بشهادة وجدان كلّ ذي شعور بذلك و هذا شامل لجميع الأفعال عبادة كانت أو غيرها.
و هي القصد إلى الفعل (۱) بعنوان الامتثال (۲) و القربة (۳)، و يكفي فيها الداعي القلبي (٤)، و لا يعتبر فيها الإخطار بالبال و لا التلفظ (٥)،فحال الصلاة و سائر العبادات حال سائر الأعمال و الأفعال الاختيارية كالأكل و الشرب و القيام و القعود و نحوها من حيث النية. نعم، تزيد عليها باعتبار القربة فيها: بأن يكون الداعي و المحرّك هو الامتثال و القربة (٦). و لغايات الامتثال درجات: أحدها- و هو أعلاها-: أن يقصد امتثال أمر اللّه تعالى لأنّه أهل للعبادة و الطاعة (۷)، و هذا ما أشار إليه أمير المؤمنين عليه السلام بقوله: «إلهي ما عبدتك خوفا من نارك، و لا طمعا في جنتك بل وجدتك أهلا للعبادة فعبدتك». الثاني: أن يقصد شكر نعمة التي لا تحصى (۸). الثالث: أن يقصد به تحصيل رضاه و الفرار من سخطه (۹). الرابع: أن يقصد به حصول القربة إليه (۱۰). الخامس: أن يقصد به الثواب و رفع العقاب (۱۱)، بأن يكون الداعي إلى امتثال أمره رجاء ثوابه و تخليصه من النار، و أما إذا كان قصده ذلك على وجه المعاوضة من دون أن يكون برجاء إثابته تعالى فيشكل صحته، و ما ورد من صلاة الاستسقاء و صلاة الحاجة إنّما يصح إذا كان على الوجه الأول.
هذا القيد يختص بخصوص العباديات فقط، و في غيره يكفي قصد ذات الفعل و لو لم يكن بعنوان الامتثال. نعم، يقولون إنّ ترتب الثواب في غيرها يتوقف على قصد الامتثال و هذا قول بلا دليل.
بضرورة من الدّين في العباديات التي أهمّها الصلاة.
لشهادة وجدان كلّ عاقل و تقدمت الإشارة إليه في الجهة الرابعة، فراجع.
للأصل، و بناء العقلاء في جميع أفعالهم الاختيارية. نعم، قد يتعلق الغرض بتصور صورة العمل بجميع مزاياه و خصوصياته، بل و تخطيطه أولا في الخارج و التدقيق فيه ثمَّ العمل على طبقه، لكنّه يختص بأعمال خاصة مسبوقة بالعدم من جميع الجهات و الخصوصيات لا الأعمال الشائعة المعلومة، عرفية كانت أو شرعية هذا مع الإجماع على عدم اعتبار التلفظ.
نعم، نسب إلى المشهور لزوم الإخطار، و مقارنة النية مع أول جزء من العمل، فإن أرادوا ذلك بنحو الإجمال فالداعي لا ينفك عنه قهرا، و إن أرادوا
بنحو التفصيل، كما استظهر من كلماتهم فلا دليل لهم من عقل أو نقل، بل الأصل و العرف و سهولة الشريعة المقدسة و الوجدان تنفيه، و على هذا يسقط أصل البحث عن لزوم مقارنة النية مع العمل و استمرارها الحكمي حينه لأنّ الداعي مع العامل قبل العمل و حين الشروع فيه و حال الإتيان به إلى الفراغ عنه، و العمل يصدر حدوثا و بقاء عن هذا الداعي، كما في جميع الأفعال الاختيارية التي لها وحدة صورية و لها نحو استمرار في الجملة، كالأكل حتّى يشبع، و المشي إلى محلّ خاص، و غسل ثوب حتّى يطهر و نحو ذلك من الفطريات الأولية غير القابلة للبحث عنها بالمرة، كما يصنعه بعض المحققين.
الأفعال الصادرة عن المكلّف تارة: تكون بلا داع عقلائي و شرعي و يعبّر عنها بالعبث. و أخرى: تكون لداع عقلائي غير منهيّ عنه شرعا، و هذه هي الأفعال التي يقوم بها النظام و تحصل بها مقاصد الأنام. و ثالثة: تكون لأجل التقرب بها إلى المعبود و يعبّر عنها بالعباديات، و هي أفعال خاصة- كالصلاة و الزكاة و الحج و نحوها- و يعتبر في ترتب الأثر عليها قصد القربة بفطرة كلّ عابد بالنسبة إلى معبوده، و هي عبارة عن داعوية الإضافة إلى المعبود لإتيان العمل على ما يأتي من التفصيل، فتبطل بدون ذلك و إن تحقق فيها جميع الأجزاء و الشرائط.
و تقدم أنّ الصلاة من العباديات فيشترط في صحتها أن يكون إتيانها لجهة إضافتها إلى اللّه تعالى، و جهات الإضافة إليه عزّ و جلّ كثيرة يأتي التعرض لها.
ثمَّ إنّ معنى الامتثال إنّما هو قصد الأمر، و بذلك تحصل القربة، فعطفها على الامتثال في كلامه (قدس سره) لعلّه من عطف المسبّب على السبب، و فيه مسامحة واضحة.
لتمحض العبادة حينئذ له تعالى و خلوصها عن الإضافة إلى ما سواه عزّ و جلّ، لأنّ مراتب العبادة تدور مدار مراتب كمال التوحيد و الإخلاص و محبة العبد لربه، ففي رواية ابن خارجة عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «العبادة ثلاثة: قوم عبدوا اللّه عزّ و جلّ خوفا فتلك عبادة العبيد، و قوم عبدوا اللّه تبارك و تعالى طلب الثواب فتلك عبادة الأجراء، و قوم عبدوا اللّه عزّ و جلّ حبّا له فتلك عبادة الأحرار و هي أفضل العبادة»۱.
و نحوها غيرها. و أما ما رواه في المتن عن أمير المؤمنين عليه السلام فلم أجده من طرقنا فيما تفحصت، مع أنّه منقوض بكثرة ما ورد منه عليه السلام و من ذريته المعصومين عليهم السلام من طلب الجنة من اللّه تعالى و الاستعاذة به من النار في الدعوات المأثورة عنهم عليهم السلام مع ما ورد عنه عليه السلام فيما أوقفه: «هذا ما أوصى به و قضى في ماله عبد اللّه عليّ ابتغاء وجه اللّه ليولجني به الجنة و يصرفني به عن النار، و يصرف النار عني يوم تبيض وجوه و تسود وجوه»۲ مضافا إلى ما ورد في القرآن الكريم يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَ طَمَعاً۳.
لإضافة العمل حينئذ إليه تبارك و تعالى، لأنّ عبادة المنعم شكر فعليّ له على نعمه، و هو أفضل من الشكر القولي بمراتب: و أما أنّ نعمة لا تحصى فهو مما دلت عليه الأدلة العقلية و السمعية، و وجدان كلّ ملتفت و متوجه و لو في الجملة.
لقوله تعالى يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَ طَمَعاً.
و لما تقدم في خبر هارون بن خارجة من قول أبي عبد اللّه عليه السلام:
«و قوم عبدوا اللّه عزّ و جلّ خوفا .. و قوم عبدوا اللّه تبارك و تعالى طلب الثواب».
لأنّ التقرب إلى العظيم من كلّ جهة مطلوب فطريّ لكلّ عاقل فتكون العبادة موجبة للقرب إليه تعالى. و المراد بقرب العبد إليه عزّ و جلّ القرب إلى رحمته و موجبات غفرانه و ثوابه، لا القرب المكاني لتنزهه عزّ و جلّ عن المكان و لا يعقل ذلك بالنسبة إليه و هو تعالى أقرب إلى كلّ أحد من حبل الوريد، مطيعا كان أو عاصيا.
كما أنّ المراد بقرب اللّه تعالى من عبده نعمه و ألطافه و بره و إحسانه، و يمكن أن يراد القرب المعنوي الروحاني و يشهد له صحيح أبان عن أبي جعفر عليه السلام: «قال اللّه عزّ و جلّ ما يقرب إليّ عبد من عبادي بشيء أحبّ إليّ مما افترضت عليه و إنّه ليتقرب إليّ بالنافلة حتّى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، و بصره الذي يبصر به، و لسانه الذي ينطق به، و يده التي يبطش بها- الحديث-»4.
و لا ريب في ظهوره في التقرب المعنوي الذي يحصل به من العبد بعض الأفعال الربوبية.
قصد الثواب و الفرار من العقاب على قسمين:
الأول: أن يلحظ كلّ منهما طريقا إلى امتثاله تبارك و تعالى فيرجع إلى القسم الثالث، و تقدم أنّه صحيح.
الثاني: أن يلحظ كلّ منهما في حد نفسه مع قطع النظر عن الإضافة إليه تعالى، و لا يصح هذا بحسب القاعدة، لعدم تحقق إضافة الامتثال إليه تبارك و تعالى، و يمكن أن يحمل- ما نسب إلى المشهور من عدم صحة هذا القسم- على خصوص القسم الأخير دون الأصل.
فروع- (الأول): قصد الآثار الوضعية للعبادات إن كان بعنوان أنّ اللّه- تعالى- جعلها فيها و يكون وضعها و رفعها حدوثا و بقاء بإرادته تعالى، فالظاهر أنّه يرجع إلى امتثال أمر اللّه تبارك و تعالى، فتصح حينئذ.
(الثاني): قصد الأمر و القربة تارة: يكون بالمطابقة كما إذا نوى أصلّي صلاة الظهر- مثلا- لامتثال أمر اللّه قربة إليه تعالى و لا ريب في الإجزاء و الصحة، و أخرى: بالتضمن كما إذا نوى أصلّي الظهر من دون نية شيء آخر، لكن مع الالتفات بأنّ صلاة الظهر مأمور بها و موجبة للتقرب و الظاهر الإجزاء أيضا، لأنّه قصد الأمر و القربة ضمنا و لا دليل على اعتبار أزيد من ذلك. نعم، لو لم يكن متوجها إلى الأمر و القربة، فلا وجه للإجزاء حينئذ، لعدم تحقق قصد الأمر لا مطابقة و لا ضمنا.
(الثالث): لو قصد العامي هكذا أصلّي كما يصلّي مقلّدي- أو قصد المأموم أصلّي ما يصلّي الإمام- فالظاهر الصحة، لتحقق قصد الأمر تبعا و قد ورد في الإحرام ما يدل على الصحة و يأتي في [مسألة ۸] من (فصل كيفية الإحرام).
و خلاصة الكلام: أنّه لا بد في صحة العبادة من إضافة صدورها إلى اللّه تعالى و كون تلك الإضافة داعية إلى الصدور سواء كانت بالمطابقة، أو بالتضمن، أو بالتبع و سواء حصلت الإضافة في نفس العبادة أو في سلسلة مبادئها أو في آثارها و غاياتها و قد تقدم في نية الوضوء بعض الكلام، فراجع.
(مسألة ۱): يجب تعيين العمل إذا كان ما عليه فعلا متعددا (۱۲) و لكن يكفي التعيين الإجمالي (۱۳)، و كأن ينوي ما وجب عليه أولا من الصلاتين مثلا، أو ينوي ما اشتغلت ذمته به أولا أو ثانيا، و لا يجب مع الاتحاد (۱٤).
للإجماع، و لأنّ النية في العبادات عبارة عن قصد المأمور به من حيث الإضافة إليه تعالى و داعوية ذلك للإتيان به و المبهم من حيث الإبهام و التردد لا تحقق له لا واقعا و لا ذهنا، فكيف يصح أن يتعلق به القصد، مع أنّه لا يتعلق إلا بما له نحو ثبوت، مضافا إلى أنّهم أرسلوا إرسال المسلّمات أنّ ما يتعيّن في المأمور به يتعيّن في العمل، و ما يتعيّن في العمل يتعيّن في النية، و جعل ذلك من القواعد الفقهية، فالتقرب لا بد و أن يكون بقصد المأمور به و هو متعيّن مخصوص، فلا بد و أن يتعيّن في القصد أيضا لو لم يكن في البين ما يوجب تحقق التعيين القصدي على ما يأتي من التفصيل، فاعتبار التعيين إنّما هو لأجل تصحيح تعلق القصد و الإرادة بالمأمور به، و لتحقق الامتثال لا أن يكون فيه موضوعية خاصة و لذا لو كان متعينا في الخارج يجزي تعيّنه الخارجي عن تعيينه في القصد، فيكفي حينئذ قصد نفس ذات المأمور به كما لو كان متحدا، أو كان الزمان لا يصلح لغيره- كما في صوم شهر رمضان- فمقتضى الأصل و إن كان عدم وجوب التعيين مطلقا، لكنه يجب من جهة توقف الاختيار و الامتثال عليه فوجوبه مقدميّ طريقيّ كوجوب تعلم أحكام الصلاة مثلا.
ثمَّ إنّ قصد التعيين تارة: التفاتي تفصيليّ، و أخرى: التفاتي إجمالي، و ثالثة: يكون بالعنوان المشير إلى المأمور به كما هو الواجب أو لا مثلا، و رابعة: يكون واقعيا ارتكازيا من غير التفات إليه أصلا، و لكن يكون بحيث لو توجه لعين المأمور به في المأتي به، و مقتضى الأصل إجزاء الجميع لأنّ المسألة من صغريات الأقلّ و الأكثر، لأنّ وجوب الزائد على القسم الأخير مشكوك، فينفى بالأصل، فالمسلم الذي يصلّي في كلّ يوم و ليلة خمس صلوات و يقدم بحسب فطرته الإسلامية الظهر على العصر، و المغرب على العشاء، فهذا النحو من التعين الارتكازي يجزي و لا دليل على اعتبار الأزيد منه فجميع العناوين المأخوذة
في متعلق الأمر من الظهرية و العصرية و الأدائية و القضائية و نحوها لها طريقية محضة إلى إتيان التكليف الفعلي، فمع تحقق القصد إلى التكليف يجزي و يصح بأيّ وجه كان، و مع عدمه فلا وجه للصحة.
هذا خلاصة ما ينبغي أن يقال في المقام و إن طال من أصحابنا البحث و الكلام.
لأصالة البراءة عن وجوب الزائد عليه بعد حصول المقصود به.
لأنّ تعينه بذاته يغني عن تعينه قصدا.
(مسألة ۲): لا يجب قصد الأداء و القضاء (۱٥)، و لا القصر و التمام (۱٦)، و لا الوجوب و الندب (۱۷)، إلا مع توقف التعيين على قصد أحدهما، بل لو قصد أحد الأمرين في مقام الآخر صح إذا كان على وجه الاشتباه في التطبيق، كأن قصد امتثال الأمر المتعلق به فعلا و تخيل أنّه أمر أدائي فبان قضائيا أو بالعكس، أو تخيل أنّه وجوبيّ فبان ندبيا أو بالعكس، و كذا القصر و التمام (۱۸)، و أما إذا كان على وجه التقييد فلا يكون صحيحا، كما إذا قصد امتثال الأمر الأدائي ليس إلا، أو الأمر الوجوبي ليس إلا، فبان الخلاف فإنّه باطل (۱۹).
