و لا بد أولا من الإشارة إلى أمور:
الأول: لا ريب بين المسلمين أنّ القيام في الجملة من أفعال الصلاة، و قال تعالى الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِياماً وَ قُعُوداً۱، يعني أنّ الصحيح يصلّي قائما و المريض قاعدا، كما في الحديث۲، و قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:
«من لم يقم صلبه فلا صلاة له»۳.
و ستأتي جملة أخرى من الأخبار أيضا.
الثاني: ينقسم القيام في الصلاة حسب الأحكام الخمسة، فالواجب ما كان في ضمن واجب، و المندوب ما كان في ضمن مندوب، كالقنوت مثلا و المباح ما لم يكن في ضمنهما. و الحرام ما كان منه ماحيا للصورة الصلاتية، أو قيام المريض المضر بحاله الذي يكون تكليفه الصلاة عن جلوس و نحو ذلك.
و المكروه كالصلاة في مواضع التهمة بحيث تترتب التهمة على نفس القيام، فهو من المكروه و بمعنى أقلية الثواب، كما هو الشأن في المكروهات المتعلقة بالصلاة.
الثالث: القيام من المبيّنات العرفية عند كلّ مذهب و ملة، و كلّ عابد يقوم لدى معبوده و يتخاضع له، فإن ورد من الشرع ما دل على اعتبار قيد زائد فيه نأخذ به و إلا فالمتبع إنّما هو العرف و العادة فيما يتحقق به القيام، مع أنّ أصالة البراءة تنفي كل ما شك في شرطيته في المقام، كما يأتي التفصيل في مستقبل الكلام.
الرابع: دخل المندوبات في الواجبات تارة بجامع أصل المحبوبية، و ذات الطلب و الرجحان، و أخرى: بوصف الندب المقابل للوجوب، و يكون الدخل على نحو يصير الواجب من أفضل أفراد الواجب، و ثالثة: بكونها جزء الفرد لا جزء ذات الطبيعة من حيث الوجوب، و رابعة: بكونها جزءا لطبيعة الواجب المهملة في غاية الإهمال القابلة الصدق على كلّ ما يقارنها، و خامسة: تكون جزء الطبيعة من حيث الوجوب بنحو المسامحة العرفية، كجزئية الألوان و التزيينات للبيت مع كون قوام البيت بشيء آخر، و سادسة: تكون جزءا للطبيعة من حيث الوجوب بنحو الدقة العقلية. و الكلّ صحيح غير الأخير، و يصح تنزيل الأدلة الشرعية على الجميع خصوصا الوجه الخامس، و يصح دخل القيام المندوب في الصلاة بأحد من الوجوه المزبورة، و هكذا سائر مندوبات الصلاة.
و ما يقال تارة: بأنّ لازم بعض الوجوه- كالوجه الثاني- صحة إتيان الأجزاء المندوبة بقصد الوجوب. و هو خلاف الإجماع. و أخرى: بأنّه خلاف ظواهر الأدلة الدالة على استحباب تلك الأجزاء.
مردود: بأنّه لا ملازمة عقلا و لا شرعا و لا عرفا بين صيرورة شيء موجبا لأفضلية واجب من بين سائر أفراد ذلك الواجب، و صحة قصد الوجوب بذلك الشيء، لأنّ جهات الأفضلية خارجة عن قوام الشيء و ذاته و لا مخالفة فيه لظواهر الأدلة الدالة على استحباب ذلك الشيء، إذ لا ينقلب حكمه بصيرورته موجبا لأفضلية الفرد الواجب عن الفرد الفاقد لها.