لا بدّ من البحث عن أمور:
الأول: لا ريب في اعتبار القصد و الإرادة في غسل الميت، لأنّه فعل اختياري متقوّم بالقصد و ليس مثل إزالة الخبث عن الثوب و البدن المتحقق بأيّ نحو اتفق و لو بلا شعور و لا التفات- كالوقوع غفلة في الماء المعتصم، أو نزول المطر عليه أو نحو ذلك- و يدل عليه ظواهر الأخبار و إجماع الإمامية، بل المسلمين، فإن كان مراد ما نسب إلى السيد و العلامة و بعض متأخري المتأخرين من نفي اعتبار النية و تحقق الغسل و لو بوقوع الميت في الماء غفلة و نزول المطر عليه فلا ريب في بطلانه، لكونه خلاف ظواهر الأدلة، بل الضرورة بين المسلمين.
و ما ورد عن الرضا (عليه السّلام): «إنّما أمر بغسل الميت لأنه إذا مات كان الغالب عليه النجاسة و الآفة و الأذى فأحب أن يكون طاهرا إذا باشر أهل الطهارة من الملائكة- الحديث-»(۱).
إنّما هو من بعض الحكم لا العلة التامة المنحصرة كما يستفاد من سائر الأخبار، فليس غسل الميت كإزالة الخباثة المحضة بحيث يكفي بها بأيّ وجه اتفق. الثاني: ظاهرهم الإجماع على اعتبار القربة في غسل الميت، بل الأغسال مطلقا و يقتضيه صحيح ابن مسلم: «غسل الميت مثل غسل الجنب»(۲).
فإنّ إطلاق المماثلة يقتضي اعتبار القربة في غسل الميت كاعتبارها في غسل الجنابة، و كذا ما ورد من: «أنّه ليس من ميت يموت إلّا خرجت منه الجنابة، فلذلك وجب الغسل» (۳).
فلا إشكال في أصل اعتبارها في الجملة إنّما البحث في الأمر الآتي و هو:
الثالث: أنّ القربة المعتبرة فيه كالقربة المعتبرة في الصلاة و الصوم و الحج و نحوها من العبادات الخاصة أو إنّ قصد نفس حسنها و محبوبيتها الذاتية من جهة كونها نظافة خاصة يكفي في عباديتها و ترتب الثواب عليها لأنّها حسنة و مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها(٤).
و كذا الكلام في الصدقات واجبة كانت أو مندوبة، و السعي في قضاء حوائج المؤمن و نحو ذلك مما هو كثير و داخل تحت إطلاق قوله تعالى فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجاهِدِينَ بِأَمْوالِهِمْ وَ أَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقاعِدِينَ دَرَجَةً(٥).
و قوله تعالى وَ ما تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ*(٦).
إلى غيرها من الآيات و الأخبار الواردة في سياق ذلك الظاهرة في أنّ إتيان ما هو حسن شرعا نحو تقرّب و موجب لترتب الثواب، و لا وجه للتمسك لاعتبارها بقوله تعالى وَ ما أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ(۷).
و قوله عليه السّلام «إنّما الأعمال بالنيّات»(۸).
و قوله عليه السّلام: «إنّما لكلّ امرئ ما نوى»(۹) لما تقدم مرارا في هذا الكتاب. و أما الإجماع فقيامه على أزيد مما قلناه من كلّ جهة مشكل لو لم يكن ممنوعا و طريق الاحتياط قصد القربة زائدا على قصد ذات العمل كما في الصلاة و غيرها.
إن قلت: إذا كان قصد ما هو حسن من حيث هو كاف في التقرب به فليكن في الصلاة و الحج و الصوم و نحوها أيضا كذلك، لأنّها أيضا حسنة بذاتها بل أحسن من كلّ حسن.
قلت: الظاهر الصحة إن كان قصد حسنها قصدا إجماليا للتقرب بها إلى اللّه تعالى، لفرض حصول قصد التقرب بها حينئذ.
الرابع: يتقرب كلّ من الغاسل و الميت بهذا الغسل. أما الأول فلقول أبي جعفر عليه السّلام: «كان فيما ناجى اللّه به موسى ربه، قال: يا رب ما لمن غسّل الموتى؟ فقال تعالى: أغسله من ذنوبه كما ولدته أمّه»(۱۰).
و أما الأخير فلقول الرضا عليه السّلام: «أن يكون طاهرا نظيفا متوجها به إلى اللّه عزّ و جلّ ليطلب وجهه و ليشفع له»(۱۱).
و لا مانع من حصول التقرب للميت بعد موته عقلا و نقلا، كما ستأتي نصوص كثيرة دالة عليه في قضاء الصلاة إن شاء اللّه تعالى، و في الصدقات و الوقوف و غيرها.