للأصل بعد عدم دليل عليه، و نسب إلى المشهور الوجوب لأنّ العمل مشترك بينهما فلا يتعيّن إلا بالقصد، بل ظاهرهم وجوب تعيين كلّ ما أخذ في متعلق الأمر من العناوين القصدية التي يتوقف تمييز العمل المشترك على قصدها و نيتها، كالظهرية و العصرية، و الأدائية و القضائية و نحوها و هو حسن إن توقف التعيين على قصدها، فيصير النزاع لفظيا، فمن يقول بالوجوب أي فيما إذا توقف التعيين عليه، و من يقول بالعدم يقول به فيما إذا لم يتوقف، مع أنّ القضاء و الأداء متعينان ذاتا، لأنّ الأول إتيان العمل في خارج الوقت بخلاف الثاني، و بناؤهم على أنّ التعيين الذاتي يغني عن التعيين القصدي.
لجملة من النصوص، و ظهور الإجماع قال أبو جعفر عليه السلام في صحيح زرارة: «إذا نسيت صلاة أو صلّيتها بغير وضوء و كان عليك قضاء صلوات فابدأ بأولاهنّ فأذن لها و أقم ثمَّ صلّ ما بعدها بإقامة إقامة لكلّ صلاة»۱۲۸. و مثله صحيح ابن مسلم۱۲۹و مكاتبة ابن عيسى۱۳۰.
ثمَّ إنّ ظاهر المتن بقاء أصل الاستحباب. نعم، لا يتأكد كما في سائر الموارد، و لا موضوع للبحث عن الرخصة و العزيمة حينئذ فيه، كما لا موضوع لهما على ما عن المحقق في الشرائع حيث يظهر منه أنّ الأفضل الإتيان بالأذان و الإقامة لكلّ صلاة و دونه في الفضل الاكتفاء بأذان واحد، و عن بعض التعبير بالسقوط، و عن آخر التعبير بتبعية القضاء للأداء و يتحقق البحث عنهما حينئذ، و لكن الأدلة اللفظية قاصرة عن إثبات العزيمة و كذا الدليل اللبّي، لاختلاف تعبيرات الفقهاء، و مقتضى سهولة الشريعة و بنائها على التخفيف ما ذكره في الشرائع و تبعه الماتن رحمه اللّه.
فروع- (الأول): لو أذن و أقام لصلاة ثمَّ أعادها احتياطا وجوبا، فمقتضى الإطلاقات و العمومات استحبابهما للمعادة أيضا، بل و كذا في الاحتياط الاستحبابي بناء على أنّ ما دل على أنّ الأذان و الإقامة بدعة للنافلة لا يشمل الفرائض، المعادة، و قد سأل الساباطي أبا عبد اللّه عليه السلام: «عن الرجل إذا أعاد الصلاة هل يعيد الأذان و الإقامة؟ قال عليه السلام: نعم»۱۳۱. و إطلاقه يشمل الإعادة المندوبة و الواجبة.
(الثاني): لو جمع بين أدائه و قضائه، فمقتضى الإطلاقات ثبوت الأذان للثانية أيضا إلا إذا قلنا بسقوطه في مطلق موارد الجمع و لو مثل هذا النحو من الجمع كما لا يبعد.
(الثالث): لا فرق في القضاء بين أن يكون للنفس أو للغير بالتبرع أو الاستئجار، لظهور الإطلاق.
(الرابع): لو شرط في الاستئجار إتيان الأذان لكلّ صلاة يصح الشرط، إلا على القول بأنّ السقوط عزيمة.
(الخامس): الظاهر أنّه يجوز للمسافر، و المستعجل الاقتصار على فصل واحد من كلّ منهما في القضاء أيضا كما مر في الأداء، لإطلاق ما دل۱۳۲على أنّه يجوز لهما الاقتصار.
نسب إلى المشهور وجوب قصدهما، لوجوب صدق الإطاعة عليه، و لاحتمال دخله في الغرض، و لقاعدة الاشتغال.
و الكل مردود: إذ الأول خلاف العرف المنزل عليه الأدلة، لأنّ أهل العرف يرون الآتي بذات المكلّف به بداعي محبوبيته للمولى مطيعا، سواء علم وجوبه أم لا، هذا مع عدم الإشارة إليه في الكتاب و السنة أصلا مع شدة الابتلاء.
و الثاني: بأنّه ليس كلّ محتمل الدخل في الغرض واجب الإتيان ما لم يتم عليه البيان خصوصا في هذا الأمر العام البلوى.
و الأخير باطل بالأدلة العقلية و النقلية في كلّ مشكوك الوجوب مطلقا، فمقتضى الأصل عدم الوجوب إلا إذا توقف التعيين عليه، و لعلّهم أرادوا ذلك أيضا.
لأنّ قصد الأداء و القضاء و الوجوب و الندب و القصر و الإتمام على فرض الوجوب- طريق لإتيان المأمور به كوجوب تعلّم أحكام المأمور به، و بعد فرض الإتيان بالمأمور به مستجمعا للشرائط لا أثر لتخلف هذا القصد. نعم، لو كان وجوبها موضوعيا، كوجوب الركوع و السجود و الطهارة مثلا لا وجه للصحة، مع التخلف لفقد القيد حينئذ. و المقيد ينتفي بفقد قيده، و قد تقدم في مباحث الاجتهاد و التقليد بعض الكلام، و يأتي في المحال المناسبة ما يناسب المقام.
لكونه حينئذ تشريعا مفسدا إن علم أنّه خلاف الواقع، و لعدم تحقق القصد منه إلى تكليفه الفعلي، فإنّ ما قصده ليس بمأمور به، و ما هو المأمور به لم يتوجه القصد إليه. نعم، لو حصل قصد التكليف الفعلي مع قصد القربة يمكن الصحة، و لكنه خلف.
(مسألة ۳): إذا كان في أحد أماكن التخيير فنوى القصر، يجوز له أن يعدل إلى التمام و بالعكس ما لم يتجاوز محلّ العدول (۲۰) بل لو نوى أحدهما و أتم و على الآخر من غير التفات إلى العدول فالظاهر الصحة (۲۱)، و لا يجب التعيين حين الشروع أيضا (۲۲). نعم، لو نوى القصر فشك بين الاثنين و الثلاث بعد إكمال السجدتين يشكل العدول إلى التمام (۲۳) و البناء على الثلاث و إن كان لا يخلو من وجه (۲٤)، بل قد يقال بتعينه (۲٥). و الأحوط العدول و الإتمام مع صلاة الاحتياط و الإعادة.
لأنّ التخيير استمراري، كما يأتي في [مسألة ۱٤] من (فصل أحكام صلاة المسافر)، و لا فرق فيه بين كون القصر و التمام حقيقتين متباينتين على احتمال بعيد، أو حقيقة واحدة مختلفة بالكمية، كما هو الظاهر من الأدلة و مرتكزات المتشرعة.
لعدم اعتبار قصد القصرية و التمامية حين الشروع في الصلاة، كما تقدم، و على فرض الاعتبار فهو طريقيّ محض لإتيان العمل صحيحا و المفروض أنّ القصر و التمام كلّ منهما صحيح، قصد كلّا منهما أو لا، عدل من كلّ منهما إلى الآخر أو لا.
لما تقدم في المسألة السابقة، فيكفي قصد ذات الصلاة بما هي الوظيفة الفعلية على ما أمر بها الشارع، و هي تنطبق قهرا على كلّ واحد من القصر و التمام بعد جعل الشارع التخيير الواقعي للمكلف.
منشأه أنّ هذا شك في الثنائية، فتكون الصلاة باطلة، فلا موضوع للعدول، و لكن ما يصح التمسك به لإبطال مثل هذا الشك إما ما دل على أنّ الشك في الثنائية يوجب البطلان، و إما ما دل على أنّ الشك في صلاة السفر يوجب البطلان. و إما ما دل على أنّ الشك في الأوليين يوجب البطلان.
و الكل مخدوش أما الأول: فلأنّ المنساق منه ما لم يكن قابلا للتغيير و لم يكن اختياره في جعله أكثر من الثنائية للمكلّف و لذا ذكر في الروايات الفجر و الجمعة٥ و لم أجد لفظ الثنائية فيما تفحصت عاجلا. نعم، في بعض الأخبار تعليل بطلان صلاة الجمعة بالشك فيها بقوله عليه السلام: «لأنّها ركعتان»٦، و ظاهره الثنائية الذاتية لا الاقتضائية كما في المقام.
و أما الثاني: فالمتبادر منه أيضا صلاة السفر التي لا يمكن تغييرها و تبديلها و لذا ذكرت في عداد صلاة الفجر و الجمعة في صحيح ابن مسلم و غيره۷.
و أما الأخير، فالشك المبطل في الأولتين ما إذا كان بين الواحدة و الأزيد مطلقا، أو الاثنين و الأزيد قبل الإكمال، لا ما إذا كان بعد الإكمال، فإنّه من الشكوك الصحيحة كما يأتي إن شاء اللّه، مع أنّ الشك في شمول أدلة الشكوك المبطلة للمقام يكفي في عدم الشمول، لأنّه من التمسك بالعام في الشبهة المصداقية، فالمرجع حينئذ أصالة الصحة، و عموم قوله عليه السلام: «ما أعاد
الصلاة ففيه قط يحتال لها و يدبرها حتّى لا يعيدها»۸.
و يأتي في [مسألة ۲٥] من (فصل الشك في الركعات) بعض ما ينفع المقام.
لأصالة الصحة، و عموم قول أبي عبد اللّه عليه السلام في صحيح ابن حمران: «ما أعاد الصلاة فقيه قط يحتال لها و يدبرها حتّى لا يعيدها»۹.
و ما ورد في بعض الأخبار من أنّه في الشك بين الثلاث و الأربع۱۰، فالظاهر أنّه من باب المثال لجميع الشكوك التي يمكن تصحيحها لا لأجل الاختصاص به.
لعموم ما دل على حرمة إبطال الصلاة و وجوب العمل بوظيفة الشكوك الصحيحة و لا مانع في البين إلا احتمال أنّ التمسك بعمومها في المقام تمسك بالعام في الشبهة المصداقية، فلا يصح من هذه الجهة و هو مردود بأنّ مثل هذا الاحتمال لو أوجب سقوط العمومات لسقطت جميعها عن الاعتبار إلا ما ندر، فالمرجع في صحة التمسك بالعام المتعارف من أهل المحاورة و المتعارف منهم يحكمون بصحة التمسك به في المقام، فلا موضوع لهذا الإشكال، لأنّ الشبهة التي تمنع عن التمسك بالعام ما إذا كان لها نحو ثبات و استمرار لا ما إذا زالت بأدنى تأمل.
(مسألة ٤): لا يجب في ابتداء العمل حين النية تصوّر الصلاة تفصيلا (۲٦)، بل يكفي الإجمال. نعم، تجب نية المجموع من الأفعال جملة (۲۷) أو الأجزاء على وجه يرجع إليها (۲۸)، و لا يجوز تفريق النية على الأجزاء على وجه لا يرجع إلى قصد الجملة كأن يقصد كلا منها على وجه الاستقلال من غير لحاظ الجزئية (۲۹).
للسيرة، و أصالة البراءة عن التصور التفصيلي، بل الحرج بالنسبة إلى سواد الناس غير المأنوسين بإتيان الصلاة.
لأنّ هذا هو القصد الإجمالي الذي لا بد منه، و مع عدمه يكون العمل بلا قصد و نية.
لأنّ الأجزاء منطوية في الكلّ فقصده يغني عن قصدها.
لأنّه ليس للإجزاء وجوب استقلالي و إنّما يكون وجوبها ضمنيا تبعيّا.
نعم، يصح قصد الوجوب الاستقلالي الانبساطي، لما ثبت في الأصول من أنّ الكلّ عين الأجزاء بالأسر، و الأجزاء عين الكل كذلك، فالوجوب الواحد ملحوظ بسيطا بالنسبة إلى الكلّ، و عين هذا الوجوب ملحوظ منبسطا بالنسبة إلى الأجزاء.
و أما الوجوب الاستقلالي العرضي، فلا يتصوّر للأجزاء مع فرض الجزئيّة كما هو واضح، لأنّه خلف.
(مسألة ٥): لا ينافي نية الوجوب اشتمال الصلاة على الأجزاء المندوبة (۳۰) و لا يجب ملاحظتها في ابتداء الصلاة و لا تجديد النيّة على وجه الندب حين الإتيان بها (۳۱).
لأنّها جهات كمالية خارجة عن ذات المأمور به و حقيقته و الأمر إنّما تعلق بذات الواجب من حيث هي سواء كانت مقرونة بالجهات الكمالية أم لا، فذات الواجب شيء، و الجهات الكمالية شيء آخر، فيصح التفكيك بينهما في القصد و الحكم و الخارج، بلا فرق في ذلك بين كونها من كمال الذات و الطبيعة أو الشخص و الفرد.
و توهم: عدم صحة صدق الجزئية بالنسبة إلى المندوب مع الواجب، لأنّه من الجمع بين الضدين. باطل، لأنّ المراد بالجزئية في المقام الجزئية العرفية الاعتبارية لا الدقية العقلية المنطقية.
لأصالة البراءة عن وجوب اللحاظ في الابتداء و التجديد حين الإتيان
بعد عدم دليل على الوجوب من عقل أو نقل أو عرف أو عادة، و ما يجب إنّما هو القصد الإجمالي إلى العمل بنحو الجملة و الإجمال بكلّ ما اشتمل عليه من مقوّمات الذات و جهات الكمال.
ثمَّ إنّه لو أتى بالأجزاء المندوبة بقصد الأمر الوجوبي، فالظاهر عدم البطلان، لأنّه من التشريع في القصد من دون أن يسري إلى العمل، بل لو قصد في ابتداء النية الوجوب بجميع أجزاء العمل حتّى مندوباته لا يبطل لما تقدم، و كذا لو أتى بالعمل الواجب بقصد الندب سهوا أو عمدا، فالظاهر الصحة، لأصالة عدم مانعية مثل هذا القصد في عمده، فكيف بسهوه بعد الإتيان بأصل المأمور به بقصد القربة.
(مسألة ٦): الأحوط ترك التلفظ بالنية في الصلاة (۳۲)، خصوصا في صلاة الاحتياط للشكوك (۳۳) و إن كان الأقوى الصحة معه (۳٤).
تأسيا بالنبيّ صلّى اللّه عليه و آله و المعصومين عليهم السلام و الفقهاء القائمين مقامهم إذ لم يعهد منهم التلفظ بها.
إن قلنا بعدم جواز كلام الآدميّ بينها و بين الصلاة و أنّ التلفظ بالنية من كلام الآدمي، فلا يجوز، و إن قلنا بالجواز، أو انصراف كلام الآدميّ عن التلفظ بالنية، فيجوز، و يأتي من الماتن رحمه اللّه الجزم بعدم جواز الإتيان بمنافيات الصلاة بين صلاة الاحتياط و الصلاة الأصل في أحكام الخلل (فصل كيفية صلاة الاحتياط)، لكن الشك في عدم شمول كلام الآدميّ المبطل للتلفظ بالنية يجزي في جريان أصالة عدم المانعية و البراءة.
للبراءة العقلية و النقلية بعد فقد الدليل على المانعية من عقل أو نقل.
(مسألة ۷): من لا يعرف الصلاة يجب عليه أن يأخذ من يلقنه (۳٥) فيأتي بها جزءا فجزءا و يجب عليه أن ينويها أولا على الإجمال (۳٦).
هذا الوجوب كوجوب تعلم أصل الصلاة و أحكامها الابتلائية عقليّ فطريّ انظر ما تقدم في مباحث الاجتهاد و التقليد.
لشمول دليل وجوب القصد الإجمالي للصلاة له أيضا، لأنّ المفروض أنّ التلقين تلقين الصلاة بما لها من الشرائط و الأجزاء.
