بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد واله الطاهرين واللعنة على اعدائهم اجمعين الى يوم الدين.
الموضوع: مقدمات الحكمة[1]
قالوا ان مقدمات الحكمة التي تصلح مع الاطلاق في المطلقات والعموم في العمومات اضافة الى كون المتكلم في مقام البيان، وعدم نصب قرينة على الخلاف، وعدم وجود القدر المتيقن في البين، إذا ثبتت هذه المقدمات يثبت الاطلاق والعموم حتما
وقد فصلنا بعض هذه المقدمات وخلاصتها ترجع الى كلمة واحدة وهي ان ظاهر حال المتكلم حجة كما ان ظاهر مقاله حجة، فلا ريب ولا اشكال في ان ظواهر الالفاظ حجة وعليها تدور الاستفادة والإفادة نظير ما في خلاصة مقدمات الحكمة ان ظاهر حال المتكلم أيضا حجة، فان حال المتكلم العاقل حاله يقتضي انه لو كان مراده المقيد او مراده الخاص من العمومات ان يبين الخصوص والقيد وحيث انه لم يبين ظاهر حاله يقتضي انه أراد العموم والاطلاق، فلا فرق في المحاورات العرفية بين حجية ظواهر الالفاظ وحجية ظواهر الحالات وهذه خلاصة مقدمات الحكمة.
ثم انهم قالوا ان من قراءة مقدمات الحكمة ان لا يكون قدر متيقن في البين فلو كان لكلام المتكلم قدر متيقن يصير هو المناط وليس لنا استظهار الاطلاق من كلامه ومن حاله، والقدر المتيقن على اقسام
القسم الأول: القدر المتيقن المراد منه الذي لا يلتفت اليه المتكلم ابدا
القسم الثاني: القدر المتيقن الخارجي
القسم الثالث: القدر المتيقن الذي يوجب ظهور اللفظ فيه
فان القدر المتيقن المانع عن الاطلاق هو القسم الثالث فقط فاذا كان ظهور القدر المتيقن موجب لظهور اللفظ بالقدر المتيقن فيكون مقيد ويوجب سقوط الاطلاق بعده، فمراد الاصوليون والعلماء من ان يكون القدر المتيقن في البين وجعلهم ذلك من احدى مقدمات الحكم قدر متيقن يوجب ظهور اللفظ فيه في تمام التخاطب والمحاورات، ولكن لو كان قدر متيقن في الواقع ولم يلتفت اليه المتكلم او كان قدر متيقن خارجي ولم يلتفت اليه فهذا النحو من القدر المتيقن لا يخل بالإطلاق يجوز لنا ان نأخذ بأطلاق كلامه
إذا لابد ان نقيد القدر المتيقن يوجب سقوط الاطلاق بالقدر المتيقن الخاص وهو ما إذا اوجب ظهور اللفظ بالقدر المتيقن فينافي الاطلاق ولكن ما لم يوجد ظهور اللفظ فيه يصح لنا التمسك بالإطلاق
ثم ان جمع من الأصوليين اضافوا في مقدمات الحكمة مقدمة أخرى فقالوا:
انه يعتبر في جريان مقدمات الحكمة ان يكون المورد قابلا للأطلاق والتقيد ولو لم يكن المورد قابلا للأطلاق والتقيد فلا اساس لجريان لمقدمات الحكمة، لان جريانها باستظهار الاطلاق من الكلام فاذا لم يكن المورد قابل للأطلاق والتقيد فكيف تجري مقدمات الحكمة من هذه الجهة
وعلى هذا فان مقدمات الحكمة لا تجري في جميع المعاني الالية الحرفية لما اثبتناه في المعاني الحرفية من انها اللية وليست استقلالية وان مقدمات الحكمة انما تجري في المعاني الاستقلالية دون الالية فان مقدمات الحكمة تختص بخصوص المعاني الاستقلالية فقط، هذا كلامهم (قدس اسرارهم)
ولكن هذا الشرط ساقط وذاك الشرط ساقط أيضا لما اثبتناه سابقا[2] من ان جميع المعاني الحرفية تابع للمعاني الاسمية ولا فرق في جريان مقدمات الحكمة بأثبات الاطلاق والتقيد والعموم والخصوص بين ما إذا جرت وثبتت في نفس المعاني الاستقلالية او جرت وثبتت فيما اتبع المعاني الاستقلالية
فاذا قلت سرت من البصرة الى الكوفة او ان جاءك زيد فأكرمه، أرى ان الاكرام الذي هو معنى اسمي والمجيئ الذي هو أيضا معنى اسمي تتصف بالإطلاق والتقيد ولفظ (من، الى) أيضا تتصف بالإطلاق والتقيد، الا ان الاتصاف بالمعاني الاسمية استقلالي وفي المعاني الحرفية تبعي واللي.
فهذا الرأي لا وجه له وان ذكره بعض الاعاظم في خطابه والسبب انما هو مجرد كونه في مقام البيان وعدم نصب قرينة على الكلام
ثم انهم ذكروا انه كيف يحرز كون المتكلم في مقام البيان هل يقيم دلالة معتبرة على احراز هذه الجهة او لا؟، لابد من التأمل في ذلك.
والحق ان يقال ان مقتضى الأصل المحاوري في محاورات الناس مع بعضهم ان يكون كل متكلم في بيان مراده الا ان تقام قرينة على الخلاف[3]، فيصح لنا جعل هذا أصل محاوري لأننا إذا راجعنا الى بلداننا وبلدان اهل المحاورة نستظهر هذا الأصل منهم
ثم ان مقام البيان يختلف باختلاف الخصوصيات تارة يكون بيان المراد أبدي دائمي كمراد المولى جل علاه والشريعة المقدسة حيث ان الشريعة مبنية على الدوام والتأبيد فالمراد في خطاباتها هو في مقام بيان المراد الى الابد، وتارة يكون في ظرف مخصوص ولشخص مخصوص ولجهة مخصوصة
فاذا أحرزنا انه في مقام البيان في كل جهة من الجهات نعرف إطلاق كلامه في أي جهة والا ليس لنا ان نأخذ بالإطلاق في تلك الجهة اذ يمكن ان يكون الكلام مقيد ومطلق من جهة ومجمل ومقيد من جهة أخرى فمقام البيان من الأمور الإضافية في كل مورد وجهة يحرز كونه في مقام البيان يثبت الاطلاق وان لم يحرز ليس لنا ان نتمسك بأطلاقها.
[1] تهذيب الأصول، السبزواري، السيد عبد الأعلى، ج1، ص156.