الأخبار و الكلمات.
إلّا أن يقال: بانصرافها عن هذا القسم خصوصا إن كان الدّين قليلا، و التركة كثيرة فيعمل حينئذ بحسب القاعدة، و هي أنّ التعلق بنحو الكليّ في المعيّن معلوم، و بنحو آخر مشكوك و مقتضى الأصل عدمه.
الرابع: أن يكون الدّين أكثر من التركة و حكمه من حيث عدم جواز تصرف الورثة في التركة حكم القسم الثاني، و من حيث التقسيم أن يقسم المال بين الغرماء بالحصص.
الخامس: ما إذا وجد الغريم عين ماله في التركة، و فيه تفصيل يأتي في كتاب المفلّس في أحكام الدّين و الحجر إن شاء اللّه تعالى.
فرعان- (الأول): لو تصرف الورثة في المال ثمَّ أدوا الدّين يكون من صغريات الفضولي، و كذا لو أجاز الديان.
(الثاني): لا فرق بين أقسام الدّين من ثمن المبيع، أو عوض الإجارة، أو مهر الزوجة، و عوض المتلفات، و الكفارات، و القرض و نحوها.