(مسألة ۸): يشترط في نية الصلاة بل مطلق العبادات الخلوص عن الرياء (۳۷). فلو نوى بها الرياء بطلت (۳۸)، بل هو من المعاصي الكبيرة (۳۹)، لأنّه شرك باللّه تعالى. ثمَّ إنّ دخول الرياء في العمل على وجوه: (٤۰): أحدها: أن يأتي بالعمل لمجرد إراءة الناس من دون أن يقصد به امتثال أمر اللّه تعالى، و هذا باطل بلا إشكال، لأنّه فاقد لقصد القربة أيضا (٤۱). الثاني: أن يكون داعيه و محركه على العمل القربة و امتثال الأمر و الرياء معا، و هذا أيضا باطل، سواء كانا مستقلين أو كان أحدهما تبعا و الآخر مستقلا أو كانا معا و منضمّا محرّكا و داعيا (٤۲). الثالث: أن يقصد ببعض الأجزاء الواجبة الرياء، و هذا أيضا باطل و إن كان محلّ التدارك باقيا (٤۳). نعم، في مثل الأعمال التي لا يرتبط بعضها ببعض، أو لا ينافيها الزيادة في الأثناء كقراءة القرآن و الأذان و الإقامة إذا أتى ببعض الآيات أو الفصول من الأذان و اختص البطلان به، فلو تدارك بالإعادة صح (٤٤). الرابع: أن يقصد ببعض الأجزاء المستحبة الرياء كالقنوت في الصلاة، و هذا أيضا باطل على الأقوى (٤٥). الخامس: أن يكون أصل العمل للّه لكن أتى به في مكان و قصد بإتيانه في ذلك المكان الرياء، كما إذا أتى به في المسجد أو بعض المشاهد رياء، و هذا أيضا باطل على الأقوى، و كذا إذا كان وقوفه في الصف الأول من الجماعة أو في الطرف الأيمن رياء. السادس: أن يكون الرياء من حيث الزمان كالصلاة في أول الوقت رياء، و هذا أيضا باطل على الأقوى. السابع: أن يكون الرياء من حيث أوصاف العمل كالإتيان بالصلاة جماعة أو القراءة بالتأنّي أو بالخشوع أو نحو ذلك و هذا أيضا باطل على الأقوى. الثامن: أن يكون في مقدّمات العمل، كما إذا كان الرياء في مشية إلى المسجد لا في إتيانه في المسجد، و الظاهر عدم البطلان في هذه الصورة (٤٦). التاسع: أن يكون في بعض الأعمال الخارجة عن الصلاة، كالتحنك حال الصلاة، و هذا لا يكون مبطلا، إلا إذا رجع إلى الرياء في الصلاة، متحنكا (٤۷). العاشر: أن يكون العمل خالصا للّه لكن كان بحيث يعجبه أن يراه الناس، و الظاهر عدم بطلانه أيضا كما أنّ الخطور القلبي لا يضرّ خصوصا إذا كان بحيث يتأذّى بهذا الخطور، و كذا لا يضر الرياء بترك الأضداد (٤۸).
في الرياء جهات من الكلام:
الأولى: تقدم في نية الوضوء أنّ الرياء في العبادة حرام تكليفا، بل من الكبائر، لإطلاق الشرك عليه و لتوعيد النار به، و أنّ له جهة وضعية- مضافا إلى الحرمة التكليفية- و هي كونه موجبا لبطلان العبادة.
الثانية: الشرك بالنسبة إلى اللّه تبارك و تعالى إما وجودي بأن يجعل شريك له جلّ جلاله في مرتبة ذاته، و إما فعلي بأن يجعل شريك له تعالى في أفعاله. و إما عباديّ بأن يجعل شريك له في معبوديته و هو على قسمين:
فتارة: يؤتى بالعبادة لأجل عبادة غير اللّه تعالى كما يعبد اللّه.
و أخرى: يؤتى لإراءة الغير فقط من دون عبادته و لا ريب في أنّ كلّا منهما شرك، بل الأول يوجب النجاسة، و لكن الرياء المبحوث عنه في الفقه من القسم الأخير لمن يعتقد بوحدانية اللّه ذاتا و فعلا و عبادة.
الثالثة: ظاهر الأدلة حرمة الرياء نفسيا في الصلاة- و كلّ عبادة- كحرمة الغصب فيها، و كحرمة لبس الذهب و الحرير على الرجال و لو حال الصلاة، فينتزع الفساد من الحرمة النفسية في العبادة. و عليه، فإذا رأيي في العبادة الباطلة، أو أتى بالعبادة أولا صحيحة ثمَّ أتى بعبادة أخرى ورائي فيها لا يكون حراما من جهة انتفاء موضوع الحرمة. إلا أن يقال إنّ موضوع حرمته مطلق العبادة و لو كانت باطلة، فلو صلّى بلا طهارة أو توضأ بماء نجس مع العلم و الالتفات و رأيي فيها فعل حراما، و لكنه مشكل، لأنّ ذات مثل هذا العمل لا يصلح للعبادية حتّى يتحقق فيه موضوع الرياء.
إن قيل: فعلى هذا لا وجه للحرمة و الإثم، لأنّه بمجرد حصول الرياء تبطل العبادة فلا يبقى موضوع للحرمة. يقال: موضوع الحرمة الصحة التعليقية لا الفعلية من كلّ جهة.
الرابعة: المشهور، بل المتفق عليه البطلان العبادة المرائي فيها. و نسب إلى المرتضى رحمه اللّه عدم ترتب الثواب لا البطلان، فإن كان مراده عدم البطلان حتّى مع فقد قصد القربة، فهو ضروري البطلان لتقوم العبادة بقصد القربة عند كلّ أحد و هو رحمه اللّه معترف به، و إن كان نظره إلى أنّ الرياء من الضمائم التي لا تضر بقصد القربة، فإطلاق صحيح ابن جعفر، و خبر السكوني۱۱ يرده، ففي الأول: «قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يؤمر برجال إلى النار- إلى أن قال:- فيقول لهم خازن النار: يا أشقياء ما كان حالكم؟
قالوا: كنا نعمل لغير اللّه فقيل لنا: خذوا ثوابكم ممن عملتم له».
إذ كيف يمكن أن يكون العمل صحيحا و مع ذلك يوجب استحقاق النار لعامله؟! و في الثاني قال النبيّ صلّى اللّه عليه و آله: «إنّ الملك ليصعد بعمل العبد مبتهجا به، فإذا صعد بحسناته يقول اللّه عزّ و جلّ: اجعلوها في سجين، إنّه ليس إياي أراد به».
و كيف يمكن أن يكون العمل صحيحا و مع ذلك أمر اللّه تعالى أن يجعل في سجين.
الخامسة: إنّ الرياء من الأمور القصدية المتقوّمة بالقصد و الاختيار و هو تارة: يكون بإتيان العبادة بمجرد إراءة الناس من دون قصد القربة و أخرى: يأتي بالعمل بقصد القربة، لكن بداعي أن يجعل نفسه عند الناس في عداد الصالحين، أو لرفع الذم عن نفسه، أو لجلب خير الناس إلى نفسه، أو لمجرد كونه في مجمع الناس، أو لمجرد الشهرة بالعبادة أو لغير ذلك من الأغراض، و الذي يكون حراما و يوجب بطلان العبادة هو الأول دون البقية مع تحقق قصد القربة فيها إذا كانت تلك الدواعي في طولها لا في عرضها بحيث تنافيها، و لكن لا
ريب في أنّها تنافي الإخلاص و الخلوص و إن صحت العبادة بحسب القواعد الفقهية.
السادسة: مقتضى إطلاق بعض الأخبار كصحيح ابن جعفر، و خبر السكوني و إن كان تعميم الرياء بالنسبة إلى تمام الأعمال و الحسنات مطلقا سواء كانت من العباديات أم غيرها، لكن مقتضى جملة من الأخبار الاختصاص بالعباديات ففي صحيح زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال: «لو أنّ عبدا عمل عملا يطلب به وجه اللّه و الدار الآخرة و أدخل فيه رضا أحد من الناس كان مشركا»۱۲.
و عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «من عمل للناس كان ثوابه على الناس، و من عمل للّه كان ثوابه على اللّه»۱۳.
فيستفاد منها اختصاص حرمة الرياء بخصوص العباديات.
السابعة: إذا كان الرياء في العبادات المندوبة بناء على الحرمة الغيرية تبطل و لا إثم على المرائي، و أما بناء على الحرمة النفسية مضافا إلى الفساد تبطل مع الإثم كما هو واضح، و قد استظهرنا الأخير من الأدلة فراجع.
الثامنة: يمكن أن يكون بطلان العبادة المرائي فيها موافقا للقاعدة إن كان الرياء في أصل إتيان العمل، لفقد قصد القربة حينئذ و كذا إن كان في الجزء و قلنا: إنّ فساد الجزء يسري إلى الكلّ، لأنّ المركب ينتفي بانتفاء أحد أجزائه إن اكتفى بالمأتي به و إن أعاده بعنوان الجزئية تكون من الزيادة العمدية المبطلة.
التاسعة: إذا شك في حصول الرياء له أو لا، أو شك في أنّ الحالة الحاصلة له رياء أو لا؟ فمقتضى الأصل عدم تحقق المانع و صحة عمله و إذا حصل له حالة سرور بعمله و حالة فرح بعبادته أو فرح بأن يراه الناس مصليا- مثلا- فكلّ ذلك ليس من الرياء، لقول أبي عبد اللّه عليه السلام: «من سرّته حسنته و ساءته سيئته فهو
مؤمن»۱4.
و عن أبي جعفر عليه السلام: «سئل النبيّ صلّى اللّه عليه و آله عن خيار العباد، فقال: الذين إذا أحسنوا استبشروا و إذا أساؤوا استغفروا، و إذا أعطوا شكروا، و إذا ابتلوا صبروا، و إذا غضبوا غفروا»۱٥.
و تكون مقيدة لتلك المطلقات، مضافا إلى أصالة الصحة في غير المتيقن من الدليل.
العاشرة: لا بأس بتحسين العبادة لترغيب الغير إليها، أو لغرض صحيح آخر، للأصل، و خبر عبيد قال: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: الرجل يدخل في الصلاة فيجوّد صلاته و يحسّنها رجاء أن يستجرّ بعض من يراه إلى هواه قال عليه السلام: ليس هذا من الرياء»۱٦.
و على هذا لو كانت الصلاة في البيت- مثلا- على نحو و في الملإ بنحو آخر بداعي تعليم الناس و ترغيبهم إلى الاهتمام بالصلاة أو لغرض شرعيّ آخر لا بأس به، و لكن لا بد من الحذر عن خدائع الشيطان إذ المقام من مزالّ الأقدام.
نصّا و إجماعا على ما تقدم. و نسب إلى المرتضى أنّه يوجب عدم الثواب لا البطلان، و تقدم الجواب عنه مع أنّه على إطلاقه مخدوش حتّى عنده رحمه اللّه كما يأتي.
لأنّ المعصية الكبيرة كلّ ما أوعد عليها بالنار، أو نزّل منزلة ما أوعد عليه بالنار. و كلاهما موجود في الرياء، لإيعاد النار عليه في خبر السكوني، و لتنزيله منزلة الشرك في صحيح زرارة كما تقدم۱۷.
العمدة في استفادة هذه الوجوه صحيح زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال: «لو أنّ عبدا عمل عملا يطلب به وجه اللّه و الدار الآخرة و أدخل فيه رضا أحد من الناس كان مشركا»۱۸.
فيكون البطلان مطابقا للقاعدة حتّى عند المرتضى رحمه اللّه الذي نسب إليه عدم البطلان بالرياء، لأنّه رحمه اللّه إنّما نفي دلالة الأخبار على البطلان مع تسليمه لقاعدة بطلان العبادة بفقدان قصد القربة حين النية.
كلّ ذلك، لصدق أنّه «أدخل فيه رضا أحد من الناس» فتبطل لا محالة.
لأنّه أدخل فيه رضا أحد من الناس فيبطل و لا يبقى موضوع للتدارك حينئذ.
لأنّها و إن كانت لها وحدة عرفية في الجملة، و لكن كلّ آية من آيات القرآن و كلّ فصل من فصول الأذان له نحو استقلال في الجملة لا يضر بطلانه بصحة السابقة، فتصح إعادة ما بطل فقط و لا تجب إعادة أصل الصلاة.
لصدق إدخال رضاء أحد من الناس فيه عرفا و إن أمكن التفكيك دقة، و لكنه لا أثر له، لأنّ الأدلة منزلة على العرفيات و كذا الكلام بعينه في الخامس و السادس و السابع من جهة الصدق العرفي بإدخال رضاء أحد من الناس في العمل و إن أمكن التفكيك بحسب الدقة العقلية، و لكنّها غير ملحوظة في الأحكام الشرعية و المراد بصدق إدخال رضا أحد من الناس في العمل إنّما هو فيما إذا كان الإدخال من باب الوصف بحال الذات لا الوصف بحال المتعلق و إلا فلا يوجب البطلان.
لعدم صدق إدخال رضا أحد من الناس في العمل عرفا.
أما الأول فلعدم صدق إدخال الرياء في العمل، لما تقدم من أنّ المراد به الصدق بوصف الذات عرفا، لا ما إذا كان الصدق بحسب المتعلق، و أما الأخير فلصحة انتساب الرياء إلى ذات العمل، فيبطل لا محالة.
كلّ ذلك للأصل بعد عدم صدق دخول الرياء المعهود في العمل صدقا ذاتيا، بل و لو شك في الصدق و عدمه كذلك لا يصح التمسك بإطلاق دليل مبطلية الرياء، لأنّه حينئذ من التمسك بالعام في الشبهة المصداقية، فيكون المرجع أصالة الصحة مضافا إلى صحيح زرارة في الأول عن أبي جعفر عليه السلام: «عن الرجل يعمل الشيء من الخير فيراه إنسان فيسرّه ذلك قال:
لا بأس، ما من أحد إلا و هو يحب أن يظهر له في الناس الخير إذا لم يكن صنع ذلك لذلك»۱۹.
ثمَّ إنّ الأضداد عبارة عن منافيات الصلاة كما إذا قصد الرياء في عدم الالتفات أو عدم التكلم أو عدم إصدار الحدث أو نحوه من الموانع و المنافيات هذا
إذا قصد الرياء في نفس ترك المنافي من حيث هو و أما إذا رجع إلى الرياء في الصلاة بتركها، فيصدق دخول الرياء في العمل عرفا حينئذ فيبطل لا محالة. و لو شك في أنّه من أيّهما، فالمرجع أصالة الصحة.
(مسألة ۹): الرياء المتأخر لا يوجب البطلان (٤۹) بأن كان حين العمل قاصدا للخلوص ثمَّ بعد تمامه بدا له في ذكره أو عمل عملا يدل على أنّه فعل كذا.
للأصل بعد ظهور الأدلة في الرياء المقارن. و أما قول أبي جعفر عليه السلام في المرسل: «الإبقاء على العمل أشد من العمل، قال: و ما الإبقاء على العمل؟ قال: يصل الرجل بصلة و ينفق نفقة للّه وحده لا شريك له فكتب له سرّا، ثمَّ يذكرها فتمحى فتكتب له علانية، ثمَّ يذكرها فتمحى و تكتب له رياء»۲۰.
فيمكن حمله على إحباط بعض درجات الثواب لا الإحباط الحقيقي المطلق الذي لم يقم دليل عليه، بل ظاهر جملة من الآيات خلافه كقوله تعالى فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ۲۱.
و قوله عليه السلام في صحيح زرارة عن أبي جعفر عليه السلام: «من كان مؤمنا فحج و عمل في إيمانه، ثمَّ أصابته في إيمانه فتنة، فكفر ثمَّ تاب، و آمن قال: يحسب له كلّ عمل صالح عمله في إيمانه و لا يبطل منه شيء»۲۲.
و أما الآيات المشتملة على الإحباط، و الروايات التي يستظهر منها ذلك كقوله تعالى وَ مَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ۲۳ و ذكرنا في التفسير ما يتعلق به.
و غيرها من الآيات، و كصحيح ابن خالد قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن قول اللّه عزّ و جلّ وَ قَدِمْنا إِلى ما عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْناهُ هَباءً مَنْثُوراً قال: أما و اللّه إن كانت أعمالهم أشدّ بياضا من القباطي و لكن كانوا إذا
فلباب القول فيها بحسب الجمع بين الأدلة النقلية و الأدلة العقلية هو أنّه لا ريب في أنّ استحقاق الخلود في الجنة مشروط بالموافاة على الإيمان، لقوله تعالى مَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَ هُوَ كافِرٌ فَأُولئِكَ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ فِي الدُّنْيا وَ الْآخِرَةِ وَ أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ۲٥.
و قوله تعالى لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ۲٦.
نعم، يجزي بما صدر منه من الطاعات و العبادات و الأعمال الخيرية في الدنيا أو في البرزخ، أو يوجب التخفيف في عذابه في نفسه أو في أهله أو غير ذلك مما لا يعلمه إلا اللّه تعالى و بعد ذلك فالأقسام أربعة:
الأول: أن يكون مؤمنا من أول بلوغه إلى حين موته و لم يلبس إيمانه بظلم فلا ريب في أنّه من أهل الخلود في الجنة.
الثاني: من كان من أوله إلى حين موته كافرا و لا ريب في أنّه من أهل الخلود في النار.
الثالث: من خلط عملا صالحا و آخر سيئا و وافاه بالتوبة و هو من أهل الجنة نصّا۲۷ و إجماعا.
الرابع: هذا القسم بعينه مع عدم الموافاة بالتوبة و الموت مع عدمها فإما أن يدخل في الجنة ثمَّ يخرج منها بجزاء معاصيه و هو خلاف الإجماع، بل الضرورة، فإنّ من دخل الجنة لا يخرج منها نصّا، و إجماعا. و إما أن يدخل في النار لجزاء معاصيه ثمَّ يخرج منها بجزاء أعماله الحسنة إلى الجنة و تدل عليه النصوص الكثيرة التي ليس المقام محلّ التعرّض لها۲۸.
(مسألة ۱۰): العجب المتأخر لا يكون مبطلا (٥۰). بخلاف المقارن فإنّه مبطل على الأحوط (٥۱)، و إن كان الأقوى خلافه (٥۲).
للأصل، و ظهور عدم الخلاف. نعم، لا ريب في أنّه من الرذائل بل من المهلكات و مانع عن صعود العمل إلى السماوات كما في جملة من الروايات۲۹. و أما خبر ابن سويد عن أبي الحسن عليه السلام قال: «سألته عن العجب الذي يفسد العمل، فقال عليه السلام: العجب درجات منها: أن يزين للعبد سوء عمله فيراه حسنا فيعجبه، و يحسب أنّه يحسن صنعا، و منها: أن يؤمن العبد بربه فيمنّ على اللّه عزّ و جلّ و للّه عليه فيه المنّ»۳۰.
فيمكن أن يراد بالفساد عدم القبول، لقصور الحديث عن إثبات الفساد سندا و دلالة، مع معارضته بخبر ابن عمار عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «قيل له و أنا حاضر: الرجل يكون في صلاته خاليا فيدخله العجب، فقال: إذا كان أول صلاته بنية يريد بها ربّه فلا يضره ما دخله بعد ذلك، فليمض في صلاته و ليخسأ الشيطان»۳۱.
مع أنّه يمكن أن يكون حصول بعض مراتبه غير اختياري، لكثرة قصور النفس و عدم كمالها.
خروجا عن خلاف بعض من قال بالبطلان، و جمودا على بعض الأخبار القاصرة عن الحرمة و البطلان.
للأصل بعد عدم ظهور دليل على البطلان، بل مقتضى ما تقدم من خبر ابن عمار عدمه.
(مسألة ۱۱): غير الرياء من الضمائم إما حرام أو مباح أو راجح، فإن كان حراما و كان متحدا مع العمل أو مع جزء منه بطل كالرياء (٥۳)، و إن كان خارجا عن العمل مقارنا له لم يكن مبطلا (٥٤). و إن كان مباحا أو راجحا (٥٥)، فإن كان تبعا و كان داعي القربة مستقلا فلا إشكال في الصحة (٥٦)، و إن كان مستقلا و كان داعي القربة تبعا بطل (٥۷)، و كذا إذا كانا معا منضمّين محرّكا و داعيا على العمل (٥۸)، و إن كانا مستقلّين فالأقوى الصحة (٥۹). و إن كان الأحوط الإعادة (٦۰).
لأنّ العبادة متقوّمة بقصد القربة و لا يصح التقرب بالمحرّم. ثمَّ إنّ الضميمة المحرّمة كما إذا أتى بالصلاة مثلا بقصد إيذاء المؤمن و تحقق المقصود واقعا.
هذا إذا تحقق منه قصد الامتثال و صدر منه الحرام في ضمن العمل كما إذا صلّى قربة إلى اللّه تعالى و نظر في أثناء الصلاة إلى الأجنبية بالشهوة و الريبة، فتصح صلاته و إن فعل حراما، و أما إن لم يكن كذلك بأن قصد الحرام مع قصد الامتثال عرضا، فتأتي فيه الوجوه الآتية:
الوجوه المتصورة خمسة:
الأول: استقلال داعي القربة و كون غيرها تبعا.
الثاني: عكس ذلك.
الثالث: حصول المأمور به من كلّ منهما بحيث لو لم يكن أحدهما دون الآخر لما حصل.
الرابع: داعوية كلّ منهما مستقلا على البدل بحيث لو لم يكن أحدهما لأثر الآخر.
الخامس: داعوية كلّ منهما مستقلا بالنسبة إلى متعلقه فقط، و كلّ منهما تارة:
في الضميمة المباحة، و أخرى: في الراجحة، فهذه أقسام عشرة يصح العمل مع استقلال داعي القربة سواء كانت الضميمة راجحة أو مباحة.
و أما البقية فالبحث فيها تارة: بحسب الأصل. و أخرى: بحسب الأدلة.
و ثالثة: بحسب ما يستفاد مما ورد في سهولة الشريعة و ملاحظة حال نوع الناس الذي يدور جعل التكاليف مدارهم نصّا و إجماعا.
أما الأولى: فالمسألة من صغريات الأقلّ و الأكثر، لأنّ اعتبار مجرد داعوية القربة في الجملة معلوم قطعا و إنّما الشك في الزائد عليه، فيرجع إلى البراءة على ما حقق في الأصول في قصد الأمر و القربة و سائر القيود المعتبرة و لا ريب في تحقق داعوية القربة في الجملة في الأقسام الثلاثة عقلا و عرفا.
أما الثانية: فليس في البين إلا آية الإخلاص۳۲، و الأدلة الحاصرة- لغاية العبادة۳۳ في رجاء الثواب و خوف العقاب، و الحب للّه تعالى، و أنّه لا عمل إلا بالنية التي تقدمت جملة منها. و الأولى وردت لنفي عبادة الأوثان و لا ربط لها بتعيين مراتب الخلوص و الإخلاص و كيفية داعوية القربة و خصوصيات اعتبارها.
و بعبارة أخرى ان الآية الشريفة في مقام بيان نفي] الشرك في أصل العبودية لا في مقام بيان شروط العبادة، و كذا الثانية، فإنّها إنما تدل على بطلان العبادة بغير رجاء الثواب و الفرار من العقاب و غير المحبة للّه تعالى. و أما أنّ هذه الأمور بأيّ مرتبة منها معتبرة، فالروايات أجنبية عن بيان هذه الجهة. و أما الأخير، فلا ربط له بالمقام أصلا، لأنّه في مقام الترغيب إلى نية الخير و التحذير عن نية الشر، كما يدل عليه صحيح ابن جعفر عن أخيه عليه السلام عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله- في حديث- قال: «إنّما الأعمال بالنيات، و لكلّ امرئ ما نوى، فمن غزا ابتغاء ما عند اللّه فقد وقع أجره على اللّه عزّ و جلّ، و من غزا يريد عرض الدنيا أو نوى عقالا لم يكن له إلا ما نوى»۳4.
و أما دعوى الإجماع على تعيين مرتبة فيها من مراتب الإخلاص فموهون، لاختلاف الكلمات، و تشتت العبارات، فراجع المطوّلات، فليس فيها ما يدل على تعيين مرتبة خاصة من مراتب الإخلاص و الخلوص، فاعتبار كون داعي العبادة صالحا للتأثير معلوم و الزائد عليه مشكوك وجدانا، فيرجع فيه إلى إطلاقات الأدلة و أصالة البراءة بعد عدم الدليل على التعيين كما هو كذلك في جميع أبواب الفقه.
أما الثالثة: فمقتضى سهولة الشريعة- في مثل هذا الأمر العام البلوى لجميع الأمة و عدم تعرض الأدلة لتفصيله و تفريعه مع ما عليه عامة الناس من الأغراض و الدواعي النفسانية- هو الاكتفاء بالداعي القربي الذي يصلح للتأثير و لو لم يكن علة تامة منحصرة مستقلا فيه، مع أنّه لو اقتصر على العلة التامة المنحصرة منه في صحة العبادة لزم بطلان عبادة غير عباد اللّه المخلصين، لأنّ عبادات غالب الناس لا تخلو عن الضمائم و قد صدر عنهم عليهم السلام الوضوء لقصد تعليم الناس و الصلاة كذلك أيضا۳٥، و قد ورد الأمر بإطالة الركوع، لانتظار لحوق المأموم۳٦، و إعطاء الزكاة لترغيب الناس۳۷، و الجهر بالتسبيح لإعلام الغير۳۸ إلى غير ذلك مما يمكن أن يستفاد منها عدم اعتبار الانحصار المحض في داعوية القربة.
هذا، و لكن الظاهر أنّ مقتضى بناء العقلاء و مرتكزاتهم، و سيرة المتشرعة اعتبار استقلال داعوية القربة في العباديات مطلقا، و لا يكتفون بمجرد الاستناد في الجملة، و هذه هي القرينة المحفوفة بالأدلة، فلا يصح الرجوع إلى إطلاقاتها كما لا يصح الرجوع إلى البراءة معها و حينئذ يصح أن يقال إنّ استقلال الداعوية في القربة مسلّمة لدى العقلاء و الشك في إجزاء غير هذه الصورة. و مقتضى قاعدة الاشتغال عدم الإجزاء، لأنّ الشك حينئذ في المحصّل بعد معلومية أصل التكليف خصوصا بعد كون المعبود هذا العظيم الذي تحيّرت العقول في نعمه و إحسانه فضلا عن ذاته و خصوصا بعد إطلاق قوله تعالى وَ ما يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَ هُمْ مُشْرِكُونَ۳۹. فإنّ إطلاقه يشمل هذه الضمائم عند الوقوف لدى القهار الجبار المطلع على الخفايا و الأسرار. و بالجملة، ليس للفقيه المأنوس بمذاق الشرع أن يجزم بإطلاق جواز ضمّ الضمائم.
إجماعا، بل ضرورة مع بقاء استقلالية قصد القربة من أول العمل إلى آخره.
لما تقدم من أنّ مقتضى مرتكزات العقلاء و المتشرعة اعتبار استقلال داعوية القربة.
لفقد استقلال داعوية القربة حينئذ، و قد مر اعتباره.
لتحقق استقلال داعوية القربة، لكن بنحو البدلية و احتمال اعتباره بنحو العلة التامة المنحصرة خلاف سهولة الشريعة المقدسة في هذا الأمر العام البلوى، فيدفع بالأصل إلا أن يقال: إنّ المتيقن من بناء العقلاء و سيرة المتشرعة إنّما هو فيما إذا كان الاستقلال بنحو الانحصار، كما يمكن أن يستظهر ذلك مما ورد في الرياء.
لما تقدم من احتمال أن يكون المتيقن من البناء و السيرة استقلال داعوية القربة بنحو الانحصار.
فروع- (الأول): لو كان قصد الضميمة- مباحة كانت أو راجحة- في طول قصد القربة بحيث لا يضر باستقلالها في الداعوية لا يضر بصحة العمل و إن كان ينافي بعض مراتب الخلوص و الإخلاص.
(الثاني): قصد الغايات الدنيوية الشرعية المترتبة على العمل كحلية النساء في طواف النساء و تنمية المال في الزكاة و توسعة الرزق في صلاة الليل إلى غير ذلك ليس من الضميمة، لأنّ المراد منها ما كانت خارجة عن العمل لا أن تكون غاية له فلا يضرّ قصدها ما لم يناف قصد القربة بأن تلحظ على نحو الموضوعية.
(الثالث): الضميمة الراجحة على قسمين:
فتارة: لا تكون متقومة لقصد القربة، كالصّلاة في محلّ لأجل حفظ مال الغير فيه مثلا. و أخرى: تكون متقومة به كالصلاة بقصد النظر إلى الكعبة أو المصحف أو العالم أو الوالدين، حيث إنّ كلّ ذلك عبادة، كما في الخبر4۰، و في كلّ منهما تبطل الصلاة، لعدم استقلال داعوية القربة و تصح الضميمة، بل الظاهر ترتب الثواب على الأخير، هذا إذا كان قصد الضميمة مستقلا و قصد الصلاة تبعا. و أما لو كانا معا محرّكين للعمل فيمكن القول ببطلان كلّ منهما لفقد استقلال داعوية القربة في كلّ منهما، كما يمكن أن يقال بالصحة في كلّ منهما لعدم تنافي داعي القربة الصلاتية مع داعي قربة أخرى لانتهاء كلّ منهما إلى اللّه عزّ و جلّ قصدا و عملا. فتأمل فإنّ المسألة غير محرزة بالتفصيل، و الجمود على اعتبار الخلوص و الإخلاص يقتضي الاستقلال و الانحصار في القربة.
(الرابع): الظاهر أنّ قصد النظر في عظمة اللّه تعالى في الصلاة و قصد قراءة القرآن و الذكر فيها ليس من الضميمة المبحوث عنها في المقام لأنّ البحث في الضمائم الخارجية، و هذه كلّها من الداخليات.
(الخامس): إذا شك في حصول قصد الضميمة و عدمه فمقتضى الأصل عدم الحصول.
(مسألة ۱۲): إذا أتى ببعض أجزاء الصّلاة بقصد الصلاة و غيرها (٦۱)- كأن قصد بركوعه تعظيم الغير و الركوع الصلاتي، أو بسلامه سلام التحية و سلام الصلاة- بطل (٦۲) إن كان من الأجزاء الواجبة قليلا كان أم كثيرا، أمكن تداركه أم لا (٦۳)، و كذا في الأجزاء المستحبة (٦٤) غير القرآن و الذكر (٦٥) على الأحوط. و أما إذا قصد غير الصلاة محضا فلا يكون مبطلا (٦٦) إلا إذا كان مما لا يجوز فعله في الصلاة أو كان كثيرا (٦۷).
اعلم أنّ الأقسام أربعة- الأول: أن يكون الفعل الواحد له غايات كثيرة و أراد المكلّف ضمها بنية واحدة، و هذه مسألة الضميمة التي تقدمت أقسامها و أحكامها في المسألة السابقة، و قلنا: إنّها توجب البطلان إلا مع عدم المنافاة للإخلاص.
الثاني: جعل الفعل الواحد الشخصي الجزئي الخارجي كفعلين متغايرين
في الأثر. و الفرق بين هذا القسم و سابقة أنّ الأول يكون نظر العامل إلى الغايات المتكثرة مع التفاته إلى وحدة الفعل و تحفظه عليها، و في الثاني يكون نظره إلى جعل الفعل الواحد كفعلين متعددين متغايرين اعتبارا، لأنّ التغاير الاعتباري لا ينافي الوحدة، فما عن الفقيه الهمداني (قدس سره) من عدم الفرق بين القسمين مردود. و المقام من هذا القسم و حكمه البطلان مطلقا. أما فيما إذا كان داعي القربة مغلوبا أو متساويا مع غيره، فلما تقدم من اعتبار استقلال داعي القربة في صحة العبادة. و أما فيما إذا كان غالبا فلإطلاق معقد إجماع الإيضاح الشامل لهذه الصورة أيضا. و قد يتمسك للبطلان. بأنّ الصحة لأحدهما من الترجيح بلا مرجح.
(و فيه): أنّه يصح في المتساويين، و أما فيما إذا كان أحد الداعيين غالبا على الآخر فالترجيح مع الغالب فلا بد و أن يصح حينئذ سواء كان الغالب طرف العبادة أم غيرها.
الثالث: ما إذا تحقق في فرد واحد عناوين متعددة قد تعلق بكلّ واحد من تلك العناوين الوجوب- كما في أكرم عالما و أكرم هاشميا و أكرم جارك و أكرم من أكرمك- فاجتمع جميع تلك العناوين في واحد، فقد يقال: إنّ إكرام المجمع لا يسقط التكليف أصلا، لأنّ سقوط بعض دون بعض ترجيح بلا مرجح. و سقوط الجميع من التداخل و مقتضى الأصل عدمه، و لكن الظاهر أنّ مقتضى أصالة الإطلاق و أصالة البراءة السقوط بإتيان المجمع، فكما فصّل ذلك في محلّه و لكنه يصح في التوصليات. و أما في العباديات فيكون المجمع من موارد الضميمة الراجحة، و لا تصح العبادة حينئذ لعدم استقلال داعوية القربة، إلا أن يقال: إنّه إذا كانت الضميمة عبادة أيضا فلا تضر باستقلال داعوية القربة، فتأمل.
الرابع: ما إذا شك في أنّه من أيّ الأقسام و مقتضى القاعدة إلحاقه بالقسم الأول، فتصح مع استقلال داعوية القربة و تبطل في بقية الأقسام.
يعني تبطل الصلاة به، لأنّه حينئذ من الزيادة العمدية، و هي موجبة للبطلان كما يأتي إن شاء اللّه تعالى في أحكام الخلل.
لشمول دليل البطلان بالزيادة العمدية لجميع ذلك كما يأتي تفصيله إن شاء اللّه تعالى. إن قيل: الزيادة العمدية الموجبة للبطلان ما إذا تمحض القصد في الزيادة فقط فلا يشمل ما إذا أتى بشيء بقصد الجزئية و شيء آخر، كما في المقام، و مع الشك فالمرجع أصالة الصحة و عدم المانعية، مع أنّه إن قصد الجزئية و عنوان آخر فالحكم بالبطلان- لتغليب الثاني على الأول- من الترجيح بلا مرجح.
يقال:- مضافا إلى إطلاق معقد الإجماع على البطلان بالزيادة العمدية الشامل لهذا النحو من القصد أيضا- إنّ قصد الجزئية متحقق فإذا سقط انطباق العبادية عليه لعدم تمحض قصدها تكون من الزيادة العمدية قهرا، فالبطلان موافق للقاعدة، مع أنّه مجمع عليه.
و خلاصة القول: إنّ الأجزاء إما أن يؤتى بها بقصد العبادية المحضة فقط أو يقصد غيرها كذلك، أو بقصدهما تشريكا، و الأول صحيح بخلاف الأخيرين.
سيأتي في أحكام الخلل عدم الفرق في البطلان بالزيادة العمدية بين الأجزاء الواجبة و المندوبة، و لم يعلم وجه جزمه (قدس سره) بالفتوى هناك و تردده هنا إلا توهم ما يأتي إنّما هو فيما إذا كان عنوان الزيادة ملحوظا مستقلا، و في المقام لوحظ تبعا و هو فاسد، لما مر من أنّ سقوط قصد العبادية يجعلها من الزيادة قهرا. كما أنّ توهم أنّ قصد الجزء في الأجزاء المندوبة لا وجه له. مردود أيضا:
بأنّ المراد الجزئية العرفية الاعتبارية لا الحقيقية المنطقية، هذا في الأجزاء المندوبة، كالقنوت و طول الركوع و السجود مثلا. و أما الأذكار المندوبة فيأتي حكمها بعد ذلك.
لورود الترخيص بجواز الإتيان بهما في الصلاة، و لكن لو أتى بهما
بقصد الجزئية يجري عليهما حكم الزيادة العمدية لو لا شمول إطلاق دليلها لهذه الصورة أيضا.
لأصالة عدم المانعية بعد فقد الدليل على البطلان.
أما الأول فلما دل على قاطعيته، و أما الثاني فيدور مدار تحقق محو الصورة، كما يأتي تفصيل ذلك كلّه في فصل مبطلات الصلاة.
(مسألة ۱۳): إذا رفع صوته بالذكر أو القراءة لإعلام الغير لم يبطل (٦۸) إلا إذا كان قصد الجزئية تبعا (٦۹) و كان من الأذكار الواجبة (۷۰)، و لو قال: «اللّه أكبر» مثلا بقصد الذكر المطلق لإعلام الغير لم يبطل مثل سائر الأذكار التي يؤتى بها لا بقصد الجزئية (۷۱).
لأنّه من موارد الضميمة فيجري عليه جميع ما تقدم في [مسألة ۱۱].
أي كان قصد الامتثال بأمر الجزء تبعا لقصد الإعلام فيبطل الجزء حينئذ، لما تقدم من اعتبار استقلال داعوية الأمر في الجزء كاعتباره في الكلّ فيكون الجزء حينئذ من الزيادة العمدية الموجبة للبطلان. و لكن يمكن أن يقال:
إنّ استقلال داعوية الأمر في الكلّ يكفي بالنسبة إلى الأجزاء أيضا، لانبساطه على جميع الأجزاء كانبساط نفس الأمر عليها فكون رفع الصوت بالذكر ملحوظا مستقلا لا ينافي استقلال داعوية الأمر بالنسبة إلى الذكر أيضا لاختلافهما اعتبارا و إن اتحدا وجودا، و مع الشك تجري أصالة عدم المانعية.
لصدق الزيادة العمدية فتبطل الصلاة من هذه الجهة، و الظاهر عدم الفرق بين الأذكار الواجبة و المندوبة في صدق الزيادة العمدية مع كون قصد الجزئية تبعا، إلا أن يقال: إنّ مقتضى إطلاق قوله عليه السلام: «كلّما ذكرت اللّه عزّ و جلّ و النبيّ صلّى اللّه عليه و آله فهو من الصلاة»4۱.
شموله لما إذا تحقق القصد التبعي أيضا، و هو حسن و جيد. ثمَّ إنّه لو أتى بذات الذكر الواجب بقصد الجزئية و كان محض رفع الصوت فقط لأجل إعلام الغير من باب تعدد الدال و المدلول فلا وجه للبطلان، بل مقتضى الأصل عدمه، و كذا لو شك في أنّه من أيّهما.
لأنّ البطلان لأجل صدق الزيادة العمدية، و يعتبر فيه أن يؤتى بقصد الجزئية، و مع عدم قصدها أو قصد عدمها لا تبطل إلا إذا انطبق عليه عنوان آخر من مبطلات الصلاة، كمحو الصورة مثلا، مضافا إلى نصوص خاصة:
منها: صحيح الحلبي: «عن الرجل يريد الحاجة و هو في الصلاة قال عليه السلام: يومئ برأسه و يشير بيده و يسبح»4۲.
و نحوه روايات أخر، و الظاهر أنّ ذكر التسبيح من باب المثال فيشمل التكبير أيضا.
(مسألة ۱٤): وقت النية ابتداء الصلاة (۷۲)، و هو حال تكبيرة الإحرام و أمره سهل بناء على الداعي، و على الإخطار اللازم اتصال آخر النية المخطرة بأول التكبير (۷۳) و هو أيضا سهل.
لأنّ اللازم صدور المنويّ بجميع أجزائه و جزئياته عن النية، و من أجزائه الجزء الأول و هو تكبيرة الإحرام في الصلاة: ثمَّ إنّ تقدم النية على المنوي ليس تقدما زمانيا بل هو- تقدم رتبي، كتقدم المقتضي (بالكسر) على المقتضى (بالفتح) و العلة على المعلول فلا ينافي التقارن الزماني، فالتعبير بالوقت فيه مسامحة واضحة، بل أصل هذا البحث ساقط بناء على كفاية مجرد الداعي، كما هو الحق.
مرادهم بهذا التقدم التقدم الرتبي الإخطاري في الجملة بناء على
اعتبار الإخطار لا مقارنة آخر النية بأول التكبيرة فإنّها منافية لسهولة الشريعة المقدسة في هذا الأمر العالم البلوى، بل متعسرة إن لم تكن متعذرة، فلا بد و أن يسقط هذا القيد.
(مسألة ۱٥): تجب استدامة النية إلى آخر الصلاة (۷٤)، بمعنى عدم حصول الغفلة بالمرة بحيث يزول الداعي (۷٥) على وجه لو قيل له: ما تفعل؟ يبقى متحيرا. و أما مع بقاء الداعي في خزانة الخيال فلا تضرّ الغفلة (۷٦)، و لا يلزم الاستحضار الفعلي (۷۷).
لما تقدم من لزوم صدور العمل بجميع أجزائه و جزئياته عن النية فكلّما دل على وجوب النية من عقل أو نقل فيما له أجزاء و جزئيات يدل على لزومها حدوثا و بقاء، و الأخير عبارة عن استمرار النية.
لما تقدم من أنّ النية عبارة عن مجرد الداعي فمع بقائه يكون الفعلي مع النية و مع زواله يكون بدونها.
لأنّ الداعي شيء و الالتفات إليه شيء آخر و ما هو المعتبر إنّما هو الأول دون الأخير.
للأصل و السيرة، و لسهولة الشريعة.
(مسألة ۱٦): لو نوى في أثناء الصلاة قطعها (۷۸) فعلا أو بعد ذلك، أو نوى القاطع و المنافي فعلا أو بعد ذلك (۷۹)، فإن أتم مع ذلك بطل (۸۰). و كذا لو أتى ببعض الأجزاء بعنوان الجزئية ثمَّ عاد إلى النية الأولى (۸۱). و أما لو عاد إلى النية الأولى قبل أن يأتي بشيء لم يبطل (۸۲)، و إن كان الأحوط الإتمام و الإعادة (۸۳). و لو نوى القطع أو القاطع و أتى ببعض الأجزاء لا بعنوان الجزئية ثمَّ عاد إلى النية الأولى فالبطلان موقوف على كونه فعلا كثيرا، فإن كان قليلا لم يبطل (۸٤) خصوصا إذا كان ذكرا أو قرآنا (۸٥). و إن كان الأحوط الإتمام و الإعادة أيضا (۸٦).
لا بد من بيان أمور- الأول: إنّ استمرار النية إنّما يعتبر فيما هو من المكلّف به، ففي الصوم يعتبر الاستمرار في جميع آنات الزمان الصومي، لتقوّم الصوم بالزمان و الآنات، و في الحج يعتبر الاستمرار في أفعاله لا في الأزمان المتخلّلة بينهما، فلو فرغ من الوقوف في عرفات مثلا و بنى على ترك الحج رأسا و مضى عليه ساعة أو ساعات هكذا ثمَّ بدا له أن يتم حجه فأتمه مع النية مستجمعا للشرائط صح حجه و لا شيء عليه، و في الصلاة يعتبر الاستمرار في الأفعال و القراءة و الأذكار. أمّا الأكوان الفارقة عنهما فإن دل دليل على أنّها من الصلاة أيضا فيعتبر استمرار النية فيها، و إلا فلا.
الثاني: مقتضى الأصل أنّ الأكوان الفارغة الصلاتية ليست من الصلاة لما ثبت في محلّه من أنّ المرجع في الشك في الجزئية و الشرطية البراءة ما لم يدل دليل على الخلاف.
و استدل على الجزئية تارة: بالإجماع، و أخرى: بأنّ تخلل القواطع فيها يوجب البطلان، و ثالثة: بسيرة المتشرعة. و يرد الأول: بعدم تحقق محصّله و عدم حجية نقله مع أنّ الظاهر كونه اجتهاديا على فرض صحة نقله.
و الثاني: بأنّ قطع الصلاة لتخلل القواطع إنّما هو لأدلة خاصة كما يأتي إن شاء اللّه تعالى، و هي لا تدل على جزئية الأكوان كما هو واضح. و الأخير: بأنّ السيرة إنّما تدل على عدم الإتيان بالقواطع في تلك الأكوان و ذلك أعم من الجزئية، كما مر، هذا مع أنّه يجوز ترك تلك الأكوان اختيارا و لا شيء من جزء الواجب يجوز تركه كذلك، فلا شيء من تلك الأكوان بجزء الواجب و إذا انتفت الجزئية عنها فلا موضوع لوجوب استمرار النية فيها، كما يظهر عن المحقق (قدس سره) في الشرائع و تبعه جمع من الفقهاء، و لكن يظهر عن إطلاق جمع منهم العلامة و الشهيدان و المحقق الثاني (قدس سرهم) اعتبار استمرار النية فيها أيضا.
و استدل عليه أولا: بأنّه مع انقطاع استمرار النية فإن أتم الصلاة بلا نية فلا ريب في البطلان، و إن نوى ثانيا فلا يصح الاكتفاء به، لفوات مقارنة النية لأول العمل.
و ثانيا: بالإجماع.
و ثالثا: بأنّ زوال النية الأولى يوجب خروج الأجزاء السابقة عن صلاحية لحوق الأجزاء اللاحقة بها.
و رابعا: بأنّ مقتضى قوله صلّى اللّه عليه و آله: «لا عمل إلا بنية»4۳ اعتبار استمرار النية فيها أيضا، كما أنّ مقتضى قوله صلّى اللّه عليه و آله: «لا صلاة إلا بطهور»44 اعتبار استمرار الطهارة فيها.
و خامسا: بقاعدة الاشتغال.
و سادسا: بأنّ للصلاة هيئة اتصالية تجب مراعاتها، و نية القطع في الأكوان المتخلّلة تقطع تلك الهيئة.
و سابعا: بأنّه لو قطع النية ثمَّ رجع إليها يكون ذلك من توزيع النية و لا يجوز ذلك، لأنّ العمل واحد فلا بد له من نية واحدة. و الكل مخدوش:
أما الأول فلأنّه لا ريب في حصول مقارنة النية لأول العمل، و إنّما الكلام في أنّ انقطاعها في الجملة ثمَّ العود إليها هل يوجب البطلان أو لا؟ و مقتضى أصالة عدم المانعية و أنّ المتيقن مما دل على اعتبار استمرارها حال التلبس بالأفعال و الأقوال هو الثاني فلا يضرّ مثل هذا الانقطاع.
و أما الثاني: فالمتيقن منه صدور الأفعال و الأقوال عن النية و المفروض تحققه.
و أما الثالث: فلا ريب في أنّ مقتضى الأصل بقاء الأجزاء المأتيّ بها على قابلية لحوق الأجزاء اللاحقة بها.
و أما الرابع: فلأنّه لا ربط لقوله صلّى اللّه عليه و آله: «لا عمل إلا بنية» بالمقام، لما تقدم من أنّ المراد به الترغيب إلى نية الخير و التحذير عن نية الشر، و على فرض كونه مربوطا بالمقام فلا ريب في أنّ الأفعال و الأقوال مع النية و هي مستمرة فيها و ما خلي منها إنّما هو الكون الفارغ عن الأقوال و الأفعال و الحديث لا يشمله، و بطلان الصلاة بتخلّل الحديث أو التكلّم أو الاستدبار أو سائر القواطع لأدلة خاصة، لا لمثل فقد النية.
و أما الخامس: فلما ثبت في محلّه من أنّ المرجع في الشك في الشرطية و الجزئية البراءة دون الاحتياط.
و أما السادس: فمقتضى الأصل بقاء تلك الهيئة الاتصالية عند الشك في زوالها إلا أن يدل دليل على الزوال.
و أما السابع: فلأنّه لا توزيع للنية، بل هي منبسطة على الأفعال و الأقوال و مستمرة فيها و إن كانت منقطعة في الكون الفارغ عنها، و التوزيع المانع ما إذا كان
بالنسبة إلى كلّ من الأجزاء على وجه الاستقلال دون الانبساط.
فتلخص: أنّه لا دليل على اعتبار استمرار النية في الأكوان الصلاتية الفارغة عن الأفعال و الأقوال، و كذا في كلّ كون فارغ في أثناء كلّ عبادة مركبة من الأجزاء.
الثالث: لا ريب في منافاة نية الشيء و نية تركه و الخروج عنه فعلا، فمن كان في أثناء الصلاة مثلا و كان ناويا لها و نوى الخروج عنها فعلا تزول نيته الصلاتية عنه قهرا، و كذا نية المنافي فعلا مع الالتفات إلى المنافاة، لأنّه، كما لا يمكن الجمع بين المتنافيين خارجا، لا يمكن الجمع بين إرادتهما فعلا. و أما قصد القطع أو القاطع فيما يأتي فإن رجع إلى عدم قصد الصلاة فعلا فهو كذلك أيضا، و إلا فمقتضى أصالة بقاء النية الارتكازية صحة الصلاة فعلا حتّى ينوي القطع أو القاطع فيما بعد ذلك، هذا إذا كان متوجها إلى المنافاة بين نية الصلاة و نية القاطع. و أما مع عدم التوجه إليها لجهل أو نيسان أو نحو ذلك فلا منافاة حينئذ بين قصد الصلاة و قصد القاطع، كما هو واضح و حينئذ فإن أتى بالقاطع تبطل الصلاة، و إلا فلا، على تفصيل يأتي في فصل مبطلات الصلاة إن شاء اللّه تعالى.
الرابع: المضيّ في الصلاة مع نية قطعها يتصوّر على وجوه:
أولها: إتمامها لغوا و عبثا من دون قصد الصلاة أصلا أو قصد التشريع، و لا ريب في البطلان حينئذ لفقد النية.
ثانيها: إتمامها مع الذهول عن نية القطع بقصد الصلاة.
ثالثها: إتمامها بمقتضى العادة مع التوجه في الجملة إلى نية القطع و لا دليل على البطلان في الأخيرين مع بقاء النية الارتكازية في النفس و عدم تحقق مبطل خارجي في البين لوجود المقتضي للصحة و هو بقاء أصل النية الارتكازية في الجملة و فقد المانع، لأنّ ما يتصوّر من المانع إنّما هو فقد الجزم بالنية و لا دليل على اعتباره، بل مقتضى الأصل عدم الاعتبار.
الخامس: لو تردد في قطع الصلاة و عدمه فإن كانت النية الارتكازية باقية في النفس تصح صلاته، و إن كان التردد بحيث ينافي استمرار النية فيأتي فيه التفصيل الآتي في المتن.
السادس: بعد نية قطع الصلاة فعلا و رفع اليد عنها رأسا كذلك لو أتى حينئذ بجزء من أجزاء الصلاة لا يمكن إجراء حكم الزيادة العمدية عليه، و لو أتى به بعنوان الجزئية، لأنّ موضوعها إنّما هو فيما إذا كان في الصلاة. و أما مع فقد نيتها و قطع استمرار النية و عدم بقاء الصلاة فكيف يمكن فرض الجزئية حينئذ، فلا بد في فرضها من عناية ربما تأتي الإشارة إليها إن شاء اللّه تعالى.
بحيث ينافي ذلك استمرار النية و بقاءها في النفس و لو بنحو الإجمال و الارتكاز.
لفقد استمرار النية، هذا إذا كان الإتمام بنحو القسم الأول في الأمر الرابع. و أما إذا كان على نحو القسمين الأخيرين فلا وجه للبطلان كما مرّ.
لدعوى: صدق الزيادة العمدية، و لكن يمكن تصوير الجزئية بعد فقد استمرار نية الصلاة على وجوه:
الأول: الإتيان به بقصد التشريع في الجزئية، و الظاهر أنّ موضوع تشريع الجزء في الصلاة إنّما هو مع بقاء نية الصلاة، و أما مع زوالها بفقد استمرار النية فلا يبقى موضوع للتشريع إلا أن يدعى التشريع في الجزئية مطلقا و لو مع قطع النظر عن بقاء الموضوع.
الثاني: الجزئية الصورية الادعائية المحضة مع التوجه إلى قطع استمرار النية الصلاتية.
الثالث: الذهول عن قطع النية مع بقاء النية الارتكازية في النفس و الإتيان بالجزء بقصد الصلاة.
الرابع: الإتيان بالجزء بمقتضى العادة الجارية في جميع الصلوات مع قصد الصلاتية في كمون النفس و إن كان غير ملتفت إليه. و حيث إنّ البطلان بالإتيان
بعنوان الجزئية يدور مدار صدق الزيادة العمدية فلا وجه لصدقها في القسمين الأخيرين لفرض بقاء النية الواقعية الارتكازية فالمأتيّ به جزء حقيقي لصلاة صحيحة واقعية لا أن يكون زيادة عمدية حتّى تكون مبطلة، و لا موضوع لها أيضا في القسم الأول، لما يأتي في محلّه من أنّه يعتبر في الزيادة العمدية الإتيان بها بقصد الجزئية مع بقاء قصد الصلاتية، بل و كذا في القسم الثاني أيضا، إلا أن يدعى التعميم في البطلان بالزيادة العمدية حتّى بالنسبة إلى القسمين الأولين، أو يتمسك بإطلاق ما يأتي في قراءة العزيمة من أنّها زيادة في الفريضة و فيهما ما لا يخفى فيشكل الجزم بالبطلان.
للأصل بعد اختصاص البطلان لأجل فقد استمرار النية بخصوص الأجزاء دون الأكوان الفارغة، كما تقدم في الأمر الأول و الثاني.
خروجا عن خلاف من جعل الأكوان الفارغة الصلاتية من الصلاة و اعتبر فيها استمرار النية أيضا.
لأنّه لا موضوعية للمأتيّ به من حيث هو للبطلان في عرض سائر الموانع و المبطلات و لأدلة حصرها في أمور خاصة تأتي في فصل المبطلات إن شاء اللّه تعالى و ليس ذلك منها، فلا بد في البطلان من أنّ ينطبق عليه إحدى القواطع و المبطلات. و إلا فمقتضى أصالة الصحة و عدم المانعية عدم البطلان. و أما ما ورد في قراءة العزيمة من أنّها زيادة في الفريضة فمحمول على نحو من العناية، كما يأتي في محلّه إن شاء اللّه تعالى.
لإطلاق ما دل على رجحان الإتيان بها مطلقا، و يأتي في [مسألة ۹] من فصل مبطلات الصلاة ما ينفع المقام.
خروجا عن خلاف من جعل مطلق نية القطع مبطلا حتّى في الأكوان الصلاتية فارغة كانت أو مشغولة بما ليس من الصلاة.
(مسألة ۱۷): لو قام لصلاة و نواها في قلبه فسبق لسانه أو خياله خطورا إلى غيرها صحت على ما قام إليها (۸۷)، و لا يضرّ سبق اللسان و لا الخطور الخيالي (۸۸).
لأصالة عدم المانعية بعد تحقق النية عن عمد و التفات، و يمكن أن يستأنس للمقام بالأخبار الآتية في المسألة التالية.
لأنّ ما هو المعتبر من النية و هو الداعي الارتكازي القلبي قد تحقق عن جدّ و اختيار، و السبق اللساني لا يضرّ بالعقد القلبي، لفرض أنّه من مجرد سبق اللسان بلا إرادة جدية عليه، و ما لم يصدر عن إرادة جدية لا ينافي ما صدر عنها.
(مسألة ۱۸): لو دخل في فريضة فأتمها بزعم أنّها نافلة غفلة أو بالعكس صحت على ما افتتحت عليه (۸۹).
لأنّ المدار في النية و كونها باعثة على إتمام العمل على حقيقتها الواقعية لا على الزعم الخطئي، و المفروض بقاء حقيقتها الواقعية في النفس بحيث لو التفت لاعترف بخطئه في زعمه، فيكون الداعي الواقعي الارتكازي محفوظا لا محالة، فالصحة في المقام مطابقة للقاعدة، و تشهد لها جملة من الأخبار:
منها: خبر ابن أبي يعفور عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «عن رجل قام في صلاة فريضة فصلّى ركعة و هو ينوي أنّها نافلة، قال عليه السلام: هي التي قمت فيها و لها، و قال عليه السلام: إذا قمت و أنت تنوي الفريضة فدخلك الشك فأنت في الفريضة على الذي قمت له، و إن كنت دخلت فيها و أنت تنوي نافلة ثمَّ إنّك
تنويها بعد فريضة فأنت في النافلة، و إنّما يحسب للعبد من صلاته التي ابتدأ في أول صلاته»4٥.
و منها: خبر معاوية قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن رجل قام في الصلاة المكتوبة فسها فظنّ أنّها نافلة، أو قام في النافلة فظنّ أنّها مكتوبة، قال عليه السلام: هي على ما افتتح الصلاة عليه»4٦.
و قوله عليه السلام في خبر ابن المغيرة: «هي التي قمت فيها إذا كنت قمت و أنت تنوي فريضة فأنت في النافلة، و إن كنت دخلت في فريضة ثمَّ ذكرت نافلة كانت عليك مضيت في الفريضة»4۷.
فروع- (الأول): لا فرق فيما ذكر بين أن يأتي ببقية الصلاة الفريضة بعنوان النافلة، أو يأتي ببعض أجزائها كذلك ثمَّ تذكر، لما مر من كون الحكم مطابقا للقاعدة.
(الثاني): لو شرع في الفريضة ثمَّ أتمها نافلة متسامحا في هذا القصد بحيث لا ينافي الجد في نيته الأولية، فالظاهر الصحة أيضا، لإطلاق قوله عليه السلام: «إنّما يحسب للعبد من صلاته التي ابتدأ في أول صلاته».
(الثالث): لو شرع في الفريضة ثمَّ أتمها نافلة جهلا بذلك، فالظاهر الصحة إن كانت النية الارتكازية الأولية باقية.
(مسألة ۱۹): لو شك فيما في يده أنّه عيّنها ظهرا أو عصرا مثلا قيل: بنى على التي قام إليها (۹۰)، و هو مشكل، فالأحوط الإتمام و الإعادة. نعم، لو رأى نفسه في صلاة معينة و شك في أنّه من الأول نواها أو نوى غيرها بنى على أنّه نواها (۹۱) و إن لم يكن مما قام إليه (۹۲)، لأنّه يرجع إلى الشك بعد تجاوز المحلّ.
القائل به جمع من الفقهاء منهم الشهيد في المسالك و المحقق الثاني في جامع المقاصد، و استدل عليه تارة: بإطلاق ما تقدم من قوله عليه السلام:
«إنّما يحسب للعبد من صلاته التي ابتدأ في أول صلاته».
و فيه: أنّه فيما إذا كانت الأولية محرزة لا فيما إذا كانت مشكوكة، فيكون التمسك به في المقام تمسكا بالعام في الشبهة المصداقية. و أخرى: بأنّه مقتضى الظاهر، و أصالة عدم العدول. و فيه: أنّه لا اعتبار بهذا الظاهر ما لم يوجب الاطمئنان، و الأصل مثبت بالوجدان، و مقتضى القاعدة أنّه إذا لم يصلّ السابقة أو شك في أنّه صلاها يتمها سابقة و تصح ثمَّ يأتي باللاحقة و لا شيء عليه، لحصول الاطمئنان بحسب متعارف حال المصلّين أنّهم يقصدون السابقة في الصورتين، و إن كان علم بأنّه قد صلّى السابقة فيمكن القول بصحة اللاحقة لحصول الاطمئنان بحسب متعارف حال المصلّين أنّهم يقصدون اللاحقة في الفرضين أو يقصدون التكليف الفعليّ بحسب ارتكازاتهم، و هو منحصر باللاحقة إن لم يكن عليهم قضاء، بل و إن كان عليهم القضاء، لأنّ قصد التكليف الفعلي على قسمين:
أولهما: ما إذا التفت المكلّف إليه يعترف أنّه يقصده و ينويه بلا تأمل منه.
ثانيهما: ما يحتاج إلى عناية زائدة، كقصد القضائية لمن عليه القضاء، لأنّ حصول داعي القضاء أشد عناية من تحقق داعي الأداء عند نوع الناس حتّى في فائتة اليوم فضلا عن السابقة، و بالجملة: يمكن استظهار تحقق قصد اللاحقة من القرائن، و لكن الأحوط أن نيتها على ما قام إليها ثمَّ يعيدها بالتفصيلي الالتفاتي، و يأتي في أول مسائل الختام باختياره (قدّس سرّه) لهذا الوجه.
لجريان قاعدة التجاوز في المقام، كما يظهر عن صاحب الجواهر و غيره (قدس سرهم) بدعوى أنّها قاعدة امتنانية، و قوله عليه السلام في الصحيح: «كلّما شككت فيه مما قد مضى فامضه كما هو»4۸ و سيأتي البحث عن القاعدة مفصلا.
هو شامل لجميع الشكوك إلا ما خرج بالدليل.
و أشكل عليه أولا: بعدم جريان القاعدة في الشك في الشرطية، و إنّما تختص بالأجزاء لذكرها في مورد دليلها. و فيه: أنّ المورد لا يكون موجبا للاختصاص، لأنّه من باب المثال، و المدار على عموم قوله عليه السلام: «كلّما شككت فيه مما قد مضى فامضه كما هو» و عمومه شامل للشرائط أيضا فلا إشكال من هذه الجهة.
و ثانيا: بأنّه ليس لها محلّ حتّى يصدق المضيّ و التجاوز. و فيه: أنّ الحق هو أنّ القاعدة من صغريات أصالة عدم السهو و الغفلة، و هي من الأصول العقلائية الجارية في جميع موارد احتمال الغفلة و السهو، و لا اختصاص لها بمورد دون آخر، مضافا إلى أنّ الشرائط إما أن لا يكون لها محلّ خاص، كالاستقبال مثلا لتعميمها لتمام أجزاء الصلاة من البدء إلى الختام. و إما أن يكون لها محلّ خاص، كالطهارة الحدثية، و النية و نحوهما، فيصدق بالنسبة إليهما التجاوز و المضيّ، فتجري القاعدة قهرا.
و ثالثا: بأنّ القاعدة تجري في الصلاة و لا صلاة إلا بالنية فتكون النية من مقدمات جريان القاعدة فلا تصلح القاعدة لإثباتها.
و بعبارة أخرى: التمسك بالقاعدة لإثباتها تمسك بالدليل في الموضوع المشتبه.
و فيه (أولا): النقض بتكبيرة الإحرام فإنّها أيضا محققة عنوان الصلاة، إذ لا صلاة إلا بها، مع ورود النص بجريان القاعدة فيها4۹.
(و ثانيا): بأنّه لا ريب في تحقق أصل نية الصلاة، إنّما الشك في الخصوصية الخاصة فتشملها القاعدة.
و بعبارة أخرى: الشك في أنّه كان غافلا عن حالته الفعلية حين النية أم لا؟
فتجري أصالة عدم الغفلة التي هي عبارة أخرى عن قاعدة التجاوز، هذا مع أنّه في مثل الظهرين أو العشاءين النية الارتكازية الواقعية تتعلق بأول ما اشتغلت بها
الذمة فعلا من الصلاتين فتصح من هذه الجهة أيضا. و قد أرسل في الجواهر إرسال المسلّمات جريان قاعدة التجاوز في النية، فقال (قدس سره):
«لو شك في النية و قد كبّر فلا يلتفت بناء على ما قلناه- أي كفاية مجرد الدخول في مطلق الغير- و كذا على الثالث- أي بناء على أن يكون المراد بالغير الأفعال المعهودة شرعا المفردة بالتبويب- و أما على الثاني فينبغي التدارك، لكونه في محلّ يصح فيه التدارك. و ما يقال: من أنّ الشك في النية خارج عن المسألة، لأنّ الكلام بعد انعقاده الصلاة فإذا شك فيها و قد دخل في غيره لا يلتفت، لا مع عدم معلومية الانعقاد. يدفعه: أنّ المفهوم من الأخبار عدم الفرق ضرورة اشتمالها على التكبير المتوقف انعقادها عليه أيضا، و لذا قال الشيخ رحمه اللّه في المبسوط: و من شك في النية فإنّه يجدد إن كان في محلّها، و إن انتقل في حالة أخرى مضى في صلاته. على أنّه من المعلوم أنّه لو شك في النية و هو في الركعة الثانية مثلا لا يلتفت قطعا».
هذا هو حكم الشك في أصل النية، و كذا في الإتيان بها صحيحة أو فاسدة بناء على عدم الفرق في مجرى القاعدة بين الشك في وجود الصحيح أو صحة الموجود، كما هو الحق. ثمَّ إنّه لو أراد الاحتياط في المقام فإن كان لم يصلّ الظهر يتم ما بيده ظهرا و لا شيء عليه، و إن كان قد صلّاها يتم ما بيده ثمَّ يعيدها، و قد تقدم إمكان تصحيحه عصرا.
فروع- (الأول): لو صلّى السابقة و قام إلى اللاحقة، و في الأثناء رأى نفسه في السابقة، فالظاهر جريان قاعدة التجاوز بالنسبة إلى النية فتصح صلاته عصرا. نعم، من يقول بعدم جريان القاعدة، تكون هذه صلاة باطلة لديه، و لكن لا وجه للبطلان معه أيضا، لأنّه قاصد قهرا للتكليف الفعليّ و هو العصر و يكون رؤية نفسه في الظهر من الخطإ، كما تقدم في سبق اللسان و الخطور الخيالي.
(الثاني): مقتضى الإطلاقات و العمومات الدالة على اعتبار قاعدة التجاوز جريانها في أصل النية أيضا، فلو كبّر ثمَّ شكّ في أنّه هل نوى أو لا؟ أو نوى نية صحيحة أو لا؟ تجري القاعدة و تصح صلاته، و قد تقدم نقل ذلك عن الجواهر،
و لم يعلم وجه إهمال الماتن لهذا الفرع هنا و في الخلل.
(الثالث): لا اعتبار بشك الوسواسي في النية، سواء كان في المحلّ أم بعد التجاوز عنه.
(الرابع): لو نسي النية فإن كان المنسيّ التوجه التفصيليّ إلى النية تصح صلاته، و إن كان أصل الداعي الارتكازي فلا صلاة له.
(الخامس): إذا علم إجمالا بأنّه إما نوى بصلاته الظهر أو العصر، فإن لم يكن قد صلّى الظهر يتمها ظهرا و إلا فالأحوط إتمامها ثمَّ إعادتها.
أي و إن لم يعلم أنّه قام لهذه الصلاة و نواها من أول الأمر.
(مسألة ۲۰): لا يجوز العدول (۹۳) من صلاة إلى أخرى (۹٤) إلا في موارد خاصة: أحدها: في الصلاتين المرتبتين (۹٥) كالظهرين و العشاءين إذا دخل في الثانية قبل الأولى عدل إليها بعد التذكر في الأثناء إذا لم يتجاوز محلّ العدول (۹٦)، و أما إذا تجاوز كما إذا دخل في ركوع الرابعة من العشاء فتذكر ترك المغرب فإنّه لا يجوز العدول، فلعدم بقاء محلّه (۹۷)، فيتمها عشاء ثمَّ يصلّي المغرب و يعيد العشاء (۹۸) أيضا احتياطا (۹۹)، و أما إذا دخل في قيام الرابعة و لم يركع بعد فالظاهر بقاء محلّ العدول (۱۰۰)، فيهدم القيام (۱۰۱) و يتمها بنية المغرب. الثاني: إذا كان عليه صلاتان أو أزيد قضاء فشرع في اللاحقة قبل السابقة يعدل إليها مع عدم تجاوز محلّ العدول (۱۰۲)، كما إذا دخل في الظهر أو العصر فتذكر ترك الصبح القضائي السابق على الظهر و العصر، و أما إذا تجاوز أتمّ ما بيده على الأحوط و يأتي بالسابقة و يعيد اللاحقة كما مرّ في الأدائيتين (۱۰۳). و كذا لو دخل في العصر فذكر ترك الظهر السابقة فإنّه يعدل. الثالث: إذا دخل في الحاضرة فذكر أنّ عليه قضاء فإنّه يجوز له أن يعدل إلى القضاء (۱۰٤) إذا لم يتجاوز محلّ العدول، و العدول في هذه الصورة على وجه الجواز، بل الاستحباب (۱۰٥) بخلاف الصورتين الأولتين، فإنّه على وجه الوجوب (۱۰٦). الرابع: العدول من الفريضة إلى النافلة يوم الجمعة لمن نسي قراءة الجمعة (۱۰۷)، و قرأ سورة أخرى- من التوحيد أو غيرها (۱۰۸)- و بلغ النصف أو تجاوز (۱۰۹)، و أما إذا لم يبلغ النصف، فله أن يعدل عن تلك السورة و لو كانت هي التوحيد إلى سورة الجمعة فيقطعها و يستأنف سورة الجمعة (۱۱۰). الخامس: العدول من الفريضة إلى النافلة لإدراك الجماعة (۱۱۱)، إذا دخل فيها و أقيمت الجماعة و خاف السبق، بشرط عدم تجاوز محلّ العدول بأن دخل في ركوع الركعة الثالثة (۱۱۲). السادس: العدول من الجماعة إلى الانفراد، لعذر أو مطلقا كما هو الأقوى (۱۱۳). السابع: العدول من إمام إلى إمام إذا عرض للأول عارض (۱۱٤). الثامن: العدول من القصر إلى التمام إذا قصد في الأثناء إقامة عشرة أيام. التاسع: العدول من التمام إلى القصر إذا بدا له في الإقامة بعد ما قصدها. العاشر: العدول من القصر إلى التمام أو بالعكس في مواطن التخيير.
لا بد من بيان أمور:
الأول: المعروف بين الفقهاء (قدّست أسرارهم) أنّ العدول خلاف القاعدة و لا بد في جوازه من دليل خاص يدل عليه، و يدل على كونه خلاف القاعدة وجوه:
الأول: أنّ الأجزاء التي تخصصت بصلاة خاصة، و تقوّمت بنية مخصوصة لا تتغير عما تخصصت به، لقاعدة أنّ الشيء لا ينقلب عما وقع عليه في الخارج المستندة إلى أدلة عقلية.
الثاني: دعوى الإجماع على عدم الجواز.
الثالث: أنّه خلاف مرتكزات المصلّين، و سيرة المسلمين.
الرابع: أنّ وقت النية إنّما هو ابتداء الشروع في العمل و لا يتحقق ذلك بالنسبة إلى المعدول إليه فيبطل كلّ منهما. أما المعدول لقطع استمرار النية، و أما المعدول إليه، فلعدم كون النية في ابتدائه.
و الكلّ مخدوش.
أما الأول، فلأنّه لو فرض اعتبار تلك القاعدة فإنّما هي في التكوينيات الخارجية لا في الأمور المشتركة ذاتا المتميزة بالقصد، فإذا نحت النجار خشبة ليجعلها جزء منبر- مثلا- و هي تصلح أن تكون جزء السرير أيضا، فجعلها جزء السرير لا يصح أن يقال فيها لا يتغير الشيء عما تحققت به أولا، و كذا إذا أنشد شخص أشعارا في مدح زيد ثمَّ بدا له أن يجعلها مدحا لعمرو لا تصدق القاعدة بالنسبة إليها إلى غير ذلك من الأمثلة، فيكون المناط- في هذه الأمور المتقوّمة بالقصد- على تحقق الأثر خارجا و نتيجة القصد لا على مجرد القصد المعدول عنه.
أما الثاني: فيكشف عن عدم اعتباره استدلال الفقهاء (قدست أسرارهم) على البطلان بأدلة خاصة، فلو كان معتبرا لديهم لاكتفوا به مع أنّه من الإجماع المنقول و قد ثبت عدم اعتباره في محلّه.
أما الثالث: فهو أعمّ من عدم الجواز و قد استقرت سيرتهم على الالتزام بجملة من المندوبات و بترك جملة من المكروهات.
أما الرابع: فلا ريب في كون النية في أول الصلاة و ابتدائها و إذا تحقق العدول تكون النية في ابتداء المعدول إليه، لفرض تحقق قصد أصل الصلاة في الأجزاء المشتركة ذاتا بين المعدول عنه و المعدول إليه و إنّما تحقق قصد خصوصية صلاة المعدول عنه أولا، و هذا القصد اقتضائي إلى أن تتم الصلاة بهذا القصد، فيؤثر حينئذ أثره، و أما مع إلقائه و تجديد قصد المعدول إليه فيطل القصد الأول لا محالة.
إن قلت: لا يجوز له اختيار الصلاة المعدول إليها، لعدم جوازه حين الشروع في المعدول عنه ظاهرا، فيستصحب الحكم الظاهري.
قلت: لا ريب في أنّه كان يجوز له اختيارها قبل الشروع في المعدول عنه واقعا و مقتضى الأصل بقاء هذا الاختيار.
إن قلت: تأثير القصد اللاحق في الأجزاء السابقة بجعلها جزءا للمعدول إليه يكون من تقدم المقصود على القصد و المراد على الإرادة و هو لا يجوز، لأنّه من تقدم المعلول على العلة.
قلت: إن تعلق القصد بإيجادها، فهو من تقدم المعلول على العلة. و أما إن تعلق القصد بجعل ما وجد جزءا مما يأتي بعد ذلك، فلا بأس به فيما له وحدة عرفية اعتبارية. هذا، و لكن ظاهر إرسال الفقهاء- عدم الجواز- إرسال المسلّمات تحقق الإجماع لديهم، فلا يجوز إلا ما خرج بالدليل و قد تقدم بعض الكلام فيما يناسب المقام.
الثاني: العدول تارة: من الفرض إلى مثله كما في القسم الأول و ما بعده مما يأتي من الأقسام. و أخرى: من الفرض إلى النفل كما في القسم الرابع و ما بعده. و ثالثة: من النفل إلى مثله. و رابعة: من النفل إلى الفرض و يأتي حكمهما.
الثالث: في موارد جواز العدول لا يجب قصد ما وجب قصده في ابتداء النية، لصيرورة المعدول إليه كالمعدول عنه و بدلا عنه بمجرد العدول فكأنّ القيود المنوية في المبدل نويت في البدل أيضا.
الرابع: ليس نية العدول في موارد عدم الجواز مثل الحدث حتّى توجب بطلان الصلاة، للأصل، بل تكون كنية القطع فلا بد من انطباق سائر المبطلات عليها.
الخامس: لو شك في أنّه حصل منه العدول أو لا، فمقتضى الأصل عدمه.
أرسلوا ذلك إرسال المسلّمات الفقهية، و استدلوا بما مر، و تقدم إمكان الخدشة فيه.
نصّا، و إجماعا، و تقدم صحيح زرارة في [مسألة ۳] من (فصل أوقات اليومية و نوافلها) ٥۰.
لأنّه لا يبقى موضوع للعدول مع التجاوز، مع أنّ ظاهرهم الإجماع على عدم الصحة حينئذ.
لأنّ محلّه قبل الدخول في الركن و إلا يكون من زيادة الركن في المعدول إليه.
لما تقدم- في [المسألة ۲]- من (فصل أوقات اليومية و نوافلها) أنّ الترتيب شرط ذكري لا أن يكون واقعيا، فتصح اللاحقة لا محالة.
خروجا عن خلاف المشهور حيث نسب إليهم أنّ الترتيب شرط واقعيّ لا أن يكون ذكريا.
للأصل، و وجود المقتضي و فقد المانع، لأنّ ما يتصوّر من المانع ليس إلا القيام بعنوان كونه جزء المعدول عنه و بعد العدول يسقط هذا العنوان قهرا.
الظاهر الانهدام بعد العدول و لا يحتاج إلى الهدم الاختياري.
لظهور تسالم الأصحاب و إجماعهم عليه، لكن النصوص تختص بالعدول من الحاضرة إلى مثلها أو إلى الفائتة و قد تقدم في [مسألة ۱۰] من (فصل أحكام الأوقات).
مرّ ما يتعلق به في المسألة السابقة.
للنص، و الإجماع قال أبو جعفر عليه السلام في صحيح زرارة:
«و إن كنت قد صلّيت من المغرب ركعتين ثمَّ ذكرت العصر، فانوها ثمَّ قم فأتمها ركعتين ثمَّ تسلّم. ثمَّ تصلّي المغرب- إلى أن قال عليه السلام:- فإن كنت قد نسيت العشاء الآخرة حتّى صلّيت الفجر فصلّ العشاء الآخرة، و إن كنت ذكرتها و أنت في الركعة الأولى أو في الثانية من الغداة، فانوها العشاء»٥۱.
و تقدم في [مسألة ۱۰] من (فصل أحكام الأوقات) و يأتي في فصل القضاء.
المسألة مبنية على المواسعة و المضايقة و عدم الترتيب بين الفائتة و الحاضرة، فإن قلنا بوجوب الترتيب بينهما بتقديم الفائتة على الحاضرة يجب ذلك، و إن قلنا بالاستحباب يستحب، و يأتي التفصيل في [مسألة ۲۷] و ما بعدها من (فصل القضاء).
لتحصيل الترتيب الذي هو واجب كما مر.
للإجماع، و النص ففي خبر ابن صبيح: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام رجل أراد أن يصلّي الجمعة، فقرأ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ قال عليه السلام: يتم ركعتين ثمَّ يستأنف»٥۲.
لعدم القول بالفصل، و للأولوية.
لإطلاق النص الشامل لصورة التجاوز عن النصف أيضا، و يأتي تمام الكلام في [مسألة ۱٦] من (فصل القراءة).
لما يأتي في [مسألة ۱٦] من (فصل القراءة).
للنص، و الإجماع ففي صحيح ابن خالد: «عن رجل دخل المسجد فافتتح الصلاة فبينما هو قائم يصلّي إذ أذّن المؤذن و أقام الصلاة قال عليه السلام: فليصلّ ركعتين ثمَّ ليستأنف الصلاة مع الإمام و لتكن الركعتان تطوعا»٥۳.
لما يأتي من التفصيل في [مسألة ۲۷] من (فصل أحكام الجماعة).
ليس هذا من العدول المبحوث عنه في المقام، لأنّ موضوع العدول إنّما هو من صلاة إلى أخرى لا من خصوصية صلاة إلى خصوصية أخرى منها، و يأتي في [مسألة ۱٦] من (فصل أحكام الجماعة) ما ينفع المقام.
ليس هذا من العدول الاصطلاحي أيضا، و يأتي في [مسألة ۱٤] من (فصل أحكام الجماعة) ما يتعلق بالمقام، و كذا الأخيرة ليست من العدول المبحوث عنه في المقام، لأنّ القصر و الإتمام حقيقة واحدة و إنّما الاختلاف في الكمية و يأتي في صلاة المسافر تمام الكلام.
(مسألة ۲۱): لا يجوز العدول من الفائتة إلى الحاضرة (۱۱٥)، فلو دخل في فائتة ثمَّ ذكر في أثنائها حاضرة ضاق وقتها أبطلها و استأنف و لا يجوز العدول على الأقوى.
الصور المتصوّرة أربعة:
الأولى: العدول من الحاضرة إلى الحاضرة.
الثانية: العدول من الفائتة إلى الفائتة.
الثالثة: العدول من الحاضرة إلى الفائتة. و هذه الصور الثلاث جائزة كما تقدم.
الرابعة: العدول من الفائتة إلى الحاضرة و هو لا يجوز، للأصل، و ظهور الإجماع. كما أنّ للعدول من حيث الفرضية و النفلية أربع صور أيضا من الفرض إلى الفرض، و من الفرض إلى النفل، و من النفل إلى الفرض، و من النفل إلى النفل و يجوز الأولان و لا يصح الثالث و سيأتي صحة الأخيرة.
(مسألة ۲۲): لا يجوز العدول من النفل إلى الفرض و لا من النفل إلى النفل حتّى فيما كان منه كالفرائض في التوقيت و السبق و اللحوق (۱۱٦).
لما تقدم في الأمر الأول من [مسألة ۲۰] و تقدم الإشكال فيه، و في المدارك- في المقام-: «إنّه صرح الأصحاب بجوازه إذا شرع في لاحقه ثمَّ ذكر السابقة- إلى أن قال- و للتوقف في غير المنصوص مجال»، و لكن يمكن أن يقال إنّ العدول من النفل إلى النفل جائز، لأنّ خصوصية التعدد فيها من الحالات لا من المقوّمات إذ الذات واحدة من كلّ جهة و الإضافة متعددة، فيمكن أن لا يكون ذلك أيضا من العدول الاصطلاحي، و مع الشك في أنّه منه أو لا يرجع إلى أصالة عدم المانعية.
(مسألة ۲۳): إذا عدل في موضع لا يجوز العدول بطلتا (۱۱۷) كما لو نوى بالظهر العصر و أتمها على نية العصر.
أما المعدول عنه، فلفقد استمرار النية، و أما المعدول إليه، فلعدم مقارنتها لابتدائه. هذا ما قالوه في وجه البطلان و تقدمت الخدشة فيه و العمدة الإجماع كما تقدم.
(مسألة ۲٤): لو دخل في الظهر بتخيل عدم إتيانها فبان في الأثناء أنّه قد فعلها لم يصح له العدول إلى العصر (۱۱۸).
لأنّه من العدول من السابقة إلى اللاحقة و هو لا يجوز، و العمدة ظهور الإجماع و قد يستدل بما مرّ في وجه عدم جواز العدول مطلقا و تقدمت الخدشة فيه.
(مسألة ۲٥): لو عدل بزعم تحقق موضع العدول فبان الخلاف بعد الفراغ أو في الأثناء لا يبعد صحتها على النية الأولى كما إذا عدل بالعصر إلى الظهر ثمَّ بان أنّه صلّاها فإنّها تصح عصرا (۱۱۹) لكن الأحوط الإعادة (۱۲۰).
إن كان من الخطإ في التطبيق، و أما إن كان من العدول فلا وجه لصحته عصرا بعد قطع نيته العصرية بالعدول إلى الظهر، إلا أن يقال: إنّ المتيقن من الإجماع الذي هو العمدة في دليل عدم الجواز غير هذه الصورة أو يتمسك بإطلاق قوله عليه السلام: «الصلاة على ما افتتحت» كما في الجواهر.
لأنّ انقطاع نية العصرية و زوال استمرارها معلوم، و الشك إنّما هو في ثبوت ما يصح التمسك به للصحة.
(مسألة ۲٦): لا بأس بترامي العدول، كما لو عدل في الفوائت إلى سابقة فذكر سابقة عليها فإنّه يعدل منها إليها و هكذا (۱۲۱).
لإطلاق دليل جواز العدول، و أنّ العدول الواحد المنساق من الأخبار إنّما هو من باب المثال و الغالب فلا اعتبار به، مضافا إلى أصالة عدم المانعية في مورد جواز العدول.
(مسألة ۲۷): لا يجوز العدول بعد الفراغ إلا في الظهرين إذا أتى بنية العصر بتخيل أنّه صلّى الظهر فبان أنّه لم يصلّها، حيث إنّ مقتضى رواية صحيحة أنّه يجعلها ظهرا، و قد مرّ سابقا (۱۲۲).
و قد تقدم أنّ صحة سند الدليل لا تفيد بعد إعراض الأصحاب عنها و عدم العمل بها.
(مسألة ۲۸): يكفي في العدول مجرد النية (۱۲۳) من غير حاجة إلى ما ذكر في ابتداء النية.
للأصل و الإطلاق، و قصد العدول مشتمل على ما يعتبر في النية شرعا مطلقا، لقيام نية المعدول إليه مقام نية المعدول عنه في جميع خصوصياتها المعتبرة فيها من كلّ جهة، فكأنّ نية المعدول إليه بتمام خصوصياتها وقعت من أول الشروع في الصلاة.
(مسألة ۲۹): إذا شرع في السفر و كان في السفينة أو العربة مثلا فشرع في الصلاة بنية التمام قبل الوصول إلى حد الترخص فوصل في الأثناء إلى حدّ الترخص، فإن لم يدخل في ركوع الثالثة فالظاهر أنّه يعدل إلى القصر (۱۲٤)، و إن دخل في ركوع الثالثة فالأحوط الإتمام و الإعادة قصرا (۱۲٥). و إن كان في السفر و دخل في الصلاة بنية القصر فوصل إلى حدّ الترخص يعدل إلى التمام (۱۲٦).
لأنّ صلاة القصر و التمام حقيقة واحدة و إنّما الاختلاف في الكمية فقط، و لا ريب في أنّ فعلية التكليف بكلّ منهما تدور مدار إمكان تفريغ الذمة بالمكلّف به تماما أو قصرا، فإذا لم يمكن إتمام التمام بحسب التكليف الفعليّ فلا وجه للأمر به، كما أنّه إذا لم يمكن الإتيان بالقصر كذلك لا معنى للتكليف به، و في الفرض إذا لم يمكنه التمام لصيرورته مسافرا قبل الدخول في الركعة الثالثة يكشف ذلك عن أنّ تكليفه الواقعي كان قصرا.
إن قيل: يحتمل أن يكون صرف وجود الحضور شرطا لوجوب التمام، و على هذا يكون تكليفه الواقعي هو التمام لا القصر.
(يقال): هذا من مجرد الاحتمال العقلي المنافي للمنساق من الأدلة. ثمَّ إنّ التعبير بالعدول إلى القصر مسامحة، و الحق أن يقال: يتمها قصرا، لما تقدم من عدم الاختلاف في حقيقة القصر و التمام.
لاحتمال أنّ يكون المراد بالتمام في مثل المقام الخروج عن حدّ القصر بحيث لا يمكنه العود إليه بإبطال الصلاة و إن لم يخرج منها بعد، أو يكون
المراد به التمام في مقابل القصر بحيث فرغ عن الصلاة و مع تردده بينهما يجب عليه الاحتياط.
لما تقدم في أول المسألة فراجع.
(مسألة ۳۰): إذا دخل في الصلاة بقصد ما في الذمة فعلا و تخيل أنّها الظهر مثلا ثمَّ تبيّن أنّ ما في ذمته هي العصر أو بالعكس فالظاهر الصحة، لأنّ الاشتباه إنّما هو في التطبيق (۱۲۷).
هذا إذا لم يكن تخيله أنّها الظهر موجبا لصرف نيته إليها فعلا و إلا يكون من العدول من السابقة إلى اللاحقة.
(مسألة ۳۱): إذا تخيّل أنّه أتى بركعتين من نافلة الليل مثلا فقصد الركعتين الثانيتين أو نحو ذلك فبان أنّه لم يصلّ الأولتين صحت و حسبت له الأولتان، و كذا في نوافل الظهرين و كذا إذا تبيّن بطلان الأولتين، و ليس هذا من باب العدول بل من جهة أنّه لا يعتبر قصد كونهما أولتين أو ثانيتين (۱۲۸)، فتحسب على ما هو الواقع نظير ركعات الصلاة، حيث إنّه لو تخيل أنّ ما بيده من الركعة ثانية مثلا فبان أنّها الأولى، أو العكس، أو نحو ذلك لا يضرّ و يحسب على ما هو الواقع.
الظاهر أنّ الأولية و الثانوية من الانطباقيات القهرية و ليست منوطة بالقصد و الاختيار فلو صلّى صلاة الظهر أو صلاة الليل غافلا عن ركعاتها بالمرة و لكنّه أتى بأربع ركعات الظهر، و أتى بأحد عشر ركعة صلاة الليل، تصح صلاته و لا شيء عليه، بل لو قصد بالركعة الأولى الثانية، و بالثانية الثالثة و لكنه أتى بوظيفة الركعات و أتمها تصح صلاته، فما لا يكون قصديا بذاته لا يضره قصد الخلاف، و إنّما المدار على إتيان نفس الواقع.
- الوسائل باب: ۹ من أبواب مقدمة العبادات حديث: ۱.
- الوسائل باب: ۱۰ من أبواب الوقوف و الصدقات حديث: 4.
- سورة السجدة: ۱٦.
- الوسائل باب: ۱۷ من أبواب أعداد الفرائض حديث: ٦.
- الوسائل باب: ۲ من أبواب الخلل.
- الوسائل باب: ۱ من أبواب الخلل حديث: ۱۸.
- الوسائل باب: ۱٥ من أبواب الخلل حديث: ۷.
- الوسائل باب: ۲۹ من أبواب الخلل حديث: ۱.
- الوسائل باب: ۲۹ من أبواب الخلل حديث: ۱.
- الوسائل باب: ۹ من أبواب الخلل حديث: ۳.
- الوسائل باب: ۱۲ من أبواب مقدمة العبادات حديث: ۱ و ۳.
- الوسائل باب: ۱۱ من أبواب مقدمة العبادات حديث: ۱۱.
- الوسائل باب: ۱۲ من أبواب مقدمة العبادات حديث: 4.
- الوسائل باب: ۲4 من أبواب مقدمة العبادات حديث: ۱.
- الوسائل باب: ۲4 من أبواب مقدمة العبادات حديث: ۲.
- الوسائل باب: ۱٦ من أبواب مقدمة العبادات حديث: ۳.
- تقدم في صفحة: ۱۳۳.
- الوسائل باب: ۱۱ من أبواب مقدمة العبادات حديث: ۱۱.
- الوسائل باب: ۱٥ من أبواب مقدمة العبادات حديث: ۱.
- الوسائل باب: ۱4 من أبواب مقدمة العبادات حديث: ۲.
- سورة الزلزلة: ۷.
- الوسائل باب: ۳۰ من أبواب مقدمة العبادات حديث: ۱.
- سورة المائدة: ٥.
- الوسائل باب: ۲۳ من أبواب جهاد النفس حديث: ۳.
- سورة البقرة: ۲۱۷.
- سورة الزمر: ٦٥.
- الوسائل باب: ۸٥ من أبواب جهاد النفس.
- راجع الوسائل باب: ۲۳ من أبواب مقدمة العبادات حديث: ٥.
- راجع الوسائل باب: ۲۳ من أبواب مقدمة العبادات حديث: ٥ و غيره.
- راجع الوسائل باب: ۲۳ من أبواب مقدمة العبادات حديث: ٥ و غيره.
- الوسائل باب: ۲4 من أبواب مقدمة العبادات حديث: ۳.
- سورة البينة: ٥.
- راجع الوسائل باب: ٥ و باب: ۸ من أبواب مقدمة العبادات.
- الوسائل باب: ٥ من أبواب مقدمة العبادة حديث: ۱۰.
- الوسائل باب: ۱٥ من أبواب الوضوء حديث: ۲ و 4.
- الوسائل باب: ٥۰ من أبواب صلاة الجماعة حديث: ۱ و ۲.
- الوسائل باب: ٥4 من أبواب الزكاة.
- راجع الوسائل باب: ۹ من أبواب قواطع الصلاة.
- سورة يوسف: ۱۰٦.
- الوسائل باب: ۱٦٦ من أبواب أحكام العشرة حديث: ۱.
- الوسائل باب: ۱۳ من أبواب قواطع الصلاة حديث: ۲.
- الوسائل باب: ۹ من أبواب قواطع الصلاة حديث: ۲.
- الوسائل باب: ٥ من أبواب مقدمة العبادات حديث: ۲.
- الوسائل باب: ۱ من أبواب الوضوء حديث: ٦.
- الوسائل باب: ۲ من أبواب النية حديث: ۳.
- الوسائل باب: ۲ من أبواب النية حديث: ۲.
- الوسائل باب: ۲ من أبواب النية حديث: ۱.
- الوسائل باب: ۲۳ من أبواب الخلل في الصلاة حديث: ۳.
- راجع الوسائل باب: ۲۳ من أبواب الخلل في الصلاة حديث: ۹.
- الوسائل باب: ٦۳ من أبواب المواقيت حديث: ۱ راجع ج: ٥ صفحة ۷۸.
- الوسائل باب: ٦۳ من أبواب المواقيت حديث: ۱ راجع ج: ٥ صفحة ۷۸.
- الوسائل باب: ۷۲ من أبواب القراءة في الصلاة حديث: ۲.
- الوسائل باب: ٥٦ من أبواب صلاة الجماعة حديث: ۱.